لجريدة عمان:
2025-02-18@20:05:53 GMT

«لحظة الحسم الأولى» في الابتكارات التكنولوجية

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

منذ أكثر من عقد من الزمن، ظهرت مقولات مختصرة تستشرف ملامح الابتكارات التكنولوجية، فانتشر في البدء ما مفاده بأن «البرمجيات تلتهم العالم»، وبعد عدة سنوات، تراجعت هيمنة البرمجيات على المشهد العلمي مع تصاعد التقدم المتسارع للخوارزميات وتعلم الآلة، فتحولت المقولة إلى أن «الذكاء الاصطناعي يلتهم البرمجيات»، وتدور الحوارات العلمية في الوقت الراهن حول ماهية التقدم العلمي القادم الذي سوف يلتهم الذكاء الاصطناعي، فدورة التطوير التكنولوجي لن تتوقف، وهنا يكمن التحدي الأكبر الذي يواجه قادة الأعمال والتكنولوجيا على حدٍ سواء، وهو تحديد لحظة الحسم الأولى في الابتكارات وبشكل استباقي.

تعالوا نقترب أكثر من عالم الاستثمار المغامر في التكنولوجيا الذي يستوجب الحس العالي من الاستشراف الاستراتيجي، ونسترجع تصريحات جينسن هوانج، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا (Nvidia)، حيث قال: «التعلم العميق هو ضرورة استراتيجية لكل شركة تكنولوجيا كبرى، فهو يتغلغل بشكل متزايد في كل جانب من جوانب العمل، من البنية الأساسية إلى الأدوات، إلى كيفية تصنيع المنتجات»، وهذا التصريح يلخّص ثقافة وفكر شركة إنفيديا التي حققت نجاحات غير مسبوقة من حيث القيمة السوقية، والإيرادات التي لم تتوقف عن التصاعد حتى في ذروة جائحة كورونا، تأسست هذه الشركة في عام 1993م، وكانت حينها تصمم نوعًا من شرائح الحاسوب القابلة للبرمجة، وبدأت الشركات المنافسة في إنتاج وحدات المعالجة المركزية التي تعمل كأساس لعمليات الحوسبة والبرمجيات الأساسية، وفي تلك المرحلة اتخذت إنفيديا قرار الابتعاد عن خط إنتاج المنافسين، والبدء في خط آخر يتركز حول تطوير وحدات معالجة الرسومات لتمكين دمج ألعاب الفيديو في الحواسيب الشخصية، ومع الوقت تطورت هذه الوحدات للاستخدامات الأخرى مثل معالجة معلومات الصور لأجهزة الاستشعار عن بعد، مما خلق الطلب عليها في قطاعات النقل والصناعة، وأسست إنفيديا سلسة متكاملة للقيمة وللتوريد في مجال الرسومات ثلاثية الأبعاد لأجهزة الحاسوب الشخصية، ثم دخلت عالم الذكاء الاصطناعي، وبذلك حققت الريادة والاستدامة معًا.

كان القرار الحاسم الذي واجهه مؤسسو شركة إنفيديا هو المفاضلة بين الاستثمار في مجال شديد التنافسية حيث يتعين بذل الكثير من الجهود من أجل التميز، أو المبادرة بدخول سوق لم يكن موجودا فعليًا على الواقع، أو كما يُطلق عليه مسمى «سوق بقيمة صفر مليار دولار»، والاستعداد لتحمل المخاطر المحسوبة في استكشاف خطوط إنتاج جديدة، وعلى الرغم من هذا القرار قد تم اتخاذه في وقت مبكر لاستشراف العوائد المجزية من الاستثمار في سوق أجهزة الحاسوب ذات الرسومات ثلاثية الأبعاد، وكان كذلك محفوفًا بالمخاطر التقليدية التي تواجه المستثمرين في المراحل المبكرة، ومعظم شركات التكنولوجيا المدعومة من رأس المال الجريء، إلا أنها كانت بمثابة لحظة الحسم الأولى التي رسمت معالم الطريق لمستقبل الشركة، ووضعت حجر الأساس لجميع القرارات التي تبعتها، ومهدت لتحقيق الإنجازات الاستثنائية التي تميزت بها إنفيديا.

وإذا وضعنا في الحسبان بأن تعريف لحظة الحسم الأولى ليست من الأمور السهلة التي يمكن لأي مبتكر أو شركة ابتكارية تحديدها، فإنه من الأهمية بمكان فهم الموقع الفعلي للمبتكر في البيئة التنافسية، وبحسب مصفوفة الابتكار التي تعتمد على محوري الاستثمار ومجال التركيز؛ هناك أربعة تصنيفات رئيسة، فالمبتكر إما أن يكون من النوع الصياد، أو الباني، أو المستكشف، أو المجرب، ولكل تصنيف متطلبات مختلفة من المهارات من أجل تحديد لحظة الحسم الأولى، فالشركات التي تقع في أعلى يمين المصفوفة هي للمبتكرين البناة الذين يوجهون استثمارات كبيرة، ولكنها تستهدف الابتكارات الداخلية بشكل أساسي، وبعبارة أدق؛ هم يستثمرون في بناء قوة الابتكار، والشركات ذات نمط ابتكار الصياد تنقل التركيز إلى الاستثمار الخارجي، وأما المستكشف والمجرب فيستثمرون بنسبة أقل في قدرات الابتكار مع اختبار مجالات الاستثمار واغتنام الفرص الخارجية، وهنا تأتي الأهمية الكبيرة في فهم موقع الابتكار في المصفوفة قبل افتراض لحظة الحسم الأولى، فكل مربع يحوي عددًا متكافئًا من الفرص والمخاطر، وموقع الابتكار من المصفوفة ليس ثابتًا، فديناميكية التطوير التكنولوجي تفرض التكييف والمواءمة، ولكن الإزاحة من مربع إلى آخر تعني في الوقت ذاته القبول بالمقايضات، وتحمل الرهانات التي يكتنفها عدم الوضوح، وفي المجمل العام، يجب أن تكون نقطة البداية من أسفل المصفوفة، ثم التحرك إلى الأعلى بشكل تدريجي عندما تصل قدرات الابتكار إلى مراحل قابلة للتوسع، واتخاذ قرارات مصيرية في الاستثمار والتوسع في الأعمال.

إن البحث عن اللحظات الحاسمة في مستقبل الابتكار التكنولوجي لا يتوقف عند احتساب الفرص الواضحة والقريبة، ولكنه يتطلب توظيف الرؤية الاستشرافية منذ بداية الرحلة الابتكارية التي هي في جوهرها نتاج مسارات متعددة لتحقيق التفوق والريادة، ولكن هناك دائمًا لحظة واحدة وهي حاسمة وضرورية للبقاء على الخريطة التنافسية، ومن يتأمل قادة التكنولوجيا من الشركات العلمية والتكنولوجية، والباحثين والمبتكرين في المراكز البحثية ووحدات البحث والتطوير يمكنه أن يشاهد كيف تتشكل المحاولات والأفكار الابتكارية إلى برامج ومشروعات وقصص، وأي منها تمكن من الصمود في وجه المتغيرات، وأيها تلاشى عن المشهد بأكمله، وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على الأهمية الكبيرة في معرفة الفرق الشاسع بين الابتكارات التقليدية التي تتطلب القليل من الاستشراف، وبين الابتكارات الرائدة التي تعيد فهم التحديات بمنظور مختلف وعصري، وتضع الحلول المستدامة على عدة سياقات، ولا تكتفي بالحلول العاجلة والسريعة التي يمكن أن تخلق أحيانًا تجربة مجزأة، ولكنها توجه الابتكار إلى التحسين التراكمي مثل تطوير نماذج العمليات على طول سلسلة القيمة، ومسارات اكتساب العوائد، وعلى مستوى الثقافة الابتكارية، ولا يتوقف تركيزها عند هذا الحد، ولكنه يصل كذلك إلى الارتقاء بالمسيرة الابتكارية لخطوات استباقية إلى الأمام، وأفضل قصص الابتكار على مر التاريخ لم تخل من تلك اللحظة المفصلية التي أحدثت النقلة الذهبية، وهذا يفرض على المبتكرين وشركات الابتكار ضرورة إدراك أن الانفتاح على الأفكار الجديدة والمتنوعة هو أساس استشراف المدى البعيد، وتحقيق الاستدامة في الابتكارات التكنولوجية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خلال حفل تصنيف الجامعات العربية بالسعودية.. تكريم جامعة طيبة التكنولوجية

شهد الدكتور عادل زين الدين، رئيس جامعة طيبة التكنولوجية، حفل تكريم الجامعة ضمن الجامعات العربية المدرجة في التصنيف العربي لعام 2024، والذي أقيم في رحاب جامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية.

افتتح الحفل الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية الدكتور عمرو عزت سلامة، ومدير جامعة الملك خالد، الدكتور فالح رجاء الله السلمي، وذلك احتفاء بجهود المؤسسات التعليمية في تطوير التعليم العالي وتعزيز التميز الأكاديمي والبحثي في الوطن العربي، بحضور ممثلي اتحاد الجامعات العربية والمؤسسات الأكاديمية العربية.

أعرب الدكتور عادل زين الدين عن فخره واعتزازه بهذا التكريم، مؤكداً أنه يعكس التزام الجامعة الراسخ بالتميز الأكاديمي والبحثي.

وأشار إلى أن هذا الإنجاز يعزز مكانة الجامعة بين المؤسسات التعليمية المرموقة في الوطن العربي، ويحفزها على مواصلة التطوير والتحسين المستمر.

وأضاف: "هذا التكريم هو شهادة على جهود جامعة طيبة التكنولوجية في توفير بيئة تعليمية محفزة تدعم الابتكار والإبداع، وتسهم في تخريج أجيال قادرة على المنافسة في سوق العمل العالمي."

وتشارك جامعة طيبة التكنولوجية بفاعلية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال برامجها التعليمية والبحثية التي تركز على إيجاد حلول للتحديات المجتمعية والبيئية. كما تسعى الجامعة إلى تعزيز الشراكة مع القطاعات المختلفة لتبادل الخبرات وتطوير البحث العلمي التطبيقي.

تؤكد جامعة طيبة التكنولوجية التزامها بخدمة المجتمع، من خلال تقديم برامج تدريبية وورش عمل تساهم في تطوير مهارات الشباب وتمكينهم. كما تعمل الجامعة على تعزيز الوعي بأهمية التنمية المستدامة، وتشجيع الطلاب على المشاركة في المبادرات التي تخدم المجتمع.

تواصل جامعة طيبة التكنولوجية العمل الجاد لتحقيق رؤيتها في أن تصبح مؤسسة تعليمية رائدة على المستويين الإقليمي والدولي. وتسعى الجامعة إلى تطوير برامجها الأكاديمية باستمرار، وتوسيع شراكتها مع المؤسسات المرموقة في جميع أنحاء العالم.

وقد بلغ عدد الجامعات التي تقدمت للتصنيف العربي في النسخة الثانية هذا العام ٣٧٣ جامعة ممثلة لعدد ١٦ دولة بزيادة قدرها ١٦٥ جامعة عن النسخة الأولي، وقد أكمل هذا العام متطلبات التصنيف ١٨٠ جامعة ممثلة لعدد ١٦ دولة.

يذكر أنه جرى إطلاق التصنيف العربي للجامعات رسمياً عام ٢٠٢٢ من مقر جامعة الدول العربية بعد تضافر جهود اتحاد الجامعات العربية بالتعاون مع جامعة الدول العربية، والمُنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، واتحاد مجالس البحث العلمي العربية. والذي يهدف إلى تحسين مُخرجات التعليم العالي والبحث العلمي لتمكينها من قيادة التطور العربي والوصول للجامعات العربية إلى الجيل الثالث والرابع للجامعات، وأن يولد في العالم العربي تصنيف دولي بمعايير حديثة تواكب متطلبات الوطن العربي -جنباً إلى جنب- مع تصنيفات الجامعات الدولية الأخرى.

مقالات مشابهة

  • التحول لـ«الرقمنة».. محو الأمية التكنولوجية وتنمية مهارات الأمن السيبراني
  • الكوادر التكنولوجية.. تأهيل 12 ألف شاب سنويا بتكلفة 3 مليارات جنيه
  • تم الحسم.. ثلاثى الأهلى يقترب من التجديد| من هم؟
  • تكريم طيبة التكنولوجية خلال حفل تصنيف الجامعات العربية بالسعودية.. صور
  • جولة الحسم.. أبطال أوروبا وصراع التأهل
  • خلال حفل تصنيف الجامعات العربية بالسعودية.. تكريم جامعة طيبة التكنولوجية
  • "مؤتمر مسقط الدولي للأورام" يستعرض أحدث الابتكارات العلاجية
  • البرلمان يقترب من الحسم.. قانون الحشد الشعبي على أعتاب التصويت المصيري
  • بعد تحقيق الإعلان 8 ملايين مشاهدة.. الصور الأولى من مسلسل «فى لحظة»