تحذيرات فانس في ميونيخ.. هل أصبحت أمريكا تهديداً للديمقراطية الأوروبية؟
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، مقالا، للصحفي جدعون رتاتشمان، قال فيه إنه: "عندما صعد جيه دي فانس على المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن، الأسبوع الماضي، أصدر تحذيرا صارما. إذ قال نائب الرئيس الأمريكي، للسياسيين والدبلوماسيين المجتمعين إنّ: حرية التعبير والديمقراطية تتعرضان للهجوم من قِبَل النخب الأوروبية".
وأبرز المقال الذي ترجمته "عربي21"، قول دي فانس: "إن التهديد الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر في مواجهة أوروبا ليس روسيا، وليس الصين، بل التهديد من الداخل".
وتابع المقال: "إذا كان فانس يأمل في إقناع جمهوره، بدلا من إهانته ببساطة، فقد فشل. والواقع أن خطابه أتى بنتائج عكسية بشكل مذهل، حيث أقنع العديد من المستمعين بأن أميركا نفسها تشكل الآن تهديدا لأوروبا". وفي الحشد خارج قاعة المؤتمر، قال سياسي ألماني بارز لكاتب المقال: "كان ذلك هجوما مباشرا على الديمقراطية الأوروبية".
وقال دبلوماسي كبير: "من الواضح جدا الآن أن أوروبا وحدها". وعندما سأله الكاتب عما إذا كان ينظر الآن إلى الولايات المتحدة باعتبارها خصما، أجاب: "نعم".
وقال: "إن الحكم الأكثر إيجابية الذي سمعه بشأن الخطاب هو أنه "هراء صبياني"، لكنه يستهدف جمهورا أمريكيا وبالتالي يمكن تجاهله بأمان. ولكن إذا ما فكّكنا خطاب فانس، ووضعناه في سياق قرار دونالد ترامب بالتعامل مع فلاديمير بوتين، مع تهميش أوكرانيا وأوروبا، فسوف يتضح لنا أن الحروب الثقافية الأمريكية والأمن الدولي والسياسة الأوروبية لم يعد من الممكن فصلها".
وأشار إلى أنّ: "ما فعله فانس كان تقويض أفكار الحرية والديمقراطية والقيم المشتركة التي دعمت التحالف الغربي لمدة 80 عاما. وفي عالمه لم تعد معركة الحرية في أوروبا تدور حول ردع روسيا الاستبدادية والعدوانية، كما كانت الحال مع هاري ترومان أو رونالد ريغان. إن معركة فانس من أجل الحرية هي معركة لإنقاذ "الحضارة الغربية"، كما حددها إيلون ماسك وآخرون، من التهديدات المزدوجة المتمثلة في الهجرة الجماعية و"فيروس العقل المستيقظ".
وشدد على أنّ: "الواقع هو أن أيديولوجية إدارة ترامب تعني أنها تشعر الآن، في جوانب مهمة، بقدر أعظم من التقارب مع بوتين مقارنة بفولوديمير زيلينسكي. ويُنظَر إلى بوتين باعتباره محاربا يقاتل من أجل بلاده ومن أجل القيم المحافظة؛ في حين يُنظَر إلى الأوكراني باعتباره متطفلا لديه كل الأصدقاء الخطأ في أوروبا".
كذلك، استنتج كاتب المقال أنّ: "إدارة ترامب تنظر إلى أقصى اليمين الأوروبي باعتباره حليفها الحقيقي. وفي مناشدته أمثال حزب البديل من أجل ألمانيا بالترحيب به في الحكومة، يدعو فانس أوروبا إلى التحول إلى نسخة أكبر من المجر تحت حكم فيكتور أوربان -دولة استبدادية ناعمة مع نقطة تقارب مع روسيا بوتين-. وكان من الواضح أن فانس وجد الوقت في ميونيخ للقاء أليس فايدل، الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا، ولكن ليس مع المستشار أولاف شولتز".
وقال إنه: "قبل أن نفكر في العواقب المترتبة على ما قاله فانس على أوروبا، ينبغي لنا أن نتوقف لنلاحظ نفاقه العميق. فقد حاول ترامب الإطاحة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020. ويفترض نائبه أن يلقي محاضرة على الأوروبيين حول احترام الديمقراطية؟".
وأشار إلى أنّ: "حجج فانس كانت عبارة عن "ماذا عن" كلاسيكية على الطريقة الروسية، حيث إنّه صرف الانتباه عن هجوم إدارة ترامب على المؤسسات الديمقراطية الأمريكية والخيانة الوشيكة لأوكرانيا -مع حكايات عن الاضطهاد المزعوم للناشطين المناهضين للإجهاض في بريطانيا-. سواء كان يعتقد أن أيّ من هذا له أهمية نفسية بحتة. إن العواقب الاستراتيجية لأوروبا هي المهمة".
وذكر أنه: "من الواضح أن ترامب ينوي عقد صفقة بشأن أوكرانيا مع بوتين على رؤوس زيلينسكي والأوروبيين. وقد يؤدي ذلك إلى عواقب مأساوية على أوكرانيا، التي قد يُطلب منها قريبا قبول خسارة الأراضي دون ضمانات أمنية للمستقبل. والبديل هو محاولة الاستمرار في القتال دون مساعدة أميركية".
وأكد المقال على أنّ: "العواقب على بقية أوروبا مثيرة للقلق أيضا. ولكن ماذا عن أوروبا؟ إن بوتين يريد سحب قوات حلف الناتو من كامل الإمبراطورية السوفييتية السابقة. ويعتقد المسؤولون الأوروبيون أن ترامب من المرجح أن يوافق على سحب القوات الأمريكية من دول البلطيق وربما أبعد إلى الغرب، مما يترك الاتحاد الأوروبي عُرضة لجيش روسي تحذر حكومات حلف الناتو من أنه يستعد لصراع أكبر خارج أوكرانيا".
ورأى الكاتب أنه: "من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر حليفا موثوقا به للأوروبيين. ولكن طموحات إدارة ترامب السياسية لأوروبا تعني أن أميركا أصبحت الآن أيضا عدوا، تهدّد الديمقراطية في أوروبا وحتى الأراضي الأوروبية، في حالة غرينلاند".
إلى ذلك، تساءل: "فماذا علينا أن نفعل إذن؟" وردّ بالقول: يتعين على الأوروبيين أن يبدأوا في الاستعداد بسرعة لليوم الذي يتم فيه إزالة الضمان الأمني الأمريكي لأوروبا بشكل نهائي. ويجب أن يتضمن ذلك بناء صناعات دفاعية مستقلة. وينبغي أن يعني هذا أيضا إبرام ميثاق دفاعي أوروبي متبادل، خارج حلف الناتو، يمتد إلى ما هو أبعد من الاتحاد الأوروبي ــ ليشمل بريطانيا والنرويج وغيرهما.
وفي السياق نفسه، لم يستبعد الكاتب أن ترامب سوف يستخدم أي نفوذ لديه لإجبار حلفاء أميركا الأوروبيين على الامتثال في قضايا تتراوح من التجارة والأمن إلى سياساتهم الداخلية. وهذا يعني أن أوروبا لابد أن تبدأ الآن العملية المؤلمة المتمثلة في "إزالة المخاطر" من علاقتها بالولايات المتحدة، والبحث عن مجالات الاعتماد الخطير على أميركا وإخراجها من النظام.
وقال إنّ: "إسناد البنية الأساسية الحيوية إلى ماسك من شأنه أن يخلق ثغرة جديدة ضخمة. كما أن إدارة ترامب ستضع ضغوطا هائلة على الأوروبيين لشراء المزيد من الأسلحة الأمريكية. وفي ظل الظروف الحالية سيكون هذا حماقة".
وخلص المقال الذي ترجمته "عربي21" إلى أنّ: "العديد من الأوروبيين سوف يرفضون هذه الأفكار، ويرفضونها باعتبارها مستحيلة. لكنهم بحاجة إلى أن يفهموا أن حريتهم أصبحت الآن على المحك. وكان فانس محقا في ذلك. ولكن ليس بالطريقة التي كان يعتقدها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ترامب بوتين زيلينسكي بوتين اوكرانيا ترامب زيلينسكي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدارة ترامب من الواضح إلى أن من أجل
إقرأ أيضاً:
أوروبا بحاجة ماسة إلى قيادة وألمانيا مستعدة
ترجمة - أحمد شافعي -
قليلون للغاية من خارج الفقاعة السياسية البرلينية هم الذين سمعوا بلارس كلينجبيل، ولكنهم عما قريب سوف يسمعون به إذ يوشك أن يصبح أحد اللاعبين المحوريين في الحكومة الألمانية الجديدة. وقد عبّر الزعيم المشارك للحزب الاشتراكي الديمقراطي عن هذه اللحظة في مناظرة هذا الأسبوع في البوندشتاج، وهي من أهم المناظرات في تاريخ ألمانيا الحديث.
لقد قال إن «الكثيرين قبل بضعة أسابيع، كانوا ليظنوا أننا لن نتوصل إلى اتفاق. فقد كانت الخلافات كبيرة جدا. ولكن ما يميز هذا البلد عن غيره هو أننا مستعدون، بوصفنا أحزاب الوسط الديمقراطي، لإيجاد حلول وعدم إفساح المجال لازدهار التطرف الشعبوي».
دونالد ترامب هو الذي سمح بتحقيق ذلك. فبعد أربع سنوات من التشتت في عهد أولاف شولتز التعيس، استيقظت ألمانيا من سباتها. وبتصويتها على ضخ خمسمائة مليار يورو في البنية الأساسية والبيئة، وعلى زيادة الإنفاق الدفاعي مهما كلف الأمر، تخلت ألمانيا عن قناعتين متطرفتين في يوم واحد. فلم تعد ألمانيا بلد التقشف العبثي، ولم تعد الدولة التي تعهد بدفاعها إلى قوة عظمى تحسبها صديقة، وتخشى الآن من أن تكون عدوة.
ثمة إحباطات ومفارقات ومخاوف كثيرة ناجمة عن الأحداث المأساوية. فالرجل الذي عما قريب سوف يصبح مستشارا، أي فريدريش ميرتس، قد قضى معظم حياته السياسية يعارض الاقتراض. ولقد كان كبح الديون، الذي قيد الاستثمار العام بشكل كبير باسم القواعد المالية «السليمة»، هو المبدأ الراسخ لديه، ولدي السابقة عليه أنجيلا ميركل، ولدى حزبهما الديمقراطي المسيحي المحافظ، وحتى لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ثم جاء الهجوم على ألمانيا والغرب في مؤتمر ميونيخ للأمن من مساعدي ترامب، قبل أسبوع من توجه الألمان إلى صناديق الاقتراع. وحسبما ينسب إلى جون ماينارد كينز فإنه «عندما تتغير الحقائق، أغير رأيي - فماذا تفعل أنت يا سيدي؟».
كان رد ميرتس هو الاعتراف بأنه، نعم، غيَّر موقفه تمامًا، ولكن في سبيل قضية نبيلة هي أن تتمكن ألمانيا من تحديث اقتصادها والقيام بدورها في تعزيز أوروبا في مواجهة التهديدين المزدوجين المتمثلين في ترامب وفلاديمير بوتين.
يحق للخضر تماما أن يشعروا بالظلم. فقد دعوا بشدة، على مدار سنوات، إلى مزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإلى زيادة الإنفاق على القضايا البيئية وغيرها من القضايا الأساسية.
وطوال تلك الفترة، أدانهم المحافظون واصفي إياهم بالإسراف، وأدانهم اليساريون واصفين إياهم بالتسرع في اللجوء إلى القوة. ونتيجة لذلك، خسروا أصواتا وسيقوا سوقا إلى المعارضة ثم أعادهم ميرتس من عزلتهم لفترة وجيزة، إذ احتاج إلى أصواتهم لضمان أغلبية الثلثين اللازمة لتغيير الدستور للالتفاف على نظام كبح الديون. وبرغم شعورهم بالاستغلال، فقد فعلوا ما يجب ويصح فعله.
لم تكن هذه حيلة ميرتس الوحيدة. فقد كان عليه ضمان عرض الإجراء على البرلمان المنتهية ولايته، لا أمام البرلمان القادم حيث يكون بوسع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف وحزب اليسار اليساري أن يعرقلا التغيير. كان أمر قبيحا، وغير مبدئي. أو أن ميرتس بالأحرى قد أظهر افتقاره إلى المبادئ من أجل تحقيق إصلاحات ليست مبدئية فحسب، ولكنها ضرورية وحيوية أيضا.
وبغض النظر عن مدى تصميم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبغض النظر عن حجم تنسيقهما للجهود، فإن أي استراتيجية أمنية أوروبية تفقد مصداقيتها بدون ألمانيا. كما أنه لا تكون لألمانيا مصداقية تذكر ما لم تتراجع عن عزوفها المستمر منذ عقود عن تسليح نفسها التسليح المناسب، والتأهب لاستخدام القوة الصارمة لتحقيق غايات نبيلة.
وها قد حدث هذا الآن. وألمانيا الآن تسير في مسار جديد. فالثقافة السياسية، التي غالبًا ما تعتبر صارمة وتدريجية، تعرف أيضا في بعض الأحيان كيف تُحدث الدراما. ففي عام 1999، وبقيادة وزير خارجية حزب الخضر يوشكا فيشر، صوّت البوندشتاج على المشاركة في عمل عسكري لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية للدفاع عن كوسوفو.
وفي عام 2015، اتخذت ميركل القرار المثير للجدل بالسماح بدخول أكثر من مليون لاجئ، من سوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. وفي عام 2022، ردّ شولتز على غزو بوتين لأوكرانيا بخطاب زيتن فيندي - أي نقطة التحول - وصندوق خاص بقيمة مائة مليار يورو للإنفاق العسكري. بدا ذلك حاسما في وقته، ولكن المستشار المنتهية ولايته قضى بقية ولايته يتحاشى النظر إلى الأمور. ويتضح الآن أن تلك اللحظة كانت محض بداية.
إن ألمانيا بلد طالما أشدت به لسياساته المتأنية والجادة، ودستوره المتين، وعمليته الناضجة في بناء واختبار التحالفات على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الوطني. بلد لم يستسلم للهزل الذي اعترى المملكة المتحدة في عهد بوريس جونسون. بلد يتحمل مسؤولياته بجدية. ومع ذلك، فهو بلد عرقله أيضا الحذر المفرط، وانعدام الثقة بالنفس، وعرقله أيضا ـ فيما يتعلق بقضايا الخطر - افتراض متهاون بأن الآخرين سيهبون لمساعدته. وبفضل ترامب، لم يعد هذا هو الحال، ومعظم الألمان يدركون ذلك.
وهم على وشك الشروع في رحلة وعرة، بقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وبجانبه الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتشدد. فها هما حزبان شديدا الاختلاف يتحدان من أجل تشكيل ائتلاف قوي ودائم لإبعاد الشعبويين. وميرتس، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته والميال إلى المواجهة، متلهف على إنجاز الأمور. وسوف يكون إلى جانبه كلينجبيل وبوريس بيستوريوس (الذي قد يحتفظ بحقيبة الدفاع) ليمثلا جناحا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي تخلى عن سذاجته تجاه روسيا. وهذا ما تحتاج إليه ألمانيا وأوروبا والغرب على نطاق أوسع في أحلك أوقاتهم.
جون كامبفنر مؤلف كتاب «البحث عن برلين» و«حروب بلير» و«لماذا الألمان يفعلون ذلك بشكل أفضل».
عن الجارديان البريطانية