قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن التجلي الإلهي هو أن الله -سبحانه وتعالىٰ- وراء كـل شيء: { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.وَفِي كُلّ شيء لَهُ آيَة * تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَاحِدُ.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن التجلي الإلهي يجعل الإنسان مستحضرًا لله في كل شيء، في كل سكنة، في كل حـركة.

وعندما تقرأ كتــاب (الحِكَم) للإمام ابن عطاء الله السكندري -رحمه الله- تجد أن جميع حكمه مبنية على هذا المعنى : على أنه لا حول ولا قوة بي ، وإنما الحول والقوة لله، وبالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الأمر كله بيد الله.

ومع ذلك ، فإن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل، فعندما أراد النبي ﷺ أن يخرج إلى أُحُد ،خالف بين درعيه. [أبو داود] أخذًا بالأسباب، ليعلمنا المنهج الأمثل في التعـامل مع كون الله تعالى. فبيّن لنا أن حقيقة التوكل هي الأخذ بالأسباب، فقال ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» [الترمذي] .

وقد قال العلماء: الطير تغدو وتروح، تأخذ بالأسباب، لا تمكث في أوكارها، بل تبذل جهدها، فيرزقها الله -سبحانه-. فقوله ﷺ : (تَغْدُو وتَرُوح) يشير إلى وجود حركة، فهي إذن لا تترك الأسباب. وكأن الحق سبحانه يربي الأكوان كلها على التأدب بأدب الله في الأخذ بالأسباب التي أوجدها وخلقها في كونه.

ويعلّمنا أيضًا أن المؤمن ، رغم أخذه بالأسباب، إلا أنه لا يعتمد عليها؛ فالفلاح يلقي الحب، ثم يدعو الله قائلًا: (يا رب).

هذا هو المسلم الذي أقام حضارةً، حضارةً يؤمن فيها بالتجلي الإلهي.

والتجلي الإلهي مبني أيضًا على أن الحق سبحانه له أسماء، وأسماء الله الحسنى في القرآن الكريم مائة وثلاثة وخمسون اسمًا ، وفي السُّنَّة المطهرة مائة وأربعة وستون اسمًا، ومع حذف المكرر منها، تكون أسماؤه -سبحانه- مائتين وعشرين اسمًا. وهذه الأسماء تمثل منظومة القيم التي عاشها المؤمنون، ومنها: 

أسماء الجمال: (الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور، الرؤوف).
• أسماء الجلال: (المنتقم، الجبار، العظيم، شديد المحال، جل جلال الله).
• أسماء الكمال: (الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الضار، النافع، المعز، المذل، السميع، البصير).
وهناك أيضًا ما يسمونه بـ (الأسماء المزدوجة)، مثل:
• (الأول الآخر) معًا يشكلان اسمًا.
• (الضار النافع) معًا يشكلان اسمًا.
• (الظاهر الباطن) معًا يشكلان اسمًا، لأن بهما الكمال المطلق لله رب العالمين.
هذه المنظومة توصلك إلى ثلاث مراحل:
- التخلي: أن تخلي قلبك من القبيح.
- التحلي: أن تحليه بالصحيح.
- التجلي: أن يتجلى الله بأنواره وأسراره على قلبك.
وحينها، تخرج من دائرة الحيرة إلى دائرة الرضا، كما قال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التوكل على الله كيف نتوكل على الله أسماء الله الحسنى المزيد

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: إذا فاتتك ليلة النصف من شعبان فعليك بهذ الوقت كل يوم

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن ليلة النصف من شعبان مرت سريعًا بما فيه من نفحات جليلة وفيوضات غزيرة‏،‏ فيا سعد من اغتنمها. 

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه لا يظن المسلم أنه ما دامت ليلة النصف من شعبان قد انقضت ، فقد أُغلِق باب الرحمات والمغفرة ، بل إن بابهما مفتوح إلى يوم الدين، ومن أراد أن ينهل منها ، فعليه بجزء الليل الأخير ، فإنه وقت تنزل الرحمات من الله، وذلك في كل ليلة ، لا تختص به ليلة دون ليلة أخرى. قال رسول الله ﷺ: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» (صحيح البخاري).

من أجل ذلك ، كان على المسلم أن يحرص في هذه الأيام على إصلاح ذات بينه، وعلى جمع كلمته مع أخيه قبل دخول شهر رمضان، حتى إذا جاء رمضان ، وجد نفسه قد صفت وخلت من البغضاء والتحاسد والشحناء ، فيغفر الله له ما تقدم من ذنبه.

والمسلم مأمور دائمًا وأبدًا بإصلاح ذات بينه مع الناس عامةً ، قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا.  كما هو مأمور أيضًا بإصلاح ذات بينه مع المؤمنين، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .

وقد بيَّن النبي ﷺ الفضل العظيم والنفع العميم المترتب على إصلاح ذات البين، فقال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة»، قالوا : بلي، قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة».

وبعد أن ذكر الإمام الترمذي هذا الحديث قال: ويُروى عن النبي ﷺ أنه قال: «هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» (سنن الترمذي). فجعل النبي ﷺ أجر الإصلاح بين الناس أعلى وأفضل من عبادات تعد ركنًا أصيلًا في الإسلام; ليستنفر همة المسلم ، فيحرص على الإصلاح في المجتمع، مما يجعله مجتمعًا صالحًا ، تتحقق فيه وحدة الصف وسلامة الهدف.

ولا يخفى أننا أحوج ما نكون في هذه الأيام إلى التأكيد على قيمة رفع التشاحن والسعي لإصلاح ذات البين، لنستقبل رمضان بنفوس صافية ، وروح عالية ، وأعمال متقبلة. فلا تفوتنك هذه النفحات ، أيها المسلم الحريص على رضا ربه، وأصلح ذات بينك حتى يقبلك الله تعالى.

فاللهم أصلح ذات بيننا ، ووفقنا إلى ما تحب وترضى.

مقالات مشابهة

  • الدكتورة هبة النجار: الرزق ليس مالا فقط وإنما هناك نعم خفية
  • داعية إسلامية: الرزق ليس مالا فقط.. النعم الخفية لا تعد ولا تحصى
  • اقتصادية القومي لحقوق الإنسان تزور محافظة البحر الأحمر لهذه الأسباب
  • ذنوبي كثيرة هل يتوب الله علي؟.. الشيخ محمد كساب يجيب
  • المفتي السابق يكشف حكم من يصوم ولا يصلى
  • الشيخ محمد كساب يوجه رسالة عن التوبة والرجوع إلى الله: «لا تيأس»
  • علي جمعة: تصحيح البدايات يتم بتصحيح النيات
  • علي جمعة: إذا فاتتك ليلة النصف من شعبان فعليك بهذ الوقت كل يوم
  • علي جمعة: من رضى بقضاء الله أرضاه الله بجميل قدره