عربي21:
2025-03-25@21:51:26 GMT

سوريا بين الأمس والغد: حوار بين العقل والتاريخ والوطن

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

في ليلة ساهرة من ليالي التاريخ، جلس العقل مستندا إلى مصباح الزمن، يتأمل وجه الأرض الذي كان يوما مهد الحضارات، فإذا بها قد أمست خريطة مليئة بالندوب والجراح. تنهد بعمق، ثم التفت إلى التاريخ وقال:

العقل: لقد سقط الطاغية، فهل آن للأرض أن تستريح؟

التاريخ: سقوط الطاغية ليس إلا بداية الرحلة، فكم من مستبد رحل ليُبعث مستبد آخر في ثوب جديد! الحرية لا تأتي بالهتاف، بل تبنى بالحكمة والعدل.



العقل: وكيف نحفظ العدل إن كان الظلم قد صار ميراثا يتناقله الناس؟

التاريخ: لا عدل بلا ميزان، ولا ميزان بلا يد تحمله بثبات. فليُحاكم الظالمون، ولكن بميزان لا ترجحه الكراهية. إن كنتم تريدون بناء وطن، فاجعلوا العدالة شفاء لا انتقاما، كي لا تحفروا في الأرض بذور صراع لا ينتهي.

إذا جار الأمير وحاجباهُ
وقاضي الأرض أسرف في القضاءِ
فويحُ الأرضِ إن لم يرفعوا
يدا عن ظلمهم يوم الجزاءِ!

في هذه اللحظة، انضم الوطن إلى الحوار، جلس على كرسيه العتيق، يتأمل أبناءه الذين طال صراعهم حول هويته، مستمعا لصراخهم بين السياسة، الدين، والقومية.

الوطن (مخاطبا الجميع بحزم): كفى صراخا! لقد هُدم بيتي مرارا، كل منكم يزعم أنه حارس أبوابي، لكنه في النهاية يُحاصرني أكثر. أريد أن أفهم، كيف نعيد البناء؟

السياسي (مشبكا أصابعه وكأنه يزن الكلمات بدقة): الحل سهل، يجب أن نؤسس لعقد اجتماعي حديث، يحترم الحقوق والواجبات، ويضمن لكل فرد مكانه في هذه الأرض.

الديني (رافعا يده كأنما يستشهد بنص مقدس): ولكن دون أن نخلع الإيمان من قلوب الناس، فالعدل لا يتحقق إلا حين يكون للناس ركن روحي يثبّتهم في مواجهة الفوضى.

القومي (ضاربا بقبضته على الطاولة): ومن دون الهوية، سنصبح كالريشة في مهب الريح! كيف نبني وطنا لا يعرف من هو؟

العقل: لكن ماذا عن أجهزة القمع؟ لقد تحولت إلى سوطٍ يجلد الناس، فكيف نضمن أنها لن تعود؟

التاريخ: الحرس إن خُلق ليكون للسلطان لا للوطن، كان كالذئب في ثياب الحارس. لا بد أن تُعاد صياغة هذه المؤسسات، أن تكون يدا تحمي لا سيفا يضرب، عينا تراقب العدل لا تترصد الأحرار. فليُبنَ الأمن على أسس جديدة، ولتكن قلوب الناس سندا له لا ضحايا بين يديه.

العقل: وماذا عن المكونات المختلفة؟ لقد أشعل الطغاة نار الطائفية، فكيف نضمن أن تذوب الجدران بين أبناء الأرض الواحدة؟

التاريخ: الوطن لا يكون وطنا إن لم يحتضن جميع أبنائه. لا فرق بين عربي وكردي، ولا بين مسلم ومسيحي إلا في مقدار إخلاصه لهذا التراب. ليكن عقدكم الاجتماعي شاملا، لا يستثني أحدا، فالتهميش يخلق الغضب، والغضب يهدم الأوطان.

إذا افتخر الأنامُ بفرقةٍ
ففخرُ المرءِ أن يُؤوي الجميعا

الوطن (متنهّدا وهو يحدق في الأفق): أيها السادة، أريدكم أن تفهموا أنني لا أطلب منكم أن تهدموا جدرانكم، بل أن تفتحوا نوافذها. السياسي، لن ينجح عقدك الاجتماعي ما لم تؤمن بأن الحرية مسؤولية وليست فوضى. والديني، لن يُحترم إيمانك ما لم تفصل بين قداسته وبين أداة القمع. أما أنت أيها القومي، فحبك لي لا يعني أن تسجنني داخل جدران الماضي، بل أن تعيد تعريف الانتماء ليكون جسرا بين الأجيال، لا سلاسل تكبلهم.

العقل: لكن ماذا عن القوى الأجنبية؟ إنهم ينتشرون في البلاد كالأشواك في الحقول، لكل واحد مصلحته، فكيف نعيد الوطن إلى أهله؟

التاريخ: لا حرية مع احتلال، ولا سيادة مع وصاية. لكن القوة وحدها لا تكفي، فالتفاوض أحيانا أمضى من السيف. لا تكونوا جسرا لأحد، لا تبيعوا الأرض تحت شعارات واهية، ولا تدخلوا في حرب تستهلككم أكثر مما تحرركم. السياسة فن، فأتقنوا لعبتها.

العقل: وماذا عن الذين هُجِّروا؟ الملايين في المنافي، ينتظرون ساعة العودة، فكيف نعيدهم دون أن نلقي بهم إلى الضياع؟

التاريخ: الوطن ليس حنينا فقط، بل حياة كريمة. لا تُعيدوهم ليجدوا بيوتهم تحت الأنقاض، وفرص العمل سرابا، والأمن حلما بعيدا. لا تكونوا كمن يبني سورا بلا أساس، بل اجعلوا الأرض مهيأة لاستقبال أبنائها، حتى لا يغدو الرجوع ندما.

بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ
وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ!

العقل: والاقتصاد؟ كيف نبني وطنا والجوع ينهش أهله، والأمل صار عملة نادرة؟

التاريخ: الخراب ليس في الأبنية وحدها، بل في العقول التي اعتادت التسول بدل الإنتاج. لا تنتظروا المعجزات، بل اصنعوها. ليكن العمل ثقافة، والشفافية قاعدة، ولا تسمحوا للفاسدين أن يكونوا أسياد المرحلة القادمة، فقد كان الفساد شريكا في سقوط من سبقكم.

لا تَسقني ماءَ الحياةِ بذلَّةٍ
بل فاسقني بالعزِّ كأس الحنظلِ!

العقل: ولكن، ماذا عن الفوضى؟ هل نثق بأن الناس لن يُعيدوا إشعال الحرائق بأنفسهم؟

التاريخ: الناس تُقاد بالفكر كما تُقاد بالجوع والخوف. فإن لم يكن لهم وعي، صنعوا لأنفسهم جلادا جديدا. لا تتركوا التعليم آخر همكم، ولا تُهملوا بناء الثقافة السياسية، فالجهل أبو الاستبداد.

الوطن (مبتسما لأول مرة): أحسنتم، الآن يمكننا البدء بالبناء. لكن قبل ذلك، قولوا لي: من منكم مستعد لوضع حجر الأساس؟

ساد الصمت، ثم مد الجميع أيديهم معا، ووضعوا أول حجر..

إذا الشعبُ يوما أراد الحياةَ
فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدرْ!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات العقل الحوار الدين الهوية سوريا قومية حوار عقل دين سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

دراسة: وهم بصري جديد يخدع العقل ويخفف الشعور بالألم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

كشفت دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثون بجامعة روهر بألمانيا عن وهم غير مألوف لكنه فعال قد يكون له تطبيقات واعدة في مجال تخفيف الألم وفقا لما نشرتة مجلة “نيويورك بوست”.

ركز الباحثون على ظاهرة تعرف باسم "وهم اليد المطاطية" وهي خدعة غريبة، حيث يعتقد الناس أن يدا مزيفة جزء من أجسامهم.

وجد العلماء أنه عندما يضع المشارك يده خلفه (بحيث لا يراها) ثم توضع أمامه على الطاولة يد مطاطية تشبه يده تماما، ويبدأ شخص ما يمسح بفرشاة على اليد الحقيقة المخفية واليد المطاطية بنفس الوقت يبدأ المشارك في الشعور بأن اليد المطاطية هي يده الحقيقية وإذا حاول أحد لمسها أو ضربها سيشعر المشارك بالخوف أو الألم رغم أنها ليست يده.

وفي هذه الدراسة الجديدة استخدم فريق البحث  الحرارة والضوء بدلا من اللمس وقام بتحديد عتبة الألم الحراري لكل من المشاركين الـ 34 الذين كانوا جميعا يستخدمون يدهم اليمنى وبعد ذلك وضع كل شخص يده اليسرى خلف شاشة بعيداً عن نظره حيث استندت على جهاز تسخين وبدلا من اليد المخفية تم وضع يد مطاطية نابضة بالحياة أمام المشاركين مضاءة بضوء أحمر من الأسفل.

وبينما تعرضت اليد المخفية لمستويات حرارة مضبوطة استخدم المشاركون اليد اليمنى لتحريك مؤشر لتقييم مستوى الألم الذي يشعرون به بشكل مستمر وسمح هذا الإعداد للباحثين باختبار ما إذا كان يمكن للوهم تقليل الإحساس بالألم دون أي تحفيز لمسي بل فقط من خلال الإشارات البصرية و الحرارية.

وفي المجموعة الضابطة وضعت اليد المطاطية مقلوبة رأسا على عقب. 

وعندما كانت اليد المطاطية في وضعها الطبيعي (غير مقلوبة) أبلغ المشاركون عن انخفاض في الألم خلال 1.5 ثانية فقط من بدء التجربة واستمر هذا التأثير طوال مدة الوهم.

وقال مارتن ديرز أستاذ الطب النفسي الجسدي والعلاج النفسي في جامعة روهر بألمانيا: “أظهرنا أن شدة الألم المتصورة انخفضت في حالة وهم اليد المطاطية مقارنة بالمجموعة الضابطة كما تشير النتائج إلى أن إدراك اليد المطاطية كجزء من الجسم يقلل من الشعور بالألم”.

تكشف الدراسة عن رؤية مثيرة لكيفية توظيف دماغنا للمعلومات البصرية و الحسية لتخفيف الألم.

وأحد التفسيرات المحتملة هو تسكين الألم البصري وهي ظاهرة مدروسة تشير إلى أن مجرد النظر إلى جزء الجسم الذي يشعر بالألم قد يقلل من شدته. 

ومع ذلك أشار ديرز إلى أن الأساس العصبي لهذه الظاهرة ما يزال غير مفهوم بالكامل ورغم ذلك قد تمهد هذه النتائج الطريق لبدائل غير دوائية لعلاج الألم المزمن وهو بحد ذاته خبر يبعث على الارتياح.

مقالات مشابهة

  • وهم بصري غريب يخدع العقل لتخفيف الشعور بالألم
  • دراسة: وهم بصري جديد يخدع العقل ويخفف الشعور بالألم
  • ما الهوية الدينية لـعلوية اليوم.. وهل هم نصيرية الأمس؟
  • حمود الحناوي أحد الزعماء الثلاثة للدروز في سوريا
  • العقل الرعوي في الميزان (1-2)
  • موعد إجازة عيد الفطر 2025 باليوم والتاريخ
  • ما وظائف العقل في الدين؟.. علي جمعة يوضح
  • ما وظائف العقل في الدين؟.. علي جمعة يوضح |فيديو
  • مراد يدعو: لفتح حوار مع سوريا لحل القضايا العالقة
  • اليوم الأعنف منذ الهدنة.. كم بلغ عدد غارات الأمس على الجنوب والبقاع؟