وزيرة دفاع نيوزيلندا للجزيرة نت: نحتاج إلى زيادة إنفاقنا الدفاعي وأميركا حليف قديم
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
أحدثت ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية في البيت الأبيض كثيرا من الاضطرابات في مختلف أنحاء العالم. ففي أوروبا، ألقت قضية الزيادة في الإنفاق الدفاعي بظلالها على مالية أوروبا بشكل غير مسبوق.
وفي الجانب الآخر من العالم جغرافيا، تعتبر الولايات المتحدة المحيطين الهندي والهادي مسرحها الأول لما يطلق عليه البنتاغون "منافسة القوى العظمى"، مما يدفعها إلى مطالبة الحلفاء والشركاء في المنطقة بإنفاق المزيد على الدفاع، بمن فيهم نيوزيلندا.
وفي مقابلة خاصة مع وزيرة دفاع نيوزيلندا جوديث كولينز على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، تحدثت الوزيرة عن الإنفاق الدفاعي والوضع الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، فضلا عن حلف شمال الأطلسي وعلاقة بلادها مع واشنطن وبكين.
وباعتبار أن نيوزيلندا عضو في تحالف "العيون الخمس" الأمني المهم، أكدت كولينز أن الرئيس الأميركي ترامب محق في المطالبة بمزيد من الإنفاق على الدفاع، سواء في نيوزيلندا أو في بلدان أخرى، قائلة: "لا نستطيع أن نأمل فقط أن يلتزم الجميع بحدودهم وأن نتوقع من الولايات المتحدة أن تأتي وتساعد دون بذل جهد من جانبها".
وأضافت: "نحن واضحون جدا في أننا بحاجة إلى زيادة إنفاقنا الدفاعي بشكل كبير. وقد أمضينا -مثل عديد من الدول الأخرى- الـ35 سنة الماضية في التفكير في كيفية توفير المال في الدفاع، ونعمل حاليا على وضع خطة بشأن مقدار الأموال وكيفية إنفاقها".
إعلانوتابعت الوزيرة "عندما تولينا الحكومة قبل أكثر من عام بقليل، ورثنا قوة دفاع فقدت كثيرا من الأفراد ذوي الخبرة، وكان ذلك بسبب الطريقة التي استخدمت بها الحكومة السابقة الدفاع لإدارة عمليات الإغلاق بسبب جائحة فيروس كورونا ومرافق العزل".
وفيما يتعلق بخطاب جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي في المؤتمر، ذكرت المسؤولة النيوزيلندية أنها تتفهم محاولته إثبات وجهة نظره بشأن حرية التعبير والديمقراطيات والحاجة إلى إنقاذها لتكون قوية.
وكان فانس قد أثار استياء القادة الأوروبيين خلال كلمته في اليوم الأول من مؤتمر ميونخ للأمن، إذ انتقد السياسات الأوروبية بشأن الهجرة وحرية التعبير، معتبرا أن أوروبا تراجعت عن بعض أهم قيمها الأساسية.
المحيط الهندي والهادي
ولا تعتقد كولينز أن منطقة المحيطين الهندي والهادي مكان سلمي، بسبب "بعض السلوكيات العدوانية والصعبة التي تقع من وقت لآخر"، على حد قولها.
ووصفت الوزيرة الصاروخ الباليستي الصيني العابر للقارات الذي أطلق قبل بضعة أشهر عبر المحيط الهادي إلى منطقة المحيط الهادي الخالية من الأسلحة النووية بـ"جرس الإنذار الحقيقي" لبلدها وباقي الدول الأخرى، لأنه برهن مدى التوتر الذي أصبحت تعاني منه المنطقة.
وأوضحت أن بلدها منخرط أيضا في قانون البحار التابع للأمم المتحدة للتأكد من مشاركته في عمليات العبور عبر مضيق تايوان وبحر جنوب الصين، وأنهم منخرطون في أعمال العقوبات على كوريا الشمالية ويدركون جيدا أن الأوضاع تتغير.
وفي حديثها عن مدى تأثر نيوزيلندا بما يحدث في أوكرانيا والشرق الأوسط والمحيطين الهندي والهادي، ترى كولينز أن دولا مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية تطل على المحيط الهادي، فضلا عن بلدها والولايات المتحدة وكندا وغيرها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى إثارة مزيد من القلق بشأن ما تفعله روسيا، وخاصة مشاركة كوريين شماليين معها في القتال بأوكرانيا.
إعلانوفي سياق متصل، أشارت الوزيرة إلى أهمية المياه وما تحتويه في هذه المنطقة، بما في ذلك الأسماك والمعادن والموارد، قائلة "لدينا حلقة من النار تحتنا في المحيط الهادي، لذا ندرك تماما أن الدول الأخرى قد ترغب في أخذ مواردنا".
حلف الناتووفي تقييمها لأداء حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال السنوات الماضية، ترى كولينز أن الناتو يكثف جهوده كتحالف دفاعي "شاركتُ في الحلف العام الماضي بصفتي وزيرة للدفاع في نيوزيلندا، ووجدت أن الناتو يعمل بجدية شديدة للتحسن، تحت قيادة الأمين العام الـ14 للحلف مارك روته".
أما بالنسبة للدور الذي يسعى الناتو إلى القيام به في منطقة المحيطين الهندي والهادي، قالت الوزيرة إن "نيوزيلندا هي واحدة من الدول الأربع المشاركة في هذه المنطقة، وأعتقد أنهم يدركون تماما أن المحيط الهادي -وخاصة مع الدول المشاركة في أوروبا والمحيط الهادي- لا يزال منطقة مهمة للغاية ومنطقة أخرى قد يكون فيها صراع".
أميركا والصين
وأشادت وزيرة دفاع نيوزيلندا بعلاقات بلادها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بالقول: "كنا معها في وقت لم تكن فيه عديد من الدول الأخرى في أوروبا كذلك"، موضحة "عملنا معا في جمهورية كوريا، ونشارك في قوة الأمم المتحدة هناك والتي تساعد في الحفاظ على السلام في شبه الجزيرة الكورية".
وأضافت كولينز "عملنا مع الولايات المتحدة في أفغانستان وكل أنحاء العالم تقريبا. كما يعود تعاوننا إلى نهاية الحرب العالمية الثانية".
وتعتبر نيوزيلندا جزءا من اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الخمس، إذ يتكون "مجلس مراقبة ومراجعة الاستخبارات التابع لدول العيون الخمس" من هيئات الرقابة والمراجعة والأمن الاستخباراتية غير السياسية في أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وعن علاقة بلادها مع الصين، أكدت الوزيرة على قوة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فضلا عن التعاون في مجال البحث العلمي على مر السنين، موضحة أن "الصين هي أكبر شريك تجاري لنا، لكن العلاقة مع أميركا تعود إلى فترة طويلة جدا وتجمعنا بها علاقة ثقة متبادلة وتقدير، فضلا عن القيم الديمقراطية المشتركة".
إعلانوأضافت كولينز "عند النظر إلى الترتيبات الأمنية، فإننا نتوافق بشكل وثيق مع شركائنا القدامى، وحليفنا الرسمي الوحيد من الناحية العسكرية هي أستراليا، لذا فإننا نعمل معهم بشكل وثيق أيضا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المحیطین الهندی والهادی الولایات المتحدة الإنفاق الدفاعی المحیط الهادی الدول الأخرى منطقة المحیط فضلا عن
إقرأ أيضاً:
هل نَجَحَ مُؤتَمَر لَنْدَن فِي التَحَوُّل مِن حَدثٍ عَابِرِ إلى مِنَصَّة مُسْتِدامَة؟
هل نَجَحَ مُؤتَمَر لَنْدَن فِي التَحَوُّل مِن حَدثٍ عَابِرِ إلى مِنَصَّة مُسْتِدامَة؟
Has London Conference Succeeded in Transcending
from a Momentary Event to a Sustainable Platform?
(رؤية لآلية مستدامة لإنهاء الصراع في السودان)
البروفيسور مكي الشبلي
المدير التنفيذي - مركز مأمون بحيري، الخرطوم
على خلفية الجمود السياسي الناجم عن إخفاقات مساري بورتسودان (الجيش وحلفائه) ونيروبي (قوات الدعم السريع وحلفائها)، وتفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، نظر العالم لمؤتمر لندن كنقطة تحوّل حاسمة في مسار حرب السودان التي دخلت عامها الثالث. وساد تفاؤل بأن المؤتمر لن يكون كسابقيه مجرد تجمع دبلوماسي عابر، بل سيتحول لمنصة سياسية مستدامة تُميّزه عن المبادرات السابقة الفاشلة. وفي ضوء هذه التطلعات عُقد المؤتمر في لندن يوم 15 أبريل 2025 بدعوة من المملكة المتحدة، وبمشاركة دولية وإقليمية واسعة شملت 17 دولة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية. ولم تُدعَ الأطراف السودانية العسكرية المتحاربة للمشاركة بحجة فشلها في الالتزام بوقف إطلاق النار، ورفض منح شرعية دولية لأي من الطرفين، وإفساح المجال لـ"المسار الثالث" المدني، وتجنب تسييس الملف الإنساني الذي يجره حضور الطرفين، والتحفظات الأوروبية على انتهاكات الطرفين.
بيد أن المؤتمر فشل في إصدار بيان ختامي موحد بسبب اعتراضات دول عربية داعمة لطرفي النزاع، هي مصر والإمارات والسعودية. وغلب على مخرجات المؤتمر الطابع الإنساني والإغاثي، مع تعهدات مالية تجاوزت مليار دولار لدعم السودان والدول المجاورة المتضررة من النزاع. حيث تعهدت المملكة المتحدة وحدها بتقديم 120 مليون جنيه إسترليني إضافية (158 مليون دولار) لمساعدة المتضررين من الحرب. وتعهدت ألمانيا بتقديم 125 مليون يورو، وتعهدت فرنسا بتقديم 50 مليون يورو. ولم يُشكّل المؤتمر أي آلية لمتابعة وقف إطلاق النار أو إطلاق عملية سياسية جديدة، مما أعاد التأكيد على هشاشة الإرادة الدولية في التعاطي مع جذور الصراع في السودان.
ولعل اللافت في مخرجات مؤتمر لندن الدور المحوري الذي لعبته السعودية والإمارات ومصر في إفشال خروج المؤتمر ببيان ختامي نمطي موحد، وتشكيل مجموعة اتصال دولية لتيسير مفاوضات وقف إطلاق النار، رغم محدودية الدول الثلاث مقارنة ببقية المشاركين من الدول العظمى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وقد سلّط ذلك الضوء على التناقض بين الوزن الجيوسياسي الظاهري لبعض الدول، والتأثير العملي الذي تفرضه أحياناً عوامل غير تقليدية. فالدول العربية الثلاث قد تكون "أضعف" من حيث التأثير الدولي، لكنها ليست الأضعف سياسياً أو تأثيراً في الملف السوداني، لأسباب استراتيجية. فالإمارات يُشتبه في دعمها اللوجستي والعسكري لقوات الدعم السريع، ومصر تميل لدعم الجيش السوداني بسبب تشابك الأمن القومي خاصة مع ملف سد النهضة وحساسية علاقتها مع إثيوبيا، والسعودية رغم محاولاتها الظهور كوسيط، إلا أنها استضافت مفاوضات جدة المتعثرة، مما جعلها تميل لاحقاً لموقف محافظ. وعليه فإن هذه الدول تمسك بخيوط التأثير الميداني عبر دعم مباشر أو غير مباشر لأطراف الصراع، مما يمنحها قدرة على تعطيل التوافقات الدولية حول "المسار الثالث" أو تسوية لا تمر عبر حلفائها طرفي حرب السودان. ومن ناحية أخرى فإن مؤتمر لندن لم يكن سوى تجمُّع لمجموعة دول عالمية وإقليمية ذات رؤى متباينة تجاه السودان، مما عقَّد إصدار بيان ختامي يلبي الطموحات في ظل غياب توافق جماعي أو على الأقل عدم اعتراض صريح. وعليه استغلت الدول العربية الثلاث حق التحفّظ أو الاعتراض ضد أي صياغة تُحمّل طرفاً بعينه مسؤولية الحرب، أو تُلمّح بعدم شرعية الأطراف المسلحة، أو تُروج لمسار مدني ثالث كبديل. وقد ساعد هذه الدول جوهريَّاً في إفشال التوافق افتقار الولايات المتحدة وأوربا لإرادة سياسية موحّدة أو أدوات حقيقية لتحجيم الدور الذي لعبته الدول العربية الثلاث في مخرجات مؤتمر لندن، واضعين في الاعتبار أن الإمارات هي الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، وبالتالي يصعب فصل دورها العلني من الدور الخفي الولايات المتحدة في مؤتمر لندن.
وعليه فقد كشفت مآلات مؤتمر لندن انقساماً دولياً وإقليمياً حول أطراف الصراع تجلى بوضوح في تمادي بعض الدول في استمرار نفوذها من خلال دعم أحد طرفي الحرب. كما أبرزت تهميش الفاعلين المدنيين تَجَسَّد في غياب رسمي لتمثيل قوى "المسار الثالث" رغم أنها تٌعتبَر المَخْرَج الوطني الوحيد المتحرر من ثنائية الحرب، والتي تستمد سندها الشعبي الواسع من لجان المقاومة، والقوى المدنية المستقلة شاملة تجمع المهنيين، والحركات النسوية والمبادرات الشبابية، والشخصيات المستقلة من التكنوقراط والمجتمع المدني، والقاعدة الحزبية التي يرتكز عليها تحالف تقدم ومن بعده تحالف صمود.
وعلى الرغم من فشل مؤتمر لندن في إحداث اختراق فوري، فقد أتاح فرصة حقيقية للبناء عليها نحو مسار مدني شامل يُخرج السودان من أتون الحرب. ويقع على عاتق المجتمع الدولي الذي شارك في المؤتمر مسؤولية الإقرار بهذه اللحظة المفصلية التي وفرها مؤتمر لندن، للتحول من مربع إدارة الأزمة إلى أفق تمكين قوى التغيير المدني لقيادة مشروع وطني متكامل لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي في السودان.
وبرغم فشل مؤتمر لندن في الخروج من حالة الحدث العابر، بصيرورته لمنصة سياسية مستدامة تُميّزه عن المساعي والمبادرات السابقة الفاشلة، يبقى أمل السودانيين معقوداً على مبادرات أكثر شمولية تستوعب دور "المسار الثالث" الذي يُشِرك الأطراف السودانية المدنية والعسكرية، ويدعو لتبنى أسس متماسكة لوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية ذات مصداقية. وتتمثل الرؤية لآلية مستدامة لإنهاء الصراع وإعادة الإعمار في السودان فيما يلي:
1. التوافق على خارطة طريق واضحة ومتدرجة تشمل وقف إطلاق نار مُراقب ويُنفَّذ عبر آلية هجينة تتضمن أدوات تكنولوجية وبشرية تنطوي على مزيج من التقنيات الحديثة والأقمار الصناعية لتعزيز قدرات رصد الخروقات، وعدد محدود من المراقبين العسكريين لبناء الثقة وتفسير البيانات ورفع التقارير، بحيث تُكَمِّل التكنولوجيا النجاعة البشرية ولا تحل محلها وتساعد في تفعيل وإنفاذ ممرات إنسانية مستقلة.
2. إنشاء آلية دولية من مصادر ثنائية ومتعددة الأطراف للمتابعة السياسية والفنية تشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول الترويكا والاتحاد الأوروبي، بحيث تشرف هذه الآلية على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية وتقدم تقارير منتظمة إلى الشركاء الدوليين.
3. إنشاء أمانة سياسية دائمة مقرها لندن، للاستفادة من دور بريطانيا كحاملة القلم بشأن السودان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتنسيق اجتماعات ربع سنوية، والتواصل الدبلوماسي، والمساعدة الفنية.
4. الإدماج المؤسسي للقوى المدنية "المسار الثالث" بتعظيم دور لجان المقاومة كممثل شرعي لثورة ديسمبر السودانية، وضمان مشاركتها في العمليات السياسية المستقبلية، وبناء قدراتها لتطوير انتشارها الجغرافي لينبثق عنه كيان هرمي فاعل سياسياً ومسيطر ميدانياً يعبِّر حصريَّاً عن تطلعات السودانيين في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر الشعبية. أما بالنسبة لتحالفات تقدم (صمود)، وتجمع المهنيين، والأحزاب، فيَحْسُن لها العودة للتوحد في كيان الحرية والتغيير عبر إطلاق حوار مسؤول يرمي لجمع الشمل مجدداً حول أهداف ثورة ديسمبر بعد التشظي الذي أفرزته صراعات الاستئثار بالسلطة.
5. إنشاء صندوق دولي للإنعاش المدني بإدارة شفافة من قبل هيئات مدنية مستقلة تحت إشراف دولي لتمويل الاستجابة الإنسانية، والخدمات الأساسية، وبناء المؤسسات والبنى التحتية التي دمرتها الحرب، ودعم فترة انتقالية لا تقل عن خمس سنوات لتنفيذ عقد اجتماعي بين الدولة والشعب السوداني، والمساعدة في تلبية شروط إجراء انتخابات حرة ونزيهة، مع مراعاة ضرورة ربط السحب من صندوق الدعم الدولي بالتزامات ملموسة والتقدم المُحْرَز في الانتقال المدني.
melshibly@hotmail.com