القمَّةُ الموعودةُ في السَّعودية بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين، مرهونة بمخرجات المفاوضات القائمة بين الحكومتين في السعودية. هل ستكونُ القمةُ يالطا جديدةً، تشكّل نظاماً عالمياً جديداً، أم أنَّها مماثلةٌ لمفاوضات القمة في أزمةِ الصواريخ الكوبية، وتنهي الحربُ الأوروبية الروسيةُ الأمريكية ومخاطرها النووية، أيضاً.
وكانَ اختيار السعودية ملتقًى للقمة قد أثار الاهتمام وربَّما الانزعاجَ للبعض، لماذا؟ البحث هو عن أرضٍ مقبولة للروس والأمريكيين معاً. السّر هو في العلاقة الجيدة بين الزعيمين بولي العهد السعودي ممَّا سهَّل ومكَّن بدء العملية سريعاً بعقد أول لقاءاتٍ على مستوى قيادات من الحكومتين أوَّلَ أمس في الرياض. الأمير محمد بن سلمان بنَى علاقةً قويةً ومحلَّ ثقةٍ مع الرئيس دونالد ترامب فور توليه الرئاسة 2017، وكذلك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتطوّرت العلاقةِ بشكل غير مسبوق، واستمرت علاقته مع الزعيمين رغم الخلافات بينهما.
لنتذكر أَنَّ روسيا والولايات المتحدة في حالة حرب شبه مباشرة في أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، الأولى بين الغرب وموسكو منذ الحرب العالمية الثانية.
اللقاء المنتظر، الذي يتمُّ طبخُه على نار حامية، محلُّ ترقبٍ القوى الكبرى الأخرى، أوروبا من جانب والصين من جانب آخر. حيث تهدف القمَّةُ إلى حلّ المعضلة الرئيسية، وهي ترتيب العلاقات بين موسكو وواشنطن وليست قمة خاصة بأوكرانيا كما تحدَّث الطرفان، أي أنَّها تشمل التعاملَ مع قضايا متعددة، أوكرانيا واحدة، والتنافس الدولي، والمحاور الجديدة السياسية والاقتصادية المتضادة.
كانت آخر قمة حدَّدت ملامحَ النظام العالمي في يالطا عام 1945 في آواخر الحرب العالمية الثانية. كانت نتائجُها المباشرة إنهاء الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا بين القوى المنتصرة، وبروز موسكو كقطبٍ موازٍ.
أمَّا قمَّة أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 عملياً، أنهت المواجهة، حيث سحبت موسكو صواربخَها النووية من كوبا، وواشنطن تعهَّدت بعدم غزو جارتِها كوبا وسحبت لاحقاً صواريخَها من تركيا.
تسبق قمة السعودية، الروسية الأمريكية، آمالاً ومخاوفَ عالمية. أولاً لأنَّنا نشهد حراكاً سياسياً كبيراً منذ وصول ترامب للبيت الأبيض الذي قرَّر اتَّباعَ نهجٍ مختلفٍ في إدارته لسياسة الولايات المتحدة. وثانباً لأنَّ روسيا تقدَّمت في حربها في أوكرانيا، وقامت بنظم تحالفاتٍ جديدة أدخلت كوريا الشمالية وإيرانَ، وكذلك وثَّقت علاقتِها مع بكين. وهناك مخاوفُ الأوروبيين الذين يواجهون تبدلات قد تكوّن تاريخاً جديداً في العلاقة مع واشنطن وفي النظام العالمي الجديد. لهذا سعى الرئيس الفرنسي للاتصال بمضيف القمةِ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفقَ تصريح فرنسي، وأعلنت عددٌ من العواصم الأوروبية رأيَها وموقفَها حيالَ احتمالات ما قد تناقشه القمةُ السعودية.
الصين، التي لم نرصدْ لها بعد إعلاناً سياسياً، ستكون معنيةً بالتطور الجديد حيالَ حلّ الخلافات بين واشنطن وموسكو، وانعكاساتها عليها. لقد مدَّ ترامب أيضاً يده للرئيس شي جينبينغ داعياً لفتح صفحة جديدة والتفاوض على اتفاق سياسي اقتصادي جديد، ولكنَّه في الوقت نفسه سارع للإعلان عن مشروع قيودٍ ورسوم إضافية على الصَّادرات الصينية لبلاده.
ما الذي سيعنيه عقدُ القمةِ بين ترامب وبوتين في السعودية، عدا عن أهميتها للعلاقات بين القوتين العالميتين وتخفيف التوتر، فإنَّ الشرقَ الأوسط واحدٌ من الساحات التي تعاني من النزاع الدولي والتدخلات في العديد من أزمات المنطقة. قمة المصالحةِ بين موسكو وواشنطن ستمهّد الطريق، إنْ نجحت، إلى تقليل النزاعاتِ الكبرى وربَّما تقود لاحقاً إلى إنهاءِ الحرب الأوروبية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب بوتين
إقرأ أيضاً:
الصحافة الأمريكية تطرح تساؤلات حول استهداف السعودية والإمارات جراء استمرار الحرب الأمريكية على اليمن
يمانيون../
أكملت الحرب الأمريكية على اليمن شهرها الأول دون تحقيق أي تقدم واضح في أهدافها، مما يثير تساؤلات حول اتساع نطاق الصراع وازدياد تداعياته، بما في ذلك إمكانية تورط السعودية والإمارات في موجة جديدة من التصعيد العسكري. صحيفة “ذا كريدل” الأمريكية تناولت هذا الموضوع بشكل موسع، محذرة من أن هناك موانع قد تحول دون أن يُسحب هؤلاء اللاعبون الإقليميون إلى دائرة الاستهداف المباشر من قبل اليمن، على الرغم من أن الوضع لا يزال غير مستقر.
الصحيفة أوضحت أن الحرب الأمريكية على اليمن مرتبطة بشكل وثيق بالحرب في قطاع غزة، رغم محاولات إدارة بايدن الفصل بينهما. ففي عام 2024، حاولت واشنطن التفرقة بين الملفين، لكن الواقع أكد أن الحروب لا تنفصل عن بعضها البعض. بعد الاتفاق المؤقت لوقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحركة حماس في يناير 2025، توقفت العمليات العسكرية اليمنية، ولكن نكث حكومة نتنياهو بالاتفاق أعاد الأمور إلى المربع الأول.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة كانت وراء تعطيل التفاهمات الإنسانية والاقتصادية بين الرياض وصنعاء، خاصة بعد رفض الحكومة اليمنية تعليق دعمها العسكري لغزة. هذا الموقف، كما تقول الصحيفة، أوقع اليمن بين خيارين: إما الاستمرار في دعم غزة، وهو ما يعني تحمل المزيد من المعاناة الاقتصادية، أو الدخول في حرب شاملة مع السعودية والإمارات إلى جانب المواجهة ضد “إسرائيل”.
وكانت الرياض وأبوظبي قد استغلتا الموقف اليمني لتجنب الالتزامات التي تعهدتا بها في اتفاقية التهدئة عام 2022، خاصة بعد انخراط اليمن في معركة دعم غزة. هذا الموقف وضع السعودية والإمارات في حرج شديد، خصوصًا في ظل تطبيع أبوظبي مع “إسرائيل” واقتراب الرياض من ذلك، في وقت كان فيه اليمن يعبر عن تضامنه مع القضية الفلسطينية، رغم الحرب والحصار المدمِّرين.
وفي السياق نفسه، أشارت الصحيفة إلى محاولة السعودية في يوليو 2024 الضغط على الحكومة اليمنية لنقل البنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن. هذه الخطوة لقيت رد فعل قويًا من الحوثيين، الذين اعتبروا أنها خطوة لخدمة “إسرائيل” وطاعة للأوامر الأمريكية. تصاعد التهديدات إلى مستوى غير مسبوق، حيث أعلن الحوثي أن الشعب اليمني لن يسمح للسعودية بتدمير اليمن بشكل كامل.
اليمنيون، في رد فعلهم العنيف، خرجوا بمسيرات حاشدة ضد التصعيد السعودي، وأعطوا تفويضًا للحوثي باتخاذ خطوات رادعة ضد الرياض. الصحيفة أوضحت أن المزاج الشعبي اليمني يزداد شراسة تجاه السعودية والإمارات، وأن جزءًا كبيرًا من اليمنيين يعتبر هذه الدول السبب الرئيس في تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها اليمن، والتي تم تصنيفها قبل حرب غزة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
المقال يطرح أسئلة هامة حول استمرار التصعيد في الحرب وتوسعها، وما إذا كانت السعودية والإمارات ستتجنب المزيد من الاستهداف اليمني في المستقبل، خاصة في ظل غياب الحلول السياسية والوضع المتأزم على الأرض.