رسمت مجلة لوبس صورة متعددة الألوان والأبعاد للمستثمر في فك التشفير بيتر ثيل المسيحي المعادي للديمقراطية والذي يدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورأت أنه يحمل أفكارا غريبة، وله تأثير قوي على جيه دي فانس نائب الرئيس الأميركي.

وافتتحت المجلة مقالها المطول -بقلم جولي كلاريني وريمي نيون- عن ثيل، الذي يصف نفسه بأنه ليبرالي ومسيحي وشاذ وقارئ ومعلق على الفيلسوف الفرنسي رينيه جيرار، بقوله "مرحبا بفوز ترامب" الذي دعمه منذ عام 2016، مبرزا أن "المستقبل يتطلب أفكارا جديدة وغريبة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 أسئلة لتوضيح ما تعنيه خطة نشر قوات أوروبية في أوكرانياlist 2 of 2الإسلاموفوبيا في فرنسا.. ليبيراسيون: 173 عملا معاديا للمسلمين عام 2024end of list

وإذا كان هذا المستثمر الذي صنع ثروته من خلال فيسبوك والمشاركة في تأسيس "باي بال" وشركة البرمجيات "بالانتير"، أقل شهرة بين عامة الناس من صديقه الملياردير إيلون ماسك، فهو يعد من الشخصيات الأكثر نفوذا في الإدارة الجديدة، وهو من أكثر رجال الأعمال في مجال التكنولوجيا قدرة على التعبير الفكري، وتقول الفيلسوفة كاثرين مالابو "إن ما توصل إليه ليس فلسفة عظيمة، ولكنه ليس سيئا مقارنة بترامب وماسك".

ولتوضيح صورة ثيل صاحب الفكر المتقلب، يؤكد عالم الاجتماع أرنو سان مارتن أن الخط الفاصل بين العظمة والسخافة رفيع للغاية، وأن "الحياة اليومية لثيل لا تزال تتلخص في التماس المال، لكن هؤلاء الناس يحاولون إعطاء أنفسهم طابعا فلسفيا من خلال إشارات غامضة، وهو يقول أشياء شنيعة، ولكن كلما كنت أكثر ثراءً زاد الأمر سوءًا".

إعلان

وقد لخص المقال فكر هذا الملياردير، الذي ولد عام 1967، في ست نقاط محورية حسب التسلسل التالي:

1. كآبة المشاريع العظيمة

يرى ثيل أن العالم راكد، وهذا هو أحد الجوانب الأكثر إثارة للدهشة في خطابه، رغم وجوده فيما يعتبر القلب النابض للابتكار العالمي وادي السيليكون، فهو يرى أن دماء الغرب قد نفدت منذ زمن طويل بعد أن كان المهندسون أصحاب الرؤية الثاقبة يريدون إعادة تشكيل العالم وكشف أسرار المادة.

في ذلك -كما يرى ثيل- نجح المهندسون في اختراق الذرة، ونشروا الزراعة المعدلة وراثيا، وبنوا السدود، وصمموا طائرة الكونكورد، أما اليوم ففقدنا هذا الزخم، ونحن نكتفي بتوزيع ثمار التقدم الماضي دون أن نخترع أي شيء آخر في الواقع.

ويرد ثيل، الذي يكره النساء، فقدان روح الفتح إلى "تأنيث المجتمع" واستيلاء البيروقراطيين وموظفي المالية والعصريين (الهيبسترز) على السلطة، وهم جميعا شخصيات ضعيفة، وإلى الخوف من التقدم، إذ يرى أن علاج الخوف من الحرب النووية ليس الهروب من بناء الأسلحة النووية، بل بتطوير "أنظمة أفضل مضادة للصواريخ الباليستية".

وكذلك يسخر ثيل من علم المناخ الذي يعتقد أنه بعيد عن الصواب في إثارة الشك في المستقبل، وحسب رأيه، لا ينبغي أن تتمثل الاستجابة للأضرار البيئية في الإبطاء، بل في الإسراع لأن حل مشكلة تغير المناخ يكمن في "مفاعلات الاندماج".

العبقري في نظر ثيل يشبهه تماما، فهو رجل أولا وأبيض ثانيا ثم هو أميركي أو على الأقل غربي، وفكر ثيل هو بمثابة حنين إلى الزمن المبارك عندما كانت هذه الفئة من الناس تعتقد أنها مركز الكون.

2. اختفاء الرجال العظماء

في ذهن ثيل، قراءة التاريخ بسيطة، فهو جدول مزدوج الإدخال، إما "متفائلون أو متشائمون" وكذلك "متأكدون أو غير محددين"، فالأوروبيون متشائمون غير محددين، "يقتصرون على رد الفعل على الأحداث عند وقوعها"، أما الصينيون فهم متشائمون محددون يفعلون كل ما في وسعهم لتجنب اندلاع ثورة، في حين أن الأميركيين -في نظره- متفائلون بشدة، ولكنهم لا يخططون لمستقبل أفضل إلا في أوقات رخائهم.

وتعد فلسفة ثيل التاريخية بأكملها نخبوية، وهو يفتقر إلى وجهات نظر يرسمها رجال أقوياء، وهو قريب من الحركة التي يتزعمها المدون كيرتس يارفين، الذي يحارب الديمقراطية باعتبارها "ضعيفة"، ويهاجم ما يسميه "الكاتدرائية"، وهي الهيمنة الثقافية المفترضة للديمقراطيين الليبراليين، ويدافع وسط فوضى عارمة عن ظهور "ملوك الرؤساء التنفيذيين".

إعلان

والعبقري في نظر ثيل يشبهه تماما، فهو رجل أولا وأبيض ثانيا ثم هو أميركي أو على الأقل غربي، وفكر ثيل بمثابة حنين إلى الزمن المبارك عندما كانت هذه الفئة من الناس تعتقد أنها مركز الكون.

3. الموت البطيء للنظام القديم

وقد كتب بيتر ثيل مقالا يرى فيه أن "عودة ترامب إلى البيت الأبيض تنذر بنهاية النظام القديم"، لأنه مرحلة جديدة من التاريخ، تموت فيه الليبرالية الكلاسيكية كسياسة وكفلسفة، وهو يعتبر أن التنوير قد فشل، وأن "الديمقراطية أظهرت عجزها عن كبح جماحها"، لأن العنف لا يرفع من خلال "العقد الاجتماعي" الذي تدافع عنه الفلسفة الليبرالية.

ويرى ثيل أن حركة اليقظة (ووكيسم) "انحراف عن التقاليد اليهودية المسيحية"، وأيديولوجية وحشية، والخطر بالنسبة له هو أن هذه "الصوابية السياسية" سوف تؤدي إلى حكومة عالمية من "الملحدين الشيوعيين".

4. ابتعد عن السياسة

وللهروب من الديمقراطية، التي يرى ثيل أن ما يقوضها هو "الزيادة الكبيرة في عدد المتلقين للرعاية الاجتماعية وتوسيع حق التصويت للنساء"، يسعى لمضاعفة المجالات التي تفلت من الدولة، كالفضاء والعملات المشفرة والجزر البحرية، لأنه يرى -حسب الخبير الاقتصادي برنارد بيريت- أن "الدولة والديمقراطية أعداء للحرية وأن التكنولوجيا سوف تنقذنا من السياسة".

وترى المؤرخة مايا كاندل أن "ما يجب أن نفهمه هو أن الحرية في أذهان أصحاب التكنولوجيا ليست للجميع. بل هي مخصصة للأقوياء الذين لديهم القدرة والواجب على تحريك العالم".

إذا لم تكن جزءًا من الكائنات العليا، فلست من عالم ثيل، عالم النمو والوصول إلى الموارد، عالم المعرفة والخلود، وقبل كل شيء عالم التفوق

5. تسريع التقنية

ماذا نفعل في زمن نهاية العالم؟ في بعض الأحيان لا يكتفي ثيل بالانتظار حتى عودة المسيح، لأنه يبدو من الممكن "المساهمة في تعجيل (نهاية العالم)"، ولتحقيق هذه الغاية، يرغب ثيل في أن نعود إلى الأسئلة الكبرى مثل طبيعة الإنسان، والسيطرة على الطبيعة، ومحاربة الموت.

وفي فكر بيتر ثيل يتعايش منهجان، فكر ديني حول نهاية التاريخ، وفكر تقدمي، وليس في ذلك تعارض بالنسبة له، ويبدو له أن السعي إلى الخلود هو الطريق للوصول إلى الجنة، لذا فإن التطور البشري والمسيحية ليسا متعارضين.

إعلان 6. السيطرة على العالم

وبيتر ثيل هو من أشد المعجبين بسلسلة أفلام "سيد الخواتم"، التي تجمع بين ثلاثية السلطة المفسدة، والصراع الكوني بين الخير والشر، وإمكانية الخلود. وقد قال عدة مرات إنه يريد أن يصبح قزما، و"إذا كان يرى نفسه قزما، فهو -حسب أوليفييه ألكسندر- يرى بقية العالم أنواعا أدنى جسديا أو أخلاقيا، تجب السيطرة عليها أو ستختفي".

وملخص نظرة ثيل للعالم -حسب المقال- تعتمد على مبدأ التمايز العمودي أدنى أو أعلى، و"إذا لم تكن جزءًا من الكائنات العليا، فلست من عالمه، عالم النمو والوصول إلى الموارد، عالم المعرفة والخلود، وقبل كل شيء عالم التفوق".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات

إقرأ أيضاً:

هل ينفذ ترامب انقلابا ذاتيا لتقويض الديمقراطية؟.. جُرّب في كوريا الجنوبية

نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا يسلط الضوء على تزايد ظاهرة الانقلاب الذاتي عالميًا؛ حيث يستخدم القادة المنتخبون ديمقراطيًا سلطتهم لتقويض النظام الديمقراطي وتعزيز قبضتهم على الحكم، ويناقش مدى تأثر الولايات المتحدة بهذا الاتجاه في ظل رئاسة دونالد ترامب. 

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المستبدين المعاصرين أصبحوا يدركون أهمية الظهور كديمقراطيين، وبينما يُمارسون أبشع الحيل لإبراز شرعيتهم الديمقراطية، فإنهم يقوضون تلك الديمقراطية خلسة، ويومًا بعد يوم، يفككون ما يتظاهرون بحمايته على إنه انقلاب بالحركة البطيئة.

يمثل الانقلاب التقليدي زلزالًا سياسيًا، مع مشاهد دراماتيكية لدبابات تجوب الشوارع أو طائرات تقصف القصر الرئاسي. أما الانقلابات الذاتية، فهي نوع مختلف يستخدم فيه القادة المنتخبون ديمقراطيًا مناصبهم لتفكيك النظام المؤسسي وإدامة سلطتهم.

وقد حدث آخر انقلاب ذاتي في كوريا الجنوبية وفشل، ففي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية التي وضعت كل سيطرة الدولة في يديه، لكنه فشل في الحصول على الدعم الكافي من الجيش والهيئة التشريعية والقضاة والمجتمع، وباءت محاولته بالفشل، وانتهى به الأمر في السجن، مما يوضح أن الانقلاب الذاتي لا ينجح عادة في حالة وجود قائد ضعيف. 


وأوضحت المجلة أن الانقلابات الذاتية تكون ناجحة عندما يستخدم القائد الذي ينفذها القوة، ويعد الرئيس البيروفي السابق ألبرتو فوجيموري مثالًا على ذلك: ففي سنة 1992، عندما كان لا يزال في السلطة، قام بحل الكونغرس وحكم بمرسوم طوارئ بدعم من القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات في البلاد. 

وقد أصبحت الانقلابات الذاتية أكثر شيوعًا؛ فقد شهد العقد الأخير فقط ثلث محاولات الانقلابات الذاتية الـ 46 التي جرت منذ سنة 1945، والحقيقة الأخرى المثيرة للقلق هي أنه على الرغم من نجاح نصف الانقلابات "التقليدية" فقط منذ سنة 1945، إلا أن أكثر من أربعة من كل خمسة انقلابات ذاتية قادها قادة منتخبون ديمقراطيًا قد نجحت.

وأشارت المجلة إلى أن هناك عاملًا آخر جعل الانقلابات الذاتية أكثر قابلية للتطبيق، وهو المزيج السام من الشرور الثلاثة الكبرى في عصرنا السياسي: الشعبوية والاستقطاب وانعدام الحقيقة، وقد خلق هذا المزيج أرضًا خصبة مثالية لازدهار الانقلابات الذاتية.

فالشعبوية تقسم المجتمع بين "الشعب الحقيقي" و"الطبقة الفاسدة" التي تستغله، مما يبرر الإجراءات المتطرفة ضد المؤسسات التي يفترض أنها لا تمثل الشعب، ويحول الاستقطاب الخصوم السياسيين إلى أعداء لا يمكن التوفيق بينهم، مما يؤدي إلى تآكل القدرة على التعاون في الدفاع عن الديمقراطية، وتسمح مرحلة انعدام الحقيقة للقادة بخلق روايات بديلة تبرر أفعالهم المناهضة للديمقراطية وتربك الناخبين.

والأكثر إثارة للقلق هو أن هذا المزيج  يؤدي إلى تحييد المواطنين الذين يدافعون عن الديمقراطية عادة؛ حيث يميل الناس إلى تبرير الوضع باعتباره ”ضروريًا“ في مواجهة "التهديدات"، وحتى المواطنون المتعلمون وذوو العقلية المدنية يمكن أن ينتهي بهم الأمر إلى دعم الانقلاب الذاتي التدريجي، طالما أنه في "صفهم".

وتساءلت المجلة حول ما تثيره الإحصاءات بشأن نجاح الانقلابات الذاتية عن مدى قدرة الولايات المتحدة على تفادي هذا الاتجاه العالمي، وبشكل أكثر دقة، عما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتعمد بالفعل تقويض الديمقراطية الأمريكية، وهل كانت أحداث السادس من كانون الثاني/ يناير 2021 في مبنى الكابيتول بروفة أم أنها كانت عملاً فاشلاً لن يتكرر؟ 

من الناحية النظرية، يجب أن تعمل الديمقراطية بطريقة تحمي الحقوق المدنية والسياسية؛ لكن هذه الحقوق غالبًا ما تُنتهك عندما تتصرف السلطة التنفيذية بنهم للحكم. في الأنظمة الديمقراطية، تلعب الدساتير والقوانين دورًا أساسيًا في منع أي من الفروع السلطة المختلفة من الاستحواذ على السلطة المطلقة.


في الولايات المتحدة، أصبحت هذه الأفكار والقواعد والمؤسسات على المحك بطرق متنوعة، بعضها واضح للغاية، مثل تحركات ترامب لوقف تمويل الوكالات والبرامج الحكومية التي تقف في طريق خططه. والبعض الآخر أقل وضوحًا، مثل قرار ترامب بمهاجمة شركات المحاماة التي تمثل الأفراد والمؤسسات التي تقاضي إدارته.

وختمت المجلة التقرير بقولها إن الديمقراطية ليست الانتخابات فقط، ولكنها تشمل أيضًا ما يحدث خلال سنوات الولاية الرئاسية، وخلال هذه الفترات الفاصلة، تبدأ محاولات الانقلاب الذاتي في التبلور، بدعم من المواطنين الذين - الذين أعمتهم الاستقطابات والشعبوية وما بعد الحقيقة - يشيدون بتآكل الديمقراطية.

مقالات مشابهة

  • هدية من نقيب المهندسين لـ فرعية البحيرة .. وهكذا رد المحافظ
  • الخطاب الوحيد الذي يمكن يطرق أذن العالم
  • الكونغو الديمقراطية تعتزم تمديد حظر تصدير الكوبالت
  • رسالة مؤثرة من عالم بالأوقاف لمن يتجاهل بر أمه
  • الكونغو الديمقراطية: ثوران بركان نيامولاجيرا.. ولا يوجد خطر مباشر على السكان
  • وساطة قطر تحيي آمال التوصل إلى حل بين رواندا والكونغو الديمقراطية
  • موقع إيطالي: حكم ترامب يكشف أن منطق القوة هو الذي يحكم العالم
  • هل ينفذ ترامب انقلابا ذاتيا لتقويض الديمقراطية؟.. جُرّب في كوريا الجنوبية
  • ترحيب دولي بالوساطة القطرية التي جمعت الكونغو الديمقراطية ورواندا
  • تأملات في النظرية الديمقراطية عند راشد الغنوشي.. قراءة في كتاب