آخر تعاطف عربيّ رسميّ واضح مع الفلسطينيين كان في بدايات انتفاضة الأقصى (أواخر العام 2000)، نقلت القنوات العربية الرسمية المشهد الحيّ لاستشهاد الطفل محمد الدرّة وهو في أحضان أبيه الذي يصرخ "مات الولد"، ورصاص الجنديّ الإسرائيلي يقصد قطعا قتل الولد! كان المشهد كاشفا للطبيعة الإسرائيلية؛ التي تنعكس في ملاحقة جنودها للفلسطينيين وكأنّهم طرائد صيد.

لم تكن المقالات بعدُ تُدبّج في مديح الإسرائيليين وذمّ الفلسطينيين "المغامرين المضيّعين لفرص السلام مع حمامته الأليفة إسرائيل"، في هذه الأجواء اشتهرت الأغنية العربية الجماعية "الحلم العربي" التي أخذت تبثها القنوات العربية بكثافة بالرغم من إصدار الأغنية في وقت سابق، وذهبت بعض الحكومات العربية إلى ما هو أكثر من ذلك بجمع التبرعات للفلسطينيين في غمرة الحرب من على قنواتها التلفزيونية الرسمية.

لم تكن الحكومات العربية في وارد دعم الفلسطينيين حتى النهاية في مقاومتهم لتحقيق إنجاز سياسيّ يستثمر في الانكشاف الإسرائيلي الإجرامي في مطالع انتفاضة الأقصى، بعدما أخذت "إسرائيل" تحصد المتظاهرين الفلسطينيين العزل على حواجزها التي تُقطّع بها جغرافيا الضفة الغربية، ولا في الملحمية الفدائية الفلسطينية التي تكثفت في تلك الانتفاضة. مياه كثيرة جرت أسفل الجسر العربي منذ غزو صدام حسين للكويت (1990/ 1991)، والاندفاعة العربية الجارفة للتصالح مع "إسرائيل" من بعد مؤتمر مدريد (1991) وتوقيع اتفاقية أوسلو (1993)، ثمّ ما تلا من زحف تطبيعي مثير أخذ أشكالا متعددة بين معاهدات السلام إلى المكاتب التمثيلية والتجارية إلى فتح المجال للقاءات الرسمية أو السياحة المقننة طوال عقد التسعينيات.

لكن على أيّة حال بقي قدر ما من التعاطف الظاهر، يمليه الموقع العميق للقضية الفلسطينية في الضمير العربي، والذي ولا بدّ وأن تعبّر عن الحكومات العربية بشيء من البلاغة الشكلية. إلا أنّ هذا الجانب التعاطفي في أبعاده الإنسانية والعروبية والدينية، بدأ بالسقوط، مع عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001؛ بعدما تبيّن أنّ منفذيها الـ19 ينحدرون من البلاد العربية (15 من السعودية، واثنان من الإمارات، وواحد من مصر، وآخر من لبنان)، وهكذا كان لا بدّ للحكومات العربية أن تنحني للعاصفة الأمريكية التي أعلنت عزمها تغيير الشرق الأوسط، وتحوّلت هذه الانحناءة إلى عقيدة ثابتة، والثمن المدفوع، كما العادة، لكسب ودّ واشنطن، هو من القضية الفلسطينية.

حالة المقاطعة العربية لـ"إسرائيل" انتهت، وبعض الصور للانتقال عنها، كانت في الاتفاقيات الإبراهيمية، المبرمة في ولايتي ترامب ونتنياهو السابقتين والمتزامنتين. وإذا كانت هذه الاتفاقيات قد أظهرت موقفا تحالفيّا بين حكومات عربية و"إسرائيل" تتخلّص به تلك الحكومات نهائيّا من أيّ التزام، ولو في الحدود الخطابية، تجاه القضية الفلسطينية، فقد صار لكلّ حكومة ممّا تبقى من الحكومات العربية تواصلها الخاص بـ"إسرائيل"، وبعبارة أخرى: صار التواصل مع "إسرائيل" الأمر العاديّ الطبيعي، ودعم الفلسطينيين الأمر الاستثنائي الغريب.

"طوفان الأقصى" كما هو الحال مع أيّ حالة نضالية وكفاحية للفلسطينيين، كان على الضدّ من ذلك تماما، ربما حتّى الوجود الفلسطيني في ذاته محلّ تضادّ مع هذا المسار العربي العميق في التخلّص من فلسطين وأهلها، ومن ثمّ، وفي حين أنّ "طوفان الأقصى" وفّر فرصة جادّة لموقف عربي أفضل إقليميّا ودوليّا، فإنّه من غير المتوقع أن تُرحبّ الحكومات العربية بفرصة لمسار غير مألوف لها نفسيّا وعقليّا.

مسار فيه لغة جديدة، غير تلك اللغة التي ظلت الحكومات العربية تحترفها منذ مطالع التسعينيات، حتى اتحدت بها تماما، ولم تعد قادرة على رؤية العالم إلا من خلالها، لغة ليس فيها أيّ مفردة للمواجهة والصمود، ولو في مستويات التحدّي السياسي والدبلوماسي لا غير، ولو بالثبات خلف المبادرة العربية للسلام، المجحفة لا شكّ بالفلسطينيين. حتى هذه المبادرة لم تعد حاضرة في التداول السياسي العربي.

من هذا المسؤول العربي الذي يرغب في أن يصدق أنّ "إسرائيل" يمكن هزيمتها؟! ومن هذا المسؤول العربي، على الأقل في النخبة العليا في الحكومات وصناع القرار الأساسيين فيها، الذي يرغب في أن تعود الدول العربية إلى الالتزام بالقضية الفلسطينية ولو حتى التزاما خطابيّا من شأنه أن يعبئ مجتمعاتها من جديد بتبنيها، بعدما أنفقت بعض هذه الحكومات الكثير في تمويل الدعايات المشيطنة للشعب الفلسطيني كلّه، كما ظهر في الحملات الإلكترونية والصحفية منذ العام 2017؟!

هذه الحملات اضطرت أخيرا لأن تُراعي لحظة الإبادة، فتحصر هجومها على الفلسطينيين في حماس والمقاومة الفلسطينية، في تباك كاذب على الشعب الفلسطيني، فمن اتهم الفلسطينيين من قبل بلا استثناء "ببيع أرضهم لليهود" و"نكران الجميل" و"تخريب البلاد العربية"، ومن زاد على ذلك بتبني السردية الصهيونية للصراع، أو الحطّ من المكانة الدينية للمسجد الأقصى، هل هو متعاطف بالفعل مع الشعب الفلسطيني غير أنّ مشكلته فقط مع حماس "التي جلبت الإبادة لشعبها بمغامرتها غير المحسوبة"؟! وإن كان هذا هو الموقف الحقيقي لهذه الحكومات لماذا لم تفعل أيّ شيء جادّ لوقف الإبادة؟! أم أنّ ما كشفه بوب ودورد في كتابه "الحرب" صحيح، من حيث إنّ عددا من الحكومات العربية دعمت القضاء على حماس؟! وقد تبين أن طريق القضاء عليها هو إبادة شعبها.

لكن ما الفرصة التي أتاحتها السابع من أكتوبر؟!

ما كشفته عملية حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عن محدودية القوّة الإسرائيلية، كان من شأنه أن يقوّي موقف الدول العربية حتى في علاقتها بـ"إسرائيل" علاوة على موقعها (أي الدول العربية) في السياسات الأمريكية الإقليمية والدولية، بحيث يكون لهذه الدول شرطها وكلمتها، وبما يوفّر لها مساحة للاستفادة من القضية الفلسطينية، من خلال مستويات من الدعم تحيي القضية الفلسطينية، وتعيد العرب للحديث باسمها، مما يسمح بأن يكون هذا الموقف المستأنف أداة ضغط وتحسين للشروط والمواقع في العلاقات الدولية والإقليمية.

وإذا كانت دعاية الحكومات العربية خلال العقدين الأخيرين، تُقدم فلسطين بوصفها موضوعا للاستثمار الإيراني، فقد كان يمكن لهذه الحكومات قطع الطريق على إيران، بالتقدم لمزاحمتها في العودة لتبني القضية الفلسطينية، وإذا لم يكن ذلك بغرض مبدئيّ، فليكن بغرض مصلحي متبادل بين الفلسطينيين والحكومات العربية!

أخيرا، وبعدما تأكّدت صحة الرؤية التي ترى في "إسرائيل" الخطر الحقيقي المركزي القابع في قلب المنطقة العربية، وأن الغفلة عنه والتحالف معه، حوّله إلى وحش متعاظم، لا يُفكّر إلا بمنطق الهيمنة، والتي تأخذ في بعض صورها شكل الاحتلال المباشر، ولا تخفي أطماعها في الأراضي العربية القريبة منها، فقد تأكد في نتيجة لذلك، أنّ مقاومة الفلسطينيين وحدها المتراس الأوّلي لصدّ الخطر الإسرائيلي، ومن ثمّ تصبح هذه المقاومة جزءا من خطة الأمن القومي العربي، وفي الوقت نفسه موضوعا لتحسين المواقع والشروط السياسية العربية.

الذي يحصل الآن غير ذلك تماما، فمن جهة، وبعد الهجوم الدعائي لعدد من الحكومات العربية على بنيامين نتنياهو، الذي دعا ساخرا لإقامة دولة للفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، والرفض الظاهر لخطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزّة، تعود الحكومات العربية للهجوم على حركة حماس، والتخطيط لإقصائها عن المشهد الفلسطيني، وهذا راجع لسببين اثنين:

السبب الأوّل استنتاجها الخاطئ، على الأقل بعضها ولا سيما في الخليج، من التحوّلات الإقليمية، باعتقادها أنّ إيران الخاسر الوحيد من هذه التحولات بعد الحرب في لبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، وهو ما يكشف عن فهم مشوّه لديها عن القضية الفلسطينية، التي هي موجودة بشعبها ومقاوماتها المتصلة والعابرة للزمان والتوازنات الإقليمية وحتى للتيارات السياسية والأيديولوجية الفلسطينية، وهذا يعني أنّ هذه الحكومات لا تنظر للقضية الفلسطينية قضية قائمة بنفسها معبّرة عن مظلومية شعبها، وإنما تنظر إليها بوصفها مادة للاستثمار الإيراني لا غير، وفي حين أنّ ضمور النفوذ الإيراني ينبغي أن يُخلّص هذه الحكومات من وهم إمكان التحالف مع "إسرائيل" لمواجهة إيران، فإن استنتاجها معاكس تماما.

السبب الثاني؛ هو ما سبق ذكره، فهذه الحكومات بنخبها العليا نشأت خلال الثلاثين سنة الأخيرة، على التطبع الكامل مع الوجود "الإسرائيلي" والسعي الحثيث للتخلص من القضية الفلسطينية، وقد ترسخت على أساس ذلك سياسات وعلاقات وتحالفات ومصالح سرّية وعلنية. والمؤكد أن طول أمد هذا المسار، يحوّل السياسة إلى ما يشبه العقيدة، بحيث يصعب التخلص من حضورها العميق المهمين على العقل والقلب، وبما يجعل التحوّل نحو مواجهة "إسرائيل" مسألة تحتاج فائض عقل وشجاعة وأخلاق ورؤية طموحة، وذلك كلّه ذوّبته العقود الثلاثة الأخيرة حتى لا يكاد يُرى منه شيء.

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين العربية الإسرائيلي تطبيعي الاحتلال إسرائيل احتلال فلسطين غزة تطبيع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الحکومات العربیة هذه الحکومات التی ت

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين بـالسور الحديدي في الضفة الغربية

شنت إسرائيل عملية عسكرية في الفترة ما بين 21 يناير/كانون الثاني 2025 وحتى 19 مارس/آذار 2025 تحت عنوان "السور الحديدي" استهدفت خلالها مدن ومخيمات شمال الضفة الغربية وقتلت نحو 70 فلسطينيا وهدمت مئات المنازل والمنشآت التجارية وتسببت في تهجير نحو 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم والفارعة والعين، في حملة هي الأكبر منذ عملية "السور الواقي" عام 2002.

وجاءت العملية استكمالا لعمليات سابقة محدودة في المناطق والمخيمات التي تنشط فيها المقاومة، في سياسية ترمي إسرائيل من ورائها إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديمغرافيا في المخيمات بما يعزز مشروعها في السيطرة على الضفة الغربية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عودة الحرب على غزة.. نتنياهو يبحث عن "نصر مطلق" ويبعثر مسار التفاوضlist 2 of 280 غارة خلال شهر.. هل حققت إسرائيل أهدافها من استباحة أجواء سوريا؟end of list

ولتحليل حجم العملية وأهدافها العسكرية والسياسية، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان "عملية السور الحديدي الإسرائيلية في شمال الضفة: أبعادها الجيوسياسية والأمنية"، حلل فيها الباحث حمدي علي حسين سياق العملية وتداعياتها على مخيمات الضفة الغربية وآثارها على مستقبل السلطة الفلسطينية وعلاقتها بإسرائيل.

العملية العسكرية الإسرائيلية "السور الحديدي" هي الأكبر في الضفة الغربية منذ عام 2002 (الأناضول) عودة المقاومة إلى الضفة

صعدت إسرائيل عملياتها ضد المخيمات الفلسطينية منذ أواسط عام 2021، بالتزامن مع تأسيس "كتيبة جنين" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وهي أكبر تشكيلات المقاومة في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية عام 2004.

وبرز اسم الكتيبة ذلك العام بعد تعهدها بحماية 6 أسرى فلسطينيين هربوا من معتقل جلبوع الإسرائيلي في حال تمكنوا من الوصول إلى مخيم جنين، ثم توسعت عملياتها لاحقا لتشمل مناطق في الضفة الغربية وأراضي الداخل، حتى تنسخ نموذجها في مخيمات أخرى في نابلس وطوباس وطولكرم وغيرها.

ومن بين النماذج الصاعدة حينها، كانت مجموعة "عرين الأسود" في نابلس عام 2022، ورغم فشل إسرائيل في القضاء على أي من المجموعتين فإنها تمكنت من شل نشاطها وتصفية قياداتها.

إعلان

وقبل عملية طوفان الأقصى، سجلت الضفة الغربية استشهاد أكثر من 400 فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي خلال عملية "كاسر الأمواج" التي شنتها في مارس/آذار 2022، ثم عملية "بيت وحديقة" في يوليو/تموز 2023 إلى جانب اقتحامات متفرقة، واجهتها المقاومة بعملية سمتها "بأس جنين".

وبعد طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبحت إسرائيل أكثر توجسا من أن يصبح العمل المقاوم في الضفة الغربية أكثر تنظيما ويحقق "وحدة الساحات"، فقتلت حتى 19 مارس/آذار 2025 نحو ألف فلسطيني في جنين وطولكرم وطوباس، وذلك عبر الاغتيالات الموجهة أو الطائرات المسيّرة المفخخة أو القصف الجوي في عمليات كان أبرزها "مخيمات صيفية" في نهاية أغسطس/آب 2024.

"كتيبة جنين" ألهمت مجموعات مقاومة أخرى في الضفة الغربية (الفرنسية) عملية إسرائيلية جديدة

تدعي إسرائيل أن أهداف عملية "السور الحديدي" أمنية وتنحصر في القضاء على المقاومة المسلحة فقط، لكن ما يجري على الأرض يشي بمشروع أكبر لضم الضفة الغربية وإخضاعها للسيادة الإسرائيلية.

ويبدو في ثنايا العملية أن إسرائيل تخطط لإذابة الكتل السكانية في المخيمات الفلسطينية وتحويلها إلى أحياء تابعة للمدن، وهو ما يعكس تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عن نية إسرائيل البقاء فترة أطول في تلك المخيمات رغم وقوعها ضمن مناطق السلطة الفلسطينية.

وما يزيد من تأكيد هذه الادعاءات، الحظر الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على عودة اللاجئين إلى منازلهم داخل المخيمات، أو ترميم ما هدمته الآلة العسكرية، وذلك رغم تحقيقه جزءا من أهداف العملية العسكرية وإنهاء مظاهر المقاومة المسلحة.

وتهدف إسرائيل من وراء عملياتها إلى منع إعادة تشكل مجموعات مقاومة جديدة في المخيمات الفلسطينية أو انخراط أسرى محررين في العمل المقاوم، كما تسعى لطمس قضية اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وبالتالي نسف أحلامهم بالعودة إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948.

إعلان

ومن نافلة القول إن البنية الاجتماعية الاقتصادية لمخيمات اللاجئين تختلف جذريا عن المدن والقرى الفلسطينية المحيطة بها، فهي مزيج من عائلات تعود أصولها إلى مدن فلسطينية محتلة، يعيشون في فضاء ضيق وتخطيط عمراني غير منظم ولديهم قضايا اجتماعية ومعيشية مشتركة، ويعتمدون مؤسسيا وخدميا على وكالة الأونروا، كما يديرون شؤونهم عبر لجان شعبية تتبع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية.

وتريد إسرائيل استبدال التركيبة الاجتماعية والعمرانية للمخيمات بهندسة معمارية واجتماعية جديدة، كما تسعى لإعادة تعريف المخيمات بوصفها أحياء تتبع المدن الفلسطينية والقضاء على وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتحويل مسؤوليتهم إلى السلطة الفلسطينية بدل الأمم المتحدة.

الاحتلال الإسرائيلي يفرض حظرا على عودة اللاجئين إلى منازلهم داخل المخيمات (الأناضول) ما الذي قد تجنيه إسرائيل؟

في حال نجحت إسرائيل في خطتها، فإن الهوة بين اللاجئين والسلطة الفلسطينية ستتوسع لا محالة، إذ يحتوي "حل الدولتين" الذي تستمد منه السلطة شرعيتها على ضمان حق العودة للاجئي الضفة الغربية وغزة والشتات إلى قراهم ومدنهم التي هُجّروا منها عام 1948.

وتأتي عمليات إسرائيل العسكرية الأخيرة في الضفة الغربية استكمالا لمشروع قديم لترسيخ الفصل الجغرافي بين المحافظات الفلسطينية بشوارع التفافية وحواجز وبوابات إلى جانب التوسع الاستيطاني.

ويندرج ضمن خطط الفصل الجغرافي الإسرائيلية توسيع نطاق حكم الإدارة المدنية الإسرائيلية والحكم العسكري للجيش، لتشرف إسرائيل بنفسها على إعادة هيكلة المخيمات هناك وتذويبها، ونسج علاقات مع جهات فلسطينية غير رسمية، والتعامل العسكري المباشر مع السكان دون المرور بمكاتب الارتباط التابعة للسلطة الفلسطينية.

وليس خفيا محاولة إسرائيل خلق ضغط شعبي داخلي موجه ضد المقاومة ونهجها، من خلال سياسات العقاب الجماعي وتدمير البنى التحتية وخلق أزمة معيشية واقتصادية وبيئية في التجمعات التي تعتبر حاضنة للمقاومة الفلسطينية.

إعلان

وقد تنجح إسرائيل أخيرا في رفع معدلات الهجرة الصامتة لفلسطينيي الضفة الغربية إلى الخارج، ليس عبر المواجهة العسكرية فحسب، بل أيضا عبر تضييق المجال الحيوي والعقاب الجماعي والحصار الاقتصادي الذي يسهم في تعميق الأزمات المعيشية ورفع معدلات الفقر والبطالة.

الاحتلال يدمر البنية التحتية في مخيمات الضفة الغربية (الفرنسية) ماذا عن السلطة؟

بالإضافة إلى ما سبق، فإن صلاحيات السلطة الفلسطينية تعد في مرمى تهديدات المشروع الإسرائيلي في الضفة، فتل أبيب تسعى في كل الأحوال إلى تقليص صلاحياتها في الحكم الذاتي وتحويله إلى المحافظات والبلديات الفلسطينية بشكل منفصل ومستقل عن السلطة، ثم عزل المحافظات عن بعضها البعض إداريا وجغرافيا.

ولا تبدو السلطة مقاومة أو مدركة لهذا التوجه الإسرائيلي، فموقفها ينحصر في ممارسة دور أمني يسهم في توطيد علاقاتها مع إسرائيل وحلفائها وتحصل بالمقابل منه دعما ماليا ووظيفيا، في حين تقف موقف المتفرج على إسرائيل التي تضع اللمسات الأخيرة على مخططات بسط السيطرة وإعادة حكم الإدارة المدنية في مناطق هي بالأساس في قلب سيادة السلطة الفلسطينية.

ويتجلى ذلك في مطاردة أجهزة السلطة الفلسطينية لعناصر كتيبة جنين والتشكيلات المسلحة الأخرى منذ تأسيسها، ومواجهة عناصرها بالاعتقال والملاحقة، وصولا إلى الاشتباك العسكري بين الطرفين. وبخلاف الاختلاف الوجودي بين الطرفين، تريد السلطة إثبات أنها قادرة على ضبط الأمن، والقضاء على ما يهدد أمن إسرائيل في أراضيها، وهو أساس الشرعية الإسرائيلية للسلطة.

ورغم شن السلطة الفلسطينية عملية عسكرية سمتها "حماية وطن" في ديسمبر/كانون الأول الماضي فإن جيش الاحتلال قام بالتزامن مع ذلك، بعمليتي اغتيال وتصفية قيادات من كتيبة جنين، رغم وقوع المخيم تحت حصار قوات الأمن الفلسطينية.

ونتج عن العملية دخول الآليات الإسرائيلية العسكرية الثقيلة والمدرعات إلى المناطق المهجرة وإعلان التمركز فيها إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني عمليا فقدان السلطة سيادتها على أجزاء من المنطقة (أ) وتحول وضعها إلى ما يشبه وضع منطقة (ج) الخاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، وهو ليس تهديدا مباشرا لـ"حل الدولتين" فحسب، بل لمستقبل السلطة الفلسطينية في ذاتها.

إعلان

إن نجاح العملية الإسرائيلية يعني فيما يعنيه كسر المعايير القائمة وفرض معايير جديدة تتوسع فيها الهجمة نحو مناطق أخرى، خاصة مع الدعم الذي يتمتع به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

مقالات مشابهة

  • البرلمان العربي: القضية الفلسطينية تحظى بتأييد مطلق من «عدم الانحياز»
  • إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين بـالسور الحديدي في الضفة الغربية
  • وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح
  • جولان: نتنياهو يرفض تحمل المسؤولية حتى بعد الكارثة التي شهدتها إسرائيل
  • لكل مسعف قصة.. قافلة رفح التي قتلتها إسرائيل بدم بارد
  • تحقيق إسرائيلي يكشف تفاصيل الفشل في سديروت يوم 7 أكتوبر
  • البرلمان العربي: إقامة الدولة الفلسطينية المدخل الوحيد لاستقرار المنطقة
  • رئيس البرلمان العربي: الحل العادل للقضية الفلسطينية المدخل الوحيد لتحقيق الاستقرار بالمنطقة
  • ولد الوالد يتحدث عن موقف القاعدة من الحكومات العربية وفوضى الجهاد الأفغاني
  • تكريم فريق الزوراء بشرارة بطل طوفان الأقصى بعمران