نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالا لزميل أول في مشروع العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي في مركز سياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنغز، شادي حميد، قال فيه إنّ: "التعليقات على مقالاته الأخيرة كانت مليئة بجملة مألوفة".

وأوضح حميد، في المقال الذي ترجمته "عربي21" أن الجمل أتت من قبيل: "كيف تجرؤ على انتقاد الديمقراطيين عندما يشكل الرئيس دونالد ترامب تهديدا وجوديا للديمقراطية؟"، في إشارة منه الغضب الملموس، وخاصة على المنصات التي وصفها بـ"ذات الميول اليسارية مثل Bluesky، إذ أثارت بعض الأفكار المجاورة لترامب اتهامات بإضفاء الشرعية على الفاشية".



وتابع المقال: "لكن هذا التفاعل يكشف عن سوء فهم أساسي لرئاسة ترامب ودور التعليق السياسي في هذا العصر المستقطب بشدة"، مبرزا أنّ: "الحقيقة التي تخالف البديهة هي أنه: أكثر انتقادا للديمقراطيين على وجه التحديد لأنه يتوقع منهم المزيد".

وأبرز: "عندما يتجاهل ترامب حقوق الإنسان في الخارج أو يقوّض المعايير الديمقراطية في الداخل، فهو لا يتصرف بنفاق -بل هو بالضبط من ادعى أنه كان دائما الرجل الذي دعا لـ"حظر المسلمين" في عام 2015- وأشاد بالرجال الأقوياء طوال فترة ولايته الأولى، لم يغير فجأة خطوطه في عام 2025".

وذكر أنه: "في مؤتمره الصحفي في الرابع من شباط/ فبراير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعا ترامب إلى التطهير العرقي في غزة. بدا ذلك واضحا بما فيه الكفاية. ولكن بدا من غير الضروري إدانته فقط". بدلا من ذلك، أجرى الكاتب مقابلة مع أبَي شهبندر، وهو مدافع عربي أمريكي عن ترامب رأى تعليقات الرئيس بشأن غزة في ضوء أكثر إيجابية. 

"وجد الكاتب هذا محيرا، لكن هذا بدا سببا إضافيا لسؤاله عن سبب تفكيره كما يعتقد. وبعد ذلك يمكنه ترك الأمر للقراء للتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة" بحسب التقرير نفسه، مردفا: "قال إن هذا يقودنا إلى سؤال أكبر. بقدر ما قد تجعلنا الإدانة الأخلاقية نشعر بالرضا، فماذا تُحقق؟ الواقع أن عددا كافيا من الصحفيين والمعلقين يوثقون بالفعل انتهاكات ترامب للسلطة ويحاسبونه عليها".

وبيّن الكاتب أنه: "كما توضّح تعليقات ترامب على غزة فضلا عن موجة الأوامر التنفيذية العدوانية والمشتبه بها قانونا، فإن ترامب يشكل تهديدا، بما في ذلك لبعض القيم التي يعتز بها أكثر من غيرها. والسؤال ليس من هو الأسوأ ـ هذه الإجابة واضحةـ بل من هو الأفضل؟. ومن الذي لا يزال من الممكن محاسبته على مبادئه المعلنة؟ والإجابة هنا واضحة أيضا: الديمقراطيون. فهم يزعمون أنهم حزب القيم: المنافسة العادلة والحرية والتسامح والتعددية".


وأكمل قائلا: "الديمقراطيين يفشلون باستمرار في تحقيق المثل العليا التي يزعمون أنهم يدافعون عنها. ففي عهد إدارة بايدن، تحدث زعماء الحزب، بما في ذلك الرئيس جو بايدن نفسه، عن القصف "العشوائي" لغزة بينما رفضوا القيام بأي شيء لوقفه".

واسترسل: "بدلا من ذلك قال بايدن، على نحو مخيف: "إننا لن نفعل شيئا سوى حماية إسرائيل". ولكن الأمر لا يقتصر على غزة. لقد دأب الحزب الديمقراطي على الدعوة للتسامح والشمولية في حين عمل على تهميش الديمقراطيين المؤيدين للحياة، واحتقار الناخبين السود والسمر، وتجاهل المحافظين الدينيين".

"رفض صفوف الأميركيين المتزايدة الذين شعروا بأن الحزب أصبح متطرفا للغاية في قضايا مثل الهوية الجنسية. وفيما يتصل بالسياسة، اختار الحزب الذي كان في السابق حزب الطبقة العاملة إعطاء الأولوية لأشياء مثل تخفيف أعباء ديون الكليات، وهو ما يعود بالنفع على الأثرياء بشكل غير متناسب" وفقا للتقرير نفسه.

وتابع: "علّق قائلا إن هذا نفاق. ولكن النفاق له جانب إيجابي. فالمنافق، عندما يدعي أنه يدافع عن قيم معينة ولكنه يفشل في تحقيقها، يقدم خدمة ربما عن غير قصد. وعلى النقيض من الفاعل الساخر المحض، يعترف المنافق على الأقل بوجود معايير أخلاقية، وفي فشله في تلبية هذه المعايير يوضح الفجوة بين المثالية والواقع". 

وأردف: "يوسع المُنظّر السياسي، ديفيد رانسيمان هذه الرؤية في كتابه "النفاق السياسي"، فيزعم أن "المنافقين الذين يتظاهرون بأنهم أفضل مما هم عليه في الواقع يمكن أن يقال عنهم أيضا أنهم أفضل مما قد يكونون عليه، لأنهم على الأقل يتظاهرون بأنهم طيبون".

وأضاف: "ثم قال إن هذه الفجوة، بين ما هو عليه الحزب الديمقراطي وما قد يصبح عليه في المستقبل، تقدّم فرصة لملايين الديمقراطيين، مثل الكاتب، الذين أصبحوا غير راضين عن خيارات الحزب. وينبغي لهم أن يطالبوا بالمزيد ويتوقعوا الأفضل". مبرزا بالقول: "لا يكفي؛ وبالتأكيد لم يكن كافيا يوم الانتخابات، أن يكون الديمقراطيون مجرد حزب مناهض لترامب ويأملون تحقيق الأفضل".

وأكد أنّ: "هذا لا يعني التقليل من المخاطر التي يمثلها ترامب. لكن وصل مؤيدو الحزب الديمقراطي إلى نقطة حيث أصبح انتقاد ترامب الانعكاسي شكلا من أشكال الإشارة إلى الفضيلة، التي تعدّ وسيلة لإظهار الولاء لـ"الجانب الصحيح" من التاريخ دون الانخراط في السؤال الأصعب حول سبب زيادة شعبية ترامب بدلا من تناقصها، بما في ذلك بين الأميركيين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما".


وقال: "ببساطة، فإن الحجة القائلة بأن الكُتاب لا ينبغي لهم أن يوفروا منصة للأفكار السيئة أو غير الأخلاقية غير المقبولة تسيء فهم الواقع السياسي الحالي. فهذه الأفكار موجودة بالفعل في الجو. وهي تشكل قرارات السياسة كل يوم. إن خلق حاجز وقائي حول الأصوات المجاورة لترامب مثل شهبندر أو مايكل بريندان دوغيرتي، الذي أجرى معه الكاتب مقابلة أيضا، لا يجعل أفكارهم تختفي، بل يضمن فقط أننا لن نفهمها حقا أبدا".

وأكد بأن: "الفهم أمر بالغ الأهمية، قائلا: مع مرور أربع سنوات أخرى على حكم ترامب، يتعين علينا أن نتصارع مع حقيقة مفادها أن الملايين من مواطنينا الأميركيين يكرهون الوضع الراهن إلى الحد الذي يجعلهم الآن غير مبالين بتفكيكه".

"لا يتعلق الأمر هنا بإضفاء الشرعية على نهج الحزب الجمهوري القائم على حرق كل شيء في الحكم، بل بمحاولة فهم السبب وراء وصول الأمور إلى هذا الحد. لأن الأمر قد وصل بالفعل إلى هذا الحد. وفقط من خلال مواجهة هذه الحقائق يمكن للديمقراطيين إعادة بناء أنفسهم وإعادة تموضعهم في السنوات القادمة لاستعادة الناخبين الذين فقدوهم" تابع التقرير.

ومضى بالقول: "إنني أستعد لأربع سنوات (إن لم يكن أكثر) من حكم حزب محافظ لم يعد يبدو مهتما بالحفاظ على الأصوات. وبالنسبة للجمهوريين، الذين يخضعون الآن لسيطرة كاملة من رجل كانوا يكرهونه ذات يوم، فإن الفوضى -على ما يبدو- هي الهدف. ولأنني عايرت توقعاتي وفقا لذلك، فقد فقد ترامب القدرة على خذلاني أو حتى صدمتي حقا".


وأشار إلى أنّ: "الناس أصبحوا سريعين للغاية في وصف كل تصريح أو عمل يصدره ترامب بأنه غير مسبوق أو أنه ينهي الديمقراطية". فيما علّق قائلا إنّ: "هذا التضخم الخطابي لا يقلل من قدرتنا على الاستجابة للأزمات الحقيقية فحسب، بل ويؤدي أيضا إلى تنفير أولئك الذين قد يكونون منفتحين على الانتقادات المشروعة لسياسات ترامب".

وختم بالقول إنه: "في عصر حيث يبدو الوعظ للمهتدين أكثر أهمية من المناقشات المدروسة، ربما يكون جعل "طَرفه" غير مرتاح هو المطلوب بالضبط. ففي نهاية المطاف، إذا لم نكن نتحدى الأميركيين للتفكير بشكل مختلف بشأن هذه اللحظة السياسية الغريبة المزعجة، فما الهدف إذن؟".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية ترامب بايدن الحزب الديمقراطي النفاق السياسي الحزب الديمقراطي بايدن ترامب النفاق السياسي المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بما فی

إقرأ أيضاً:

ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟

 

 

تبذل إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب محاولات حثيثة من أجل تحقيق اختراق يقود إلى مفاوضات تنهي الحرب الروسية الأوكرانية على أمل أن يقود ذلك إلى مكاسب جيوستراتيجية كبيرة للولايات المتحدة التي تستعد لحشد مواردها لمواجهة النفوذ الصيني في آسيا، وسط عراقيل وتحديات تواجه هذه المبادرة التي لم تتخط حتى اليوم حدود الضغوط على كييف والتلويح بقبول موسكو هدنة جزئية مؤقتة مدتها 30 يوميا.

تحليل / أبو بكر عبدالله

حتى اليوم لم تتوفر أي صيغة جاهزة للصفقة المنتظر أن تقودها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في الحرب الروسية الأوكرانية، غير أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدثت عن مسار يقترح خطتين هما الخطة (أ) التي تسعى إلى مبادرة البيت الأبيض لمفاوضات مع كل من أوكرانيا وروسيا لوقف إطلاق النار وفق خطة تستوعب شروط ومخاوف ومطالب الطرفين، ثم الخطة (ب) التي ستمثل المرحلة الثانية بجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات مباشرة بمشاركة وسطاء دوليين سعيا إلى انهاء الحرب بشكل دائم على قاعدة احترام مصالح جميع الأطراف.
وعلى ضبابية هذه الخطة فقد جاءت تصريحات الرئيس ترامب لتزيل الغموض على فحوى المبادرة الأمريكية بعد أن أكد أن الحفاظ على وحدة أراضي أوكرانيا، وانضمامها لحلف شمال الأطلسي “الناتو” أمر مستحيل، ناهيك بإصداره أمرا تنفيذيا بتعليق المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية المقدّمة لكييف، وتأكيده بأنه لن يعيدها إلا بعد قبول أوكرانيا بمشروعه للهدنة.
يمكن القول إن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز حتى الآن المرحلة الأولى، حيث تمكنت تحت الضغط من انتزاع موافقة من الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي لهدنة مؤقتة مع روسيا مدتها 30 يوما تقضي بعدم استهداف منشآت الطاقة، فيما أفضت المباحثات الهاتفية التي جمعت الرئيسين بوتين وترامب إلى انتزاع موافقة روسية للهدنة المؤقتة من دون أن تحقق أي اختراق مهم في جدار الأزمة يقود إلى وقف عملي للنار وانهاء الحرب.
وتبدو الرؤية التي تتبناها إدارة ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تركز على الحل التفاوضي السريع مع روسيا، في ظل تقديم تنازلات إقليمية أو سياسية من الجانب الأوكراني.
وما هو واضح حتى الآن هو وجود تباين بين ما تريده موسكو وما تريده واشنطن فالأولى تريد مواقفه موسكو على وقف مؤقت لإطلاق النار، في حين تطالب موسكو بوقف دائم للحرب يقوم على إزالة أسبابها.
شروط متبادلة
الشروط المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث تتمسك روسيا بشروط صارمة لا تقبل التنازل وفي المقدمة تمسكها بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها اليها بموجب استفتاء شعبي، ومعها أراضي شبه جزيرة القرم التي سيطرت عليها عام 2014، ورفضها نشر أي قوات من دول “الناتو” في أوكرانيا وإلغاء ملف انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو”.
وتذهب الشروط الروسية إلى انسحاب الجيش الأوكراني إلى خارج حدود الأقاليم الأربعة التي تسيطر عليها، والاعتراف بالسيادة الروسية عليها، والتعهد بأن تصبح أوكرانيا خالية من الجيوش الأجنبية وعدم امتلاكها للسلاح النووي.
وطبقا لتصريحات سابقة للرئيس بوتين فإن موسكو قد توافق على اقتراح وقف إطلاق النار إن أدى إلى سلام مستدام وإزالة كل أسباب الصراع، وهي إشارة واضحة إلى تمسك موسكو بانتزاع اعتراف كييف بالسيادة الروسية على الأقاليم الأربعة المسيطر عليها من جانب روسيا وبقاء كييف في وضع محايد وعدم انضمامها إلى حلف “الناتو”.
وبالنسبة لكييف فهي تتمسك بعودة أراضيها، كما تعتبر انضمامها إلى حلف “الناتو” خيارا استراتيجيا غير قابل للتغيير خصوصا وهو منصوص عليه في الدستور الأوكراني، بوصفه الضمانة الأكثر فعالية لأمن أوكرانيا مستقبلا.
ورغم تراجع الاتحاد الأوروبي وقيادة حلف الناتو والولايات المتحدة عن مساعيها لضم أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، لا تزال أوكرانيا تتبنى رؤى مغايرة لتلك التي تتبناها واشنطن ودول أوروبية وذلك بدا واضحا من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخرا وزير الخارجية الأوكراني والتي بدت متناقضة تماما مع ما أعلنه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الذي سبق أن أعلن بأن مناقشة انضمام أوكرانيا إلى الحلف لم تعد قائمة.
يضاف إلى دوامة الشروط تلك التي أفصحت عنها الدول الأوروبية التي ساندت أوكرانيا بكل طاقاتها العسكرية والاقتصادية خلال السنوات الماضية، بعد الإعلانات المتضاربة التي تحدث عن قبول دول الاتحاد الرؤية الأمريكية بشروط نشر قوات للناتو في أوكرانيا، بالتزامن مع إعلانات أخرى تحدثت عن مواصلة دول أوروبا دعم أوكرانيا في حربها ماليا وعسكريا ومطالبة روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية كشرط لقبول وقف إطلاق النار وانهاء الحرب.
تحديات متوقعة
وفقا لخارطة الشروط التي يطرحها طرفا الصراع والأطراف الداعمة، فإن الكثير من التحديات تواجه إدارة ترامب في تحقيق اختراق بشأن هذا الملف، في ظل المطالب الروسية الصارمة والتي ترجح عدم موافقة موسكو على وقف إطلاق النار دون تنفيذها، وهي مسألة جوهرية بالنسبة لموسكو خصوصا وان الموافقة على انهاء الحرب دون الأخذ بالشروط الروسية قد يقود إلى تصاعد المعارضة الداخلية لنظام بوتين بصورة غير مسبوقة.
ولدى الروس مبرراتهم الوجيهة لذلك، والتي يتصدرها المكاسب التي حققتها موسكو خلال سنوات الحرب، في ضمها شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع التي أعلنت ضمها إلى أراضيها (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، زابوريزجيا) منذ 2022، وهي مكاسب عسكرية لا يبدو أن موسكو بصدد التنازل عنها بعد أن حولت المقاطعات الأوكرانية إلى جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي تحت مظلة الاتحاد الروسي.
وهناك معطى آخر بالغ الأهمية بالنسبة لموسكو، وهو ضمانات تحييد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وهذا الأمر ينظر اليه في روسيا على أنه هدف استراتيجي باعتباره يهدد الدولة الروسية كما يهدد المستقبل السياسي للرئيس بوتين، الذي طالما قدم هذه القضية بكونها صراعاً وجودياً لروسيا ضد “الناتو”.
ومن جانب آخر، فإن موسكو تبدو حريصة على ربط أي مفاوضات لإنهاء الحرب أو الهدنة برفع العقوبات الأمريكية والغربية، وهو شرط ترفضه واشنطن حتى الآن على الأقل كما ترفضه الدول الحليفة وتطالب لقائه انسحاب روسي كامل من الأراضي الأوكرانية.
وفقا لذلك فإن الراجح هو عدم موافقة موسكو على وقف لإطلاق نار دون شروط لأن ذلك سيعني عمليا، اعترافا بفشل أهداف عمليتها الخاصة التي كبدت روسيا خسائر هائلة، ناهيك عن ان قيامها بذلك سيشكل انتكاسة لمشروعها الاستراتيجي في ان تكون فاعلاً إقليمياً في عالم تريده أن يكون متعدد الأقطاب.
سيناريوهات بديلة
يمكن للرئيس ترامب ممارسة الضغوط على كييف من اجل القبول بأي صيغة من شأنها وقف النار وانهاء الحرب، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة في محاولاته الضغط على موسكو التي يطمح ترامب إلى بناء علاقات جديدة معها، ربما للتفرغ لملفات تبدو بالنسبة لترامب أكثر أهمية من أوكرانيا أو حلف الناتو.
والسبب في ذلك أن أوكرانيا تواجه معضلة معقدة، فهي وإن خضعت للضغوط الأمريكية وقبلت التنازل عن أراضيها لموسكو، فإنها ستواجه رفضا شعبيا داخليا مع وجود نسبة كبيرة من الأوكران الرافضين لفكرة التنازل عن الأراضي الأوكرانية لروسيا، ناهيك عن الموانع الدستورية، حيث يحرم دستور أوكرانيا التنازل عن أي أراض أوكرانية تحت أي ظروف.
وفقا لذلك فإن الخيارات أمام كييف تبدو ضيقة للغاية، إذ أن طول أمد الحرب مع روسيا من دون الدعم الأمريكي سيقود إلى استنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة كبيرة، بما يؤدي في النهاية إلى قبولها بأي حل مطروح من دون شروط.
وتدرك كييف أن عدم قبولها الرؤية الأمريكية الآن، سيفقدها ميزات يمكن أن تحصل عليها من واشنطن على شاكلة الحصول على ضمانات أمنية أمريكية وترتيبات دفاعية كما سيفقدها تعويضات وبرامج إعمار كان يمكن ان تقودها واشنطن في حال موافقة كييف على خطة ترامب.
وخلافا للوضع في أوكرانيا فإن الإدارة الأمريكية تبدو مستعدة لتقديم تنازلات لروسيا بدلا من ممارسة الضغوط عليها، والمرجح أن يعرض الرئيس ترامب على موسكو تخفيف العقوبات على قطاعات روسية حيوية (مثل الطاقة) واستئناف التعاون في مجالات مثل الغاز والنفط، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، حتى لو لم تستعيد كييف كل أراضيها.
وفي حال فشلت المبادرة الأمريكية الحالية، وذهبت العلاقات مع روسيا إلى المزيد من التوتر فإن أكثر ما يمكن أن تفعله إدارة ترامب هو مواصلة الدعم العسكري المقدم لكييف وهو أمر قد تواجهه روسيا التي خبرت الحرب مع الغرب الجماعي خلال السنوات الماضية، لكنه سيلقي بتبعات ثقيلة على دول القارة الأوروبية التي سيذهب ترامب بلا شك إلى تحميلها تكاليف استمرار الحرب في أوكرانيا باعتبارها المستفيد الرئيسي من حماية أمن أوكرانيا.
مكاسب أمريكية
غداة المباحثات الهاتفية التي جرت بين الرئيسين ترامب وبوتين مؤخرا كان ملاحظا في بيان الإدارة الأمريكية تشديدها على ما سمته “المزايا الهائلة” لإقامة علاقة ثنائية أفضل بين الولايات المتحدة وروسيا تُفضي إلى اتفاقات اقتصادية ضخمة محتملة.
هذا الأمر فتح باب التساؤلات حول المصالح التي تتوقع أمريكا جنيها من تبني إدارة ترامب مبادرة وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا، خصوصا وأن أي مبادرة من هذا النوع ستكون حتما جزءا من استراتيجية أوسع تضع المصالح الأمريكية في المقدمة وتجسد شعار ترامب “أمريكا أولا”.
ولم يعد خافيا ما تطمح اليه إدارة ترامب بإنهاء الصراع في أوكرانيا وبالمقام الأول تقليل الموارد المالية التي تتكبدها الخزينة الأمريكية لتمويل الجيش الأوكراني، ووقف استنزاف المخزونات العسكرية الأمريكية، وهي أمور ترى إدارة ترامب أنها ستساهم في توفير تمويلات مالية ضخمة يمكن استخدامها في خطط واشنطن الجديدة لتعزيز وجودها في المحيط الهادئ ومواجهة التوسع الصيني.
ومنذ وقت مبكر ترى الولايات المتحدة الصين التهديد الأكبر لحلفائها في آسيا مثل تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وهي لذلك تسعى إلى تقليص الموارد التي توجهها لحماية أوروبا، وتوجيهها نحو آسيا، بما يتيح لها مواجهة التهديدات الصينية، فضلا عن طموحاتها بإقامة تحالفات جديدة من اجل احتواء النفوذ الصيني في آسيا.
صار من الواضح أن لدى واشنطن اليوم أهدافا استراتيجية كبيرة تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها من خلال هذه المبادرة وفي المقدمة تفكيك التحالفات الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران، أو على الأقل تقليل تماسكها، وكذلك مواجهة التهديد الذي تشكله منظمة بريكس” للاقتصاد الأمريكي بعد الإفصاح عن عملة بديلة للدولار الأمريكي بين دول مجموعة “بريكس”.
ولا تخفي واشنطن مخاوفها من المخاطر الجسيمة التي يشكلها التحالف الروسي الصيني خصوصا وهو قام على مبدأ رئيسي وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية عبر التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.
والحال كذلك مع الشراكة الروسية الإيرانية التي تضمنت التعاون العسكري والدعم السياسي في الملفات الإقليمية وتبادل الموارد من الأسلحة الدفاعية والهجومية.
حيال ذلك تأمل إدارة ترامب أن يقود وقف الحرب في أوكرانيا إلى المساهمة في تنفيذ سياساته الرامية إلى تفكيك التحالفات الاستراتيجية مع الصين، وتحميل الأوروبيين مسؤولية حماية أمنهم بما يسمح للولايات المتحدة بتحويل مواردها نحو آسيا.
مكاسب جيوستراتيجية
تبدي إدارة ترامب اليوم حماسة منقطعة النظير حيال التقارب مع موسكو من اجل تحقيق مكاسب جيوستراتيجية كبيرة عجزت الإدارة السابقة عن تحقيقها وفي المقدمة إنهاء التحالف الروسي الصيني والإيراني الروسي.
أداتها لتحقيق ذلك هي إنهاء العزلة الدولية المفروضة على موسكو وتخفيف العقوبات الدولية عليها، حيث أن عودة روسيا إلى النظام الدولي سيقود إلى تباعد بينها وإيران، في حين أن إعادة روسيا إلى المنظومة الاقتصادية الغربية، بالسماح لها بتصدير النفط والغاز الروسي إلى أوروبا سيقود إلى تقليل اعتماد موسكو على الصين كشريك اقتصادي وحيد وقد يضعف تحالفها مع الصين.
ولأبعد من ذلك فإن إدارة ترامب تسعى إلى حصول تحسن بالاقتصاد الروسي يعيد موسكو إلى المنافسة في سوق السلاح إلى دول الشرق الأوسط، عوض التعاون مع إيران في سباق تسلح ترى واشنطن أنه قد يقوض المصالح الأمريكية في المنطقة.
وبالمقابل فإن واشنطن تسعى إلى إحياء التنافس الخفي بين روسيا والصين على النفوذ في آسيا الوسطى والقطب الشمالي ولذلك تسارع إدارة ترامب لإنجاح مفاوضات وقف النار وانهاء الحرب في أوكرانيا لتكون بوابة لعلاقات جديدة مع روسيا، تفتح الطريق لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع روسيا، ولا سيما في مفاوضات الحد من الأسلحة النووية ودفع روسيا لتبني مواقف أكثر تعاونا مع الغرب بما يتيح لأمريكا والغرب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

 

مقالات مشابهة

  • حميد الشاعري: بدأت دراسة الطيران وبعدها تحولت للموسيقى
  • ما هي الدول التي ستنضم إلى اتفاقيات «التطبيع» مع إسرائيل؟
  • إزالة لوحة ترامب من مبنى حكومي.. لماذا أثارت استياءه؟
  • فضيحة "أتلانتيك".. لماذا ورد اسم مصر في "المحادثة السرية"؟
  • منها تعافي شعبية الليبراليين.. دوافع إعلان الانتخابات المبكرة بكندا
  • ترامب يهدد الدول التي تشتري النفط الفنزويلي
  • زيدان لمجلس الزمالك: لماذا لم تشتكوا المواقع التي نشرت خبر توقيع زيزو للأهلي؟
  • الداخلية السورية: القبض على شادي عادل محفوظ المتورط بجرائم في أحداث الساحل الأخيرة
  • لماذا لا يستحق ترامب جائزة نوبل للسلام؟!
  • ماهي المكاسب التي تنتظرها واشنطن من مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا ؟