القاهرة- في خطوة من شأنها إعادة تشكيل ملامح التجارة الدولية، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التأكيد على ما طرحه سلفه عام 2023 من مشروع ممر تجاري جديد، واصفا إياه بأنه "أحد أعظم الطرق التجارية في التاريخ".

ويتألف الطريق المقترح من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا.

ويمتد هذا الطريق من موانئ الهند إلى الولايات المتحدة عبر الإمارات والسعودية والأردن ثم إسرائيل وإيطاليا، مما يُعد تحديًا مباشراً لمشروع الصين العملاق (الحزام والطريق) وإشعال المنافسة على طرق التجارة العالمية.

لكن ثمة تساؤلات تُثار حول جدوى هذا المشروع الطموح في ظل تعقيدات النقل متعدد الوسائط، وتكاليفه الباهظة، وتأثيره على دول مثل مصر التي تعتمد على قناة السويس كمصدر رئيسي للدخل القومي.

وقال الرئيس الأميركي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "اتفقنا على العمل معًا للمساعدة في بناء أحد أعظم الطرق التجارية في تاريخ البشرية".

وأضاف أن هذا الممر سيسمح للولايات المتحدة "بالبقاء في الصدارة" في إشارة إلى المنافسة الاقتصادية المستمرة مع الصين.

وفي سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن مشروع ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، بينما وصفه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بأنه سيُحدث تغييرًا في ملامح المنطقة.

إعلان

ووقّعت الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين في نيودلهي آنذاك، مذكرة تفاهم لإنشاء هذا الممر الذي يشمل سككا حديدية وربط موانئ ومد خطوط وأنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات.

وقد علق الفريق مهاب مميش (رئيس هيئة قناة السويس السابق) على إعلان إنشاء مشروع الممر الاقتصادي حينها بأنه "لا بديل عن القناة أسرع طريق للنقل البحري" مستبعدًا أي تداعيات مستقبلية.

وتوقع أن تكون عملية النقل عبر الطريق الجديد مكلفة وأن تستغرق وقتا طويلًا، مما يجعلها غير مجدية من وجهة نظر اقتصاديات النقل البحري.

قناة السويس وسط التوترات

ويمر حوالي 12% من التجارة البحرية عالميًا عبر قناة السويس، البوابة الأقصر بين أوروبا وآسيا، لكنها تواجه تحديات صعبة بعد اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانضمام الحوثيين في اليمن إلى ما سميت جبهة إسناد غزة ما حدا بهم إلى استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، قبل أن يوسعّوا استهدافاتهم إلى الدول المنتمية إلى تحالف استهدف وقف هجماتهم.

وفقدت مصر 7 مليارات دولار من إيرادات القناة خلال 2024 بسبب "التحديات الإقليمية" وهو ما يمثل انخفاضا بأكثر من 60% مقارنة بعام 2023.

وذكر صندوق النقد الدولي، في وقت سابق، أن توترات البحر الأحمر أفقدت مصر 70% من إيرادات القناة التي تعد مصدرا رئيسًا للعملة الأجنبية، منذ أن بدأ حوثيو اليمن مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر.

أهمية قناة السويس

تعد قناة السويس أقصر الطرق البحرية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي، وأكثر الطرق البحرية رواجا وازدحاما في العالم.

ومع التوسعات المستمرة، يبلغ طول القناة حاليا 193 كيلومترا بدلًا من 164 كيلومترا من ميناء بورسعيد إلى مدينة السويس، وتعدّ أطول ممر مائي في العالم.

إعلان

وزاد عمق هذه القناة من 8 أمتار إلى 24 مترا، كما زاد عرضها من 52 مترا إلى 205 أمتار، وكانت الملاحة في القناة لا تتم إلا نهارًا، لكن مع مرور الزمن صار مسموحا بها ليلًا.

ممر تنموي

وقد قلل اللواء محفوظ مرزوق مدير الكلية البحرية المصرية السابق ونائب رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس سابقا من تأثير مشروع الممر الاقتصادي الجديد، وقال للجزيرة نت "يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، هذا المشروع ليس ممر نقل إنما ممر تنمية ولا يمكنه الدخول في منافسة مع قناة السويس".

وأوضح أن حمولة سفينة واحدة تتطلب عشرات القطارات لنقلها، بالإضافة إلى كلفة النقل والشحن والتفريغ والتخزين في كل محطة، مما يزيد من المخاطر للوصول إلى الوجهة المحددة.

وأشار اللواء مرزوق إلى أن التجارة العالمية لا تقتصر على الحاويات فقط، إنما يوجد الصب الجاف (غير معبأ) مثل الفحم والحديد الخام والفوسفات والحبوب وهو ما يصعب تحقيقه في المشروع الجديد.

وأعرب مدير الكلية البحرية المصرية السابق عن اعتقاده بأن الممر ليس منافسا لقناة السويس وأن عمليات النقل قد تقتصر على أنواع محددة من الطاقة والبضائع والصناعات المرتبطة بالمشروعات الجديدة في تلك المناطق التي سوف تجذب استثمارات ضخمة لها، إلى جانب رغبة واشنطن في منافسة طريق الحرير الصيني.

لكنه توقع أن يستحوذ المشروع الجديد على نسبة ما من حصة قناة السويس التي ما زالت تمتلك مزايا تنافسية تحمي موقعها مع حسن إدارتها، ووضع إستراتيجية طويلة الأمد لمواجهة التحالفات الدولية المُتنامية التي قد تُعيد تشكيل خريطة التجارة العالمية.

وقد أنهت مصر التشغيل التجريبي لمشروع ازدواج قناة السويس، نهاية عام 2024، الذي زاد من مساحة الازدواج فيها بواقع 10 كيلومترات، ليصبح طولها 82 كيلومترا بدلا من 72 كيلومترا، مما سيساهم في زيادة الطاقة الاستيعابية للقناة.

إعلان سيناريوهات المشروع الجديد

وضع رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري اللواء إسماعيل عبد الغفار احتمالين للمشروع الذي تراهن عليه الولايات المتحدة لزيادة بسط نفوذها في المنطقة ومواجهة تنامي أذرع الصين التجارية.

السيناريو الأول: نجاح المشروع في جذب جزء من التجارة الآسيوية الأوروبية، مما يُقلص دور قناة السويس. السيناريو الثاني: فشل المشروع بسبب تعقيدات النقل متعدد الوسائط وارتفاع التكاليف، لصالح استمرار هيمنة القناة والتوترات في المنطقة.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى تعدد التحالفات الدولية بهدف إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية بما يخدم مصالح الدول الكبرى خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وأوضح أن كل المؤشرات التجارية والاقتصادية تؤكد أن قناة السويس لا تزال الخيار الأمثل للملاحة العالمية، رغم إمكانية تأثير المشروع الجديد بشكل محدود.

ويعتقد عبد الغفار أن قناة السويس لن تتأثر بدورها الإستراتيجي، خاصة مع استمرار أعمال التطوير والتنمية في المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التجارة العالمیة المشروع الجدید قناة السویس رئیس ا

إقرأ أيضاً:

رغم أزمة البحر الأحمر..رئيس قناة السويس: لابديل مستداماً للقناة

شدد رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع الأربعاء، على أن أزمة البحر الأحمر لم تخلق طريقاً مستداماً بديلاً لقناة السويس.

وذكر ربيع أن أزمة البحر الأحمر "أثبتت أهمية القناة لاستدامة واستقرار سلاسل الإمداد العالمية".
وهاجمت ميليشيا الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران سفناً في البحر الأحمر تضامناً مع الفلسطينيين في غزة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ما أدى إلى اضطراب الممرات الملاحية العالمية، وإجبار الشركات على تحويل مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الأطول حول إفريقيا. هل تؤثر هجمات البحر الأحمر على مشروع ازدواج قناة السويس؟ - موقع 24بعد إعلان رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع إجراء دراسة لمشروع الإزدواج الكامل للمجرى الملاحي للقناة، والانتهاء منه خلال 16 شهراً، أكد اقتصاديون أنه من الضروري وضع ما يحدث في البحر الأحمر في الاعتبار خلال إجراء دراسات الجدوى، وتأثير ذلك على حركة الملاحة.

 وأضاف ربيع في تصريحات في القاهرة "أدى اتخاذ العديد من الخطوط الملاحية لطريق رأس الرجاء الصالح إلى ارتفاع نوالين الشحن، وزيادة التكاليف التشغيلية، وقيم التأمين البحري، فضلاً عن زيادة مدة الرحلات، وزيادة استهلاك الوقود وارتفاع مستوى الانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة البحرية".
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ديسمبر (كانون الأول) إن اضطراب الممرات الملاحية كلف مصر نحو7 مليارات دولار بعد تراجع عائدات قناة السويس في 2024،  وأوضح السيسي أن ذلك يمثل انخفاضاً يفوق بـ 60% عن عائدات القناة قبل عام.

مقالات مشابهة

  • العبقرية الاستراتيجية لفكر الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة قضية تهجير سكان قطاع غزة ومخططات الشرق الأوسط الجديد
  • صحيفة تؤكد تضاعف حجم التجارة بين الهند وروسيا عبر ممر شمال – جنوب
  • رئيس هيئة قناة السويس: أزمة البحر الأحمر أكدت أن لا بديل للقناة
  • رغم أزمة البحر الأحمر..رئيس قناة السويس: لابديل مستداماً للقناة
  • مبعوث فرنسا الاقتصادي: الممر الهندي لن يكون منافسا لقناة السويس
  • "الممر الاقتصادي".. خطة أمريكية إسرائيلية لمواجهة طريق الحرير الصيني
  • أسامة ربيع: قناة السويس ركيزة أساسية في النقل البحري.. ولا بديل مستدام لها
  • الخلل القاتل في الشرق الأوسط الجديد
  • ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا .. مباحثات مصرية - فرنسية حول النقل والاتصالات