ليس من عادتي الكتابة في السياسة وأحوالها، فهي ليست من اختصاصي الرئيسي، وإن كنت أتابعها أولًا بأول، إلا أنني هذه المرة أكتب هذه الزاوية عقب نقاش طويل مع مجموعة من الأصدقاء، الذين هم من غير المتبحرين في السياسة، وإنما يدلون بدلوهم فيها من خلال ما يشاهدون أو يقرأون أو ما يتعرضون له من وسائل الإعلام والاتصال الحديثة.
امتد النقاش إلى التساؤل حول ما إذا كانت حماس تعتبر نفسها الممثل الشرعي للفلسطينيين ولحركات التحرر الفلسطينية، وما موقف الحركات والفصائل الأخرى في فلسطين مثل فتح والسلطة الفلسطينية من حماس؟ استوقفني هذا الحوار كثيرًا، فعدت بذاكرتي إلى دروس التاريخ من خلال حركات التحرر التي خاضت حروبا ونضالات في وجه الاستعمار والاحتلال أدت في النهاية إلى انتصارها وحصول بلدانها على استقلالها، ولعلي بهذه الدروس أستطيع إسقاط تلك الحالات المتفرقة على المشهد الفلسطيني الحالي والمستقبلي.
تعتبر حركات التحرر الوطني عبر التاريخ مفتاح بوابات الحرية والاستقلال للدول المستعمَرة فبدون نضالها وحروبها ضد المستعمر لم يكن ليتهيأ لتلك الدول الحصول على حريتها واستقلالها من المستعمر الغاصب لأرضها ومقوماتها الطبيعية والجغرافية، ولم يكن المستعمِر لينسحب إلا تحت ضغط المقاومة.
الأمثلة على ذلك كثيرة ويعرفها الكثير من القراء الأعزاء ويتم تدريسها في المناهج المدرسية كدليل على البطولات والشجاعات لتلك الجماعات، من أمثلة ذلك الجزائر التي قدمت مليون شهيد للتخلص من الاحتلال الفرنسي الذي لم يكن لينسحب لولا تضحيات الجزائريين بدمائهم وأرواحهم حتى نالت الجزائر استقلالها في عام ١٩٦٢ بعد نحو 132 عاما من نضال حركات التحرر مثل جبهة التحرير الوطني والمقاومة الشعبية اضطرت بعدها فرنسا إلى توقيع معاهدة ايفيان التي أنهت الحرب وفتحت الطريق أمام استقلال الجزائر. المثال الآخر على حركات التحرر التي قاومت الاحتلال الفرنسي أيضا حزب كمبوتشيا الشيوعي في كمبوديا (المعروف لاحقًا بالخمير الحمر بقيادة بول بوت) الذي لعب دورًا كبيرًا في إنهاء الاستعمار الفرنسي في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث حصلت كمبوديا على استقلالها في نوفمبر 1953 بقيادة الملك نورودوم سيهانوك.
وفي العصر الحديث يذكرنا التاريخ بحركات التحرر التي واجهت الاحتلال الأمريكي في فيتنام، حيث قادت الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام (الفيت كونج) بقيادة «هوشي منه» نضالًا شرسًا ضد القوات الأمريكية حتى تحقق انسحابها عام 1975 بعد سنوات من المقاومة المسلحة والسياسية، لتصبح هذه التجربة رمزًا عالميًا في مقاومة الاحتلال وتحقيق الاستقلال. وهنالك أمثلة كثيرة يمكن ذكرها على تلك الحركات التي قادت بلدانها للتحرير في الهند والصومال وجنوب إفريقيا وكينيا وأنجولا والعديد من الأمثلة التي تثبت أن المقاومة الشعبية هي الطريق والمفتاح لتحقيق الحرية وليس طاولة الحوار والمفاوضات.
بعد أن طرحت وجهة نظري التاريخية في موضوع حركات التحرر ودورها في استقلال كثير من الدول تطرقت إلى الحالة الفلسطينية التي بدأنا بها حديثنا فسألت من جديد السؤال ذاته: هل طاولة المفاوضات هي التي ستهب الفلسطينيين حقوقهم أم أن حركات التحرر هي التي ستتكفل بإرجاع الحقوق إلى أصحابها وبانتزاع الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة؟ سؤال لم يكن بحاجة إلى تفكير عميق جدا للإجابة عليه على الأقل من وجهة نظري.
أحد الحضور استشهد بكلام اقتبسه من حوار لوزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى وتم إرسال مقاطع منه برسائل الواتساب «إن منطقتنا العربية سوف يُعاد تشكيلها بشكل واضح وقد بدأ ذلك منذ عام ٢٠١١، وظهر جليًّا هذه الأيام وأن المفاوضات مع إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية مضيعة للوقت، فالحكومة الإسرائيلية في مجملها لا ترغب في السلام، وهي تحظى بدعم أمريكي غير مسبوق».
عقب حديث عميد الدبلوماسية المصرية لعقود طويلة وخبرته الواسعة في التعامل مع الملف الفلسطيني لم يعد هنالك ما يقال ولم يعد هنالك من شك من أن طاولة المفاوضات هي طاولة مهترئة ستنكسر بمجرد وضع ورقة خفيفة للتوقيع عليها، حيث لا ترغب إسرائيل وحلفاؤها في وضع أية أوراق على تلك الطاولة وإنما هي تدرس خيارات أخرى بوزن الدبابة التي تجتاح كامل الأرض الفلسطينية وتشرد شعبها وتقضي على مقاومتها، ولا نية لديها كما قال رئيس وزرائها الحالي من أن «حل الدولتين ليس على الطاولة» وأن هدف إسرائيل هو «القضاء التام على حركة حماس» وليس التفاوض معها أو مع أي مع فصيل آخر.
المشهد القادم يبدو واضحا على الأقل بالنسبة لي ولكنه قد يبدو ضبابيا لمن يجنحون للسلم، استدعاء سرديات التاريخ ينبئنا بأن التحرر من المحتل يأتي بإراقة الدم والكفاح ولا يأتي بسرابات طاولة زهرية يجلس عليها متفاوضون لا نية لأحدهم في منح حقوق مكتسبة في الأصل للآخر الذي هو في الأصل من يمتلك ذلك الحق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حرکات التحرر لم یکن
إقرأ أيضاً:
«العربية للتصنيع» تفاوض لإنشاء مصانع جديدة
كشف اللواء أركان حرب المهندس مختار عبداللطيف، رئيس «الهيئة العربية للتصنيع» أن الهيئة تجري حالياً مفاوضات مع مستثمرين إماراتيين، لإنشاء 3 مصانع جديدة متخصصة في الصناعات الدفاعية والمدنية.
وأوضح أن الهيئة العربية التي أنشئت عام 1975 بمشاركة 4 دول عربية هي مصر والإمارات والسعودية وقطر، بهدف تأسيس قاعدة صناعية دفاعية عربية قوية، تضم اليوم 14 شركة ومصنعاً، منها 7 مصانع وشركات تعمل في الصناعات الدفاعية.
وأكد عبداللطيف، حرص الهيئة على تعزيز التعاون مع المستثمرين في دولة الإمارات، لتعزيز الاستثمارات المشتركة، وإنشاء عدد من المصانع الجديدة، منها مصنع لإطارات السيارات، ومصنع لإنتاج خشب «MDF» من سعف النخيل، ومصنع متخصّص في الصناعات الدفاعية المتطورة. (وام)