شاهر أحمد عمير

منذ وصوله إلى السلطة، أشعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة من التوترات والصراعات الدولية، معتمدًا على سياسة استعلائية تدفع به إلى قمة الطغيان والغطرسة. بدا كأنه قد تجرد من أي حس إنساني أَو أخلاقي، متجاوزًا المعايير الدولية، ومُفجِّرًا أزمات جديدة في الشرق الأوسط والعالم بأسره. لقد أصبح ترامب، بقراراته الظالمة، رمزًا لاستكبار العصر، حَيثُ اتخذ من الطرد والتشريد وسيلة لتحقيق مصالحه وأهدافه، دون أدنى اعتبار للشعوب أَو حقوق الإنسان.

ما يجري هو أن ترامب قد وصل إلى قمة الطغيان والغطرسة حتى أنه أباح لنفسه طرد الشعوب من أراضيها. لقد وضع الأُمَّــة العربية والإسلامية أمام خيارين يزيديين: إما الذلة أَو السلة. هذا الخيار القاسي لا مكان فيه للحرية أَو العزة، فكما وقع في معركة كربلاء، لا خيار آخر بين الحق والباطل سوى المواجهة أَو الخنوع. ولا يمكن أن نطلق على هذا الخيار “وسطية” بأي حال من الأحوال، بل هو اختيار مرير يعكس القمع والاستبداد بكل أشكاله.

لكن، لنستذكر الخيار الذي فرضه يزيد بن معاوية على الإمام الحسين عليه السلام ورفاقه في كربلاء. كان الخيار الذي عرضه يزيد على الإمام الحسين إمّا أن يبايع له ويدخل في طاعته، أَو أن يُقتل هو وأتباعه. كان هذا الخيار، مثل الخيارات التي نواجهها اليوم، خيارًا محصورًا بين الخضوع للظلم أَو الوقوف في وجهه. اختار الإمام الحسين عليه السلام أن يكون في معركة الحق، مواجهة الطغيان والفساد، مُفضِّلًا الشهادة على الذلة. فقد كان الإمام الحسين يعرف تمامًا أن الذل لا يطاق وأن الخنوع لا يكون إلا عارًا.

وبينما يسير العالم نحو مفترق طرق، نجد أن الأُمَّــة العربية والإسلامية قد وُضِعَت أمام خيارين قاسيين لا ثالث لهما، مشابهين للخيارين الذي فرضهما يزيد بن معاوية على أهل كربلاء، فاختاروا الشهادة على الذلة. وإن كانت معادلة ترامب اليوم لا تحمل صراعًا بين دينين، فهي تحمل ذات المبدأ الطاغي: إما الاستسلام والذل أَو المقاومة والعزة. وأيًّا كان الخيار الذي سنختاره، يبقى أن الأُمَّــة الإسلامية قد وضعت في موقف لا يمكن أن نطلق عليه “الوسطية” كما يُروَّج له، بل هو خيار قاسٍ وحاد يعكس القمع والاحتلال بكل أشكاله.

وإذا تأملنا هذه المعادلة نجد أن الأُمَّــة أمام اختبار تاريخي، يشبه إلى حَــدّ بعيد معركة كربلاء، حَيثُ تُجَسد فيها التحديات، وتُرفع راية المقاومة في وجه الظلم والطغيان. إن ما يحدث في ظل سياسة ترامب لا يختلف كَثيرًا عن الكربلاء التي كانت تمثل تحديًا حقيقيًّا لمبادئ الحق والعدالة، أمام الاستبداد والفساد، وأصبحت تلك المعركة درسًا للأجيال في كيفية مقاومة الطغيان مهما بلغت قوته.

اليوم، كما في الأمس، أصبحنا في مواجهة مع طغيان جديد، ولكن هذه المرة الطغيان قد جاء بتقنيات معاصرة وأدوات أكثر تطورًا، حَيثُ يتم تبرير الظلم تحت مسميات مختلفة مثل “الأمن القومي” و”حماية المصالح”. في حين أن الحقيقة المؤلمة هي أن ترامب، ومن معه، لا يهتمون سوى بمصالحهم الخَاصَّة وتوسيع نفوذهم على حساب الشعوب المظلومة. إلا أن هذه السياسات التدميرية، وإن كانت تخلق فوضى في البداية، لن تدوم طويلًا؛ لأَنَّ إرادَة الشعوب الحرة لا يمكن أن تُقهر مهما تعرضت للضغط والظلم.

إن ما نراه اليوم هو بداية لملحمة كربلائية جديدة، حَيثُ تقف الأُمَّــة الإسلامية أمام اختبار مهم: إما الاستمرار في السير على درب المقاومة كما فعلت أجيالنا السابقة، أَو الخنوع والاستسلام. وفي ظل هذا الوضع، لا يمكننا أن نتخلى عن التمسك بمبادئنا وإرثنا النضالي، فالمصير الذي نعيشه اليوم ليس أكثر من حلقة في سلسلة طويلة من معارك الحق ضد الباطل.

المصير الذي ينتظرنا يعتمد على موقفنا من هذا الطغيان المُستمرّ، وما إذَا كنا سنقف صفًا واحدًا في وجه هذا العدوان، أَو سنسمح للظلم بأن يمر دون أن نواجهه. لكن الحقيقة الثابتة هي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقود هذا الصراع، وأنه كما كان في كربلاء، فَــإنَّ النصر سيكون حليف المظلومين، مهما كان حجم التضحيات.

الواجب الآن هو أن نقف معًا، بكل ما نملك من قوة وحق، وأن نرفض الذل والتفرقة، وأن نبذل كُـلّ الجهود لتحقيق نصرٍ جديد للأُمَّـة. علينا أن نتذكر دائمًا أن الله سبحانه وتعالى هو القادر على تحويل الطغيان إلى هزيمة، وأن النصر لا يأتي إلا بتمسكنا بمبادئنا وقيمنا الأصيلة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الإمام الحسین خیار ا

إقرأ أيضاً:

سلع جيفن .. عندما يصبح الخيار الأرخص هو الحل الوحيد!

كنت على وشك أن أمد يدي لأخذ كيس من العدس الأصفر من أحد رفوف محالّ بيع المواد الغذائية، عندما سبقتني إليها يد أخرى. التقت أعيننا، وعرفت المرأة التي كنت ألتقي بها في أمسيات تثقيفية في رمضان قبل سنوات، ودار بيننا حديث تطرقنا فيه -ضمن موضوعات أخرى- إلى أكياس العدس الأربعة التي وضعتها في عربة مشترياتها، معللة ذلك بأنه بات البديل الأرخص لعائلتها الكبيرة.

لكن المفارقة أنها أضافت: «رغم أنه لم يكن رخيصًا كما كان في السابق، حيث لم يكن سعر الكيلوجرام يتجاوز بضع مئات من البيسات، أما الآن فقد وصل إلى ريال و200 بيسة!» ومع ذلك، وجدت فيه المرأة بديلًا أقل تكلفة مقارنة بغيره، فاشترت كميات كبيرة منه.

هذا السلوك شائع جدًا، حيث يميل الناس إلى شراء السلع الأرخص عندما يواجهون ضغوطًا مالية، حتى وإن ارتفع سعرها، فبدلًا من البحث عن بدائل أغلى، يتمسك المستهلكون بالخيار الأقل تكلفة المتاح لهم، وهذا هو جوهر مفهوم «سلع جيفن» في الاقتصاد، وهي السلع الأساسية منخفضة الجودة التي يعتمد عليها ذوو الدخل المحدود، ليس لأنها الأفضل، ولكن لأنها الأكثر توافقًا مع ميزانياتهم، مثل العدس بالنسبة للمرأة التي ذكرت.

تخيّل على سبيل المثال أن ميزانيتك محدودة وتعتمد بشكل رئيس على الأرز باعتباره مصدرًا رئيسيًا للغذاء. إذا ارتفع سعر الأرز، قد تفكر في البحث عن بدائل مثل القمح، لكن نظرًا لارتفاع سعره أيضًا، تجد نفسك مضطرًا لشراء كمية أكبر من الأرز، حتى لو أصبح أغلى، لأنه ما يزال الخيار الأقل تكلفة مقارنة بالبدائل.

مثال آخر نراه في الأسواق المحلية: عندما ترتفع أسعار اللحوم، قد يلجأ الكثيرون إلى استهلاك الدجاج الأرخص، ولكن إذا ارتفع سعر الدجاج أيضًا، فقد يعتمدون أكثر على العدس أو الفول كمصادر للبروتين، حتى لو زادت أسعارها.

«سلع جيفن» ليست مجرد نظرية اقتصادية، بل هي واقع يعيشه الكثيرون يوميًا، خاصة في الأوقات التي ترتفع فيها الأسعار ويصبح من الصعب تحمل تكلفة السلع ذات الجودة الأعلى. إنها تذكير بأن قراراتنا المالية ليست دائمًا اختيارية، بل تخضع أحيانًا للظروف الاقتصادية التي تحكم حياتنا.

ما هي «سلع جيفن» في حياتك اليومية؟ وهل سبق أن وجدت نفسك مضطرًا لشراء المزيد من سلعة ما رغم ارتفاع سعرها؟

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية

مقالات مشابهة

  • سعد الحريري: تولّي الشرع رئاسة سوريا دليل على تحررها من الطغيان
  • الغارديان: خطة ترامب لغزة تترك الدول العربية أمام خيار مستحيل
  • عون أكد أمام لازارو ادانته للاعتداء الذي تعرض له اليونيفيل: : الامن خط احمر
  • ستيف ويتكوف.. "رجل الصفقات" الذي يعيد تشكيل السياسة الأمريكية
  • المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة
  • ترامب متأرجح بين العقوبات وتجنُّب الحرب المفتوحة.. الخيار العسكري الإسرائيلي يدق أبوابَ إيران بسبب «العتبة النووية»
  • سلع جيفن .. عندما يصبح الخيار الأرخص هو الحل الوحيد!
  • نتانياهو يطالب بمنح سكان غزة "خيار المغادرة"
  • ترامب:الذي ينقذ بلاده لا ينتهك أي قانون