هارفرد يفشل في التعرّف على نفسه
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
(١)
هنالك ثقبٌ هائل في "المنطق" الغريب الذي سرَدَه الدكتور نصر الدين عبد الباري، شارحاً صحيحه حول تكوين حكومة موازية من مدينة نايروبي في دولةٍ أخرى هي كينيا، وأقول "صحيح" نسبةً للصبغة الكمالية المَصنوعة من مادّة دكتوراة من هارفرد، مضخَّمة باسم الولايات الأمريكية ورؤسائها المتخرجين من ذات الجامعة. جميع الخرّيجين الذين سبقوه واللاحقين لن ينتبهوا أبداً لورود اسم جامعتهم في التقارير الصحفيَّة المنشورة حول السودان وحربه "المنسيّة"، وإن انتبه أحدهم ستقف شعرات جلده رُعباً عندما يكتشف كيف اقترن هو، ومقاعد درسه، وجامعته، بهذه الحكومة والبلد الجديد الذي ستحكم "مواطنيه" والكيفيَّة وآليّاتها التي من المفترض أن تخدمهم بها.
(٢)
رغم أنّه، خياليَّاً، يُسمَّى "السودان الموحّد"، إلا أن الاسم الواقعي الذي قدَّمه الدكتور يُدعَى: "مناطق سيطرة الدعم السريع"، الاسم نفسه يُوحي بتعمّد الدكتور وضع مسافة هائلة بينه وبين الدعم السريع بتواريخه القديمة -جنجويد حميدتي- والحديثة الجاريةُ أحداث إباداتِها العرقيَّة والانتقاميَّة، واغتصاباتها -الفرديّة والجماعيَّة-، وقتلها الأطفال على أساس الجنس في الطريق بين الجنينة ومعسكرات النزوح في تشاد، أمام أمّهاتهم. مسافة كافية -من خلال لغة قانونيَّة “علميَّة؟”- تُساعدهم جميعاً في القفز بالزانة الوزَّانة على خور الأخلاق الشاسع المحفور بالدم والدموع، وتصنّع حالة من التصنّم أمام ما يحدث هذه الأيام، وخلال كلّ الأيام، من مجازر متتالية ضدَّ المواطنين العُزَّل في الحاج يوسف وشرق النيل، ورمي جثثهم في الشوارع تمثيلاً بها، إنهم ذات المواطنين الذين يقعون داخل حدود "السودان المُوحَّد" إن كانوا فعلاً يؤمنون بما يدّعون.
(٣)
باختصار، إن معنى تقسيم السودان سياسيَّاً وقانونيَّاً -كما يشرحه الدكتور بثقة هارفرديَّة- لا علاقةَ له بالمعنى الأخلاقي المُتَهَرَّب منه خلال لغة العلوم والسياسة، والمقاربات الليبيَّة والصوماليَّة، إذ تضع هذه الحكومة حدوداً فاصلة بين "مواطنيها" ومواطني دولة حكومة بورتسودان التي تقوم بذات الفعل تجاه المواطنين في نيالا غير المُعتَبَرين من ضمن أهل السودان بعد اليوم، وذلك بمناسبة تحوّلهم إلى "حواضن اجتماعيَّة" للدعم السريع بين ليلةٍ وضحاها، ضمن ملابسات حربٍ سمعوا بها فجأةً مثلما سمعنا بها نحن كذلك في الخرطوم، وفي كلّ مكانٍ في السودان.
هذا الثقب الهائل في المنطق تتبعه أسئلة أخرى من شاكلة: إن كان كلّ هذه التضحيات الجسيمات بالأخلاق الإنسانيّة الأساسيّة المُسمَّاة "قتل النفس بغير حق"، أو "حقوق الإنسان" أو ما شئت من أديان سماوية أو طبيعيَّة، بل المجازفة بالوقوع فريسةً لحملة توقيعات مسعورة ربّما يقوم بها خرّيجو هارفرد وطلابها الحاليّون ضدَّ رَميَتِك المُستهترة بتاريخها سلاحاً في يدِ الجُبن الواصل حدَّ اغتصاب النساء وقتل الأطفال والعُزَّل؛ إن كانت كلّ هذه التضحية فقط لأجل إبادة الكيزان من الوجود، أو الجيش في مقولةٍ أخرى، فكيف تستعين لأجل هدفك السامي المُدمَّى بمليشيّات كيزانيَّة أخرى؟.
(٣)
ألَّف الأستاذ العلامة والشاعر ميرغني ديشاب، عالم الأنثربولوجيا واللغات، عشرات الكتب -حرفيّاً- بعد أن جاب السودان وبواديه ومدنه وقراه خلال الثمانينات، وجَمَع في ذاكرته المُذهلة مئات الأشعار بمختلف اللهجات واللغات، وأخرج الكتب في الدين وتاريخ القبائل في السودان، والكثير والكثير من الأعمال التي كان من السهل الشديد أن تضعه في مقعد الأستاذيّة ويُلقَّب بالبروفيسور ميرغني ديشاب في أقرب لفَّة، إلا أنّه -أكاديميّاً- لم يسعَ إلا لنيل درجة الماجستير فقط على يد البروفيسور الكبير عون الشريف قاسم. مرةً سألته: لماذا لم تسعَ لنيل هذه الدرجات فقط بتقديم مخطوطة مثل (معجم شعراء البطانة) الذي كنتُ أحمله بصعوبة بيدي، فردَّ ببساطة شديدة: "وأعمل بيها شنو؟ أنا درست الماجستير على يد عون الشريف عشان أتعلَّم طريقة البحث، وده كلّ الكُنتَ محتاج ليهو عشان أبدأ بحوثي وأكتب كتبي”.
mamoun.elfatib1982@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الأغذية العالمي: ليبيا بحاجة إلي تمويل مادي لتغطية احتياجات اللاجئين من السودان
قال برنامج الأغذية العالمي إن ليبيا بحاجة إلى تمويل يصل إلى 18.6 مليون دولار لتغطية المتطلبات الإنسانية حتى شهر يوليو المقبل من العام الحالي.
وأضاف تقرير المنظمة أن الاحتياجات الإنسانية في ليبيا تفاقمت بالتزامن مع وصول مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين إلى البلاد.
ووفقا لآخر البيانات فقد سجلت مفوضية شؤون اللاجئين وصول 240 ألف لاجئ سوداني على الأقل إلى ليبيا حتى نهاية يناير الماضي، ما يزيد حجم المتطلبات الإنسانية المطلوبة في مجالات الصحة والغذاء والمأوى وغيرها
مساعدات لأكثر من 70 ألف شخص
وبحسب البرنامج فقد قدم إلى أكثر من 70 ألف شخص مساعدات إنسانية إلى جانب توزيع 623 طنا من المواد الغذائية
كما وصلت مساعدات نقدية وفقا للبرنامج بقيمة وصلت إلى 62 ألف و580 دولارا أميركيا خلال يناير الماضي، مع الحاجة إلى جمع 18.6 مليون دولار إضافية لتلبية الاحتياجات الإنسانية خلال الفترة بين فبراير حتى يوليو المقبل
وستخصص قيمة 13.5 مليون دولار للمساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمية للوصول إلى 50 ألف لاجئ شهريا خلال العام 2025.
المصدر: برنامج الأغذية العالمي ” تقرير”
برنامج الأغذية العالمي Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0