لجريدة عمان:
2025-02-18@20:02:33 GMT

نصح وإصلاح أم استهزاء وهدم

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

يمرّ العالم اليوم بتحدّيات كبرى سياسيّة وماليّة، أمام لغط إعلاميّ، وصراعات فئويّة، وهناك نار يُراد لها أن تتمدّد لجعل البلدان الآمنة يسودها الخراب والصّراعات الأهليّة، خصوصا في عالمنا العربيّ، نتيجة الأوضاع غير المستقرّة في العديد من أقطاره الكبرى، يسود هذا تسطيح في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ومحاولة جرّ المجتمعات إلى صراعات طائفيّة ومناطقيّة، والاشتغال بالشّخوص استهزاء أكثر من الاشتغال بالأفكار نقدا وإصلاحا.

وإذا كانت جائحة كورونا أثبتت حقيقة الواقع الإنسانيّ في العالم أجمع، من انخفاض معدّلات العدالة بين الشّعوب، وكشفت عن المآسي غير الإنسانيّة للعديد من شعوب العالم، هذا ذاته كشف الواقع الاقتصاديّ الّذي يعيشه العالم، من رأسماليّة بشعة، وأكل لخيرات الشّعوب، واستغلال لحاجاتهم، فكلّما توغلت في العديد من العوالم تجد معنى الاتّجار بالبشر، وجعلهم في مستويات أدنى نتيجة سياسات بعض دول الرّجل الأبيض، وخلل في العقل الإداريّ من الدّاخل، والاعتماد على مصادر معينة وإهمال مصادر أخرى لها ديمومتها وأهميّتها، وعدم الاستفادة من المحيط الأفقيّ للدّول المجاورة، لأسباب سياسيّة أو طائفيّة، فعالمنا العربيّ مثلا من أكثر الدّول قدرة على الثّراء الاقتصاديّ، بما يحويه من تنوع جغرافيّ وثقافيّ، ومن وفرة بشريّة ومعدنيّة، بيد أنّ أغلب أقطاره يسوده الفقر والضّعف المعيشيّ.

وأكثر ما يقود إلى الفقر، وما يتبعه من تشريد واتّجار بالبشر هي الحروب والصّراعات الأهليّة، فتتحول البلدان الآمنة المطمئنّة إلى بلدان متحاربة نتيجة الفراغ السّياسيّ، وما دخلت الصّراعات الأهليّة في دولة ما إلّا وكان الخروج منها ليس يسيرا، بل يحتاج إلى فترة طويلة من الاستقرار والتّعافيّ السّياسيّ، وهذه الفترة كافية أن تجعل الأرض بلاقع، وأن تأكل الأخضر واليابس، ولكي يسودها التّعافي في الأجزاء الأخرى اقتصاديّا وتنمويّا، وحتّى تعود الدّولة إلى وحدتها واستقرارها ونظامها الجامع بين الجميع من حيث المواطنة الواحدة؛ هذا لا يتحقّق في عشيّة وضحاها.

لهذا وصول الدّول إلى حالة من الاستقرار الأمنيّ لابدّ أن يُحافظ عليه أمام التّحدّيات الّتي تسود العالم اليوم، فهي تحدّيات عالميّة كما أسلفتُ، كان لعالمنا العربيّ للأسف نصيبا كبيرا فيها، فعودة اليمن والسّودان وليبيا وسوريا مثلا إلى وضع الدّولة الآمنة المستقرّة؛ هذا يحتاج إلى وقت له آثاره السّلبيّة الحاليّة، ولكن لابدّ من وجود دولة وطنيّة واحدة جامعة بين الجميع، وفق نظام أو دستور يتعاقدون عليه؛ لأنّه لا يمكن تحقّق انتعاش اقتصاديّ وتنمويّ إلّا بوجود دولة وطنيّة آمنة ومستقرّة، لتتحرّك الجوانب الخدميّة بسهولة فيها، وينشط الاستثمار والنّمو الاقتصاديّ تبعا لذلك، وهذا يؤثر إيجابا على استقرار العملة ودوران المال.

لهذا محاولة جرّ البلدان الأخرى الآمنة والمطمئنة والمستقرّة سياسيّا إلى حالة الصّراعات الدّاخليّة، واستدعاء الخلافات الطّائفيّة والقبليّة والمناطقيّة، في حالة من السّخرية والاستهزاء؛ هذا بعيد عن الإصلاح المتمثل في المشاركة لتحقيق رؤية إصلاحيّة واقعيّة أمام التّحدّيات الّتي يعانيها العالم، وأمام الواقع الّذي تعيشه المجتمعات الإنسانيّة اليوم، فالثّاني حالة صحيّة لا خلاف فيه، عندما نجد قراءات تصحيحيّة ونقديّة واضحة، وليس سخرية واستهزاء الّذي لا ثمرة واقعيّة له، ولا يخدم أيّ مسيرة تصحيحيّة أو إصلاحيّة، أيّا كانت صورتها وتمثلاتها.

وإذا كان هناك تحدّيات اقتصاديّة نتيجة التّضخم، وما يسود العالم من انعدام العدالة الإنسانيّة بين أجزائه، وما يسوده من حروب واضطرابات؛ علاجه لا يكون بحال من الأحوال في خلق فوضى داخليّة، فهذا ليس علاجا ولا إصلاحا، فلا يكون ذلك عن طريق «تغريدات» لا غاية إصلاحيّة منها إلّا خلق شيء من الإثارة والفوضى الدّاخليّة، كذلك ليس عن طريق القراءات المسطحة والهامشيّة، بل لابدّ من وجود تدافع حقيقيّ وعلى رأسه القراءات المنطقيّة والعقلانيّة والواقعيّة، والّتي تنطلق ابتداء من الحفاظ على استقرار الوطن؛ لأنّه إذا اختل أمن واستقرار الأوطان؛ لا يمكن بحال الحديث عن إصلاح أيّا كان نوعه وغايته؛ فعوامل الإصلاح عديدة، وعلى رأسها مؤسّسات العمل المدنيّ، ثمّ الشّراك المجتمعيّ المنطلق ليس من ردّات الفعل النّاتج عنه انطباعات شخصيّة، وقراءات فئويّة هامشيّة، بل إلى تأسيس الفعل من خلال رؤية معرفيّة وبحثيّة شموليّة غايتها الإصلاح، يساهم فيها خبراء ومختصّون بشكل تطوّعيّ فرديّ، أو مؤسسيّ ثقافيّ ومجتمعيّ، هذه القراءات تساهم بشكل أكبر في تقديم العلاج الواقعيّ أمام تحدّيات المنطقة والعالم.

إنّ تسطيح الواقع، وتصوير القضايا وكأنّها مكعبات تنقل من هنا إلى هناك، في الواقع يدرك الجميع أنّه معقّد جدّا، فالتّسطيح والتّبرير كلاهما بعيدان عن الإصلاح، فالأول محمول بشحنات سالبة ملغية للآخر وحسناته، ولا تنطلق من واقع حقيقيّ، والثانيّ كالمسكنات الّتي ينتهي مفعولها يوما ما، لهذا كما أسلفت في مقالة سابقة لي في جريدة عُمان بعنوان «نحو إنشاء مؤسّسة بحثيّة في قراءة القضايا الحيّة»؛ لأنّ هذه المؤسّسات «ترفد المجتمع بعد حين بمتحدّثين وباحثين لهم كفاءتهم ورؤيتهم العميقة، خصوصا في وسائل الإعلام المحليّة والخارجيّة، لا يتوقفون عند الاجتهادات الشّخصيّة، ولا عند الانطباعات القاصرة، ولا عند المصالح الآنيّة، بل لهم عمقهم المعرفيّ، وإدراكهم العميق للواقع وتحدّياته، وقدرتهم على التّفكيك والنّقد والتّحليل»، كما أنّها «ترفد المجتمع بعد حين بقراءات عميقة، يكون لها القدرة في تفكيك البنية الفكريّة والاجتماعيّة» والاقتصاديّة.

وهذا لا يمنع من جود شراك أفقيّ في الحديث عن الإصلاح يستفاد منه إذا كان فعلا الغاية منه الإصلاح وليس ردّات فعل مشحونة بسبّ وشتم واستهزاء وتقزيم للواقع، ونكران لأيّ حسنة في المجتمع، كما يجب على الجميع الحفاظ على استقرار الأوطان، وما وصلت إليه من إصلاحات خدميّة واقتصاديّة، قائمة على إصلاحات تقنينيّة وتشريعيّة والبناء عليها، وإلّا محاولة الرّجوع إلى النّقطة الصّفر، وما دون الصّفر، فسوءات ثمرته - إن صح التعبير - الكلّ سيجني مرارتها لعقود وعقود، إذا ارتفع التعقُّل، وأبدل العقل الجمعيّ بشحنات سالبة وعاطفيّة غايتها الإثارة وليس الإصلاح.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المناوي: التصريح باتخاذ حماس خطوات إلى الخلف التصرف العاقل هذه المرحلة

قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عبداللطيف المناوي، الرئيس التنفيذي للأخبار والصحافة بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، إن تصريحات بعض القيادات أو المصادر داخل حركة حماس، بشأن اتخاذ خطوات إلى الخلف، تمثل تصرفًا عاقلًا وصحيحًا في هذه المرحلة، حيث تعكس واقعية سياسية وتتماشى مع الأمر الواقع.

حماس مش موجودة في إدارة غزة.. أحمد موسى: مصر ترغب بتفويت الفرصة على الأمريكانمتحدث حماس: التهديدات الأمريكية لن تحقق أهدافها والشعب الفلسطيني هو من يدير غزة


وخلال مداخلة هاتفية في برنامج "كلمة أخيرة"، الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي على شاشة ON، أضاف المناوي:"أعتقد أن هذا هو التصرف الصحيح، ويكفي ما يعانيه الشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها من تداعيات مغامرة السابع من أكتوبر."


وأشار إلى أنه لا ينبغي أن نغفل أن ما نشهده اليوم ربما كان مخططًا له بالفعل، لكن السابع من أكتوبر 2023 عجّل بهذه المخططات، وسهّل للاحتلال استخدامه كذريعة لتنفيذها.

وطالب حركة حماس بالتوقف عن ما وصفه بـ*"محاولة ادعاء النصر"،* قائلًا:"يجب أن تتوقف عن خلق أي صورة أو انطباع بأنها حققت انتصارًا، لأن ما حدث ليس انتصارًا، بل هو رضوخ لواقع مفروض."

وعن المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بين الفصائل، علق المناوي قائلًا: "نتمنى أن يكون الواقع الحالي دافعًا للأطراف الفلسطينية لمراجعة مواقفها، وعلى حماس أن تقتنع بأن الواقع يفرض عليها التراجع خطوات إلى الخلف."

ولفت إلى أن حماس تحاول تقديم نفسها كجزء من "اليوم التالي للحرب"، عبر ماتصدره في مشاهد تبادل الأسرى، لكنها في الحقيقة لا ينبغي أن تكون جزءًا من المشهد في هذه المرحلة، مشددًا على أن القيادات العربية تدرك هذا الواقع جيدًا، خصوصًا في ظل الضغوط التي تتعرض لها دول مثل الأردن ومصر بشأن ملف التهجير.

وقال:"على الرغم من كل الجهود لإبعاد فكرة التهجير عن التفكير الأمريكي والشهوة الإسرائيلية، إلا أن هذا الطرح لا يزال حاضرًا على الساحة، ويجب التعامل معه بواقعية."


وأوضح المناوي أن إحدى الوسائل المطلوبة لوأد فكرة التهجير، هي إيجاد صيغة مناسبة لخروج حماس من المشهد السياسي في هذه المرحلة، قائلًا:"قد يعتقد البعض أن هذا نوع من التنازل، لكنه في الحقيقة واقع يفرض نفسه. الوضع في حالة تراجع، وهذا ثمن لمغامرة 7 أكتوبر، وسوف يدفع الجميع هذا الثمن، وعلى حماس أن تتحمل نصيبها منه."


وطالب حركة حماس بأن تكون أكثر وطنية، وأكثر واقعية، وأكثر ارتباطًا بالشعب الفلسطيني الذي يعاني اليوم، وأن تتخذ القرار الصحيح في هذه المرحلة.


ورداً على سؤال الإعلامية لميس الحديدي حول ما إذا كانت حماس ستقبل بهذا الطرح، في ظل مشهد التصعيد في لبنان ودور حزب الله، إضافة إلى الدعم الإيراني لحماس، أجاب المناوي: "نحن لا نتحدث عن انسحاب نهائي لحماس، ولكن انسحاب مرحلي، وفقًا لما يفرضه الواقع."


أما عن إيران، فأكد أن الرهان عليها أصبح خاسرًا في هذه المرحلة، موضحًا: "إيران يمكنها تقديم الدعم بأشكال مختلفة، لكنها لن تعرض نفسها للخطر المباشر."


واختتم بقوله:  "إيران تبحث فقط عن حضور يحفظ لها ماء الوجه في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • عالم أزهري: الفقه علم حي يتفاعل مع الواقع ويدرس تطوراته
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل التنكيل بالفلسطينيين وهدم منازلهم في الضفة
  • شراكة بين "سند" و"برات آند ويتني" لصيانة وإصلاح محرّكات الطائرات
  • أبو زيد ينتقد استهزاء اسرائيل باتفاق وقف النار
  • 3 نصائح للتأقلم مع فكرة عدم الإنجاب.. من مسلسل إخواتي إلى أرض الواقع
  • شاهد | لبنان أمام اختبار الأمر الواقع.. العدو يعلن بقائه في 5 مواقع حاكمة
  • مع اقتراب وصول المنخفض الجويّ... هذا ما طلبه محافظ البقاع
  • الاحتلال يواصل الاقتحامات وهدم المنازل في الضفة
  • المناوي: التصريح باتخاذ حماس خطوات إلى الخلف التصرف العاقل هذه المرحلة