انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح الحياة ببطء، وأصبح الكثير من المختصين ينادون بذلك.
هذا التوجه مناسب للذين يريدون حياة هادئةً ومستقرةً وبعيدةً عن التوتر والقلق .
إن الحياة ببطء، تجعلك تشعر بعظمة الأشياء، وتدرك معنى التفاصيل الصغيرة، وتستمتع باللحظة؛ لأن اللهاث المستمر يجعلك تشعر بالاضطراب وتفقد المتعة.
الحياة ببطء، لا تعني التراجع، أو التخلّي عن التكنولوجيا والتطور، إنما يقصد بذلك، ترك المشتِّتات الذهنية، التي تجعلك في حالة تسارع مستمر؛ والتخفيف من المتابعة المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة، وكذلك إعطاء نفسك وقتاً خالياً من الشاشات والجوالات.
كما أننا لا نقصد بالحياة ببطء التراخي في إنجاز المهمات، ولكن إنجازها بشكل أفضل، وإعطاء الوقت الكافي للعمل الجاد بدون إرهاق نفسي؛ وأن يكون لديك الوعي الكافي للإدراك وتمييز قيمك الحقيقة، وترتيب أهدافك بحيث تكون واعيا’ ومتأنياً .
إن نمط الحياة البطيء يحسن العلاقات الاجتماعية والصحة النفسية، ويعظم شعورنا بالوقت والأحداث اليومية.
وقد كانت الحياة البطيئة جزءاً من حركة مواجهة ضد مطعم (ماكدونالز) في روما قام بها كارلو بيتريني ومجموعة من الناشطين ليدافعوا عن التقاليد الغذائية الإقليمية، وتشجيع التمتع بالطعام الجيد الجودة، والإحساس بقيمة ذلك، كتناول طبق فاخر أو احتساء فنجان قهوه وتأمل بخارها المتصاعد بعبق البن وروح القهوة.
وقد ساعد كارل أونوريه، أحد أشهر المؤلفين والمتحدثين في مجال الحركة البطيئة، في إدخال مفهوم الحياة البطيئة في عام 2004م بنشر كتابه “في مديح البطء”. وبين كيف أن الأطعمة البطيئة حركة أوسع نطاقاً للحياة البطيئة مع المناداة في تطبيق “البطء” في مجالات أخرى من الحياة بما في ذلك العمل، وتربية الأطفال والترفيه .
ولعل الإيطاليين هم من أكثر الشعوب تقديراً للحظات الباذخة، وهم على النقيض تماماً من الشعب الأمريكي الذي ابتكر نمط الحياة السريعة في كل شيء ابتداءً من الوجبات السريعة والبلاك كوفي التي تشرب على عجل، ونمط الحياة اليومية من العمل الجاد والمرهق حتى بات الإنسان أشبه بالآلة. ولنستطيع دمج الحياة البطيئة في حياتنا، لابدّ من تعلُّم بعض الفلسفات اليومية، كتقليل المهام، وتحديد الأولويات، وعدم السعي وراء الكمال المطلق ، وأيضاً تعلُّم بعض طرق الاسترخاء، والتقليل من التوتر، وزيادة الوقت للرعاية الذاتية، والاهتمام بالنفس، كل ذلك سيجعلنا نشعر براحة أكبر؛ ونستمتع بنمط الحياة غير المتسارع؛ لندرك جمال كل شيء حولنا، كما قال محمود درويش : سيري ببطء ياحياة كي أراك.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
المال كل شيء في الحياة.. «بكم تبيع كبدك» ؟!
دار هذا الحوار بين شاب وحكيم: -
ادع لي شيخي أن يرزقني الله المال الوفير لأصبح غنيا ومن الأثرياء.
- أبشر يا بني. ولكن لما كل هذا الإلحاح على الغنى والمال؟
أريد أن أعيش في عز ورفاهية أريد أن أحيا سعيدا
- ولكن لما تربط بين المال والسعادة؟ فهل ترى كل الأغنياء سعداء؟
نعم يا شيخي أرى ذلك كما أرى سَوءات الفقر وتعاسة الفقراء فقد تذوقت طعم الفقر وجلب لي التعاسة والشقاء.
- إذن أنت ضامن سعادتك إذا حصلت على المال؟
نعم.. أعطني المال وسترى كم سأكون سعيدا، بالمال سأشتري كل شيء كل ما أحبه وتصبو إليه نفسي، سأملك الدنيا والكل سوف يكون في خدمتي وتحت إمرتي، حتما سأكون سعيدا.
- أخطأت يا بني فالسعادة قد لا يجلبها المال كما أنك لا تستطيع شراء كل شيء بالمال.
عفوا يا شيخي، هذا مجرد كلام يقوله الفقراء لإرضاء النفس وتعزيتها، أما الواقع فالمال هو كل شيء في الحياة به نشتري كل شيء فنحقق سعادتنا في الدنيا وحتى في الآخرة لمن أراد، أليس الغني أقدر على الإنفاق في سبيل الله من الفقير؟
- جانبك الصواب يا بني فالمال على أهميته العظيمة في الحياة إلا أنه ليس كل شيء وفي الغالب المال ليس ضامنا للسعادة حتى ولو كان قادرا على شراء كل متع الحياة. أما في الآخرة فالوضع مختلف تماما فيكفي أن تتأمل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قائلا اللهم احشرني في زمرة المساكين لتعرف قدر الفقراء الصالحين في الدار الآخرة. ومن ناحية أخرى قد تجد الفقراء سعداء أيضا في حياتهم الدنيا بصورة أو بأخرى فالغني والفقير له نصيبه من السعادة والشقاء ولتتأمل قول الشاعر حين قال:
أخي لا تمل بوجهك عني
ما أنا فحمةٌ ولا أنت فرقد
أنت في البردة الموشاةِ مثلي
في كسائي الرديم تشقى وتسعد
نعم يا شيخي ولكن هل تستوي سعادة الغني مع سعادة الفقير. أنظر إلى الغني وهو سعيد كم سيحصل من المتع؟ كم سينفق على حفلته وضيوفه؟ كم سيكلف ليلة عُرس ابنه؟ ماذا سيأكل؟ ماذا سيشرب؟ ماذا سيرتدي؟ أما الفقير فقد يسعد نعم ولكن بلا حول ولا قوة فماذا تظنه فاعلا وليس بيده مال يضاعف به سعادته؟
- السعادة شيء نسبي يا بني وليست بالكمية والعدد بل هي قيمة وإحساس وشعور فقد تتضاعف سعادة الفقير بشيء قليل وتزيد عن سعادة الغني بالشيء الكثير وكثير من شواهد الحياة تدل على ذلك.
كل الشواهد يا شيخي تؤيد رأيي بأن السعادة أساسها الغنى ووفرة المال والكل يرى ذلك غنيا كان أو فقيرا فليس هناك غني يتمنى أن يكون فقيرا في حين أن كل الفقراء يتمنون أن يصحبوا من الأثرياء.
- نصف كلامك حق يا بني فالكل يتمنى الثراء ويسعى إليه ويكره الفقر وهذه طبيعة الأمور وهذا مطلوب لإعمار الدنيا ولكن ليس كل الشواهد تقول بأن الأغنياء هم الأكثر سعادة فلو طالعنا مثلا إحصائيات المنتحرين في العالم لوجدنا أن أغلبهم من الأغنياء بل من شديدي الثراء. وسأضرب لك مثلا بشاب ربيب أسرة من أثرى الأثرياء توفت أمه حين ولادته وكان أبوه غليظ القلب خشن المعاملة لم يتودد إليه كما يتودد الأب إلى ابنه ولو لمرة واحدة فنشأ الولد في بيئة يملأها المال والثراء ولكنها تخلو من أي نوع من الحب أو الحنان فكره الولد أباه وكل من حوله وانتهى به المطاف نزيلا في عنبر الخطرين في إحدى مستشفيات الطب النفسي. هنا حضر المال وضاع الحب فضاعت الحياة كلها.
تحدثني شيخي وكأن حياة الفقراء يملأها السرور وأنهم يتجرعون السعادة كؤوسا ولا يكتئبون من ضيق ذات اليد وانغلاق كل الأبواب أمامهم. كلا يا شيخي فأنت تعرف أن الفقر يترك ندبات وجروحا في النفس لا شفاء منها وغالبا ما يحرمهم من كل شيء حتى الابتسامة.
- ما رأيك إذن في رجل سعى إلى المال بكل الوسائل والحيل وكان في مقتبل حياته يقول ليتني أصبح مليونيرا مثل فلان فيقولون له ولكن فلان هذا مصاب بداء عضال في الكبد فأجابهم قائلا ليتني أصبح مليونيرا مثله حتى ولو أُصبت بنفس مرضه ومن عجائب القدر أن تُقبل الدنيا على هذا الرجل فيصبح من أغنى الأغنياء ولكن أصيب أيضا بنفس الداء في كبده وقد ندم أشد الندم على تلك الكلمات التي تفوه بها وأضحى يتمنى أن يجد من يأخذ كل ماله ويعطيه كبدًا سليما معافى.
نعم شيخي إن الصحة لا تقدر بثمن ولكن هذه حالة وليست بقاعدة فهل كل الأغنياء مرضى؟
وهل كل الفقراء أصحاء؟ بالطبع لا ونحن دائما ما نقارن بين الغني المريض والفقير السليم وهي مقارنة متحيزة جدا ولكن الأصح ومن باب الإنصاف الفكري أن نقارن بين الغني المريض والفقير المريض أيضا فالأول سوف يذهب إلى أمهر الأطباء وسيشتري أفضل الأدوية وسيكون احتمال شفائه أكبر من شفاء الفقير الذي ربما قد يفقد حياته لأنه لا يجد ثمن الدواء أو تكلفة عملية جراحية لازمة له.
- صدقت يا بني ولكن أين التأكد من ذلك فقد يشفى الفقير بأرخص الأدوية ولا يحظى الغني بالشفاء مهما أنفق على علاجه والشواهد من الحياة كثيرة تؤكد ذلك.
إذن شيخي أنت ترى أن السعادة ليست مرتبطة بالمال ولكن بالصحة والحب وراحة البال؟
- لا يا بني فكل هؤلاء ليسوا شرطا كافيا لتتحقق السعادة الحقيقية.
حيرتني شيخي! إذن أين هي السعادة؟
- تأمل معي يا بني حال التابعي العابد الصالح إبراهيم بن أدهم حين قال (لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف) وكذلك قول الإمام علي كرم الله وجهه (كل يوم لا يعصى الله فيه لنا فيه عيد) وكذلك قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن: إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو تأملنا كل ذلك سنُدرك هنا وهنا فقط معنى السعادة وشروط تحققها.