كيف تُثير «صدمات ترامب» الفوضى في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
منذ دخوله البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) 2025، والرئيس دونالد ترامب يُوقِّع كل يوم عشرات الأوامر التنفيذية، ويُطلق العديد من التصريحات الإعلامية التي تُثير الجدل وتُشعل الخلافات والصراعات في الداخل الأمريكي ومع الدول الأخرى.
ويتعارض كثير من هذه التصريحات بشكل صريح مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وتقاليد السياسة الخارجية الأمريكية.
ولا يُعد ترامب رئيساً عادياً، وإنما له أفكاره وخططه الصادمة التي تبعث على الدهشة والمفاجأة والالتباس. فهي عادةً أفكار عامة تشير إلى هدف دون توضيح كيفية وطريقة تنفيذه، ولا تستند إلى أُسس قانونية أو واقعية، ويتغير محتواها وتفاصيلها من تصريح لآخر، ويُكررها بعبارات واثقة من وقت لآخر؛ مما يؤدى إلى إشاعة مناخ الغموض والريبة وعدم الثقة. وتُمثل هذه التصريحات نوعاً من «المغامرة المحسوبة»، التي تُوجِد مناخاً من «الفوضى المنظمة» التي يتصور ترامب أنه يستطيع تحقيق أهدافه في سياقها، وإبرام الصفقات التي يريدها. تهجير الفلسطينيين
لعل أول قضية في هذا الشأن هي ما سماه ترامب «نقل» الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، واختلفت تصريحاته ما بين أنه «نقل» مؤقت لحين إعادة تعمير غزة، أو الإبعاد النهائي والدائم لهم عنها. كما اختلفت ما بين أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تُسيطر على غزة، أو أنها سوف تشتريها أو أنها سوف تمتلكها دون توضيح كيفية هذا الامتلاك. واختلفت أيضاً ما بين أنه «ليس في عجلة من أمره»، وإعادة طرح الموضوع بقوة في المؤتمر الصحفي الذي سبق اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وتأكيده أنه ملتزم بفكرته وعازم على تنفيذها وبقدرته على إقناع الدول العربية ذات الصلة بها. وأضاف ترامب أيضاً أنه قد يُعطى مناطق من غزة لدول أخرى للمساهمة في عملية البناء، وأنه يتواصل مع عدد من الدول لنقل الفلسطينيين إليها ليعيشوا في أمن ولا يتعرضوا للقتل، حسب تعبيره.
ويستخدم ترامب تعبيراً دبلوماسياً وهو «نقل»، الذي يعني في الواقع تهجير الفلسطينيين خارج بلادهم. وينظر ترامب إلى غزة من منظور المُطور العقاري، الذي وجد فيها منطقة تحتل موقعاً متميزاً على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فرسم لها صورة ساحرة جذابة تقارب الريفييرا الفرنسية.
والمشكلة في هذه الفكرة أن الفلسطينيين لا يرغبون في مغادرة ديارهم، ويعرفون أن من يغادر أرضه لا يعود إليها، وأن الدول العربية ترفض قبول التهجير إليها لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية. وثمة أسئلة بديهية لا يُجيب عليها ترامب، فكيف سوف تمتلك الولايات المتحدة أو تُسيطر على غزة؟ ومن سوف يتحمل نفقات إعادة التعمير في ضوء أنه لن يستخدم الموازنة الأمريكية لهذا الغرض ورفض الدول العربية المشاركة في تنفيذ خطته؟ ومن سوف يُجبر الفلسطينيين على الرحيل وكيف؟
والفكرة لها مخاطرها السياسية والأمنية، وتأثيراتها السلبية في العلاقات العربية الأمريكية، وفي الاستقرار بالشرق الأوسط، ويُمثل طرحها تهديداً لتنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وتُهدد بعودة القتال مرة أخرى واشتعال العنف في المنطقة. ثم إن مصر والأردن ترفضان التعاون في تنفيذ هذه الفكرة. ومعنى ذلك أنه سوف يكون على واشنطن أن تُمارس الضغوط السياسية والاقتصادية على الدولتين، كما هدد ترامب بالفعل؛ وهو ما سوف يؤدى إلى توتر العلاقات الثنائية معهما ويؤثر في المصالح الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
ويؤكد ذلك أن مجمل الدول العربية، وهم من شركاء وأصدقاء واشنطن، يرفضون فكرة التهجير، وأوضحوا مواقفهم في البيانات التي أصدروها. وانعقد مؤتمر لوزراء خارجية دول مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، بمشاركة ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لجامعة الدول العربية، في أول فبراير (شباط) الجاري، والذي رفض بيانه الأفكار المتعلقة بتهجير الفلسطينيين، مؤكداً أن الحل هو إقامة دولة فلسطينية على الأراضى المُحتلة في يونيو 1967، وبعث وزراء خارجية الدول الخمس بخطاب إلى وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تضمَّن تلك المعاني. وبدأت الاتصالات لعقد مؤتمر قمة مُصغر في الرياض يعقبه مؤتمر قمة عربية طارئة في القاهرة يوم 27 فبراير الجاري.
أدت تصريحات ترامب ومواقفه من قضايا الشرق الأوسط، منذ توليه منصبه، إلى حالة من عدم الاستقرار، تمثلت فيما يلي:
1- تصاعد التوتر في العلاقة بين إسرائيل والدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها، خصوصاً بعد انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتانياهو، موقف السعودية، وزعمه أنها إذا كانت حريصة على إقامة دولة فلسطينية فيمكنها أن تفعل ذلك داخل أراضيها الشاسعة. وهي التصريحات التي وصفها بيان وزارة الخارجية المصرية «بغير المسؤولة» و«المستهترة» و«المنفلتة» و«المتهورة»، وأنها «مرفوضة جملة وتفصيلاً»، ووصفها بيان دولة الإمارات بـ«المستفزة» و«غير المقبولة»، مؤكداً رفض الدولة القاطع لها. وفي نفس الاتجاه، صدرت بيانات مماثلة من الأردن والبحرين والمغرب والسودان.
2- توقف محاولات ترامب إقناع دول عربية أخرى بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وأبرزها السعودية، وهي المحاولات التي استمرت خلال إدارة الرئيس السابق بايدن، وأراد ترامب أن يُعطيها دفعة جديدة. فقد ربطت المملكة موقفها بموافقة إسرائيل على حل الدولتين، وأكد بيان وزارة الخارجية السعودية في 5 فبراير الجاري أن المملكة لن تُقيم علاقات مع إسرائيل دون موافقتها على إقامة دولة فلسطينية.
3- دعم أفكار ترامب الجناح اليميني المتطرف في إسرائيل، وفتح شهيته لمزيد من التوسع وضم الضفة الغربية، وخاصةً بعد تصريحاته المتعلقة بصغر مساحة إسرائيل. وظهر ذلك في لقاء ترامب مع نتانياهو في واشنطن يوم 4 فبراير الجاري، والدعم السياسي والعسكري الذي وفره لإسرائيل. ومن أمثلته، رفع القيود التي فرضتها إدارة بايدن على بيع بعض الأنواع المتقدمة من الأسلحة والذخائر، فأقر ترامب صفقة أسلحة جديدة بقيمة 7.4 مليار دولار، تشمل قنبلة (GBU-43/B) التي تزن الواحدة منها 11 طناً، ولها قوة تفجيرية هائلة، وتُعد من أقوى الأسلحة غير النووية والمخصصة لتدمير المخابئ والتحصينات العميقة تحت الأرض، والتي يُمكن أن تستخدمها إسرائيل في ضرب المواقع النووية والصاروخية في إيران.
وكان من شأن هذا الدعم الأمريكي، ازدياد شعور نتانياهو بالقوة، كما كشفت عن ذلك تصريحاته عن انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية بعد 7 أكتوبر، وادعاؤه أن السلام يتحقق من خلال القوة، وأنه عندما تُكمل إسرائيل القضاء على «المحور الإيراني»، حسب تعبيره، فإن ذلك سيُمهد للاتفاق مع السعودية ودول أخرى. وتوسع نتانياهو في توجيه التُّهم لدول عربية، مثل السعودية كما ورد، ومصر التي اتهمها بأنها «تحافظ على أهالى غزة في سجن كبير وترفض السماح لهم بالخروج»، على حد زعمه، وهو ما استدعى رداً مصرياً قوياً استهجن هذه التصريحات، متهمة إياها بأنها محاولة للتضليل المتعمد لإخفاء ما قامت به إسرائيل من تدمير قطاع غزة.
4- تفاقم الأزمة الممتدة بين ترامب وإيران، فقد اتخذ الرئيس الأمريكي موقفاً جمع فيه بين الوعد والوعيد. ففي يوم 4 فبراير الجاري، وقّع ترامب مذكرة رئاسية بإعادة فرض «العقوبات القصوى» على طهران بسبب جهودها في تطوير السلاح النووي، والتي تضمنت إلغاء الإعفاء الممنوح إلى العراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وعدم تمكين طهران من استخدام النظام المالي العراقي للتهرب من العقوبات، وعدم استخدام موانئ دول الخليج كنقاط شحن لصادراتها. وصرح ترامب بأن الولايات المتحدة تمتلك الحق في منع إيران من بيع النفط إلى الدول الأخرى بما فيها الصين، ودفع صادراتها من النفط إلى «الصفر». وحذر من أنه إذا حاولت إيران اغتياله «فسوف نقضي عليها»، وأضاف أنه يأمل في عدم اتخاذ القرار بتنفيذ هذه المذكرة وأنه يسعى للوصول إلى اتفاق مع إيران.
ثم كرر ترامب تهديده مرة أخرى في 6 فبراير الجاري، مشيراً إلى أنه وضع خطة محكمة لمحو إيران في حال تعرضه للاغتيال. وفي تصريح آخر، قال إنه يفضل الاتفاق مع إيران بدلاً من قصفها، مضيفاً أن إسرائيل لن تقوم بتوجيه ضربة ضد إيران إذا تم الوصول إلى اتفاق مع واشنطن.
من جانبها، فهمت طهران أن ما يقصده ترامب هو «التفاوض من موقع القوة وتحت تهديد الضغوط الاقتصادية والسلاح». وكان رد المرشد الأعلى الإيرانى، علي خامنئي، في 7 فبراير الجاري، بأن المفاوضات مع واشنطن ليست أسلوباً ذكياً ولا حكيماً ولا شريفاً، وأن مشكلات إيران لن تُحل بالتفاوض مع ترامب، وذلك من واقع خبرة التعامل معه وقراره بالانسحاب من الاتفاق النووى الإيراني في مايو 2018. وبعدها بثلاثة أيام، صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بأن دعوة ترامب غير صادقة، كما أكد وزير خارجيته عباس عراقجي أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط والتهديد باستخدام القوة، وأن هدف واشنطن هو «التفاوض على الاستسلام».
ولم تكتف إيران بإعلان المواقف والتصريحات السياسية، وإنما بعثت برسائل أخرى. ففي 2 فبراير الجاري، كشفت طهران عن صاروخ «اعتماد» الذي يصل مداه إلى 1700 كيلومتر، ويُمثل أحدث صواريخها البالستية بعيدة المدى، وعن قاعدة للصواريخ المضادة للسفن تحت الأرض، وتقدمها في مجال الأقمار الاصطناعية. وفي 8 فبراير الجاري، استقبل المرشد الأعلى وفداً من حركة حماس قدم له التهنئة بمناسبة ذكرى قيام الثورة الإيرانية.
5- عدم استقرار أسعار النفط، في ضوء دعوة ترامب للسعودية ودول منظمة «أوبك» إلى زيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره. ففي خطابه الذي ألقاه عبر الإنترنت أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يوم 23 يناير الماضي، طالب ترامب بخفض أسعار النفط وأنه إذا حدث ذلك فستنتهي حرب أوكرانيا. وكان تعليق وزير الاقتصاد السعودي في نفس المؤتمر أن هدف المملكة و«أوبك» هو استقرار سوق النفط على المدى الطويل. ويبدو أن سياسات ترامب أدت إلى عكس ما يهدف إليه، فقد كان من شأن قراره في 10 فبراير الجاري بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، ارتفاع أسعار النفط.
6- إثارة التوتر وعدم اليقين في قضايا إقليمية أخرى، ومنها تصريح ترامب في 30 يناير الماضى أنه يدرس استمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا ويعتزم اتخاذ قرار بشأنها قريباً. ومنها أيضاً، تصريحات نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في بيروت التي دعت إلى عدم مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية؛ مما دفع الرئاسة اللبنانية إلى إصدار بيان نأت فيه بنفسها عن هذه التصريحات. هذا فضلاً عن توجيه ترامب لوزارة الخارجية الأمريكية بتعليق جميع المساعدات التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى الدول النامية، وقد تأثر بذلك آلاف الطلاب ومئات الجمعيات الأهلية.
ختاماً، يمكن القول إن الصورة التي يرسمها هذا المشهد للشرق الأوسط قلقة ومليئة بالأخطار والتوترات السياسية واحتمالات الفوضى والصراع المُسلح. وكثير منها سابق على وصول ترامب إلى الحكم، لكن أفكاره الصادمة وتصريحاته الاستفزازية رفعت درجة سخونتها، وبعضها من صنعه كتلك المُتعلقة بتهجير الفلسطينيين، وتحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، على حد وصفه. والنتيجة شيوع مناخ عدم اليقين والشك وانتشار الفوضى، بحيث يُمكن القول إن الشرق الأوسط يعيش فوق صفيح ساخن.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل الولایات المتحدة هذه التصریحات فبرایر الجاری الدول العربیة الشرق الأوسط التی ت
إقرأ أيضاً:
WP: سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستواجه امتحانا خلال جولة روبيو
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن أهداف الرئيس الأمريكي ستواجه امتحانا كبيرا في جولة وزير خارجيته ماركو روبيو بمنطقة الشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة في تقرير لها ترجمته "عربي21" إنه في أول شهر له في منصبه، تضمنت وصفة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط الذي يواجه أزمة، رغبة في إبرام صفقات شاملة والابتعاد عن المواقف الأمريكية الراسخة مع جرعة من عدم القدرة على التنبؤ.
وشمل ذلك اقتراحات من الرئيس وكبار مساعديه بنقل الفلسطينيين بشكل دائم من قطاع غزة وإمكانية دعم إدارته ضم "إسرائيل" للضفة الغربية المحتلة، وأن الأشخاص الذين يعيشون في وطنهم ليس لديهم العودة إليها ولا الحق في تقرير المصير.
وتعلق الصحيفة أن صيغة ترامب تواجه اختبارا رئيسيا هذا الأسبوع، عندما يعقد وزير الخارجية ماركو روبيو محادثات مع زعماء المنطقة ويستكشف ما إذا كانت مواقفهم متوافقة مع هدفي ترامب المزدوجين للشرق الأوسط: إنهاء الصراع في غزة وإبرام اتفاق سلام بين "إسرائيل" والسعودية.
ويقول ديفيد شينكر الذي خدم في إدارة ترامب الأولى ما بين 2019 إلى عام 2021 إن ترامب أظهر ميلا للتعامل مع صفقات المنطقة بدون عواطف واستعدادا لقلب السياسة الأمريكية الراسخة. وفي حين لم تحقق هذه التكتيكات معاهدات السلام في الشرق الأوسط، إلا أنها أسفرت عن صفقات تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع البحرين والسودان والمغرب والإمارات العربية المتحدة.
وقالت الصحيفة إن أي فرص متاحة هذه المرة سوف تصبح أكثر وضوحا في الأسابيع المقبلة، حيث يختبر ترامب تسامح حلفائه العرب للاستسلام لرغباته بشأن مصير الفلسطينيين و"إسرائيل" التي تقترب من الموعد النهائي في الأول من آذار/ مارس لدخول مرحلة ثانية أكثر صعوبة من وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال شينكر عن ترامب: "إنه طموح للغاية من حيث رغبته في إنهاء الحروب والتوصل إلى تسوية مؤقتة، إن لم يكن السلام في المنطقة. وفي الوقت نفسه ترى ميله إلى الاضطراب والمعاملات التجارية".
وكما حدث مع الحرب في أوكرانيا، أدت تحركات ترامب الأولى في الشرق الأوسط إلى زيادة التقلبات في وضع قابل للاشتعال بالفعل يشمل وقف إطلاق النار الهش في غزة وتصاعد العنف في الضفة الغربية وعدم الاستقرار في لبنان وسوريا.
واستنفذت الحرب المنطقة وبخاصة منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي ضد غزة ولبنان وسوريا واليمن إلى جانب مواجهات مباشرة بينها وإيران.
وكان ميل ترامب للتخريب واضحا من خلال اقتراحه تفريغ غزة من سكانها ونقلهم إلى الأردن ومصر وبدون ضمان حق العودة لهم، كما قال لـ"فوكس نيوز" واستخدام المساعدات الأمريكية لإقناع حلفائه مصر والأردن باستقبال المهجرين قسرا من غزة، وهو المفهوم الذي قوبل بمعارضة واسعة في العالم العربي.
وتأتي الخطة مماثلة لما قام به من خطوات كسرت القواعد المتعارف عليها في السياسة الخارجية أثناء ولايته الأولى والتي شملت نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وكلاهما يشكلان كسرا للمواقف الأمريكية الراسخة في عهد الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين.
وفي حين تضمنت خطة السلام التي كشف عنها ترامب في عام 2020 إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية وخسارة ثلث الأراضي الفلسطينية هناك، فقد عرضت أيضا على الفلسطينيين مسارا نحو إقامة الدولة. وفي النهاية، أعطى ترامب الأولوية للصفقات الرامية إلى تطبيع علاقات "إسرائيل" مع الدول العربية الأربع على محاولات تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية التي تحتلها "إسرائيل" منذ عام 1967.
وفي عودته الثانية للبيت الأبيض، عين ترامب مسؤولين تتوافق مواقفهم مع أراء المتطرفين القوميين الإسرائيليين وأعضاء الائتلاف الحاكم الذي يرأسه بنيامين نتنياهو، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وقالت إليز ستيفانيك، التي رشحها لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة تأكيد تعيينها، إن لـ"إسرائيل" "حقا توراتيا" في الضفة الغربية بأكملها، ورفضت تأكيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
وقال مايك هاكابي، حاكم أركنساس السابق والإنجيلي الذي اختاره لمنصب السفير الأمريكي لدى "إسرائيل"، إن الإدارة قد تدعم ضم الضفة الغربية. وأعرب وزير دفاعه بيت هيغسيث عن دعمه للسيطرة اليهودية على الحرم القدسي والذي يقف عليه المسجد الأقصى الآن.
وفي حين رفع ترامب العقوبات التي فرضها بايدن على مستوطني الضفة الغربية في أول يوم له في منصبه، إلا أنه توقف عن تأكيد الضم، قائلاً خلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض في وقت سابق من هذا الشهر إنه سيقول المزيد حول هذا الموضوع قريبا.
وتعكس مثل هذه الإجراءات ما قاله شينكر عن اصطفاف تدريجي للحزب الجمهوري مع اليمين الإسرائيلي، وموقف الحزبين الرئيسين المتناقض وبشكل متزايد من "إسرائيل".
وقد تسارع هذا الاتجاه خلال حرب غزة، حيث انتقد المشرعون الديمقراطيون معاملة "إسرائيل" للمدنيين وتوفير الرئيس جو بايدن الأسلحة لـ"إسرائيل".
وقد لقيت التحركات الأخيرة لترامب ترحيبا من أعضاء أقصى اليمين في إسرائيل مثل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الوزير السابق في حكومة نتنياهو.
ورفض الفلسطينيون الخطة التي اقترحها ترامب لغزة والتي تصفها فارسين أغابكيان، وزيرة الدولة والمغتربين في وزارة الخارجية الفلسطينية بأنها "فظيعة"، وإن "مجرد سماع هذا الكلام من الولايات المتحدة، وهنا لا نتحدث عن أي دولة، تدعو إلى التهجير وتنظر إلينا باعتبارنا أشياء يمكن نقلها من مكان إلى آخر، وهو ما ينفي حقيقة مفادها أننا نحن الفلسطينيون نتمتع بقدرة كبيرة على الصمود"، وأضافت: "الآن يجب أن يفهم العالم أجمع أننا لن نتحرك".
وقال روبيو في مقابلة إذاعية، الخميس، إن إدارة ترامب ستنتظر لترى الخطة الخاصة بمستقبل غزة التي تسارع الدول العربية الآن إلى صياغتها كبديل لمقترح ترامب المذهل بتولي الولايات المتحدة ملكية القطاع المدمر وتطويره.
كما أشاد بالرئيس لإبقائه على وقف إطلاق النار في غزة سليما من خلال التهديد بأن "كل الجحيم ستنفتح" إذا تراجعت حماس عن إطلاق سراح الرهائن المقرر. وقال روبيو: "الكثير من هؤلاء الزعماء الأجانب معتادون على الدبلوماسية الأمريكية حيث تتحدث حول القضايا وتستخدم لغة منمقة وتقول حسنا هذا ما قد نفعله هذا ما نستطيع فعله، ترامب لا يعمل بهذه الطريقة. يقول هذا ما سأفعله ثم يفعله بالفعل. ثم هناك عامل الصدمة في هذه المرحلة، لكنه الشخص الوحيد في العالم الذي يمكنه أن يعمل كمحفز لبعض البنى في الشرق الأوسط التي تمنع موجات من الحرب لا نهاية".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن روبيو سيؤكد على "التفكير خارج الصندوق" في زيارته الافتتاحية للمنطقة، حيث من المتوقع أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (التقى نتنياهو الأحد) وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض.
وقال المتحدث باسم الوزارة: "لقد انتهى عصر الأفكار البالية، والحقيقة أن اقتراح الرئيس ترامب الآن هو الخيار الوحيد على الطاولة".
لكن الخبراء يحذرون من أن اقتراح ترامب بشأن غزة ودعمه لخطوات أخرى تحظى بشعبية لدى أقصى اليمين في "إسرائيل" قد تأتي بنتائج عكسية إذا جعلت من الصعب على السعودية الموافقة على صفقة مع "إسرائيل"، في ظل تزايد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية.
وفي حين قال المسؤولون الأمريكيون منذ فترة طويلة إن السعودية ستطلب نوعا من المسار إلى السلام كشرط مسبق لأي صفقة لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وهو ما قد يكون غامضا أو بعيد المنال، يبدو أن اقتراح ترامب بتهجيرالفلسطينيين من غزة، دفع القادة السعوديين إلى مضاعفة المطالب "غير القابلة للتفاوض" بحل الدولتين.
وقال عوفر شيلح، عضو الكنيست السابق والباحث في معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومي، إنه من المستبعد أن يقوم نتنياهو بإجراءات تؤدي إلى انسحاب أعضاء الائتلاف من حكومته وانهيارها. وقال شيلح: "إن الحكومة الإسرائيلية الحالية لن تتخذ أي خطوات من شأنها أن تعني إحراز تقدم في القضية الفلسطينية".
وقال الجنرال إسرائيل زيف، الذي شغل سابقا منصب رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي، إن اقتراح ترامب بشأن غزة والإجراءات الأخرى التي جذبت أقصى اليمين في "إسرائيل" قد تثبط عزيمة القادة الإسرائيليين عن تقديم التنازلات المطلوبة للتقدم بخيارات أكثر واقعية للسلام.
وقال زيف: "ربما يكون ترامب حسن النية، ولكن في الممارسة العملية فإن مثل هذه التحركات لا يمكن إلا أن تضر بالاتفاق لإعادة الأسرى إلى ديارهم. في الوقت الحالي، الأمر أشبه بفيل في متجر صيني. إنه لا يساعد، ونحن نشاهد كل شيء ينهار".
وعلى المدى القريب، سيتم اختبار نهج ترامب من خلال توقيت إطار وقف إطلاق النار في غزة، والذي تم التوصل إليه من خلال تعاون غير عادي بين مسؤولي إدارة بايدن وترامب، والذي من المقرر أن ينتقل إلى مرحلة ثانية أكثر صعوبة في الأول من آذار/ مارس.