تفاصيل المخطط الإسرائيلي لضم الضفة وسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
القدس المحتلة - الوكالات
تدخل عملية السور الحديدي التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية أسبوعها الخامس على التوالي بوتيرة توسعية متصاعدة، شملت مخيمات جنين وطولكرم، وامتدت إلى محافظة طوباس، وخاصة طمون ومخيم الفارعة.
وجاءت العملية بعد قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) بإضافة بند تعزيز الأمن في الضفة الغربية إلى أهداف الحرب، وفي ظل تصريحات وزراء في الحكومة الإسرائيلية بأن العام الحالي هو عام ضم الضفة الغربية وفرض السيادة عليها.
ونفذ الاحتلال -في سعيه لتحقيق هذا الهدف- سياسات عقاب جماعي عدوانية عنيفة على كل الصعد، شملت القتل والتهجير والاعتقالات والاقتحامات اليومية وتدمير البنى التحتية والمنشآت العامة، مما شكل تهديدا خطيرا للوجود الفلسطيني في تلك المناطق.
فمنذ إطلاق العملية استشهد 60 فلسطينيا، واعتقل أكثر من 220، إضافة إلى عمليات التهجير التي طالت عشرات آلاف الفلسطينيين، ونفذ الاحتلال نحو 14 غارة جوية خلال العملية التي يشارك بها نحو 10 آلاف جندي من عناصر الجيش.
استنساخ جباليا
وصفت القناة 12 الإسرائيلية في تقرير لها نشر في التاسع من فبراير/ شباط مستويات التدمير التي تعرضت لها جنين بأنها استنساخ لتجربة التدمير التي تعرضت له جباليا وغزة طوال الحرب.
وتدل مؤشرات كثيرة على مضي الاحتلال في العملية حتى النهاية خصوصا أنه لم يحدد سقفا زمنيا لها، بينما يرى محللون أن ما يحدث هي مقدمات ضم الضفة، وتفكيك السلطة، وإنهاء وجودها.
ويقول المختص في الشؤون الإسرائيلية محمد هلسة للجزيرة نت إن هناك رغبة جامحة لدى اليمين الصهيوني في الوصول إلى تحقيق هدفه في ضم الضفة، عبر كسر الحواجز واستثمار المناخات التي خلقتها الحرب في المنطقة.
ويظهر ذلك جليا من خلال "استخدام الطيران والقصف الجوي والاغتيالات والتجريف وطحن البيئة الجغرافية الفلسطينية والتغول ضد كل ما هو فلسطيني تحت مزاعم ملاحقة التهديد".
التهجير القسري
وفقا لتقرير نشرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" قبل نحو أسبوع، فقد أدت عملية السور الحديدي إلى تشريد نحو 40 ألف فلسطيني وأسفرت عن إفراغ العديد من مخيمات اللاجئين من سكانها تقريبا، مضيفا أن عمليات جيش الاحتلال المتكررة والمدمرة جعلت مخيمات اللاجئين في شمال الضفة غير صالحة للسكن.
ووصف المختص في شؤون الاستيطان، جمال جمعة، في حديث للجزيرة نت "أن عملية التهجير في المناطق التي هاجمها الاحتلال مثل جنين وطولكرم ونور شمس وغيرها من قرى شمال الضفة هي نموذج مصغر لما حدث في غزة، عبر تدمير ممنهج لكل الإمكانيات، من بنى تحتية وشبكات مياه وكهرباء وصرف صحي وطرق وعيادات وغيرها، مما جعل عودة الفلسطينيين الى مناطق سكنهم صعبة جدا".
واستغلت حرب الإبادة على غزة في التهجير المنظم، حيث تم تهجير أكثر من 28 تجمعا بدويا ورعويا والسيطرة على 240 كيلومترا مربعا، إضافة لتفعيل 1000 حاجز تقسم الضفة الغربية إلى "كنتونات" صغيرة ومحاصرة يتم تفتيش كل من يمر بها.
ووصف الصحفي في يديعوت أحرونوت اليشع بن كيمون القانون بأنه يلغي فعليا القانون الأردني "قانون تأجير وبيع العقارات للأجانب" رقم 40 الصادر عام 1953، الذي يحظر شراء الأراضي في الضفة الغربية من قبل الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الأردنية أو العربية"، معتبرا التغيير في القانون من شأنه تعزيز الاحتلال الإسرائيلي للأراضي بالضفة.
واعتبرت حركة "السلام الآن" أن مشروع القانون "سيعطي حفنة من المستوطنين المتطرفين الفرصة لشراء الأراضي، ومن ثم إنشاء المستوطنات، سواء في قلب الخليل أو في أي مكان آخر".
وأضافت الحركة أنه "علاوة على ذلك، ليس للكنيست سلطة سن قوانين في الأراضي التي لا تخضع للسيادة الإسرائيلية، ومحاولة تطبيق قانون الكنيست على الأراضي المحتلة تعادل الضم وتعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي".
وفي أحدث القوانين التي تفسر الرغبة الجامحة لضم الضفة الغربية، وافقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الكنيست، الأحد الماضي، بالقراءة الأولية على مشروع قانون يهدف إلى تغيير تسمية "الضفة الغربية" في التشريع إلى "يهودا والسامرة".
وذكرت نوعا شبيغل، في مقال نشرته صحيفة هارتس في السابع من يوليو/تموز 2024، أنه يوجد أكثر من 3200 موقع أثري في الضفة الغربية، غالبية هذه المواقع تقع ضمن المناطق المصنفة "ج"، وهناك المئات منها في المناطق "ب".
وأوضحت شبيغل أنه تم إقرار القانون الذي تقدم به عضو الليكود بالكنيست أميت هاليفي، وجاء فيه أنه "لا يوجد خلاف على أن هذه المناطق غارقة في التاريخ اليهودي، وعلى أي حال فإن هذه المكتشفات ليس لها أي صلة تاريخية أو غيرها بالسلطة الفلسطينية، ولذلك فإن النقاش حول الوضع السياسي لمنطقتي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) لا علاقة له بمسؤولية إسرائيل عن الاكتشافات الأثرية التي تخص شعبها".
واعتبر الكاتب في صحيفة هآرتس نير حسون أن ما سماه "علم الآثار الإسرائيلي كان أول خطوة للمطالبة بالأرض وتعزيز الروح الصهيونية، حتى أصبحت الحفريات في المعابد اليهودية مشاريع وطنية، قبل أن يكتشف المستوطنون في العقود الأخيرة قوة علم الآثار كأداة للاستيلاء على الأرض وتشكيل الوعي، وجذب السياح وجمع التبرعات ونزع الملكية والسيطرة".
بناء المستوطنات
قالت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية في تقرير على موقعها في 21 يناير/كانون الثاني 2025 "شهد النصف الثاني من عام 2024 بناء 7 بؤر استيطانية جديدة في المناطق المصنفة "ب"، في خرق واضح لأول مرة لبنود اتفاقية أوسلو الموقعة في عام 1995، التي تنص على أن المناطق "ب" تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية الكاملة بما في ذلك سلطة التخطيط والبناء، ولإسرائيل السيطرة الأمنية في هذه المناطق".
وأشارت إلى أن العام الماضي شهد بناء 52 بؤرة استيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وأن ما أقيم من هذه البؤر الاستيطانية بالمناطق المصنفة "ب" تقدر نسبته بأكثر من 13% من إجمالي عدد البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة.
وذكر تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن الحكومة الإسرائيلية بدأت خلال العام الماضي عملية شرعنة 10 بؤر استيطانية، إضافة إلى الـ14 التي بدأت عملية شرعنتها في العام الماضي. في الوقت نفسه، أنشأ وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش "مسار شرعنة التفافيا" لـ 70 بؤرة استيطانية، الذي بموجبه سيتم توفير الميزانيات وبناء المباني العامة في البؤر الاستيطانية غير القانونية.
سحب الصلاحيات
في يوليو من العام الماضي، سحبت إسرائيل الصلاحيات الإدارية للسلطة الفلسطينية في المناطق "ب"، تحديدا في برية وبادية بيت لحم التي تمثل ما نسبته 3% من مساحة الضفة الغربية وحولتها لتتبع الإدارة المدنية الإسرائيلية، وذلك بسحب صلاحيات السلطة التخطيطية ومنعها من منح تراخيص بناء جديدة وهدم المبني بها، إضافة للمباني القريبة من المواقع الأثرية بمناطق "ب" والمقدرة بحوالي 600 موقع.
من جهة أخرى، لفت المختص في شؤون الاستيطان، جمال جمعة، إلى أنه بعد أوسلو مباشرة منعت المؤسسات الأجنبية والسلطة من البناء والتنمية في مناطق "ج" التي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، والضغط على السكان للتهجير والنزوح، حيث يبلغ عدد سكان المنطقة "ج" والأغوار حوالي 300 ألف فلسطيني.
وفي ولاية ترامب الأولى، يقول جمعة، تسارعت وتيرة الضم والسيطرة الاستيطانية على الأراضي خصوصا مستوطنات القدس. وفي عام 2020 أطلقت لجنة أميركية إسرائيلية خارطة الضم بشكل رسمي، وتم تغيير مسارات الطرق الرئيسية التي تربط بين القدس وباقي محافظات الضفة الغربية.
التوقعات بأن يطلق الاحتلال يد العنان للمستوطنين لاستهداف الفلسطينيين- مستوطنون شمال نابلس في اعتدءا سابق- الضفة الغربية- نابلس - قرية سبسطية- الجزيرة نت1
مستوطنون شمال نابلس في اعتداء سابق على قرية سبسطية في الضفة الغربية (الجزيرة)
إرهاب المستوطنين
تحولت الحرب على غزة إلى غطاء لتنفيذ أضخم هجمة إرهابية استيطانية في الضفة الغربية. وذكر تقرير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان أن أكثر القرى والمدن الفلسطينية التي تتعرض لهجمات استيطانية وحملات أمنية هي القرى الواقعة بين محافظتي نابلس ورام الله.
وتم قطع حوالي 10 آلاف شجرة مثمرة في عام 2024 من قبل المستوطنين، كما هدم 904 منازل ومنشأة خلال العام نفسه، ووصلت اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال إلى 16 ألفا و612 اعتداء، منها 3 آلاف اعتداء مستوطنين، وتسببت باستشهاد 10 مزارعين فلسطينيين برصاص المستوطنين، من أصل 552 استشهدوا في 2024.
ووصل حجم مصادرة الأراضي في العام ذاته إلى 46 ألفا و597 دونما، إضافة لإعلان الاحتلال عن مصادرة 24 ألف دونم تحت مزاعم أنها أراضي دولة، وهي أكبر عملية مصادرة للأراضي منذ احتلال الضفة الغربية في 1967″.
وقرر وزير الجيش الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في منتصف يناير/كانون الثاني 2025 إلغاء أوامر الاعتقال الإداري ضد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية والإفراج الفوري عنهم في إطار تعزيز وتشجيع الاستيطان، وفق بيان صادر عنه نشره موقع يديعوت أحرونوت.
في حين اعتبر المختص في الشئون الإسرائيلية عماد أبو عواد في حديث للجزيرة نت أن "المستوطنين تحولوا إلى ميلشيات مسلحة داخل الحكومة الإسرائيلية وبرعاية كاملة لهم مع تملكهم للسلاح. من بين كل 3 مستوطنين في الضفة الغربية هناك مستوطن يحمل السلاح، وحصلوا على دعم لوجستي وطائرات مسيرة وسترات واقية، بهدف الوصول إلى مشروع إقامة دولة يهودا في الضفة".
مستوطنة أريئيل، كبر المستوطنات في وسط الضفة، حيث تعتبر حلقة وصل وتربط مستوطنات جنوب الضفة بشمالها.
مستوطنة أريئيل وسط الضفة حيث تعتبر حلقة وصل وتربط مستوطنات جنوب الضفة بشمالها (الجزيرة)
محاصرة المدن بالاستيطان
أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش في 14 أغسطس/آب من العام الماضي -وفقا لما نشره موقع آي 24 الإسرائيلي- عن أمر عسكري بتخصيص 148 فدانا من الأراضي للمستوطنة الجديدة "ناحال حيلتس"، المقرر بناؤها غرب بيت لحم، التي تتعدى على موقع بتير الفلسطيني المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وذكر تقرير لحركة "السلام" الآن تحت عنوان "2024 في الضفة الغربية.. عام الضم والتهجير" نشر في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي أنه "في عام 2024، هدمت الإدارة المدنية وبلدية القدس عددا قياسيا من المباني (1280) في الضفة الغربية والقدس الشرقية بسبب عدم الحصول على ترخيص بناء".
ويرى المختص في شؤون الاستيطان جمال جمعة أن كل ما يجري في الضفة الغربية هو بداية تنفيذ الضم، حيث قاموا في 2022 بوضع الخريطة الجيوسياسية للضم وقاموا بكل ما يلزم من أجل ذلك، كما أخذوا من ترامب في ولايته الأولى تعهدات بشرعنة عملية الضم.
إدارة الاستيطان
في 29 مايو/أيار الماضي، نقلت السلطات الإسرائيلية الصلاحيات الإدارية المتعلقة بالأراضي والمستوطنات من المستوى العسكري إلى المستوى المدني الإسرائيلي، حيث تم سحب الصلاحيات المتعلقة بالمستوطنات من الجيش وتم تسميتها "إدارة الاستيطان" ولا تتبع الإدارة المدنية، بل تخضع مباشرة لوزارة سموتريتش ويترأسها يهودا الباهو، وهو شريك سموتريش في تأسيس منظمة ريغافيم الاستيطانية.
ونقلت الاستشارات القانونية للإدارة المدنية من الجيش إلى فريق من المحامين تحت إشراف سموتريتش شخصيا.
واعتبر تقرير لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نشر في 19 أغسطس/آب 2024 "التغييرات القانونية والبنيوية تُفَعِل سياسة الحكومة في تطبيق السيادة وتمحو الإدارة المنفصلة للأرضي المحتلة، وبالتالي ترسخ ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية".
وأوضح تقرير مشترك صادر عن منظمة "يش دين" وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل، ومركز أوفيك ومنظمة كسر الصمت الإسرائيلية بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول الماضي، تفاصيل التغييرات البنيوية والقانونية الكبيرة، ومنها تعيين سموتريتش وزيرا إضافيا في وزارة الجيش، ونقل صلاحيات واسعة من القائد العسكري إلى سموتريتش، والموافقة على ميزانيات ضخمة لتوسيع المستوطنات في الضفة، وتحسين البنية التحتية ونوعية الحياة فيها، والمصادقة بأثر رجعي على البؤر الاستيطانية، وإعلانها أراضي دولة ومحميات طبيعية، وإنكار عنف المستوطنين وعدم تطبيق القانون عليهم، وفرض بيئة قسرية على المجتمعات الفلسطينية تؤدي إلى طردهم.
الغطاء الأميركي
وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 يناير/كانون الثاني 2025 أمرا رئاسيا يلغي العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين، متراجعا بذلك عن قرار سلفه جو بايدن.
وجاءت الخطوة بعد أقل من أسبوع من تمديد بايدن لحالة الطوارئ في الضفة الغربية لعام إضافي، وهو الأمر الذي كان ساريا حتى الأول من فبراير/شباط الجاري، وكان يتيح فرض عقوبات على مستوطنين صنفتهم الإدارة الأميركية كـ"متورطين في أعمال عنف".
ونشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي الجديد، هو "مؤيد قوي لإسرائيل، لا يحتاج إلى شرح أي شيء عن مشاكلنا. يعرفها واحدة واحدة. روبيو هو صقر مفترس، سيقف بالتأكيد إلى جانب إسرائيل حتى في القضية الفلسطينية".
ولفتت الصحيفة إلى أن الوزير الأميركي لا يقول "الأراضي" أو "الضفة الغربية"، بل "يهودا والسامرة"، في حين صرح السفير الأميركي المعين في إسرائيل مايك هوكابي، وهو مسيحي إنجيلي صهيوني، عام 2015، بأن "مطالبة إسرائيل بمنطقة يهودا والسامرة أقوى من مطالبة الولايات المتحدة بمانهاتن".
واعتبرت حركة السلام الإسرائيلية في ختام تقريرها لعام 2024 أن "الواقع القانوني والإداري والمادي هو التعبير الأكثر وضوحا عن ضم الأراضي إلى إسرائيل. وعلى هذا النحو، فإن عام 2024 ليس فقط عام الذروة للمشروع الاستيطاني، بل أيضا عام الضم الذي تجعل فيه الحكومة الأراضي المحتلة جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل، مما يحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد".
المصدر / الجزيرة نتالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: البؤر الاستیطانیة فی الضفة الغربیة یهودا والسامرة کانون الثانی العام الماضی فی المناطق المختص فی ضم الضفة أکثر من فی عام عام 2024
إقرأ أيضاً:
بيوت متنقلة للنازحين شمال الضفة.. هل تقيم السلطة مخيمات جديدة؟
"هل سيقيمون لنا مخيما جديدا غير مخيمنا"؟، هكذا تساءلت أم يوسف شريم، وهي تحزم ما بقي من أغراضها في الغرفة التي خصصت لها بجمعية الكفيف بعد نزوحها من مخيم جنين، قبل 80 يوما.
وتُجهِّز أم يوسف نفسها لنزوح جديد، بعد أن تقرر إخلاؤها وبقية العائلات أمثالها إلى مساكن الجامعة العربية الأميركية غربي مدينة جنين شمال الضفة الغربية.
تقول أم يوسف إنها أُبلغت بضرورة إخلاء الغرفة التي تسكنها مع عائلتها المكونة من 6 أفراد، لأن طلاب الجمعية سيعودون للدراسة فيها. وبذلك، تواجه و25 عائلة أخرى نزوحا جديدا، بعد تعثر الحلول لإيوائهم بمراكز رسمية.
وتضيف أم يوسف للجزيرة نت "نزحنا من المخيم لجمعية الكفيف، عندما لم نجد مكانا يؤوينا، أو جهة رسمية توفر لنا بيوتا، وبعض العائلات نزحت لدى أقاربها بالقرى المحيطة بجنين".
وتتابع أن "الأزمة طالت، وجيش الاحتلال دمَّر المخيم، ونحن ننتظر انسحابهم من المخيم لنعود لمنازلنا، لكن إن تأخر ذلك ماذا سنفعل؟"، وتشير إلى أن وجودهم بالجمعية كان حلا مؤقتا، وكذلك انتقالهم لمساكن الجامعة، ونزوح الناس عند أقاربهم، وتقول "نريد حلا حقيقيا، وأن نرتاح".
إعلانويعاني النازحون ظروفا معيشية صعبة بعد فقد منازلهم وممتلكاتهم وخروجهم من المخيم من دون أخذ أغراضهم الضرورية.
وخسر معظم النازحين أعمالهم، ويعتبرون أن أكبر مشكلة تواجههم حاليا هي تأمين "مساكن كريمة" تليق بهم وبأطفالهم وتتوفر بها أبسط مقومات الحياة.
وأبلغت أم يوسف بتوفير غرفتين مع مطبخ صغير وحمام لعائلتها الكبيرة، بينما تأخذ العائلة الأصغر غرفة واحدة، "بعد أن كان لنا منزل كامل، ولكل واحد غرفة مستقلة"، كما تقول.
وتؤكد أن المساكن الجديدة أيضا ليست مضمونة، وتطالب المسؤولين بحل جذري يتمثل "بمنازل ثابتة" لا يرحلون عنها.
وفي أحد مساكن الجامعة العربية الأميركية بجنين يعيش همام أبو سرية مع زوجته وطفليه، حيث نزح إليه منذ أزمة المواجهات بين أجهزة أمن السلطة والمقاومين بمخيم جنين قبل نحو 5 أشهر.
ويستغرب أبو سرية أخبارا يصدرها مسؤولون بمحافظة جنين والحكومة الفلسطينية، حول سعي الأخيرة لتوفير بيوت متنقلة لإيواء النازحين.
ويقول للجزيرة نت "يتحدثون بالإعلام عن توفير200 منزل، بينما يُقدر النازحون من المخيم بـ18 ألفا، وغيرهم الكثير من محيط المخيم، فكيف سيتم إيواء كل هؤلاء بتلك البيوت؟".
ورغم حديث الحكومة عن إعدادها خطة لإيواء النازحين بمخيمات جنين وطولكرم في بيوت متنقلة (كرفانات)، لحين انسحاب جيش الاحتلال من المخيمات، فإن الأهالي لا يثقون بالوعود الحكومية.
ويضيف أبو سرية "أمضينا أشهرا في النزوح ولم نتلق أي دعم يذكر من الحكومة، تركنا وحدنا، خسرنا منازلنا وأملاكنا، وعشنا ظروفا صعبة جدا، ولم نجد أي مساندة من الحكومة، ولو معنويا".
ويتابع "بعد هذا الوقت يخرج المسؤولون للحديث عن حلول لا تمت للمنطق بصلة، الأجدر أن تؤمن منازل للنازحين، هذه (الكرفانات) تكلفتها عالية جدا، والحكومة تعاني أزمة مالية شديدة، فمن أين ستؤمن ثمن البيوت المتنقلة".
إعلانوحسب أبو سرية فإن تأمين "كرفانات" لحوالي 3400 عائلة دُمرت بيوتها بالمخيم، قد يكلف الحكومة قرابة 30 مليون دولار أميركي، بمعدل 8 آلاف دولار للبيت الواحد، "ولو أرادت الحكومة لاستأجرت عددا من البنايات المقفلة بمحيط الجامعة وإيواء النازحين لحين انسحاب الاحتلال، وبذلك توفر ثمن البيوت المتنقلة"، حسب أبو سرية.
ويرى النازحون، ومنهم أبو سرية، أن مقترحات الحكومة لتوفير "كرفانات" هو بمثابة "التخدير" وكسب الوقت، ويقول "تضييع الوقت لشهر أو اثنين لعل الجيش ينسحب، كل ما طرح لا يتماشى مع النزوح الصعب الذي نعيشه، هو محاولة لإسكاتنا فقط".
وكان الناطق باسم مركز الإعلام الحكومي محمد أبو الرب قال، في تصريح سابق، إنهم يسعون لتوفير "كرفانات" لإيواء النازحين.
وأضاف "يجب أن نوازن بين احتياج الناس لتوفير مساكن كريمة لهم، وبين أن تكون هذه المنازل المؤقتة كأنها مخيمات جديدة، لكنها تأتي كصورة لعدم اعتياد الواقع الذي فرضته إسرائيل في المخيمات، وتأتي أيضا ضمن خطة إعادة إعمار المخيمات فور انسحاب الاحتلال منها".
وتقضي الخطة الحكومية في مرحلتها الأولى بتوفير البيوت المتنقلة للأسر الأكثر احتياجا، في أراض حكومية، وبأعداد قليلة لا تأخذ طابع المخيم الجديد. وتسعى الحكومة -حسب أبو الرب- لتوفير الأعداد الأولى من تلك البيوت من شركات فلسطينية تنتجها.
من جهته، قال محافظ جنين كمال أبو الرب إن اجتماعا عقد الخميس الماضي، ضم الوزارات المعنية مع ممثلين من محافظتي جنين وطولكرم، ورؤساء لجان الخدمات بمخيمات نور شمس وطولكرم وجنين، لوضع "الخطوط العريضة" حول أماكن إقامة الكرفانات، ومساحتها، والخدمات التي يجب أن توفر لها قبل تشييدها.
وأضاف للجزيرة نت "المواطنون استثقلوا لفظ الخيم، لذلك وجدنا اعتراضا على الفكرة، لن ننشئ خيما لأننا غير معنيين بمخيمات تذكر بالنكبة، بل جرى اعتماد مصطلح البيوت المتنقلة لأنه أخف وقعا، فالمهم أنها ستكون بمواصفات محددة، وحتى الآن لم نعتمد الأراضي الحكومية التي ستوضع عليها، لكن تم طرح 3 أماكن لذلك".
إعلانويوجد قرابة 3200 نازح حاليا في مساكن الجامعة العربية الأميركية، وإن صحت التقديرات- حسب أبو الرب- فهم مجبرون على ترك المساكن مع عودة دوام الجامعة، وقد يكون بعضهم ضمن خطة الحكومة الأولية لإيوائهم في البيوت المتنقلة.
وكانت لجنة خدمات مخيم جنين أصدرت تصريحا قبل نحو أسبوع، رفضت عبره وبشكل قاطع إنشاء مراكز إيواء مكونة من خيم مؤقتة للنازحين، وأكدت أنها ليست جزءا من هذا المقترح.
وحسب محافظ جنين كمال أبو الرب، أبدت لجنة الخدمات، خلال لقاء مع الحكومة، موافقتها على "إيواء النازحين في البيوت المتنقلة وفق رؤية الحكومة الفلسطينية".