محمد مستعد

تقدم  “اليوم 24” أول مقتطف من ترجمة كتاب “طنجة – حبيبتي” للصحفي المغربي الكبير الراحل عمر سليم. الكتاب الذي سبق أن صدر بالفرنسية في 2006 هي سيرة ذاتية روائية كما كان يحلو للراحل تسميتها. ويمكن اعتبارها بمثابة رسالة حب وعشق كبيرين إلى طنجة التي عاش فيها لمدة طويلة قادما من باريس، وإلى مهنة الصحافة و”للكلمة الجميلة والمناسبة” le bon mot في اللغة الفرنسية التي عشقها حتى النخاع.

إلى جانب كون الكتاب تحية حب للحياة وللأمكنة (طنجة وباريس..) فإنه يسلط الضوء على صفحات من التاريخ الراهن للصحافة المغربية سواء في علاقتها بفرنسا مما سمح بإنشاء إذاعة “ميدي 1 ” المغربية الفرنسية في 1980، أو في ما يتعلق بتاريخ انطلاقة القناة الثانية 2M بدعم من فرنسا وكندا، أو في ما يتعلق أيضا بمرحلة عاشها عمر سليم مع الصحافة الحزبية في جريدتي “البيان” (حزب التقدم والاشتراكية)، و”لوبينيون” (حزب الاستقلال).

عرفت عمر سليم عن قرب واشتغلت معه في إذاعة “ميدي1” ثم في القناة الثانية. وبقينا على اتصال في غالب الأوقات حتى بعد أن فرقت بيننا سبل مهنة الصحافة: “أدب العصر الراهن” كما كان يعرفها جان بول سارتر. وقد قمت بترجمة هذا الكتاب بعد اتفاق مع الراحل لكن لم يكتب له النشر حتى اليوم. وهذه المقتطفات تنشر اليوم لأول مرة في جريدة مغربية.

“طنجة – حبيبتي”

إلى أمي

 إلى ذكرى جدتي

وإلى ذكرى محمد شكري

وجدت السماء زرقاء وصافية في الدار البيضاء … تركت باريس بسمائها المكفهرة وسحبها وتركت معها ميشيل، رفيقتي وحبيبتي التي رفضت أن تأتي معي من أجل زيارة بلدي ومدينتي، وزيارة مسقط رأسي ولقاء عائلتي.

” لا حاجة لي ببلدك .. ”

بهذا الجواب الصادم ردت علي ميشيل عندما اقترحت عليها أن ترافقني إلى المغرب لأقدمها إلى والدي.

كنت أرغب في الزواج بها لجمالها وذكاءها وخصوصا للحب وللروابط التي كانت تجمعنا إلى درجة التواطىء. كان يجمعنا تفاهم تام واتحاد وثيق. لكن ميشيل تجرأت ومست ببلدي وبأعز ما أملك: بلدي المغرب. ولهذا لم تكن تستحق أن تكون أما لأولادي.

” لا حاجة لي ببلدك.. ”

بقي وقع هذه الجملة يعذبني طيلة تلك الليلة. وكان من حسن حظي أنني وجدت إلى جانبي صديقي “أزاك”، ذلك “السوسي” الباريزي الشاطر الذي لم يكن يفارقني لحظة واحدة. كان “أزاك” يعيش في باريس منذ حوالي عشر سنوات، وكان فنانا في شطارته وحسن تدبيره. كان رجل ثقة، ميسور الحال يستطيع أن يفتح أمامك جميع الأبواب المغلقة. وقد لجأت إليه عندما كشفت لي ميشيل عن وجهها الحقيقي. كان من الواضح أنها لم تحببني أبدا وإلا لما تغيرت بهذا الشكل المفاجئ وغير المنتظر. كنت أعتقد أنني سأسعدها بدعوتها لزيارة بلدي.

(…)

مرت الأعوام وأصبحت مشغولا طوال الوقت. مشغولا بميشيل وبالدراسة والمسرح. وكنت قد بدأت في تقديم عرض مسرحي فردي تحت عنوان: “لقاء ذو بعد آخر”. وكان صديقي جون كلود يلعب فيه دورا رئيسيا حيث كان مسؤولا عن كل ما يتعلق بالإدارة: من صوت وإضاءة وأكسسوار وغيرها. وكانت مسرحية “لقاء ذو بعد آخر” بمثابة ردة فعل على الفيلم الناجح “لقاء من البعد الثالث ” rencontre de troisième type  (فيلم أمريكي شهير من أخراج ستيفن سبيلبرغ في 1977 – هامش المترجم) الذي كان أبطاله رجال قادمون من خارج كوكب الأرض. وكانت ربما محاولة ساذجة مني اعتقدت من خلالها أنه من الأنسب أن ننكب على مآسي الإنسان أولا قبل أن نستكشف السماوات والمجرات. وكنت أجسد في العرض سبع شخصيات تبحث عن نفسها وعن الآخرين. وقد عرفت العروض الثلاثون الأولى كلها النجاح، لكنني اضطررت إلى التوقف عند هذا الحد، لأنني أثناء إعدادي للعرض الواحد والثلاثين، تلقيت مكالمة هاتفية من مستشفى سانت أنطوان الذي أدخل إليه جون كلود صباح نفس اليوم وهو فاقد الوعي.

( … )

فهمت لماذا قررت أن أغادر باريس بأقصى سرعة لأنني كنت أريد أن أبتعد عن تلك التي حطمت قلبي واحتقرتني وأهانتني. لم يكن من الممكن أن أجد العزاء في أي مكان آخر سوى بين أحضان عائلتي وفي مدينتي. كانت الدار البيضاء متميزة وفريدة بزرقة سماءها. وعلى طول الطريق الذي كان يفصلنا عن الفيلا التي يسكن بها الوالد، بقيت صامتا وعيناي مشدودتان إلى ذلك السقف الساحر لمدينتي، مدينة مسقط رأسي. عندما كنت في باريس لم أكن أنظر إلا نادرا إلى السماء، ذلك الغطاء “الخفيض والثقيل”، حسب وصف الشاعر الكبير شارل بودلير. في عاصمة الأنوار، ما يشد الأنظار أكثر هو ما يجري فوق الأرض وليس ما يجري في السماء. (عمر سليم.. ترجمة محمد مستعد). أنظر أيضا:

“طنجة – حبيبتي”: سيرة ذاتية روائية للصحفي الراحل عمر سليم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية إذاعة ميدي 1 القناة الثانية باريس طنجة فرنسا

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: القناة الثانية فرنسا عمر سلیم

إقرأ أيضاً:

معهد التخطيط القومي يعقد ثاني حلقات سمينار الثلاثاء حول " الذكاء الاصطناعي"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

عقد معهد التخطيط القومي الحلقة الثانية لسيمنار الثلاثاء للعام الأكاديمي 2024/2025، بعنوان " الذكاء الاصطناعي وآثاره على مستقبل التنمية في مصر"، تحت مظلة مشروع مصر ما بعد 2025 رؤية تنموية طويلة الأجل.

جاء ذلك بمشاركة الدكتور  رضا عبد الوهاب أحمد الخريبي عميد كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي بجامعة القاهرة، وأدار الحلقة،والدكتور علاء زهران الأستاذ بمركز السياسات الاقتصادية الكلية، وبحضور كلٍ من الدكتور أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي، والدكتور خالد عطية نائب رئيس المعهد لشؤون البحوث والدراسات العليا، وأساتذة التخطيط والمهتمين بهذا الشأن.
وفي مستهل الحلقة أعرب الدكتور أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي عن خالص التعازي القلبية لأسرة المعهد في وفاة الراحل العظيم أ.د. مصطفي أحمد مصطفي أستاذ الاقتصاد الدولي، ورائد سمينار الثلاثاء على مدار أربعة عقود متتالية، داعيًا المولي عز وجل أن يتغمده بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
وفي كلمته أوضح الدكتور علاء زهران أن الحلقة تستهدف تسليط الضوء على أبرز التطورات العالمية في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والوقوف علي إمكانية الاستفادة القصوى من إيجابياته  والتغلب على سلبياته والحد منها، إلى جانب استعراض المجالات ذات الأولوية لتحقيق التنمية في مصر، وكذلك آفاق مساهمة مصر في ابتكارات الذكاء الاصطناعي المعززة للتنمية، وماهية المتطلبات الضرورية لتحقيقها.
وفي السياق ذاته أكد الدكتور رضا عبد الوهاب أن مؤتمر دارتموث الذي عقد  في عام 1956 يعد الحدث الرسمي الذي شهد ولادة  الذكاء الاصطناعي كعلم بحثي مستقل يستند إلى مجموعة واسعة من التقنيات التي تسمح للأنظمة الحاسوبية بمعالجة البيانات المتاحة وتحليلها، واستخلاص الأنماط، واتخاذ قرارات بناء على البيانات المتاحة، مشيرا إلى مراحل تطور الذكاء الاصطناعي تاريخيا. 
ولفت عميد كلية الحاسبات إلى أن الذكاء الاصطناعي على الرغم من امتلاكه إمكانات هائلة، فإن قيوده وتعقيداته تطغى في كثير من الأحيان على الوعود المبالغ فيها، كتلك المتعلقة بتأثيراته السلبية على الإبداع، وفقدان الوظائف، والمخاطر الأخلاقية والخصوصية، فضلا عن احتمالية زيادة الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية، وهو ما يستدعي وضع التدابير الاستباقية واتخاذ قرارات مستنيرة، تمكننا من التغلب على المخاطر والاستفادة من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي.
وأشار الخريبي إلى  أن مصر تمتلك فرصا واعدة تؤهلها لتصبح رائدة في مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي على المستويين الإقليمي والدولي، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز، ومواردها البشرية الواعدة، والبنية التحتية الرقمية التي تشهد تطورًا ملحوظًا، موضحا أهم  الملامح حول أبرز الفرص التي تجلبها التقنيات الحديثة وأساليب الذكاء الاصطناعي والأتمتة.
وبشأن دعم  تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مصر تم التأكيد على أن  الاستثمار في تطوير الكفاءات البشرية في مجال الذكاء الاصطناعي، و تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطبيق التقنيات الذكية، إلى جانب تطوير إطار تشريعي فعال للذكاء الاصطناعي يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية، بما يمكن  من تقليل المخاطر المحتملة وضمان استخدامه لصالح البشرية، فضلا عن ضرورة  تعزيز الشراكات مع الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • رحل محمد حسن وهبه، وما الذي تبقى من زيت القناديل؟
  • معهد التخطيط القومي يعقد ثاني حلقات سمينار الثلاثاء حول " الذكاء الاصطناعي"
  • مشهد مرعب.. صاعقة برق تنهي حياة شاب مغربي
  • وفد من جهة طنجة يشارك في المنتدى المتوسطي حول الانتقال الطاقي والمناخي بمارسيليا
  • محمد الشيخي: التشكيلة التي بدأ بها هيرفي رينارد اليوم كانت خاطئة
  • ننفرد بنشر أسعار برامج الحج السياحي 2025
  • في اليوم العالمي للرجل.. كيفية الوقاية من أخطر الأمراض التي تقضي على الذكور
  • واشنطن: روسيا تصعد الصراع بنشر قوات كورية شمالية
  • صور.. محافظ الأحساء يرعى حفل "مجمّع حلقات العفالق" للقرآن الكريم
  • محافظ الجيزة: الاتفاق مع وزارة التموين لتنظيم أسواق اليوم الواحد