مؤشر مدركات الفساد. . تفاقم الفساد عالميًا
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
عبد النبي العكري
كعادتها كل عام أطلقت منظمة الشفافية الدولية تقرير مؤشر مدركات الفساد والذي يغطي 180 بلدا إضافة إلى بعض الأقاليم، لكن الجديد هذا العام هو ربط المؤشرات وحالات الفساد بالتغير المناخي وتدهور البيئة؛ حيث إن ذلك هو محور اهتمام الدول والعالم، وقد شهد هذا العام الذي يغطيه التقرير حريق كاليفورنيا الهائل وغيره من الكوارث الطبيعية نتيجة التغير المناخي.
وقد صادف إطلاق التقرير وصول البليونير العقاري والمتورط في قضايا فساد كبرى دونالد ترامب لرئاسة أمريكا القوة العظمى في العالم مع ما رافق انتخابه من فساد مالي وسياسي لا سابق له في الانتخابات الأمريكية ومؤشر خطير لتأثيراته في الغرب والعالم. وما له دلالته هو إصداره أمرا رئاسيا تنفيذا بوقف العمل بقانون تجريم الشركات الأمريكية التي تستخدم الرشوة والمنافع لنيل عقود في أمريكا وخارجها، وبهذا فهو يشرعن الفساد للشركات الأمريكية.
وإضافة لهذا التقرير فقد أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا عنوانه الفساد في الأعلى ويتناول دور البلدان الغربية المتطورة والتي تتصدر النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد على سلم مؤشر مدركات الفساد في القطاع العام، لكنها تعتبر موائل آمنة للأموال الهاربة واستثمارات لكبار الفاسدين وغسيل الأموال في مفارقة خطيرة.
أما التقرير الثالث فيتناول إعاقة الفساد لجهود التعامل والتصدي للتغير المناخي سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي وكيف يتسبب الفاسدون أفرادا ومؤسسات وشركات ودولا في التربح من الأموال المخصصة للتصدي للتغير المناخي والتسبب بفسادهم في تدهور المناخ وهشاشة الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية المترتبة على ذلك.
وسنتناول في هذا المقال التقرير الأول، فيما سنخصص مقالا منفردا لكل من التقريرين الآخرين.
مؤشر مدركات الفساد
منذ إطلاقه لأول مرة في 1995، أصدرت منظمة الشفافية الدولية بتاريخ 11 فبراير 2025 تقريرها السنوي، مؤشر مدركات الفساد بشأن الفساد في القطاع العام قي 180 بلدا وإقليما حول العالم. ويستند التقرير على بيانات من 13 مصدرا خارجيا لمؤسسات موثوقة بما في ذلك البنك الدولي ومؤسسة "برلتسمان" والمنتدى الاقتصادي الدولي وغيرها. ومن أجل شمول التقرير أي بلد فإنه يتوجب أن تتوفر مصادر معلومات لدى 4 هيئات على الأقل. وتتبع الشفافية الدولية 4 خطوات أساسية؛ هي اختيار بيانات المصدر وإعادة قياس بيانات المصدر وتجميع البيانات المعاد قياسها ثم إعطاء كل بلد درجة القياس من 100 وهي الأعلى وعلى أساس ذلك تتحدد مكانة البلد على مقياس مؤشر مدركات الفساد بدءا برقم واحد للبلد الأفضل في مكافحة الفساد ثم تتوالى المراتب لتدني مكافحة الفساد.
يقيس المؤشر المكونات التي تسهم في الفساد في القطاع العام وأهمها: 1- الرشوة، 2- اختلاس المال العام، 3- استغلال المنصب العام للمصلحة الشخصية، 4- مدى قدرة الحكومة للحد من الفساد وتكريس النزاهة، 5- إسهام البيروقراطية في الفساد، 6- التعيينات في الوظائف العامة دون الكفاءة والاستناد للمحاباة، 7- جدية الملاحقة القضائية للفاسدين، 8- مدى جدية القوانين للإفصاح عن الممتلكات الخاصة والذمة المالية وتضارب المصالح لكبار المسؤولين، 9- توفر الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد والمحققين والصحفيين، 10- سيطرة أصحاب المصالح الشخصية على الدولة، 11- حرية مؤسسات المجتمع المدني وحرية الوصول للمعلومات ومستوى الإفصاح والشفافية فيما يتعلق بالشأن العام.
بالطبع فإن تقييم المؤسسات المشاركة في تقييم الـ180 بلدا التي يشملها تقرير مؤشر مدركات الفساد يعتمد على مدى توفر المعلومات حول المكونات التي تسهم في الفساد الـ11 المذكورة وغيرها وهي متباينة من بلد لآخر. كما أن مشاركة عدد أكبر من بين المؤسسات الـ13 المكلفة بجمع المعلومات ستكون أكثر مصداقية من تلك البلدان التي تفحصها عدد قليل من المؤسسات وحدها الأدنى 4 مؤسسات. كما تتباين المؤسسات المكلفة بجمع المعلومات في طبيعتها، وبالتالي في تقييماتها فمثلا منتدى التنمية الاقتصادية والذي ينظم منتدى دافوس السنوي هو منتدى لكبار أرباب الأعمال والذي يعطي اعتبارا كبيرا لحرية رأس المال والتجارة والاستثمار، فيما مؤسسة "برلتسمان" تهتم كثيرا بالنزاهة ومصالح المجتمع ككل. ولذا فإنه يتوجب التدقيق جيدا في تباين تقييم مختلف المؤسسات لذات البلد المقيم؛ حيث إن لكل مؤسسة مفاهيمها ومصالحها وتشابكاتها مع البلدان المقيمة.
صورة عامة للتقرير
يصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتها المدركة لفساد القطاع العام على مقياس من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة). وللسنة السابعة تتبوأ الدول الإسكندنافية (الدنمارك اولى) وسنغافورة ونيوزلندا وأستراليا المراتب الأولى، وهذه دول ديمقراطية راسخة ومستقرة ولديها مؤسسات قوية لمكافحة الفساد. وبالمقابل فإن الدول التي تسودها الحروب والنزاعات والصراعات العسكرية والأمنية والأنظمة الاستبدادية وتفتقر للمؤسسات الراسخة، تحتل المراكز المتأخرة على مقياس المؤشر ومنها جنوب السودان والسودان والصومال وسوريا وليبيا واليمن وإرتيريا وغينيا الاستوائية وفنزويلا. هناك ارتباط قوي ما بين النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي من ناحية والفساد والنزاهة والحكم الصالح من ناحية أخرى. فمن مراجعة جدول مؤشر مدركات الفساد فإننا نلاحظ أن البلدان التي تحكمها أنظمة ديمقراطية حقيقية ومؤسسات رقابية فاعلة وقوانين رادعة للفاسدين وآليات رصد وضبط ومستقرة الحكم فهي البلدان الأقل فسادا بكافة الأشكال وتسود النزاهة والحاكمية الجيدة وهي بلدان مزدهرة ومستقرة ومتقدمة، أما البلدان التي يسودها عدم الاستقرار والاستبداد وغياب المؤسسات الرقابية الراسخة والقوانين الضابطة والآليات الفاعلة فإنه يسودها الفساد والمحسوبية والمحاباة مما يسهم في الفشل على مختلف المستويات والتخلف. وبنظرة سريعة للجدول، فإن الدول المتقدمة في مكافحة الفساد هي الدول الديمقراطية بمعدل (73 نقطة)، في حين أن الدول ذات الديمقراطية الشكلية فقد حققت معدل (47 نقطة)، أما الدول غير الديمقراطية والمستبدة فمعدلها (33 نقطة). يُلاحظ أنه مع تحول العديد من الدول الديمقراطية الغربية نحو اليمين وهيمنة الأولجارشية الرأسمالية على النظام السياسي والاقتصادي كما في أمريكا مثلا والتحول في نظام العلاقات الدولية نحو مزيد من هيمنة الغرب الرأسمالي فإنه يترتب على ذلك تدهور على مستوى العالم بمزيد من الفساد والمحسوبية وانحسار للنزاهة والحاكمية الجيدة في عدد كبير من البلدان وفي العلاقات الدولية والنظام الدولي. وقد انعكس ذلك على مواقع الدول على جدول مؤشر مدركات الفساد. فقد كشف التقرير أنه من بين الـ 180 بلدا شملها المسح فإن 101 بلد بقيت في مواقعها، في حين صعد 32 بلدا، ولكن هبط 47 بلدا آخر بما فيها دول ديمقراطية. كما أن المعدل الوسيط للدول هو 43 نقطة من 100 نقطة، حيث إن نتيجة ثلثي البلدان هي دون الحصول على 50 من 100 نقطة وهو الحد الأدنى لاعتبارها بلدانا تهتم بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. تتباين التقديرات حول كلفة الفساد في كل بلد وفي العلاقات الدولية والنظام العالمي. والمؤكد أن الفساد والمحسوبية يحبطان الاستقرار والتنمية والتقدم والبيئة والمناخ، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان من عمل لائق وصحة وتعليم وغيرها، وتؤدي فعلا إلى المجاعة والأوبئة والاضطرابات والحروب في عدد متزايد من البلدان وفيما بين البلدان بشكل لا سابق له. وتتباين تقديرات كلفة الفساد المُنظَّم فيما بين الدول والذي يعد جريمة منظمة ويقدره البعض بـ240 مليار دولار فيما تتجاوز كلفة الفساد العالمية تريليونات الدولارات. في خطاب الوداع للرئيس الأمريكي الراحل دوايت آيزنهاور في يناير 1961 وتسلم الرئيس جون كيندي للرئاسة الأمريكية، حذر الجنرال آيزنهاور بطل الحرب العالمية الثانية من "خطورة تحالف أرباب المجمع الصناعي العسكري الأمريكي من دفع البلاد للتوسع في الإنفاق العسكري وإشعال الحروب الخارجية على حساب المصلحة العامة وازدهار البلاد". وها نحن نشهد اليوم الدور الخطير الذي تلعبه المؤسسات المالية والصناعية الكبرى وخصوصا العسكرية في إفساد الدولة والمجتمع من أجل مصالحها الأنانية مما يقود إلى التدخلات والحروب.وتقدم لنا الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة نموذجًا لدور الطُغمة الأولجارشية الرأسمالية والصهيونية من أصحاب البلايين وفي مقدمتهم إيلون ماسك في صياغة برنامج وتوجهات مرشح الرأسمالية المتوحشة دونالد ترامب والتأثير على الناخبين وتأمين فوزه، وقد اتضحت معالم سياسته للداخل الأمريكي وللعالم من حيث إعلاء مصالح الأغنياء ومرجعية مصلحة أمريكا كما يفهمها على حساب العالم وخرقا لما استقر في النظام العالمي إلى حد اعتبار الوطن الفلسطيني في غزة كعقار خاص له والجهر بعزمه لضم كندا وجرينلاند وبنما. ومن تجليات ذلك تعميم الفساد وتربح كبار حلفائه الأغنياء، مما يشير إلى مرحلة خطيرة من شرعنة الاستيلاء بالقوة على بلدان ذات سيادة وموارد، خلافا لما حققته البشرية وما تسعى إليه في مكافحة الفساد وتكريس النزهة والعدالة والحاكمية الجيدة.
في ظل هذه التحولات في الدول الرأسمالية المتقدمة وفي العلاقات الدولية وكما عبر عنه فرانسوا فاليران رئيس منظمة الشفافية الدولية "فإن الفساد يشكل تهديدا عالميا لا يقتصر على تقويض التنمية فحسب؛ بل يعد سببا أساسيا في تراجع الديمقراطية وعدم الاستقرار وانتهاكات حقوق الإنسان ويتعين على المجتمع الدولي وعلى كل بلد على حدة جعل مكافحة الفساد أولوية قصوى وطويلة الأمد. هذا أمر بالغ الأهمية لمقاومة الاستبداد وضمان عالم حر وسلمي ومستدام. وتسليط الضوء على الاتجاهات الخطيرة لنتائج مدركات الفساد لهذا العام عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة الآن لمعالجة الفساد العالمي".أما ماريا مارتينين الرئيسة التنفيذية لمنظمة الشفافية الدولية فتقول: "اليوم تصدر القوى الفاسدة السياسات وحسب؛ بل إنها غالبا ما تمليها وتفكك الضوابط والتوازنات مما يؤدي إلى إسكات الصحفيين والناشطين وأي شخص يكافح من أجل المساواة والاستدامة".
كشف التقرير بأنه في البلدان التي يزدهر فيها الفساد وتحكمها أنظمة استبدادية وتتسيَّد فيها القوى الفاسدة فإن ذلك يتم في ظل قمع الحريات وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير وخصوصا قمع الصحفيين الاستقصائيين ونشطاء المجتمع المدني والمبلغين والشهود من أجل مكافحة الفساد والشفافية والنزاهة. وقد ذكر تقرير للشفافية الدولية أنه جرى خلال السنوات الأربع الماضية اغتيال أكثر من 1000 من النشطاء والصحفيين والمُبلِّغين والشهود ضد الفساد والفاسدين في عدد من البلدان وفي مقدمتها المكسيك؛ حيث كارتيلات (عصابات) المخدرات، وفي الكونجو؛ حيث نهب مناجم المعادن الثمينة، والبرازيل؛ حيث قطع غابات الأمازون، والهند؛ حيث استعباد الفئات الضعيفة على نطاق واسع. الفساد في المنطقة العربية: تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم التي تعاني من الفساد؛ حيث يسود معظم بلدانها أنظمة استبدادية فاسدة ويعاني عدد منها من الحروب والاضطرابات الأمنية الداخلية إلى جانب الحروب والتدخلات العسكرية للكيان الصهيوني وأمريكا، وكذلك الارتهان والتبعية للغرب ونفوذ الشركات الغربية مما يسهم في عدم الاستقرار وشيوع الفساد. وتقول منظمة الشفافية الدولية إن "جهود مكافحة الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المنطقة العربية) محدودة، وأنه طوال الـ12 سنة الماضية ارتفع متوسط مؤشر مدركات الفساد نقطة واحدة فقط إلى 39 من أصل 100 وهو من أدنى المتوسطات الإقليمية"، ويعكس حالة الفساد السائدة. وتضيف المنظمة "لهذه الحكومات الاستبدادية الراسخة قبضة قوية على أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية وتخفي الممارسات الفاسدة مما يسهم في انتشار الفساد في جميع أنحاء الحياة العامة. وباستثناء البحرين وقطر والإمارات والسعودية، فإن باقي الدول العربية لم تتجاوز نتيجة 50 من 100 نقطة؛ بل إن بعضها في نهاية الترتيب على سلم المؤشر. الفساد وأزمة المناخ العالمي: يعد التغير المناخي العالمي أكبر تحد في عصرنا وعالمنا، وهو نتيجة عدة عوامل متداخلة. ويمثل الفساد من أهم عوامل التغير المناخي وتدهور البيئة، فالفساد يحبط الأعمال للحد من التغير المناخي ومواجهة تأثيراته من عواصف وتصحر واختلال دورات الطبيعة. ويتأتى ذلك من إساءة توجيه الموارد والسماح وشرعنة الممارسات الضارة وإعاقة التقدم وهو يعيق الجهود لمواجهة التغيير المناخي بشكل جذري وشامل وصحيح على مستوى البلد والإقليم والعالم.ومن ذلك التربح من الأموال والموارد المخصصة لمواجهة التغير المناخي والتأثير سلبا في السياسات والممارسات لمواجهة ذلك مثل قطع أشجار الغابات وانحسار المناطق الخضراء وتلويث المياه والبحار وتسويغ الصناعات الباعثة للغازات الدفينة والاستمرار في الاعتماد على الهيدروكربون كمصدر للطاقة وإعاقة التحول للمصادر المتجددة والنظيفة للطاقة والصديقة للبيئة وإساءة استخدام أموال المساعدات للدول والقطاعات والصناعات المخصصة لمواجهة التغير المناخي وتدهور البيئة. ويظهر التقرير أنه كلما كان البلد متقدما في مكافحة الفساد فإنه أكثر استعداد لمواجهة التغير المناخي والنجاح في ذلك والعكس صحيح. وبسبب الفساد والمكاسب غير المشروعة فإنه ورغم مضي 9 أعوام على إقرار اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي في 2015، فإننا بعيدون عن تحقيق متطلبات مواجهة هذا التغيير المناخي لأسباب عدة، من أهمها ضآلة الأموال التي تصب فعلا في متطلبات مواجهة التغيير المناخي وكذلك الفساد الذي يطال هذه الأموال.
الخلاصة.. إن تقرير منظمة الشفافية الدولية مؤشر مدركات الفساد 2024، في ارتباطه بالتغير المناخي وتدهور البيئة يكشف عن مخاطر جمَّة تصيب البشرية والعالم في ظل استمرار بل تزايد الفساد على نطاق العالم في ظل استفحال ظاهرة التغير المناخي التي تلحق الأضرار الواسعة بالبشرية والعالم بشكل لا سابق له في التاريخ. ومن هنا فإن هناك حاجة ماسة لكي تتكاتف القوى الخيرة في العالم للتصدي للفساد على كل الصعد وبالتالي التصدي للتغير المناخي وتدهور البيئة قبل فوات الأوان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المشاط: 6.3 تريليون دولار استثمارات مطلوبة سنويا للعمل المناخي بحلول 2030
أوضحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الإعلان عن الفائزين ضمن المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية في نسختها الثالثة، يُعد حلقة في سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة مُمثلة في وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي - المنسق الوطني لشئون التمويل من أجل التنمية- حيث أطلقت، الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل في مصر، وتقرير المتابعة الثاني لبرنامج «نُوَفِّي».
وأوضحت أن ذلك يأتي في إطار جهود وطنية متسقة ومتكاملة من أجل الاستعداد لانعقاد المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إسبانيا يونيو 2025، الذي يستهدف صياغة رؤية دولية أكثر شمولًا وعدالة لمواجهة تحديات التنمية، ووضع هيكل مالي عالمي أكثر كفاءة وفعالية لتعزيز التمويل من أجل التنمية.
جاء ذلك خلال كلمتها في فعاليات المؤتمر الوطني للإعلان عن الفائزين بالمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، برعاية وحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وحضور كلٍ من الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، والدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، والدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة التنمية المستدامة 2030، وإيلينا بانوفا، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، و أليساندرو فراكاسيتي، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، وغيرهم من مسئولي الجهات الوطنية، وشركاء التنمية، ومسئولي الشركات الفائزة في المبادرة.
وخلال كلمتها، وجهت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الشكر والعرفان، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ لرعايته الكريمة للمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، والدعم الدائم لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والجهود المبذولة في شأن التحول إلى الاقتصاد الأخضر والمستدام.
وتقدمت بالشكر إلى الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، على دعمه لهم طوال تلك الرحلة، لإطلاق المبادرات والاستراتيجيات التي تُدعم جهود مصر التنموية.
المشهد العالمي للتمويل من أجل التنمية والعمل المناخي
أشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى ما يواجهه العالم من تحديات كبيرة تُسهم في تفاقم الفجوات التنموية، وتزايد الطلب على التمويل، حيث يشير تقرير "فريق الخبراء رفيع المستوى الصادر خلال مؤتمر المناخ بأذربيجان COP29، إلى ضرورة زيادة التمويل الأخضر ليصل إلى نحو 6.3 تريليون دولار سنويًا بحلول 2030، كما يقدر التقرير احتياج البلدان النامية والناشئة لاستثمارات خضراء سنويًا بقيمة 2.3 تريليون دولار لمواجهة التحديات المناخية، وضرورة تخصيص 6.5% من الناتج المحلي لتلك الدول للعمل المناخي بحلول 2030.
وأكدت أن الصدمات المتتالية أسهمت في زيادة التحديات أمام الدول النامية، وتضييق الحيز المالي، وارتفاع تكلفة الديون، وهو ما يؤكد أن التغلب على تلك التحديات لن يكون بمقدور الحكومات بمفردها، لكنه يتطلب مساهمة فعالة من مؤسسات التمويل الدولية، وترسيخ لمفهوم التمويل العادل، وتوسيع نطاق آليات التمويل المبتكرة والتي على رأسها آلية مبادلة الديون بالعمل المناخي، بما يسهم في حشد استثمارات القطاع الخاص، ويخفض الأعباء التي تتحملها موازنات الدول الناشئة.
واستطردت: هذا بالإضافة إلى تحديات أخرى من بينها تطبيق آلية تعديل حدود الكربون الأوروبية CBAM، والتي تُمثل تحديًا أمام الدول الناشئة للتأقلم معها من أجل الحفاظ على تنافسية منتجاتها وصادراتها.
وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ضرورة تضافر جهود التوعية، ودمج أهداف التنمية والعمل المناخي في الاستراتيجيات الوطنية، وتوطين تلك الأهداف على مستوى المحافظات لتشجيع الحلول المبتكرة المحلية.
الجهود الوطنية
نوهت المشاط بالجهود الوطنية التي تقوم بها الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية، خاصة منذ رئاسة مصر لمؤتمر المناخ COP27، حيث تُسهم بفعالية في إعلاء صوت الدول النامية والناشئة في كافة المحافل الدولية، للنداء بأهمية ترسيخ فكر التمويل المنصف والعادل.
وقالت إنه في سبيل ذلك فقد أطلقت الحكومة العديد من الاستراتيجيات والمبادرات الوطنية ذات الطابع الدولي، والحلول العملية والمبتكرة لترجمة التعهدات إلى التنفيذ، وتجسير فجوات التنمية من خلال الآليات التمويلية المختلفة، على رأسها "دليل شرم الشيخ للتمويل العادل"، الذي وضع مبادئ توجيهية وإرشادية لتطبيق هذا المفهوم.
المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي»
أشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى أن من أهم تلك الخطوات، المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي»، التي نجحت خلال عامين، في حشد تمويلات ميسرة وجذب استثمارات القطاع الخاص بقيمة 4 مليارات دولار، لتنفيذ مشروعات طاقة متجددة بقدرة 4.2 جيجاوات، من خلال تبني أدوات تمويل مبتكرة من بينها مبادلة الديون، ومنصات المنح والدعم الفني، وحظى البرنامج بتأييد دولي كبير من المؤسسات الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف، وأصبح نموذجًا تسعى الدول إلى تكراره للدمج بين جهود المناخ والتنمية.
وأضافت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تعمل من خلال الآليات والأدوات المختلفة، على دمج معايير الاستدامة البيئية في الخطة الاستثمارية، وتخضير الاستثمارات العامة، لتحقيق نمو الاقتصادي منخفض الانبعاثات.
تخضير الخطة الاستثمارية
تابعت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن ذلك يتحقق من خلال تطبيق "دليل معايير الاستدامة البيئية"، الذي نفذته الوزارة بالتعاون مع الجهات الوطنية، وقد أسهم في زيادة نسبة المشروعات الخضراء المُدرجة ضمن الخطة الاستثمارية إلى إجمالي الاستثمارات العامة، من 15% في عام 2020-2021، إلى 50% في العام المالي عام 2024-2025، ومن المستهدف زيادتها إلى 55% في خطة العام المالي المقبل.
وأوضحت أنه من أجل استدامة تلك الجهود، فقد دشنت الوزارة بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، دليل إعداد الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الذي يهدف إلى تعزيز جهود الدولة في تنفيذ رؤية مصر 2030، بما يتوافق مع الأهداف الأممية وأجندة أفريقيا 2063، استنادًا إلى ركائز رئيسية هي التحول من التركيز على جودة المشروعات إلى جودة السياسات، وتحليل جدوى المشروعات والاستدامة وتقييم الأثر البيئي، وتحليل التكلفة والعوائد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ويتم حاليًا تدريب الكوادر البشرية بمختلف الوزارات من أجل التنفيذ الفعال لهذا الدليل.
وكشفت أنه ابتداءً من العام المالي 2026-2027 سيتم تنفيذ الإطار الموازني متوسط المدى، لإعداد خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كل ثلاث سنوات، وذلك تفعيلًا لقانون التخطيط الجديد، وهو الأمر الذي يعظم من التوجه الوطني نحو زيادة جهود تخضير الاستثمارات العامة.
البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية
ذكرت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر يُعد أحد المحاور الرئيسية ضمن البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، حيث تم في إطاره تنفيذ عدد كبير من الإجراءات بقطاعات المياه والغذاء والطاقة وغيرها من المجالات ذات الأولوية، مما ساهم في زيادة الاستثمارات الخضراء.
ولفتت إلى إقرار صندوق النقد الدولي تسهيل المرونة والاستدامة لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار، ومن خلاله تعمل الحكومة على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية لدعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وبالفعل فقد نفذنا الإصلاح الأول في إطار هذا التسهيل، بإضافة مشروعين جديدين للتخفيف والتكيف ضمن المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي».
الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية
أضافت الدكتورة رانيا المشاط، أنه في ضوء ما سبق فقد أطلقت الوزارة، الاستراتيجية الوطنية المتكاملة لتمويل التنمية، لتصبح مصر واحدة من بين 86 دولة على مستوى العالم تطبق هذا النهج. وتعد الاستراتيجية إطار موحد ومتكامل يضم كافة الجهود والآليات والمبادرات والاستراتيجيات التي ذكرناها مسبقًا، لحشد التمويل من أجل التنمية، من خلال الموارد المحلية والخارجية، العامة والخاصة، وكذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لسد فجوات تمويل التنمية في القطاعات ذات الأولوية.
المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء
على صعيد المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، التي تحظى برعاية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، قالت الدكتورة رانيا المشاط، إن المبادرة تعد نموذجًا للشراكات المبتكرة بين العديد من الجهات الوطنية، وشركاء التنمية، والمنظمات الأممية، ومنظمات المجتمع المدني، والمحافظات، من أجل تقديم تجربة فريدة في توطين العمل المناخي على المستوى المحلي.
وتابعت أنه منذ إطلاقها أسهمت المبادرة في تحقيق نتائج ومكتسبات هامة، تجسدت في حجم الإقبال الواسع على المشاركة من الشركات الكبرى والصغيرة والمتوسطة والناشئة، حيث تقدم في الدورة الثالثة أكثر من 5700 مشروع غطت مجالات تنموية توليها الدولة أهمية قصوى هي: الزراعة المستدامة، والطاقة، وإعادة تدوير المخلفات، وترشيد استهلاك وكفاءة استخدام المياه، وخفض الانبعاثات.
وأوضحت أنه تم اختيار 354 مشروعاً مؤهلاً على مستوى المحافظات، في إطار من الشفافية والتعاون بين مختلف شركاء المبادرة، ونعلن اليوم عن 18 مشروعًا فائزًا تتويجًا لأفكار مبدعة نجح أصحابها في تحويلها لواقع ملموس.
وتطرقت إلى النتائج التي حققتها المبادرة على مدار ثلاث دورات، من بينها المساهمة في بناء قدرات الشباب وتعزيز ثقافة الابتكار، وإدماج وتكثيف الجهود للتكيّف مع التغيرات المناخية، وتساهم المبادرة في تعزيز تفاعل المحافظات والمحليات مع قضايا البُعد البيئي في التنمية.
وأكدت أن المبادرة ساهمت في تمكين الشركات الفائزة من عرض حلولها المبتكرة على المستوى الدولي، من خلال المشاركة في مؤتمر المناخ COP28 بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك COP29 بأذربيجان.
تقرير المسابقة الدولية للشركات الناشئة Climatech Run
وبشأن المبادرات التي تتبناها الوزارة لدعم العمل المناخي، أوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أنه تم الانتهاء من إعداد تقرير للدروس المستفادة والتوصيات المستخلصة من المسابقة الدولية للشركات الناشئة Climatech Run، التي تم تنفيذها خلال مؤتمري المناخ COP27 و COP28، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف استخدام تلك التوصيات لتعزيز بيئة عمل الشركات الناشئة من خلال المجموعة الوزارية لريادة الأعمال.
تقارير توطين أهداف التنمية المستدامة
وكشفت الدكتورة رانيا المشاط، أننا نشهد اليوم إطلاق الإصدار الثاني من تقارير توطين أهداف التنمية المستدامة التي تم إعدادها بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي تعد إحدى الأدوات التخطيطية التي تضيف بعدًا جديدًا للمعادلة التمويلية المطبقة في تحديد حجم الاستثمارات بالمحافظات المختلفة.
وأضافت أن الإصدار الثاني من التقارير يبني على الإصدار الأول مع تضمين عدد من التطورات وذلك في ضوء مجهودات الحكومة المستمرة نحو متابعة وتقييم مؤشرات التنمية المستدامة على المستوى الوطني والمحلي.
واستطردت: كما تتضمن التقارير تحليل أداء لكل محافظة في تحقيق الأهداف التنموية المحددة على لمستوى الوطني، وتقييم مدى تقدمها في تحقيق مستهدفاتها، ومقارنة وترتيب أداء كل محافظة تجاه تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وتوفير البيانات بما يضمن اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على الأدلة، والتوجيه الفعال لجهود التنمية والاستجابة للاحتياجات المحلية.
وذكرت أنه من أجل ضمان استدامة عملية إعداد التقارير، فقد طورت الوزارة منصة رقمية تفاعلية لعرض وتحليل مؤشرات أهداف التنمية المستدامة على مستوى المحافظات، لتقدم نظرة عامة وشاملة عن وضع الأهداف المختلفة، وتعرض صورة كاملة عن وضع أهداف التنمية المستدامة.
مبادرة القرية الخضراء
أوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أننا نشهد اليوم تكريم محافظات الغربية، والمنوفية، والوادي الجديد، التي استطاعت الانضمام لمبادرة "القرية الخضراء"، وتأهيل 3 قرى، لتتوافق مع أحدث المعايير البيئية العالمية للمجلس العالمي للأبنية الخضراء، والحصول على شهادة "ترشيد" للمجتمعات الريفية الخضراء.
جدير بالذكر أن مصر تعد من أوائل دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتبنى نهج تخضير الاستثمارات المحلية من خلال مبادرة القرية الخضراء.
وتطرقت إلى إصدار وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، بشكل سنوي لكل المحافظات "خطط المواطن الاستثمارية"، التي تتضمن معلومات تفصيلية عن أهم المؤشرات التنموية والتوزيع القطاعي للمشروعات في عام الخطة، بهدف تمكين المواطن من متابعة المشروعات التي يتم تنفيذها في نطاق محافظته، مما يسهم في دمج المواطن في منظومتي التخطيط والمتابعة.
وفي ختام كلمتها، توجهت بالشكر للمشاركين من أصحاب المشروعات في مختلف الفئات الخاصة بالمبادرة، كما ثمنت جهود مختلف الوزارات الشريكة، والمحافظين، ولجنة التحكيم الوطنية برئاسة الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، وكذلك فريق عمل المبادرة، على جهودهم الدؤوبة في إتمام هذا العمل.