جواهر بنت خلفان الصلتية
لا شك أن بيئة العمل المثالية تُبنى على الاحترام المتبادل والتحفيز والإلهام، حيث يكون المدير قائدًا حقيقيًا، يوجه موظفيه نحو النجاح ويخلق بيئة عمل صحية. ولكن، ماذا لو كانت الإدارة بلا رحمة؟ وماذا لو تحول المدير إلى أداة قمع لا ترى في الموظف سوى رقم في كشوفات الرواتب؟ حينها، يتحول الشغف إلى معاناة، ويصبح العمل مجرد عبء ثقيل يسلب الإنسان حماسه وإبداعه.
في الواقع، من أكثر الأسباب التي تدفع الموظفين إلى فقدان شغفهم هو المدير المتسلط الذي يرى السلطة أداة للسيطرة بدلاً من أن تكون وسيلة لتطوير الفريق. فهو لا يلتفت إلى جهود الموظفين، ولا يعترف بإنجازاتهم، بل قد ينسبها لنفسه دون أدنى خجل. على سبيل المثال، تشير بعض الدراسات إلى أن أكثر من 50% من الموظفين الذين يتركون وظائفهم يفعلون ذلك بسبب رؤسائهم المباشرين وليس بسبب الوظيفة نفسها. وهذا النوع من الإدارة لا يقتل الشغف فقط، بل يزرع الإحباط ويؤدي إلى تآكل روح الفريق، مما يجعل الموظف يبحث عن مخرج بأي طريقة كانت.
علاوة على ذلك، نجد المدير المتعالي الذي يتعامل مع الموظفين وكأنهم أدنى منه شأنًا، ولا يكلف نفسه عناء الاستماع إلى آرائهم، ولا يعير انتباهًا لمقترحاتهم. وهذا السلوك يولد شعورًا بالغربة داخل بيئة العمل؛ حيث يفقد الموظف إحساسه بالانتماء، مما يؤثر بشكل مباشر على إنتاجيته، ويجعله يؤدي مهامه فقط بدافع الراتب، لا بحب الشغف والإنجاز. ولتفادي ذلك، يُنصح بأن يتبنى المديرون أسلوب القيادة التشاركية الذي يمنح الموظفين شعورًا بالأهمية والانتماء.
إضافة إلى ذلك، لا يُمكن أن نغفل عن المدير الظالم الذي يتخذ قرارات تعسفية دون أن يكلف نفسه عناء التحقق من الحقائق. فهو يمارس ضغوطًا غير مبررة، ويكيل التهم جزافًا، ويستمتع بتوبيخ موظفيه أمام الآخرين، كأنه يتلذذ بإذلالهم. وهذا الأسلوب لا يدمر فقط معنويات الموظفين؛ بل يدفعهم إلى البحث عن بيئة عمل أكثر عدلاً وإنصافًا. ومن هنا، يجب على المؤسسات وضع سياسات واضحة لتقييم أداء المديرين والتأكد من عدم استغلال سلطتهم بطرق تؤثر سلبًا على الفريق.
من ناحية أخرى، هناك المدير الذي لا يرى في الموظف سوى آلة تعمل دون كلل، يطالبه بالالتزام الصارم بساعات العمل، دون أن يهتم بما يقدمه من قيمة حقيقية. كما أنه يتجاهل مجهوده، ولا يكافئه، ولا يمدحه حتى حين يستحق ذلك. فتخيل أن تعمل في بيئة لا يُقدر فيها عطاؤك، ولا تجد فيها كلمة شكر! إذن، كيف يمكن لشخص أن يبقى شغوفًا في ظل هذا المناخ القاسي؟ وهنا تكمن أهمية أن تعتمد المؤسسات أنظمة تحفيزية لمكافأة الأداء المتميز وتشجيع الموظفين على الإبداع.
وما يزيد الطين بلة أن بعض المديرين يمارسون ضغوطًا نفسية متعمدة على موظفيهم، مما يؤدي إلى تراجع صحتهم النفسية والجسدية. فالموظف الذي يعمل تحت ضغط مستمر دون تقدير أو تحفيز، يجد نفسه محاصرًا بين الحاجة للبقاء في العمل والبحث عن بيئة أكثر إنصافًا. ومع تكرار هذه الضغوط، قد يصل الأمر إلى حد الإرهاق الوظيفي الذي يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة معدلات الاستقالات.
وفي المقابل، هناك المدير القائد، ذاك الذي يعرف كيف يستثمر طاقات فريقه، ويحترم إنسانيتهم قبل أن ينظر إلى أرقام الإنتاج. فالقائد الحقيقي لا يرى في الموظفين أدوات لتنفيذ المهام، بل ينظر إليهم كأفراد لديهم أحلام وطموحات، ويسعى إلى تحفيزهم ليحققوا أفضل ما لديهم. وبناءً على ذلك، مثل هذا المدير هو من يجعل بيئة العمل أكثر إبداعًا وإنتاجية، وهو من يستطيع أن يُخرج من فريقه أقصى ما يمكن من العطاء.
ولكي تتغير ثقافة العمل نحو الأفضل، يجب أن تُجرى تقييمات دورية لسلوك المديرين وأن يتم تعزيز ثقافة الاستماع إلى الموظفين. فالمؤسسات الناجحة لا تقيس نجاحها فقط بأرباحها، بل بمدى رضا موظفيها وسعادتهم. وعندما يتم بناء علاقة قائمة على الثقة بين المدير والموظف، تتحول بيئة العمل إلى مكان مليء بالإبداع والتطوير المستمر.
إنَّ الإدارة بلا رحمة تعني بيئة بلا أمل، ومكانًا يفرّ منه المبدعون، ويقتل فيه الإبداع والشغف. ولو أدرك المديرون أن بناء بيئة عمل إيجابية هو المفتاح الحقيقي لتحقيق النجاح، لأصبح كل موظف سفيرًا لمكان عمله، وليس مجرد شخص يبحث عن فرصة أخرى في أقرب وقت.
لذلك.. يجب على المؤسسات السعي إلى تطوير قادة وليس مجرد مديرين، واعتماد سياسات تدعم ثقافة التحفيز والتقدير؛ لأن الموظف حينما يشعر بالتقدير، يتحول عمله من واجب إلى شغف، ومن وظيفة إلى رسالة، ومن مجرد مسؤوليات إلى فرص للابتكار والإنجاز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحليل مخدرات مفاجئ.. ضوابط جديدة بمشروع قانون العمل تهدد بفصل الموظفين
يلزم مشروع قانون العمل الجديد العامل بالخضوع لاختبارات طبية للكشف عن تعاطي المواد المخدرة أو الأمراض المعدية، وذلك بناءً على طلب صاحب العمل، على أن تتم هذه الفحوصات على نفقة صاحب العمل.
ووفقًا لنص مشروع قانون العمل الجديد، تُجرى الاختبارات الطبية داخل الهيئة العامة للتأمين الصحي أو المعامل المركزية بوزارة الصحة، مع مراعاة أحكام القانون رقم 137 لسنة 1958 الخاص بالاحتياطات الصحية للوقاية من الأمراض المعدية، وأحكام المادتين (132) و(138) من القانون الجديد.
كما ينظم قرار من الوزير المختص إجراءات وضمانات الفحص الطبي للكشف عن تعاطي المخدرات، بحيث تشمل هذه الإجراءات إجراء فحص للعينة في نفس يوم سحبها. وفي حالة اختلاف نتائج الفحص، يتم اللجوء إلى تحليل توكيدي لدى إحدى الجهتين المذكورتين.
إحالة العامل إلى المحكمة العماليةوفي حال تأكدت إيجابية العينة، يُحال العامل إلى المحكمة العمالية المختصة لاتخاذ القرار المناسب بشأنه.
وينص مشروع قانون العمل الجديد على التزام صاحب العمل بالحفاظ على سرية الفحوصات الطبية وعدم الإفصاح عن الوضع الصحي للعامل بناءً على نتائج هذه الاختبارات.
تحليل المخدرات في القطاع الحكوميوينص قانون شروط شغل الوظائف والاستمرار فيها، على أنه يتم فصل الموظف بالجهات الحكومية الذي يثبت تعاطيه المخدرات، وتقرير عقوبات جنائية لمن يقدم عونًا للموظف متعاطي المخدرات لتعيينه أو استمراره في الخدمة وكذلك لمن يتعمد الغش في التحاليل.
وتنص المادة الرابعة من قانون شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها على أنه يتم إجراء التحليل الفجائي لجميع العاملين بالحكومة.
ويكون التحليل في هذه الحالة تحليلاً استدلالياً وذلك بالحصول على عينة التحليل من العامل وإجراء التحليل في حضوره، ويتعين على العامل الإفصاح قبل إجراء التحليل من جميع العقاقير التي يتناولها ، وفى حالة إيجابية العينة يتم تحريزها وإيقاف العامل بقوة القانون من العمل لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي أيهما أقرب ، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف من العمل.
ويجري التحليل التوكيدي على ذات العينة في الجهات المختصة، ويجوز للعامل في هذه الحالة، وعلى نفقته، طلب الاحتكام إلى مصلحة الطب الشرعي إما لفحص العينة المشار إليها خلال أربع وعشرين ساعة من وقت ظهور نتيجة لتحقيقها أو توقيع الكشف الطبي عليه خلال ذات اليوم الحاصل فيه التحليل ، وفي حالة سلبية النتيجة تلتزم جهة العمل بأن ترد للعامل قيمة ما تحمله من نفقات فعلية سددت لمصلحة الطب الشرعي.
إنهاء خدمة العاملوتلتزم الجهات المختصة أو مصلحة الطب الشرعي بحسب الأحوال بإخطار جهة العمل بالنتيجة النهائية للتحليل خلال عشرة أيام عمل من تاريخ وصول العينة إليها ، فإذا تأكدت إيجابية العينة يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون وتحدد حقوقه بعد إنهاء خدمته طبقا للقوانين أو اللوائح أو النظم التي تحكم علاقته بجهة عمله، وذلك كله وفقا للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وينص القانون على أنه إذا تأكدت إيجابية العينة يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون وتحدد حقوقه بعد إنهاء خدمته طبقًا للقوانين واللوائح أو النظم التي تحكم علاقته بجهة عمله.