تداعيات كثيرة لبقاء اسرائيل في النقاط الخمس
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
في اليوم المقرر لانسحاب إسرائيل الكامل من جنوب لبنان، تعلن اسرائيل عن بقاء قواتها في خمس نقاط استراتيجية على طول الحدود، رغم الاتفاق الذي نصّ على مغادرتها بحلول 18 شباط 2025 بشكل كامل ونهائي. هذا القرار لا يُعتبر مجرد خرق للتفاهمات الدولية فحسب، بل يُشكل منعطفاً حاسماً في المشهد اللبناني، حيث تتفاعل تداعياته مع الأوضاع الداخلية المُعقدة، ويُعيد إشعال الجدل حول أدوار الفاعلين المحليين والدوليين.
من أبرز التداعيات المباشرة لهذا التمديد هو تعزيز شرعية "حزب الله" كمقاومة في البيئة الاجتماعية والوطنية. فوجود القوات الإسرائيلية في نقاط استراتيجية يُغذي الخطاب الذي يروج له الحزب حول "ضرورة المقاومة المسلحة" لمواجهة الاحتلال، خاصةً في ظل فشل الدولة اللبنانية في تحقيق الانسحاب الكامل عبر الطرق الدبلوماسية.
وقد حمّل الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، الدولة مسؤولية الضغط لتحقيق الانسحاب، معتبراً أن أي بقاء إسرائيلي بعد الموعد المتفق عليه يُعد خرقاً للاتفاق. هذا الموقف يعيد إنتاج دور الحزب كـ"حامي للأرض" في نظر قاعدة مؤيديه، حتى مع تراجع قوته العسكرية بعد الحرب الأخيرة.
من جهة أخرى، يُحرج هذا الواقع الرئيس جوزيف عون، الذي سعى إلى ترسيخ شرعيته عبر حل أزمتي الاحتلال والسلاح عبر القنوات الدبلوماسية. تصريحات عون المتكررة برفض أي وجود إسرائيلي، ودعوته الولايات المتحدة وفرنسا للضغط على تل أبيب، تبدو غير كافية في ظل استمرار التوغل الإسرائيلي، كما أن تأكيده على جاهزية الجيش لدخول المناطق التي تنسحب منها اسرائيل يُواجه اختباراً عملياً، خاصة مع استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية، مثل الضربة التي استهدفت قيادياً في حماس بمدينة صيدا عشية الانسحاب المزعوم. هذا الفشل في تحقيق الانسحاب الكامل يُضعف موقف عون ويُظهر محدودية تأثير الدبلوماسية اللبنانية في ظل التوازنات الإقليمية والدولية.
على الصعيد الوطني، يُعمّق البقاء الإسرائيلي أزمة الاستقرار السياسي والأمني في لبنان. فالاتفاق الأصلي لوقف إطلاق النار نصّ على تعزيز انتشار الجيش وقوات اليونيفيل، ونزع سلاح "حزب الله" جنوب نهر الليطاني، لكن التمديد الإسرائيلي يُعقّد هذه العملية. كما أن الدمار الهائل الذي خلفته الحرب، بتكلفة أولية تبلغ مليارات الدولارات، ووجود أكثر من 100 ألف نازح، يجعل إعادة الإعمار مرتبطة بإنهاء التوترات، وهو ما يُؤجّل مع استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي. هذا الواقع يُطيل أمد الأزمة السياسية الداخلية، حيث تتصارع الأطراف اللبنانية حول أولوية نزع سلاح الحزب في مقابل تحرير الأرض، في ظل غياب الاجماع الوطني.
أمام هذا المشهد، يبرز السؤال عن كيفية تعامل "حزب الله" مع الاحتفاظ الإسرائيلي بالنقاط الاستراتيجية. يُبدي الحزب حتى الآن التزاماً شكلياً باتفاق وقف إطلاق النار، لكنه يرفض أي تمديد للانسحاب، مُحمّلاً الدولة اللبنانية مسؤولية المواجهة الدبلوماسية . من غير المرجح أن يشن الحزب عمليات عسكرية مباشرة في المدى القريب، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها خلال الحرب الأخيرة، بما في ذلك اغتيال عدد من قادته. بدلاً من ذلك، قد يعمل على تحويل الصراع إلى معركة داخلية، يضغط فيها على الدولة لتبني موقف أكثر حزماً دولياً، أو يستخدم الوجود الإسرائيلي المُستمر كذريعة لتبرير الاحتفاظ بسلاحه تحت شعار "المقاومة".
يُعيد البقاء الإسرائيلي في النقاط الخمس رسم خريطة التوتر في جنوب لبنان، حيث تتداخل المصالح المحلية مع الحسابات الإقليمية. بينما تُصر إسرائيل على أن وجودها "مؤقت" لضمان أمنها، يُصبح هذا الوجود وقوداً للصراعات الداخلية اللبنانية، ويُعمّق من أزمات الشرعية والاستقرار في بلدٍ يعاني أصلاً من انهيار اقتصادي وسياسي طويل الأمد. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
بعد تأخر الانسحاب الإسرائيلي: هل تلوح حرب جديدة في جنوب لبنان؟
أكد الخبراء في الشؤون العسكرية والسياسية، أن احتمال اندلاع حرب جديدة في جنوب لبنان في الوقت الحالي غير مرجح، رغم عدم تنفيذ الانسحاب الاسرائيلي الكامل الذي كان من المفترض أن يتم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وأرجع الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها انتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني، فضلاً عن أن إسرائيل ليست في وضع يمكنها من القيام بتحركات عسكرية جديدة بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها خلال الحرب الأخيرة.
وقال العقيد المتقاعد جميل أبو حمدان إن إسرائيل فرضت شروطها في جنوب لبنان ولم تلتزم بالانسحاب الكامل، لافتًا إلى أن النقاط التي بقيت فيها تشكل منطقة عازلة تسعى إسرائيل إلى فرضها. كما أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أصبح في تماس مباشر مع الجيش اللبناني، مما يزيد من خطر حدوث احتكاكات، خصوصًا مع رغبة المدنيين في العودة إلى قراهم.
أما بالنسبة لحزب الله، فقد رأى أبو حمدان أن المواجهة الجديدة مع إسرائيل "أمر مستحيل في الوقت الراهن"، حيث إن الحزب تعرض لخسائر كبيرة في بنيته العسكرية والقيادية في الحرب الأخيرة، وفقد القدرة على الاستفادة من العامل الأرضي الذي كان يميز تحركاته على الحدود الجنوبية. كما أكد أن عمليات المراقبة الدقيقة التي تجريها إسرائيل تعيق تحركات حزب الله في كافة الأراضي اللبنانية، في حين أن وجود الجيش اللبناني في الجنوب يمثل حاجزًا يمنع أي تحركات علنية للحزب.
من جهتها، أكدت الدكتورة مي عبد الرحمن أن "عدم الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان كان أمرًا متوقعًا، ومن الممكن أن يستمر الاحتلال في النقاط التي بقي فيها لفترات طويلة"، مشيرة إلى أن إسرائيل تستفيد من التغيرات الإقليمية والدولية، خاصة مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ودعمه الكبير لإسرائيل.
وأضافت عبد الرحمن أن "المطالب الدولية والإقليمية المتزايدة لنزع سلاح حزب الله لا تشكل ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل"، مشيرة إلى أن الحكومة اللبنانية لم تفرض سيطرتها الكاملة بعد على الأراضي الجنوبية.
ورأت أن العودة إلى الحرب بين حزب الله وإسرائيل "مستبعدة في الوقت الحالي"، حيث إن الحزب "غير قادر على خوض حرب جديدة"، كما أن الظروف الإقليمية والدولية الحالية "لا تدعم تصعيدًا جديدًا". وأشارت إلى أن أي محاولة من حزب الله لإظهار قوته، حتى لو كان ذلك تحت ذريعة تحرير الأرض، قد تعطي إسرائيل مبررًا لاستكمال عملياتها العسكرية في لبنان، ما قد يؤدي إلى فقدان الحزب لأي قدرات عسكرية متبقية. (ارم نيوز)