صدى البلد:
2025-03-23@11:15:48 GMT

حكم الأذان والإقامة للمنفرد .. الإفتاء توضح

تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: "ما حكم الأذان والإقامة للمنفرد؟ فإنا أعمل في مكان خارج العُمران، وكثيرًا ما تدخل أوقات الصلاة وأنا في العمل بمفردي، وعند الصلاة أُصلِّي منفردًا، فهل يُشرع لي رفع الأذان والإقامة إذا حضرت الصلاة وأنا منفرد؟". 

لترد دار الإفتاء، أن الأذان والإقامة من سنن الصلاة، ويستحب للمصلي أن يؤذِّن ويقيم، سواءٌ كان في حضرٍ أو على سفر، حتى وإن كان منفردًا أو كانوا جماعةً لا تَرْتَجِي حضورَ مَن يصلي معهم؛ لعموم ما ورد في فضل الأذان، وما للمؤذنين من عظيم الأجر والثواب، ولما ورد عن أبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قال لأبي صَعْصَعَةَ رضي الله عنه: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِكَ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.

أخرجه الإمام البيهقي في "معرفة السنن والآثار". ولما ورد عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللهُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» أخرجه الإمامان: أبو داود، والنسائي واللفظ له.

بيان فضل الأذان وأجره وثوابه

الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وهو علامة على دخول وقت الصلاة، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» متفق عليه.

وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان وحثَّ عليه، ورتَّب الأجر العظيم على القيام به، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا» متفق عليه.

ومعناه: لو يعلم الناس ما في الأذان من الثواب والأجر العظيم، لتنافسوا عليه، ولو لم يجدوا طريقًا للوصول إليه إلا بالإقراع لفعلوا؛ رغبةً في تحصيل الأجر والمثوبة. يُنظر: "فتح الباري" للإمام الحافظ ابن رَجَب (5/ 286، ط. مكتبة الغرباء).

وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه الإمام مسلم.

وقد دلَّ الحديث على فَضْل المؤذِّنين، وبيان مرتبتهم عند الله بسبب رفعهم الأذان.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح الإمام مسلم" (4/ 91-92، ط. دار إحياء التراث العربي): [قيل: معناه أكثر الناس تَشوُّفًا إلى رحمة الله تعالى... وقيل: معناه أنهم سادة ورؤساء... وقيل: معناه أكثر أتباعًا، وقال ابن الأعرابي: معناه أكثر الناس أعمالًا] اهـ.

حكم أذان المنفرد للصلاة في السفر والحضر

الأصل في الأذان أنه شُرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وتنبيههم للاستعداد لها، والإقدام على مواطن إقامة الجماعات من المساجد وغيرها. ينظر: "الاختيار" للإمام مجد الدين بن مَوْدُود المَوْصِلِي الحنفي (1/ 42، ط. الحلبي)، و"حاشية الإمام العَدَوِي المالكي على شرح الإمام أبي عبد الله الخَرَشِي لمختصر الإمام ضياء الدين خليل" (1/ 228، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" للإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي (1/ 398، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة الحنبلي (1/ 292، ط. مكتبة القاهرة).

ولَمَّا كانت الحِكمة الأصلية من مشروعية الأذان هي إعلام الناس بدخول الوقت، والدعاء للجماعة ومكان صلاتها، اقتضى ذلك أن يكون الأذان في كل موضعٍ جرت العادة فيه باجتماع الناس لإبلاغهم بدخول وقت الصلاة، فإذا كان الرجل منفردًا ليس معه غيره، بأن كان في مكان العمل وحده، أو تعذَّر عليه إدراك الجماعة في المسجد وصَلَّى وحده، فقد انتفى سبب الأذان الأصلي -وهو إعلام الغير-؛ لعدم وجود غيره في المكان، إلَّا أنَّ الأذان لَمَّا كانت له دَلَالَاتٌ أخرى، وحِكمةٌ ثانوية، مما يَظهر معه أنه شعيرة من شعائر الإسلام، وعلامة على إقامة فرائض الله وسُنَنهِ، وشعائر الله ينبغي إقامتها وإظهارها -فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية في المشهور، والحنابلة إلى استحباب الأذان للرجل المنفرد وحده، سواءٌ كان في حضرٍ أو سفر، ووافقهم في ذلك الإمام مالك في أحد قوليه، واختاره الإمام أبو الطاهر بن بَشِير التَّنُوخِي.

قال الإمام ابن عَابِدِين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 384، ط. دار الفكر) في بيان مشروعية الأذان للفرائض: [(قوله: للفرائض الخمس... إلخ) دَخَلَت الجمعةُ "بحر"، وشَمِلَ حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة، قال في "مواهب الرحمن" و"نور الإيضاح": ولو منفردًا أداءً أو قضاءً، سفرًا أو حضرًا] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر الإمام ضياء الدين خليل" (1/ 234) في سياق كلامه عن أذان المنفرد إذا كان في الحَضَر وكذا الجماعة التي لا تطلب غيرها: [ومُقَابِلُهُ الاستحباب؛ لقول مالك مرَّة أخرى: إن أذَّنوا فحسن، واختاره ابن بَشِيرٍ، قال: لأنه ذِكر ولا يُنهَى عن الذِّكر من أراده] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "المجموع" (3/ 82، ط. دار الفكر) في مذاهب العلماء في الأذان والإقامة: [مذهبنا: المشهور أنهما سُنَّة لكلِّ الصلوات في الحضر والسفر، للجماعة والمنفرد، لا يَجِبَانِ بحالٍ] اهـ.

وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 406، ط. دار إحياء التراث العربي) في كلامه عن مشروعية الأذان: [ظاهِر قوله: (للرجال) أنه يشرع لكلِّ مصلٍّ منهم، سواءٌ صلَّى في جماعة أو منفردًا، سفرًا أو حضرًا، وهو صحيح] اهـ.

بينما يرى الإمام مالك في القول الثاني عنه أنه لا يستحب الأذان للمنفرد الحاضر غير المسافر، ولا للجماعة التي لا ترتجي حضور من يصلي معها، بحيث لو أذَّنوا لم يطلبوا بأذانهم أحدًا، وهذا القول هو ما اختاره الأئمة: أبو عبد الله بن عَرَفَة، وعبد الملك بن حَبِيب، وأبو الحسن اللَّخْمِي، وعدم الاستحباب هنا يفيد الكراهة، كما نصَّ عليه الإمام أبو البَرَكَات الدَّرْدِير.

وعلَّلُوا ذلك بأن مقصود الأذان هو الإعلام، فالأذان لم يكن للمؤذِّن نفسه، وإنما جُعل ليُدعى به الغائب للصلاة، فإذا لم يوجد في المكان أحد لم يكن للأذان وجه؛ لأنه لا يدعو أحدًا. ينظر: "التبصرة" للإمام أبي الحسن اللَّخْمِي (1/ 247، ط. أوقاف قطر).

وذهب الإمام الشافعي في القديم إلى أنَّ المنفرد في الحَضَر ليس عليه أذان، وفي وجهٍ: إنْ رَجَا حضورَ غيره أذَّن، وإلا فلا.

قال الإمام شمس الدين الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 451، ط. دار الفكر): [قال ابن عرفة وابن حبيب: الفذ الحاضر والجماعة المنفردة لا أذان عليهم، مالك... ومرَّة: لا أُحبه، فقال اللَّخْمِي والمَازَرِي: خلافٌ... وكذلك الرجل تحضُرُه الصلاة في منزله، في حَضَرٍ كان أو في قرية، فالإقامة تُجزِئُهُ، ولا يستحب له الأذان] اهـ.

وقال الإمام أبو البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 197، ط. دار الفكر) في سياق كلامه عن حكم أذان المنفرد في السفر، ومَن في فلاة، والجماعة المسافرة: [(و) ندب (أذانُ فَذٍّ إن سافَرَ) سفرًا لغويًّا، فيشمل مَن بفلاةٍ مِن الأرض، ومِثله جماعةٌ سافَرَت لم تَطلُب غيرَها، (لا جماعة) حاضرة (لم تَطلُب غيرَها) فيُكرَه لها، كالفَذِّ الحاضر (على المختار)] اهـ.

قال الإمام الدُّسُوقِي مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: على المختار) أي: على ما اختاره اللَّخْمِي مِن قَولَي مالك] اهـ.

وقال الإمام النَّوَوِي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 195-196، ط. المكتب الإسلامي): [أما المنفرد في الصحراء أو بلدٍ... قيل: لا يؤذِّن في القديم، وفي وجهٍ: إن رَجَا حضورَ جماعةٍ أذَّن، وإلا فلا] اهـ.

المختار للفتوى في حكم الأذان للمنفرد
المختار للفتوى في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن الأذان سُنة في حق الجماعة، وكذا المنفرد إذا كان في الحضر دون السفر؛ لعموم ما ورد في فضل الأذان، وما للمؤذنين من عظيم الأجر والثواب، ولما ورد عن أبِي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قال لأبي صَعْصَعَةَ رضي الله عنه: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ، فَارْفَعْ صَوْتَكَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِكَ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. أخرجه الإمام البيهقي في "معرفة السنن والآثار".

وفي هذا الحديث دليل على فضل إعلان السُّنن وإظهار أمور الدِّين، حتى لمن كان منفردًا في حضرٍ أو سفر. ينظر: "شرح صحيح البخاري" للإمام أبي الحسن بن بَطَّال (2/ 238، ط. مكتبة الرشد).

وقد ورد في الأثر عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أنه قَالَ: «رَأَيْتُ أَنَسًا وَقَدْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ» أخرجه الإمامان: عبد الرازق وابن أبي شيبة.

حكم إقامة الصلاة للمنفرد
أمَّا إقامة الصلاة فاتفق الفقهاء على كونها سُنةً في حق المنفرد والجماعة، ودليل ذلك ما رواه عُقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ الشَّظِيَّةِ لِلْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللهُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» أخرجه الإمامان: أبو داود، والنسائي واللفظ له.

قال الإمام الشُّرُنْبُلَالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 78، ط. المكتبة العصرية): [الإقامة سُنة مؤكدة للفرائض ولو منفردًا] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر الإمام ضياء الدين خليل" (1/ 236): [الإقامة للفرض ولو قضاءً سُنةٌ للجماعة والمنفرد] اهـ.

وقال الإمام شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج" (1/ 401): [ومشروعية الأذان والإقامة ثابتة بالإجماع... أما في حق المنفرد فهما سُنة عين] اهـ.

وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 232، ط. عالم الكتب): [(و) يُسن الأذان والإقامة أيضًا (لمُصَلٍّ وحده، ومسافرٍ وراعٍ ونحوه)] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الأذان والإقامة من سُنن الصلاة، ويستحب للمصلي أن يؤذِّن ويقيم، سواءٌ كان في حضرٍ أو على سفر، حتى وإن كان منفردًا أو كانوا جماعةً لا تَرْتَجِي حضورَ مَن يصلي معهم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الصلاة سنن الصلاة فضل الأذان المزيد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم الأذان والإقامة رضی الله عنه أن أخرجه الإمام المالکی فی الشافعی فی دار الفکر ی الشافعی فی الأذان ول الله ص عبد الله الأذان ل ی الأذان ه وآله ى الله ع منفرد ا فی حضر ما ورد فی الح کان فی

إقرأ أيضاً:

الشهادة في فكر الإمام علي “عليه السلام”

 

العلامة / عبدالمجيد الحوثي

أطلقت الشهادة في اللغة على:-

1 – “الحضور على الواقع عند وقوعه”. ومن ثم يقال: يرى الشاهد ما لا يراه الغائب.

(ﻭﺷﻬﺪﻩ ﻛﺴﻤﻌﻪ ﺷﻬﻮﺩا ﺃﻱ ﺣﻀﺮﻩ، ﻓﻬﻮ ﺷﺎﻫﺪ، ﺟمعه ﺷﻬﻮﺩ، ﺃﻱ ﺣﻀﻮﺭ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ﻣﺼﺪﺭ)، وهذا كما قال تعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [سورة الكهف : 51] اي لم أحضِرهم عند خلقها حتى يكونوا شهودا عليها، وكما قال تعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) [سورة البقرة : 133] أي أم كنتم حاضرين حين حضر الموت يعقوب عليه السلام

2 – وتقال على معنى “أداء ونقل الواقع إلى الغير”:

(ﻭﻳﻘﺎﻝ: ﺷﻬﺪ ﻟﺰﻳﺪ ﺑﻜﺬا ﺷﻬﺎﺩﺓ، ﺃﻱ ﺃﺩﻯ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﻓﻬﻮ ﺷﺎﻫﺪ)، فإن كان أداء الشهادة بحق وعلى مقتضى الواقع سميت شهادة حق، كما قال تعالى : (َإِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة الزخرف : 86]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) [سورة النساء],

وان كانت بخلاف الحق والواقع سميت شهادة الزور كما قال تعالى في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [سورة الفرقان : 72].

والشهادة في القرآن الكريم اطلقت على المعاني المتقدمة، وأطلقت أيضا على معان أخر منها:

3 -“اقامة الحجة وتوضيح الحق للناس ودعوتهم إليه”

حتى لا يكون للناس على الله حجة بأن يقولوا لم يدعنا أحد إلى الحق ولو دعانا لأجبنا، كما قال تعالى:(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [سورة النساء : 165]، ثم بعد إقامة الحجة يقومون بأداء الشهادة أمام الله يوم القيامة بأنهم قد أقاموا الحجة على عباده.

وبهذا المعنى اطلق على الرسل صلوات الله عليهم بأنهم شهداء، كما قال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) [سورة النساء : 41]. وكما قال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا).[سورة المزمل : 15].

وبهذا المعنى أيضا أطلق على الأئمة الهداة الدعاة إلى الحق من آل البيت عليهم السلام بأنهم شهداء على الناس، كما قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ).[سورة الحج : 78].

وبهذا المعنى أيضا سمى الله الأمة التي تقوم بدورها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ) [سورة آل عمران : 110]، واطلق عليها انهم شهداء على الناس ووسمهم بالوسطية فقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [سورة البقرة : 143].

معنى الشهادة في سبيل الله

بعد أن عرفنا معاني الشهادة في اللغة العربية والقرآن الكريم، ينبغي أن نعلم أن لفظ الشهادة في عرف الشرع قد غلب استعماله في من يُقتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه وإقامة الحق.

وهو أيضا في هذا الموضع مأخوذ من إقامة الحجة والشهادة لله يوم لقائه بالدعوة للناس إلى الحق “وقبولهم، أو رفضهم له”

فدم الشهيد الذي سُفك في سبيل الله وروحه الطاهرة التي أزهقت في سبيل الدعوة إلى الله ونصرة دينه هي أكبر شاهد على أولئك المجرمين الذين حاربوا الله ورسوله وخالفوا الحق وقتلوا الذين يأمرون بالقسط والحق من الناس، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [سورة آل عمران : 21].

فالشهادة في سبيل الله هي بذل الروح والنفس في سبيل الدعوة إلى الحق وإقامة الحجة على الناس بما يقطع العذر لهم أمام الله.

ولكن من المهم جدا ان نعلم انه ليس كل من يقتل في المعركة يعتبر شهيدا ويكتب عند الله شهيدا مهما لم يكن قتاله لله في سبيل إقامة الحق والدين ملتزما بالشرع وبالتوجيهات الإلهية في أقواله وأفعاله وجميع سلوكياته؛ إذ كيف يكون شاهدا على من خالف الحق وهو لم يلتزم بالحق في أقواله وأفعاله، فلا يكفي ان يكون الإنسان تحت راية الحق أو مع قيادة محقة أو لأنه يقاتل أهل الباطل في ان يُكتب عند الله من الشهداء مهما كانت تصرفاته وأعماله مخالفة للحق ولتعاليم الله سبحانه؛ ولهذا ورد في كثير من الروايات أن أناسا كانوا يقاتلون تحت راية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم المشركين فيقتلون، فيقال: يا رسول الله، فلان شهيد، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا؛ إنه في النار في عباءة غلها)، (لا؛ إنه لا يدخل الجنة عاص).

الشهادة في فكر ونهج الإمام علي

وأما إذا جئنا إلى الشهادة في فكر ونهج الإمام علي عليه السلام فإنا نرى الإمام علي عليه السلام مع ما كان عليه من صفات الفضل وخصال الخير التي تفرد بها؛ فهو: من تربى في حجر الرسول، ونما تحت إشرافه ورعايته، وهو السابق إلى الإسلام؛ وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهو من قام الإسلام بسيفه كما قال الشاعر:

وبسيفه قامت قناة الدين

لولا سيفه ما قام منه قناه

وهو عيبة علم المصطفى؛ وباب مدينة علمه؛ وهو أخوه، ووصيه، وخليفته من بعده إلى غيرها من الفضائل التي لا تحصى لا تحتويها المجلدات الكبار.

ولكن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان مع ذلك حريصاً أشد الحرص على أن لا يفوته مقام الشهادة ودرجتها العظيمة، فهو من كان يتمناها في كل معركة يخوضها دفاعا عن الإسلام. بل كان يدعو ويبتهل إلى ربه أن يوفقه للشهادة.

ولما مضت عدة غزوات ولم يحصل على الشهادة تقدم إلى أخيه وقدوته ومثله الأعلى بالطلب أن يتقدم بالدعاء إلى ربه أن يرزقه الشهادة في سبيله.

ولما مرت عدة معارك لم ينل فيها الإمام علي عليه السلام الشهادة أخذ يعاتب حبيبه ويشكو اليه: (يا رسول الله طلبت منك ان تدعو الله لي بالشهادة وأنا أرى إخواني يستشهدون دوني)، فيرد عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (انها من أمامك يا علي ولكن من يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، أما انها ستخضب هذه من هذه -وأشار إلى رأسه ولحيته- فكيف صبرك عندها يا علي)، فيجيب الإمام علي بتلك الروحية العظيمة التي باتت تعشق الشهادة في سبيل الله وتعرف قدرها ومنزلتها، فتعتبرها وسام شرف ودرجة رفيعة، يحمد الله الإنسان ان منحه إياها، فيقول الإمام علي عليه السلام مجيبا على حبيبه المصطفى: (ليس ذلك من مواطن الصبر يا رسول الله بل هو من مواطن الشكر).

هكذا عاش الإمام علي عليه السلام طيلة حياته وهو يحلم بالشهادة في سبيل الله ويبذل حياته للجهاد في سبيل الله، “لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه”، بل كان كما قال عليه السلام: “والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الرضيع بثدي أمه”، وهو القائل عند قتال الخوارج: “والله لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم”.

وقد كان من إتمام الفضل والشرف لأمير المؤمنين عليه السلام أن يرزقه الله الشهادة على يد شر الخلق والخليقة البذرة الشيطانية التي أنتجت منهج التكفير للمسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم، والذين أخبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم انهم “شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة”، فكان أمير المؤمنين هو من نال شرف قتل هؤلاء الخوارج المارقين التكفيريين في وقعة النهروان.

وعندما سمعت أم المؤمنين عائشة بقتلهم قالت من قتلهم؟؟ فقيل: علي بن أبي طالب، فقالت: أما إنه لا يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول فيه ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمعته يقول فيهم :(هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة).

وهؤلاء الخوارج التكفيريون هم من حدثنا عنهم وعن صفاتهم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: “يأتي أناس يحسنون القول ويسيئون الفعل”، “يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم”، “يحسبونه لهم وهو عليهم”، “تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وتلاوتكم عند تلاوتهم”، “يحفون شواربهم ويعفون لحاهم”، “أزرهم إلى أنصاف سوقهم”، “يحاربون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان”، “طوبى لمن قاتلهم وقتلوه”، “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتلة عاد”، “هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة”، “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”، “هم كلاب أهل النار”.

عندما نستمع إلى هذه الأوصاف التي وصف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بها هذه الفرقة المارقة الضالة ندرك مدى ضرر وخطر هذا الفكر التكفيري على مستقبل الأمة.

ولهذا فلا يستغرب أن يقوم هؤلاء بالتقرب إلى الله -على زعمهم- بقتل أمير المؤمنين ويعسوب الدين، وسيد الوصيين، وقائد الغر المحجلين؛ أخي رسول رب العالمين؛ ووصيه، وخليفته من بعده، من يدور مع الحق والحق يدور معه، من هو مع القرآن والقرآن معه، من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل الرسول على تنزيله، من يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

لا غرابة ان يقوم أشقى الخلق بالتربص لاغتيال هذه الشخصية التي انهد بمقتلها عمود الدين وتهدمت أركان اليقين وأظلمت الأرجاء واسود الفضاء.

فتربص اللعين لأمير المؤمنين سلام الله عليه وهو خارج لأداء صلاة الفجر في المسجد فضربه بسيف كان قد صقله بألف دينار وسمّه بألف دينار فشق به هامته المنيفة حتى سال الدم على لحيته الشريفة كما أخبر حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وهنا وفي هذه اللحظة نال أمير المؤمنين ما كان ينتظره بلهفة وشوق منذ أيام شبابه ولم ينله إلا وقد بلغ الثالثة والستين من عمره وعند ذلك يطلق أمير المؤمنين صرخته التي تدل على مدى ترسخ وتجذر حب الشهادة في قلبه وكيانه قائلا:(فزت ورب الكعبة).

فاز لأنه نال شرف الشهادة في سبيل الله، فاز لأنه سار على النهج القويم الذي يؤهله لأن يكون من الشهداء مع كل ما ناله من الفضل والشرف في مسيرة البذل والعطاء اللامحدود التي قضى عمره بأكمله في سبيلها، فصلوات الله عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث إلى ربك مرضي القول مشكور السعي تحمل لواء الحمد وتقف تسقي المؤمنين على حوض الرسول الأمين، وجعلنا الله ممن سار على دربك واهتدى بهداك ورزقنا الشهادة في سبيله بحق محمد وآله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.

مقالات مشابهة

  • ماذا ظهر من علامات ليلة القدر حتى الآن في ليلتي 21 و23؟.. الإفتاء توضح
  • كيفية صلاة قيام الليل في المنزل؟ .. الإفتاء توضح
  • حكم صلاة التهجد للنساء .. الإفتاء توضح
  • هل نزل القرآن كاملا بكل سوره في رمضان؟.. الإفتاء توضح
  • دار الإفتاء توضح الحكمة الإلهية من إخفاء ليلة القدر
  • الجماع في العشر الأواخر من رمضان يفسد هذه العبادة.. الإفتاء توضح
  • الشهادة في فكر الإمام علي “عليه السلام”
  • ماذا أفعل لو أذن الفجر وفي فمي أكل؟.. الإفتاء ترد
  • هل يجوز إخراج زكاة الفطر لشخص واحد فقط؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعي
  • حكمة إخفاء ليلة القدر.. الإفتاء توضح لـ«الأسبوع» السبب والدعاء المستحب