بينما كان الحلم الأمريكي يجذب الملايين إلى أرض الفرص والحرية، تحولت تلك الأحلام إلى كوابيس للكثير من المهاجرين غير النظاميين خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فبدلاً من تحقيق الأمان والاستقرار، وجدوا أنفسهم يواجهون سياسات قاسية وترحيلات جماعية، أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان وأشعلت الجدل حول سياسات الهجرة في الولايات المتحدة.

مع توليه منصب الرئاسة، تبنى دونالد ترامب نهجًا صارمًا تجاه ملف الهجرة غير النظامية، سعى إلى تعزيز الرقابة على الحدود وتوسيع صلاحيات وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، مما أدى إلى زيادة كبيرة في حملات المداهمة والاعتقالات التي طالت آلاف المهاجرين. لم تقتصر هذه السياسات على من دخلوا الولايات المتحدة حديثًا، بل شملت أيضًا أولئك الذين عاشوا لعقود دون وضع قانوني، ما خلق حالة من الخوف والقلق بين المجتمعات المهاجرة.

وانتخب ترامب بعد حملة وعد فيها بإنهاء ما أسماه "غزو" المهاجرين غير النظاميين، وسارعت إدارته لإجراء عمليات ترحيل جماعي عبر رحلات جوية إلى عدة دول في أميركا اللاتينية، في حين يعيش حاليا نحو 11 مليون شخص في وضع غير نظامي على الأراضي الأميركية.

عمليات ترحيل للمهاجرين

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير، بدأت إدارة الرئيس الجمهوري عمليات ترحيل لأعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، بما في ذلك عبر رحلات جوية عسكرية هبط قسم منها في القاعدة الأميركية في غوانتانامو في جزيرة كوبا.

وبدأت وكالة الهجرة والجمارك الأميركية والتي تعرف اختصارا بـ"آي سي إي"، وهي وكالة فدرالية تأسست عام 2003 ضمن وزارة الأمن الداخلي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 بهدف حماية الأمن القومي للولايات المتحدة عبر إنفاذ القوانين المتعلقة بالهجرة والجمارك والتجارة، إضافة إلى مكافحة الأنشطة غير القانونية العابرة للحدود بدات في تنفيذ خطة ترامب.

دول أمريكا الوسطى ترحب

وأعلنت كوستاريكا أنها وافقت على استقبال مهاجرين أجانب مرحلين من الولايات المتحدة، لتحذو بذلك حذو جارتيها بنما وغواتيمالا، في خطوة تندرج في إطار جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلاده.

وقالت رئاسة البلد الواقع في أميركا الوسطى في بيان إن "حكومة كوستاريكا وافقت على التعاون مع الولايات المتحدة لإعادة 200 مهاجر غير نظامي إلى بلادهم".

وكوستاريكا هي ثالث دولة في أميركا الوسطى، بعد بنما وغواتيمالا، توافق على أن تكون نقطة عبور لمهاجرين أجانب مرحلين من الولايات المتحدة.

وبحسب البيان الرئاسي الكوستاريكي، فإن أول دفعة من هؤلاء المهاجرين المرحلين ستصل إلى العاصمة سان خوسيه الأربعاء على متن رحلة تجارية، وأنهم سينقلون مباشرة إلى مركز استقبال مؤقت على بُعد نحو 360 كيلومترا من سان خوسيه، على أن "العملية سيتم تمويلها بالكامل" من قبل الحكومة الأميركية تحت إشراف المنظمة الدولية للهجرة.

 غوانتانامو أول المحطات 

وقبل أيام بدأ ترحيل مهاجرين إلى خليج غوانتانامو في كوبا، ونشرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مقطعا مصورا قالت إنه يوثق أول رحلة جوية من الولايات المتحدة لترحيل من تصفهم بأنهم "مجرمون أجانب" إلى القاعدة البحرية الأميركية بخليج غوانتانامو في كوبا.

وقالت المتحدثة كارولين ليفيت، في مقابلة مع قناة "فوكس بزنس"، إن الرئيس ترامب "لا يعبث، ولن يسمح بأن تكون أميركا مكبا للمجرمين من دول العالم".

وتعد القاعدة الأميركية في كوبا مقرا لمعتقل غوانتانامو الذي افتُتح عام 2002 في إطار ما وصف بـ"الحرب على الإرهاب"، التي أعلنها الرئيس السابق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وفي 30 يناير الماضي، وقّع ترامب مذكرة رسمية لتجهيز منشأة لاحتجاز المهاجرين في قاعدة غوانتانامو البحرية الأميركية في كوبا، وكان قد أعلن سابقا أن هذه المنشأة ستجهز لاستقبال 30 ألف مهاجر.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دونالد ترامب حقوق الإنسان الهجرة غير النظامية المهاجرين غير النظاميين المزيد المهاجرین غیر النظامیین الولایات المتحدة فی کوبا

إقرأ أيضاً:

الاستعمار الأمريكي الجديد

أثار مشروع ترامب الأخير في تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن موجة من الاستياء والاستهجان، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في معظم بلاد العالم، بما في ذلك بلاد العالم الأوروبي التي تُعد حليفًا تاريخيًّا واستراتيجيًّا للولايات المتحدة الأمريكية. يرجع هذا الاستياء والاستهجان العالمي العام إلى سببين رئيسيين: السبب الأول أن مشروع ترامب ينتهك سائر القوانين الدولية، إذ إنه- في حال تنفيذه- يصبح بمثابة جريمة تطهير عرقي؛ ولذلك فقد رفضته واستنكرته الأمم المتحدة نفسها؛ ولكن الولايات المتحدة لم تعد تعبأ بالأمم المتحدة بعد أن همشت دورها، ولم تعد تكترث بقراراتها! والسبب الثاني والأكثر أهمية أو عمقًا هو أن العالم بدأ يضيق ذرعًا بسياسة الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة على العالم؛ وقد جسد ذلك بقوة الطريقة الاستعلائية التي تحدث بها عن مشروعه باعتباره قرارًا سيتم تنفيذه من خلال القوة والنفوذ.

ولقد امتد هذا الاستياء العام لدى دول أوروبا بعد تهديد ترامب لها وللمنظمات الأوروبية والدولية بفرض عقوبات عليها، مثلما فعل بالنسبة إلى بعض منها، وهذا الأمر بدا كناقوس خطر يطالب باستقلالية القارة العجوز بكل إرثها التاريخي والثقافي عن النفوذ الأمريكي وعن التبعية للقرار الأمريكي. والأيام دول: إذ بدأت أمريكا كمستعمرات تابعة للدول الأوروبية تطالب باستقلاليتها، إلى أن نالت استقلالها سنة 1766؛ ولكن بعد أن اشتد عودها وتعاظم نفوذها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، راحت تهيمن تدريجيًّا على السياسات واتخاذ القرارات في معظم أنحاء العالم بدرجات متفاوتة.

مشروع ترامب ليس جديدًا، وإنما هو إحياء متجدد لمشروع ممتد طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

وهذا يجعلنا نتساءل: هل العقلية الاستعمارية متأصلة في الشخصية الأمريكية، أم أنها متأصلة في شخصية الغرب نفسه؟ أم أنه لا يجوز هنا أن نتحدث عن «طبيعة متأصلة» في الحالتين (وإلا كنا بذلك نكشف عن نوع من التحيز ضد من نتهمه بالاستعمارية وما يلحق بها من صفات سلبية)؟ وهذا السؤال البسيط يبدو مشروعًا إذا وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة نفسها دولة حديثة العهد لا يتجاوز عمرها قرنين ونصف: فهل يكفي هذا التاريخ القصير نسبيًّا لأن نتحدث عن «طبيعة متأصلة»؟

الواقع أننا لا يمكننا النظر إلى تاريخ الولايات المتحدة بشكل مستقل عن تاريخ أوروبا، وكأنها قد نشأت من لا شيء. هذا الأمر يتطلب أن نذكر أنفسنا بتلك النشأة التاريخية:

بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس للأراضي الأمريكية التي سُميت بالأراضي الجديدة أو العالم الجديد؛ أصبحت هذه الأراضي مطمعًا للأوروبيين الحالمين باستغلال ثرواتها البكر وامتلاك المساحات الشاسعة منها، وهكذا نشأت المستعمرات الأوروبية فيها من دول إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا، فضلًا عن بريطانيا بطبيعة الحال: إذ هيمنت إسبانيا على معظم أمريكا الجنوبية، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا الجزء الشمالي من أمريكا الشمالية المعروف الآن بكندا، ولكن بريطانيا استطاعت الهيمنة على معظم المستعمرات المعروفة الآن بالولايات المتحدة الأمريكية. أباد الغزاة الجدد السكان الأصليين، وقضوا على حضاراتهم: حضارة المايا، والإنكا، والأزتيك؛ فلم يبق منها إلا بعض الأثريات من الحجر والبشر.

هؤلاء الغزاة للأرض الجديدة هم أجداد الشعوب الأمريكية في الولايات المتحدة. جذور الغزو الاستعماري والعدوان متأصلة في طبيعة الغالبية منهم، وهم يقدسون المنفعة المادية في تعاملاتهم مع الآخر؛ ولذلك فلا غرابة في أن الفلسفة التي راجت في أمريكا هي البراجماتية أو «الفلسفة العملية» التي هي وريثة الفلسفات النفعية القديمة في شتى صورها. ولا غرابة كذلك في أن التاريخ القصير للولايات المتحدة الأمريكية كان تاريخًا دمويًّا منذ نشأتها وحتى الآن: فقد غزت نيكاراجوا سنة 1833 ومرات أخرى عديدة بعد ذلك؛ وغزت بيرو وأورجواي وقناة بنما وكولومبيا؛ واحتلت أرضًا مكسيكية تُعرف الآن بولاية تكساس؛ واحتلت كوبا وهايتي وخليج جوانتانامو؛ وشنت حروبًا دموية على كوريا والفلبين وفيتنام؛ وغزت العراق ودمرت جيشه وقتلت عشرات الآلاف المؤلَّفة من المواطنين العراقيين بسبب استخدام قنابل اليورانيوم المخصب؛ ومؤخرًا شاركت إسرائيل فعليًّا في العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني وعلى الحوثيين في اليمن.

فلماذا إذن نندهش من تصريحات ترامب الأخيرة: إنها تجسد المشروع الصهيوني القديم نفسه، وكل ما في الأمر أنها تجسده بشكل فج وغير دبلوماسي؛ ومن ثم يكشف صراحة عن الوجه القبيح للسياسات الأمريكية الذي يتمثل في الذهنية أو العقلية الاستعمارية التي تقوم على روح الاستغلال والمنفعة والغزو والعدوان المسلح عند الضرورة.

وأنا استخدم هنا عبارة «عند الضرورة»؛ لأن الولايات المتحدة لا تلجأ الآن كثيرًا إلى العدوان المسلح، من باب الاقتصاد في الجهد والنفقات، بل إنها تعول كثيرًا على الدول التي تحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومن ثم تحقق سعيها للهيمنة على جانب كبير من اقتصاد العالم والتأثير في قرارات الدول. وعلى ذلك كله، يمكننا القول إن هذه السياسات الاستعمارية ليست سوى وجه جديد للاستعمار القديم.

مقالات مشابهة

  • ترامب: مصانع السيارات سيعاد بناؤها في الولايات المتحدة
  • الاستعمار الأمريكي الجديد
  • تظاهرات حاشدة في الولايات المتحدة ضد سياسات ترامب
  • 3 دول بأميركا الوسطى توافق على استقبال مرحلين من الولايات المتحدة
  • قرار ترامب يهدد حياة ملايين المصابين بالإيدز
  • غزة.. من جحيم نتنياهو إلي جحيم ترامب
  • بريطانيا تنشر استراتيجية لتعزيز قطاع الصلب وسط تهديد الرسوم الجمركية الأميركية
  • عرض استحواذ مفاجئ.. هل تخضع تيك توك لسيطرة الحكومة الأميركية؟
  • الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض قيود على استيراد الغذاء من الولايات المتحدة