«حمام الماء البارد» هو الخيار الأفضل في نهاية يوم شديد الحرارة خلال فصل الصيف، والوسيلة الوحيدة للاسترخاء بعد التعرض المباشر لأشعة الشمس، وأما «حمام الماء الدافئ» هو الاحتياج الأول لكسر برودة الشتاء والاسترخاء أيضا، قد يبدو ذلك خيارًا سهلا ومتاحا للجميع إلا أنه بات حُلما صعب المنال لمرضى حساسية الماء، أولئك الذين يواجهون مرض نادر، يسطرون به كل يوم فصلًا جديدا من الألم غير المعلوم أسبابه العلمية.

أحمد: تحول الاستحمام إلى كابوس مزعج

قبل سبعة أشهر تقريبا، وبعد يوم عمل شاق طويل، أراد «أحمد الزمر» الحصول على حمام ماء فاتر ليخفف عن رأسه قليلا الصداع الناتج عن تعرضه لأشعة الشمس فترات طويلة، ويخفف به أثر الرمال العالقة بجسده وملابسه بحكم طبيعة عمله الميداني في إحدى شركات المقاولات والبناء، إلا أن ذلك اليوم كان فاصلا في تحديد علاقته بالماء، حيث تحول الاستحمام إلى كابوس مزعج كلما لامس الماء جسده تحسس جلده ولازمه شعور بوخذ يشبه في شدته وخزات الإبر دون توقف، هكذا وصف «أحمد» المشهد في بداية حديثه لـ«الوطن».

لم يعرف الشاب الثلاثيني حينها ما الأمر، ولم يدرك ماذا حل بجسده حين لمس الماء، تكرر المشهد السابق مرات كثيرة، حينها بدأت رحلته، التي استمرت عدة أشهر، مع عيادات الأطباء، «دش المياه في الصيف أصبح مستحيل بالنسبة ليا ومش فاهم ايه السبب، لو فكرت أخد دش بتعذب من حكة شديدة في جلدي وألم وتورم لمدة حوالي ربع ساعة وأكتر مبيقفش»، يقول باستغراب شديد كيف تحول الاستحمام إلى كابوس مزعج.

صعوبة في التشخيص

من عيادات أطباء المخ والأعصاب، بعد أن أخبره البعض بأن السبب قد يرجع إلى مشاكل عصبية، إلى أطباء الجلدية، لم يجد «أحمد» من يخبره بتشخيص طبي واضح لحالته النادرة، كل علاجات الحساسية التي كٌتبت له لم تكن مجدية، حينها لجأ إلى البحث في موقع «يوتيوب» للتثقيف والفهم الذاتي،«بدأت اكتشف إن ده مرض إسمه حساسية مياه و في حالات نادرة جدا في العالم بتعاني منه»، من هنا أدرك وجود عرض طبي يحتاج إلى علاج، فتكررت رحلته إلى عيادات أطباء الجلدية إلا أنه لم يجد فائدة في أي دواء وصفه له الأطباء، حسب تعبيره.

الأمر تخطى حدود الاستحمام، فالعرق الذي تفرزه مسامات جسمه إثر التعرض لحرارة الشمس أثناء عمله، ينتصر عليه هو الأخر كما تفعل به الماء، «الموضوع مزعج وصعب حد يتحمله، رغم إن كل هدومي قطن برضو بتألم من العرق» بات يتخير أماكن الظل أحيانا ليهرب من حرارة الشمس ويستسلم للألم تارة آخرى، هكذا تسير حياة الشاب أحمد الزمر.

العرق يتحول إلى وخز إبر

المعاناة نفسها تعيشها، «نورا جمال» منذ سبع سنوات، حين كانت في منتصف العشرينات بدأت رحلتها الصعبة مع التحسس من الماء، « في الأول كنت بحس بحكة جلدية وهرش بعد كل استحمام بدون طفح جلدي» وحين لجأت إلى أطباء الجلدية أجمع الكثير منهم على أنها «أرتكاريا الماء» وليس لها علاج سوى تناول أدوية الحساسية قبل الاستحمام، «ارتحت فترة على دوا الحساسية بس الموضوع رجع أشد بعد ولادة طفلي الأول»، تروي لـ«الوطن» أزمتها مع أرتكاريا الماء أو «حساسية الماء».

تحايلت «نورا» على الأزمة بمنع استخدام «ليفة» الاستحمام ومنع الصابون وأي مواد كيميائية، ظنًا أنها الخطوة التي تنجيها من الألم، كما أخبرها أحد الأطباء، ولكن استمر الأمر، بل تعقدت الأمور مع الأم الثلاثينية، فلم يعد الأمر مقتصرا على وقت الاستحمام فقط، بل وصل الأمر إلى التحسس من العرق في فترة الصيف، فكيف يمكن لأحد منا أن يمنع جسده من التعرق؟ هكذا وصفت الأمر قائلة: «الموضوع بقى صعب بطريقة أقوى لا تحتمل».

كغيرها من أصحاب ذلك العرض الطبي النادر، لجأت «نورا» إلى التثقيف الذاتي من خلال صفحات السوشيال ميديا والمواقع الطبية المتخصصة عبر الإنترنت لمحاولة الفهم والتعايش مع هذا الوضع المزعج، حتى وجدت ضالتها في إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، التي أنشأها طبيب جلدية متخصص للتوعية بذلك المرض النادر.

«لقيته بينصح باستخدام مكمل غذائي اسمه «بيتا ألانين» كنت متخوفة في الأول أستخدمه لأني مش رياضية بس جربته بكمية صغيرة قبل الاستحمام بنص ساعه كبديل لأدويه الحساسية واتفاجئت بالنتيجة»، هكذا وجدت نورا حلًا مؤقتًا للأزمة وليس علاجا شافيا، فهي تتحايل على الموقف، تتناول المكمل الغذائي لمنع الحكة قليلا بعد التعرض المباشر للماء.

فصل الصيف كابوس

شعور الاسترخاء بعد حمام ماء بارد في نهاية يوم شديد الحرارة أو حمام ماء دافئ في نهاية يوم شتوي شديد البرودة، الحٌلم الأصعب لـ«أحمد محمود» -رغم بساطته- على مدار عشرين عاما، منذ إصابته بحساسية الماء حين كان في الخامسة عشر من عمره، بداية اكتشافه للأمر كان في يوم جمعة حين استعد للصلاة بحمام ماء بارد خرج منه يصرخ من شدة الألم، «حسيت لأول مرة كأن في شوك في جسمي مكنتش فاهم في ايه»، يقول في حديثه لـ«الوطن» عن رحلة معاناته التي بدأت منذ طفولته.

عشرون عاما من المعاناة عاشها الشاب البالغ من العمر 36 عاما، كان خلالها يتحايل على الموقف في كل مرة ينوي فيها الاستحمام «كنت بحاول مطولش أبدا تحت المياه وأفتح الحنفية ضعيف عشان شدة اندفاع المياه ميألمنيش» يستخدم بعدها مباشرة مراهم طبية مهدأة للحساسية ولكن في كل مرة يكون الألم أقوى من العلاجات الطبية، «بالنسبة ليا فصل الصيف كابوس عشان حتى العرق بيتعبني»، بحسب وصفه.

مرضى التحسس من أنواع معينة من الطعام كالأسماك أو الشيكولاتة أو الألبان يمكنهم تجنب تلك الأطعمة، أما مرضى حساسية الماء كيف يتجنبون لمسها والماء سر الحياة، كيف نطالبهم بعدم الاستحمام أو منع الوضوء أو التوقف عن العرق؟ هكذا تسائلت «جهاد سليم» التي تتشابه حكايتها مع الحكايات السابقة لأصحاب ذلك المرض الجلدي النادر الذي لا يعرف الأطباء علاج محدد له، لا تختلف شكواها عنهم كثيرا، تصف الأمر هي الأخرى بـ«وخزات الإبر» التي تطاردها في جسدها- خاصة القدمين والأرجل، منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، كانت كلما اتخذت قرار الاستحمام تعرضت لتلك الحكة الجلدية التي يصحبها آلام لمدة تصل إلى نصف ساعة تقريبا.

ظنت في بداية الأمر أنها حساسية من الصابون وامتنعت عن استخدامه ولكن التعب نفسه تكرر حين لجأت إلى الماء فقط للاستحمام، بل وصل الأمر إلى أنه كلما ضربها أحد الأشخاص على جسدها ولو على سبيل المزاح معها تورم الجزء المضروب، بحسب روايتها لـ«الوطن».

حرمان من نزول البحر ومن الدش الدافئ في الشتاء

كلمات سخرية كثيرة تكررت على مسامع الطفلة الصغيرة، حينها، تتذكرها حتى الآن بعد أن بلغت الثلاثين عاما، «كان في ناس بتتريق عليا وتقولي انتي عندك جرب ولا إيه» فكانت محرومة من نزول البحر مع عائلتها حتى لا تتعرض لتلك المضايقات من أحد الأفراد، وحتى بعد أن اتبعت تعليمات الأطباء بتناول دواء مهدئ للحساسية ولكن دون جدوى.

محرك البحث جوجل، هو الملجأ الوحيد لـ«جهاد» كغيرها من الحالات السابق ذكرها، لتفهم ماذا يحدث في جسدها وتجد إجابة للأسئلة العالقة في رأسها، «حاولت أفهم هو ايه الحالة اللي عندي دي واكتشفت إنها حالة نادرة جدا والمصابين بيتكسفوا يقولوا للناس»، بحسب وصفها.

ندرة الأبحاث العلمية عن المرض

لم يكشف البحث العلمي-حتى الآن- إلا القليل عن ماهية ذلك المرض النادر، كونه يصيب عددا قليلا للغاية من المرضى في العالم، ويعرفه الباحثون بحسب الأبحاث العلمية المنشورة في مواقع عالمية، أنه عندما يلامس الماء الجلد فإنه ينشط خلايا الحساسية، فتسبب الحكة الشديدة والبثور، دون معرفة السبب وراء تنشيط الماء لخلايا الحساسية.

الدكتور محمد عبدالحميد، واحد من الأطباء المهتمين بتلك الحساسية النادرة، تولى تأسيس جروب خاص لدعم مصابي حساسية الماء على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رغم أن تخصصه هو طب الأسرة بعيدا عن الجلدية، إلا أنه قرر البحث في المواقع العلمية المعروفة التي تنشر الدراسات والأبحاث العلمية التي أجريت على هذا النوع النادر من الحساسية، بعد مقابلته أكثر من حالة مرضية تشكو من تلك الحساسية، «كان في مرضى كتير بتيجي تشتكي من حكة في الجلد ووخز شديد بمجرد الاستحمام ولمس الماء كنت بحولهم على دكاترة جلدية ويرجعوا يشتكوا من عدم التحسن»، هكذا بدأ الطبيب حديثه لـ«الوطن».

تجربة حقيقية لسيدة أجنبية تدعى «فانيسيا» منشورة على أحد المواقع العلمية بتاريخ 24 سبتمبر 2018 كانت سببا في لفت نظر الطبيب إلى المكمل الغذائي «بيتا ألانين»، وهو أحد الأحماض الأمينية الذي يستخدمه الرياضيون لبناء عضلات الجسم.

أكدت تلك السيدة أنها حين تتناوله بعد الانتهاء من التمارين الرياضية الخاصة بها في الجيم لا تعاني من الحكة الشديدة من العرق على عكس الأيام التي لا تتناول فيها المكمل الغذائي، «تجربة السيدة دي لفتت نظري للبحث في مادة المكمل الغذائي ومفعوله في منع الحكة والحساسية وبدأت أقرأ عن المادة دي»، بحسب روايته.

تحسن ملحوظ أكده بعض المصابون بحساسية الماء من أعضاء الجروب الذي أسسه الطبيب الثلاثيني، «بدأ المصابين في مصر ودول عربية يجربوه ويشاركوا برأيهم في مفعول المكمل الغذائي والكل أكد إنه بيمنع الحكة والألم» إلا أن ذلك ليس علاجا شافيا وإنما محاولات للتعايش مع المرض النادر وتخفيف الأعراض»، بحسب وصف الطبيب.

ما هي حساسية الماء؟

وفقا لتخصص الأمراض الجلدية في عالم الطب، فإن حساسية الماء أو «ارتكاريا الماء الجينية» (aquagenic urticaria) نوع نادر جدا من الحساسية، وتتمثل أعراضه في شكل حكة شديد وطفح جلدي مع وخز شديد في الجسم ينتج عند تلامس جلد الشخص للماء بغض النظر عن حرارة الماء، ويصيب هذا المرض نحو شخص واحد من كل 230 مليون شخص.

ولا يتغير الأمر باختلاف درجة حرارة الماء سواء كان باردا أم دفئا، وتبدأ الحساسية بالظهور على الأرجل والكفين والذراعين وتنتشر في باقي الجسم، بين 20 إلى 30 دقيقة من التعرض للماء، بحسب قول الدكتورمحمد شلبي، استشاري الأمراض الجلدية والذكورة، في بداية حديثه لـ«الوطن» عن ذلك المرض النادر.

شلبي: مرض نادر الوجود

على مدار مسيرته المهنية التي بلغت الأربعين عاما، لم يقابل الدكتور محمد شلبي سوى ثلاث حالات فقط من المصابين بذلك المرض الجلدي النادر، «قابلت 3 حالات فقط على مدار تاريخي الطبي وكان العلاج اللي بصرفه ليهم مضادات حساسية أو مضادات الهيستامين»، التي تُستخدَم بالأساس لعلاج أنواع الحساسية الجلدية، إلا أنه لم يكن علاجا مجديا معهم، «المريض كان يرجعلي يشتكي من نفس الشكاوى لأن مفيش علاج نهائي»، بحسب وصفه.

أسباب ذلك المرض غير معلومة، لا الأمر يتعلق بخلل في الجينات ولا هو مرضا وراثيا، بحسب قول «شلبي» استشاري الأمراض الجلدية والذكورة، «في بعض الحالات بتستجيب لو خفضنا قوة اندفاع المياه من الحنفية وقت الاستحمام وفي حالات منعت عنها استخدام الليفة والصابون ولكن مفيش تحسن» مؤكدا أن الأمر نسبي من مريض لآخر.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الحساسية إلا أنه إلا أن کان فی

إقرأ أيضاً:

رباعيات الخيام و«سن» حيوان نادر.. مقتنيات غرقت مع تيتانيك «لا تقدر بثمن»

لم يغرق على متنها آلاف الأرواح بين الأطفال والنساء وكبار السن فقط، بل استقبل قاع المحيط أشياء ثمينة لا تقدر بثمن في أوائل القرن العشرين قد غرقت جميعها على متن سفينة تيتانيك، التي تحوي حتى يومنا هذا العديد من الألغاز والأسرار المذهلة، ولعل أبرزها بعض المقتنيات الفارهة التي كانت على متنها.

سيارة رينو

من المذهل أو غير المتوقع هو وجود سيارة ماركة رينو العالمية الشهيرة على متن سفينة تيتانيك حين غرقها، حيث كانت هذه السيارة فارهة الثمن في ذلك الوقت، خاصة بأحد ركاب الدرجة الأولى يدعى ويليام كارتر، وحينها كان ينقل سيارته التي تبلغ قوتها 25 حصانًا إلى أمريكا، لكنها لم تصل إلى هناك، وإذا كان تم انتشالها كانت لسوف تبلغ قيمتها ملايين الدولارات اليوم، بحسب موقع «kingprice» العالمي.

قلادة أسنان سمكة القرش ميجالودون 

أثناء إحدى عمليات استكشاف حطام سفينة تايتانيك، اكتشف الغواصون قلادة فريدة من نوعها، حيث كانت تحتوي على سن سمكة قرش من نوع ميجالودون، وهي واحدة من أكبر الأسماك التي عاشت على الإطلاق -  فهي أطول بثلاث مرات من أكبر سمكة قرش بيضاء كبيرة مسجلة - وهي منقرضة في الوقت الحالي، مما يجعل هذا الاكتشاف فريدًا للغاية من نوعه ولا يقدر بثمن.

رباعيات عمر الخيام

في قاع المحيط الأطلسي تم العثور على نسخة ثمينة مرصعة بأكثر من ألف جوهرة ثمينة من أعمال الشاعر الفارسي الشهير عمر الخيام، حيث كان يتم نقلها على متن سفينة تيتانيك لمنزل جامع التحف الأمريكي جابرييل وايت، حيث يقدر ثمن هذه النسخة اليوم بمليارات الدولارات.

ثروة جون جاكوب أستور

في تلك الحقبة من الزمن كان الأمريكي جون جاكوب أستور أحد أكبر المطورين العقاريين في العالم، وربما كان هو أغنى راكب على متن تيتانيك، إذ كان يحمل معه جزءًا كبيرًا من ممتلكاته الشخصية بما في ذلك الملابس الفاخرة والمجوهرات والأموال، والتي تساوي قيمتها في الوقت الحالي ثروة كبيرة حيث تشير التقديرات إلى أن صافي ثروة أستور كان ليقترب من 48 مليار دولار بتعاملات الوقت الحالي. 

مقالات مشابهة

  • جبالي: قانون الإجراءات الجنائية نال مناقشات لم ينلها أي تشريع بالحياة البرلمانية المصرية
  • لقاح تجريبي يمنع تجدد سرطان الثدي العدواني
  • رباعيات الخيام و«سن» حيوان نادر.. مقتنيات غرقت مع تيتانيك «لا تقدر بثمن»
  • دعاء يمنع الكوابيس المخيفة.. ردده يوميا قبل نومك
  • رئيس اتحاد السباحة: أعرف الأندية التي لم تصوت لي في الجمعية العمومية
  • ‎هدف نادر في مسيرة محرز بمباراة الجزائر وليبيا
  • مشاركات في «ميدام 2024»: طبيبات الجلدية قدمن مساهمات ملحوظة
  • كوندي مدافع برشلونة يعترف بفقدان الاستمتاع بكرة القدم
  • الكشف عن مشروب سحري يمنع الإصابة بأمراض القلب والسكري.. طريقة تحضيره
  • روتين متكامل للتعامل مع جفاف البشرة في الشتاء.. «حافظي على نعومة وجهك»