اقضوا حوائجكم بالكتمان
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
د. خالد بن علي الخوالدي
كل إنسان في هذه الحياة يسعى جاهدا لتحقيق ذاته وأهدافه وطموحاته وتطلعاته، وكما هو معروف بأنه لا يمكن تحقيق هذا كله في ظل تحديات كثيرة، وهذه التحديات تختلف في نوعها وحجمها وكيفية معالجتها، ويظل تحد واحد في رأيي يستطيع الفرد معالجته رغم خطورته وهو الحسد وعدم رغبة البعض في رؤية الآخرين يحققون النجاح، ومعالجته بالحديث الشريف: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"؛ لتكون بمثابة درع يحمي الطموحات والأماني من عيون الحاسدين.
الحسد هو شعور طبيعي يتجلى في نفوس البشر، لكنه يزداد بشكل غير صحي عندما يتعلق الأمر بنجاح الآخرين، فقد يسعى الحاسد إلى تقويض إنجازات الآخرين، سواء بالكلام أو الأفعال، وهذا يتطلب من الناس أن يكونوا أكثر حذرًا في كيفية مشاركة إنجازاتهم وطموحاتهم مع الآخرين.
وتتجلى أهمية الكتمان في عدة تجارب حياتية، حيث نجد أن العديد من الأشخاص الذين حققوا نجاحات كبيرة اختاروا عدم الكشف عن خططهم وآمالهم قبل تحقيقها، على سبيل المثال في عالم ريادة الأعمال، هناك العديد من القصص التي تروي كيف أن مؤسسي الشركات الكبرى قد احتفظوا بأفكارهم في مراحلها الأولى بعيدًا عن الأعين المتطفلة، وقصة "ستيف جوبز" مؤسس شركة "أبل" تعتبر واحدة من أبرز هذه القصص، فقد كان جوبز معروفًا بكتمانه الشديد عن أفكاره ومشاريعه الجديدة، حيث كان يؤمن بأن الوقت المناسب للكشف عن الابتكارات هو عند اكتمالها، تجنبًا للتعليقات السلبية أو محاولات التقويض من قبل المنافسين.
لذا نصيحتي للشباب المقبلين على تنفيذ مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة بمشاورة الناجحين والمضي في الترتيب لمشروعهم بعيدا عن أعين الناس، حتى يحققوا أحلامهم ويروا مشاريعهم قد ظهرت على السطح، وقرار العمل بصمت والتخطط لكل شيء بأنفسهم يحميهم من الحسد والانتقادات التي قد يتعرضون لها لو أنهم أعلنوا عن خططهم مسبقًا، والكتمان لا يعني العزلة؛ بل يعني اختيار الوقت المناسب لمشاركة الإنجازات، فكما يقول المثل: "النجاح يناديك، لكن الحاسد يراقبك". لذا من المهم أن نكون واعين لمحيطنا وأن نعرف متى يجب علينا أن نتحدث ومتى يجب أن نصمت.
لكن، ماذا عن الحالات التي نكون فيها محاطين بأشخاص يدعموننا؟ قد يكون من المغري أن نتحدث عن إنجازاتنا وأحلامنا في مثل هذه الأوقات، ومع ذلك يجب أن نتذكر أن الدعم الحقيقي يأتي من الذين يرغبون في رؤية نجاحاتنا دون أن تكون لهم أي مصالح شخصية، لذا من الأفضل أن نكون حذرين في اختيار من نشاركهم أحلامنا.
إضافة إلى ذلك، يمكننا أن نتعلم من تجارب الآخرين في كيفية التعامل مع الحسد، مثلا هناك قصة مشهورة عن أحد العلماء الذي اكتشف دواء جديدا بدلًا من الإعلان عن اكتشافه في البداية، قام بتوثيق كل تفاصيل البحث وترك الأمور تجري في مسارها، وعندما جاء الوقت المناسب، قدم اكتشافه للعالم، مما جلب له التقدير والاحترام بدلًا من الانتقادات.
إنَّ الحسد موجود في كل مكان، لكن يمكننا مواجهة هذه الظاهرة من خلال الكتمان. فكلما حرصنا على حماية طموحاتنا وأحلامنا، كلما زادت فرص نجاحنا، وفي النهاية لن تكون الجهود التي نبذلها لتحقيق أهدافنا محصورة في نظرات الحاسدين، بل ستتجاوز ذلك لتصل إلى من يستحقون الفرح والنجاح معنا.
لذلك دعونا نتذكر دائمًا أهمية الكتمان في سياق تحقيق أحلامنا، ونتعلم من القصص والتجارب التي مر بها الآخرون، فالكتمان ليس مجرد نصيحة؛ بل هو سلوك استراتيجي قد يحدد مسار حياتنا، فلنقضِ حوائجنا بالكتمان، ولنجعل من إنجازاتنا مفاجآت جميلة.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تسمية رئيس الوزراء .. هل حان الوقت؟!
تصريحات عقار حول تعيينه دون تسمية اعضاء حكومته حظيت بجدل واسع
تســــميـة رئيــــــس الــــــــوزراء.. هل حان الوقت؟!
تقرير _ محمد جمال قندول- الكرامة
بوتيرة متسارعة، تتقدم القوات المسلحة صوب تحرير العاصمة، حيث استطاع الجيش تحرير كامل وسط الخرطوم.
وبعد تحرير القصر الجمهوري وقرب دحر ميليشيات آل دقلو الإجرامية، ثمّة تساؤلات مهمة تشغل بال الرأي ولعل أهمها عن المطلوب بعد الانتصارات الأخيرة، مواقيت تسمية رئيس الوزراء، وهل سيتم فقط الإعلان عن رأس الجهاز التنفيذي أم تشكيل لكامل الحكومة؟
تحول جوهري
تسمية رئيس للوزراء وتشكيل حكومة بات أمرًا ضروريًا لمجابهة تحديات ما بعد نهاية الحرب. وظل السؤال الذي لم يجد السودانيون له إجابة وتحديدًا منذ إجراءات الخامس والعشرون من أكتوبر 2021، حيث استمر منصب رأس الجهاز التنفيذي شاغرًا.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار قد برر لتأخر تشكيل الحكومة في حوار مع صحيفة المحرر أمس الأول، وقال فى تصريحات حظيت بجدل واسع إنّ هذه الحكومة تعمل منذ 2020 حتى الآن، بدليل عمل مؤسسات الدولة.
وأكد عقار أنّه لا يوجد تشكيل للحكومة، فقط سيكون هناك تعيين لرئيس وزراء على حد تعبيره.
ويقول الخبير والمحلل السياسي د. الكباشي البكري إنّ معركة تحرير القصر الجمهوري تعتبر تحولًا جوهريًا مهم جدًا في مسار حرب الكرامة، ويعني نهاية تواجد الميليشيا وداخل هذا الحيز الجغرافي الذي يكتسب الأهمية العظمى من خلال رمزيته السيادية.
كما أنّ لها مدلولاتها السياسية ويبرز ذلك من خلال اهتمام الحكومات في محيطنا الإقليمي والدولي. وبالتالي، من الأهمية بمكان استعجال تسمية رئيس ليشكل حكومته وذلك لمجابهة التحديات المرتقبة.
الاستقرار المؤسسي
الخبير الاستراتيجي د. عمار العركي استصحب تصريحات مالك عقار وقال إنّها تعكس توجهًا للحفاظ على الاستقرار المؤسسي وعدم إدخال البلاد في مرحلة انتقالية معقدة قد تؤثر على مسار العمليات العسكرية والانتصارات التي تحققت، مشيرًا إلى أنّ حديث نائب رئيس مجلس السيادة يؤكد على أنّ الحكومة لا تسعى إلى تغييرات جذرية قد تُفسر على أنها إعادة هيكلة سياسية وسط اجواء المعركة.
واعتبر العركي أن أي تغيير واسع في الحكومة قد يفتح الباب أمام خلافات داخلية حول التوزيع السياسي للمناصب، وهو ما قد يُضعف وحدة الجبهة الداخلية في هذه المرحلة الحرجة.
العركي يرى بأن تعيين رئيس وزراء فقط قد يكون حلاً توافقياً يمنع الانقسامات داخل المكونات السياسية والعسكرية الداعمة للحكومة، ولكنه عاد وقال إنّ الإبقاء على الحكومة الحالية يشير إلى أن الأولوية المطلقة لا تزال للحسم العسكري وتأمين المناطق المحررة، وليس الانشغال بصراعات سياسية داخلية.
فيما يرى القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي خالد الفحل بأن التطورات الأخيرة تتطلب الإسراع في استكمال هياكل الحكم في البلاد بتعيين رئيس الوزراء الذي يمثل رمزية الحكومة المدنية، لتمكينها من دورها في الانفتاح نحو الإقليم ومختلف دول العالم، بما يعيد للسودان مكانته الإقليمية والدولية، وتوظيف عضوية السودان في مختلف المنظمات لصالح دعم القضية ومحاربة الميليشيات والمرتزقة التي تمثل أكبر مهدد لاستقرار الحكم في أفريقيا والعالم العربي، وإيقاف التدخلات لدول خارج القارة تحاول أن تبسط سيطرتها على موارد الدول الأفريقية بتغذية الصراعات والتغلغل من خلالها لبسط وجودها تحت ذريعة المساعي الإنسانية.
وعن تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار يقول إنّها جاءت حول تعيين رئيس الوزراء استكمالاً للفراغ في الجهاز التنفيذي في منصب رئيس الوزراء وليس في مجلس الوزراء الذي شهد تعديلات وتعيين عدد من الوزراء في الآونة الأخيرة، ولكن ظل منصب رئيس الوزراء في حالة فراغ منذ قرارات 25 أكتوبر 2021، ويدار بواسطة وزير مجلس الوزراء المكلف بمهام رئيس مجلس الوزراء، وهذا يعتبر خللًا كبيرًا في الحكومة المدنية. مضيفًا بأنه من الضرورة تعيين رئيس للوزراء واستكمال ما تبقى من الوزارات التي تدار بالإنابة وإلغاء التكليف لدى وزراء الحكومة ككل بإعادة التعيين بالأصالة.