دمشق- تعرض حي جوبر في العاصمة السورية وبوابة دمشق إلى الغوطة الشرقية إلى دمار كبير وحصار مطبق بين عامي 2014 و2018 في أوج احتدام المعارك بين فصائل الثورة السورية وقوات نظام بشار الأسد المخلوع في المنطقة.

وقد لجأت الفصائل الثورية إلى تكتيكات تساعدها على الصمود والحفاظ على المكتسبات على بوابة دمشق الشرقية فأنشأت خطوط إمداد تحت شوارع ومباني حي جوبر تحولت خلال بضع سنوات إلى مدينة سرية تحت الأرض، إذ كان أي تحرك ظاهر مستهدفا من قبل قوات النظام بالقنص أو القصف.

ويشرح عبد الله الهواش نائب رئيس المجلس المحلي لحي جوبر للجزيرة نت كيف أن حفر الأنفاق في جوبر -وهي جبهة رئيسية- كان وليد الحاجة وأبقت المنطقة صامدة أمام القصف الوحشي المدمر لقوات النظام المخلوع دون أن تسقط عسكريا، بل أصبحت مقبرة للدبابات وكبدت قوات النظام خسائر فادحة عبر الكمائن التي نصبها الثوار باستخدام الأنفاق.

ومع تصاعد المعارك تحول من تبقى من أهالي حي جوبر إلى السكن في الأنفاق لحماية أنفسهم من قصف قوات النظام العنيف والعشوائي والمدمر حيث تحول الحي إلى مدينة أشباح.

طول شبكة أنفاق حي جوبر بلغ 27 كيلومترا (الجزيرة نت) شبكة أنفاق متصلة

ويتحدث الهواش للجزيرة نت عن شبكة أنفاق متصلة يبلغ طولها 27 كيلومترا أغلبها أنفاق مشاة داخل حي جوبر، إضافة لخندق رئيسي.

إعلان

وأشار المسؤول المحلي إلى وجود 3 أنفاق رئيسية كبيرة بطول مجموعه 10 كيلومترات تصل الغوطة بحي جوبر، حيث كان هناك نفق يربط الحي بمدينة زملكا المجاورة ونفقان قادمان من بلدة عين ترما على الضفة المقابلة.

وتسمح الأنفاق الرئيسية بمرور سيارات الإسعاف والإمداد التي تنقل العتاد العسكري والمقاتلين، وتحمل أيضا الغذاء.

ورغم أن الأنفاق بدأت بأدوات بسيطة وجهود سكان المنطقة من المهندسين، فإنها كانت تحفر بطريقة مدروسة وبأعماق تتراوح بين 5 أمتار وحتى 20 مترا في بعض المناطق ويتم تدعيمها، وفق عبد الله الهواش.

يتراوح طول الأنفاق الفردية -بحسب المسؤول المحلي- ما بين 150 مترا و300 متر، بينما يبلغ طول الأنفاق الرئيسية ما بين 1.5 كيلومتر و2.25 كيلومتر، أما عرض الأنفاق فيتراوح ما بين 4 إلى 6 أمتار وبارتفاع يبلغ نحو 3.5 أمتار.

وقد كانت هذه الأنفاق مخدومة بفتحات تهوية وبطاريات للإنارة، وفيها نقاط تقاطع وغرف تستخدم لتجمع المقاتلين وكنقاط مراقبة للصور القادمة للشاشات عبر كاميرات زرعت في عدة مناطق لمراقبة تحركات قوات النظام المخلوع أثناء محاولتها التقدم داخل الحي.

الأنفاق في حي جوبر حفرت تحت الأبنية والمنازل لتأمين عمليات التنقل (الجزيرة نت) إمدادات وكمائن

وعن استخدامات الأنفاق يوضح الهواش أن لها أبعادا مدنية وإنسانية وطبية وعسكرية، مشيرا إلى أنها كانت طرق التنقل لما تبقى من العائلات وحتى أصبحت مسار نقل الموتى للدفن.

وقد لجأ 10 آلاف مدني بين شهري فبراير/شباط ومارس/آذار عام 2018 إلى أقبية وأنفاق جوبر مع تصعيد النظام لقصفه وغاراته المكثفة على مناطق وبلدات الغوطة الشرقية، وفق المصدر نفسه.

كما تم استخدام الأنفاق كمائن، إذ إنه في عام 2017 شنت قوات النظام المخلوع حملة عنيفة وشرسة على حي جوبر والغوطة استمرت 6 أشهر تعرضت خلالها القوات المهاجمة إلى أكثر من 15 كمينا خصوصا أثناء محاولتها الالتفاف من بلدة عين ترما.

إعلان

وروى المسؤول المحلي كيف كان المقاتلون يشقون أنفاقا هجومية للوصول إلى دبابات النظام لتدميرها أو إعطابها حيث تتم مراقبة الدبابة التي كانت تتمركز في منطقة معينة بوقت محدد كل يوم لقصف الحي ثم يتم الحفر للوصول إلى المنطقة أسفل تمركزها ثم تفجيرها.

وبسبب الكمائن من الأنفاق والتضاريس لم تتمكن دبابات قوات النظام المخلوع من التقدم خلال تلك الفترة بل جرى تدمير رتل مكون من 6 دبابات، بحسب ما روى الهواش.

ووصف المقاتل "أبو عمر قدم" ما حدث في جوبر ببناء مدينة ثانية تحت الأرض فيها غرف مقرات ومستودعات، مشيرا إلى أن أنفاق المشاة كانت بين حارات الحي حيث يكون مدخل النفق من داخل المباني والمنازل وصولا إلى نقاط الالتقاء.

ويؤكد "أبو عمر قدم" الذي شارك في معارك جوبر منذ عام 2013 وحتى خروج المقاتلين من الحي باتفاق روسي عام 2018، أن "الأنفاق بعد الله سبحانه تعالى كانت سبب ثبات الناس والمقاتلين" في جوبر.

وما زالت أطلال الحي المدمر تروي لمن يمشي بين شوارعها وأزقتها قصة صمود أسطوري لمن حفروا بأيديهم ودمائهم نفقا طويلا للحرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات النظام المخلوع

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني صمود المقاومة استراتيجيا للمنطقة؟

المقاومة ستخوض جولة القتال الثالثة لأنها فُرضت عليها من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض المضي قدما نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في حين أن جيش الاحتلال والإسرائيليون يخوضون الحرب لأن نتنياهو أرادها للخروج من مأزقه السياسي الذي بلغ ذروته بتعثر إقرار الموازنة العامة، ورفض رئيس الشاباك رونين بار الإقالة -أسوة برئيس الأركان هرتسي هاليفي- ومن خلفه المستشارة القانونية غالي بهاراف ميارا التي أعلنت الحرب على نتنياهو برفضها تمرير قرار الإقالة دون اعتراض أو صخب.

الحماسة التي يبديها نتنياهو للعودة للحرب لا تظهر بالقدر نفسه عندما يتعلق الأمر بالشارع الإسرائيلي وجيش الاحتلال وجنوده من الاحتياط، فهم لا يرغبون خوض غمار الحرب من أجل نتنياهو وبقائه السياسي، فالحماسة للقتال أضعف بكثير مما كانت عليه بداية الحرب والعدوان على قطاع غزة قبل سبعة عشر شهرا، وهي العجلة التي يحاول نتنياهو إعادة صناعتها بحديثه، خلال لقائه يوم الأربعاء مجندين في قوة المستعربين الناشطة في الضفة الغربية، عن توسعة العمليات العسكرية في الضفة الغربية، ومن خلال تسويقه لعمليات نقل الجرحى الفلسطينيين من حاملي الجنسيات الأجنبية عبر مطار رامون بالقرب من ميناء أم الرشراش (ايلات)؛ على أنها أولى عمليات التهجير الناجحة للفلسطينيين.

المواجهة وتجدد القتال والعدوان على قطاع غزة لن يتوقف عند حدود القطاع والضفة الغربية أو اليمن والبحر الأحمر، بل سيمتد نحو العراق وإيران ككرة الثلج المتدحرجة في محاولة نتنياهو المتواصلة للهروب إلى الأمام، فالإقرار بالفشل ووقف الحرب سيعني نهاية الحياة السياسية لنتنياهو وهو خطر لا زال يلاحقه في كل خطوة يتخذها وطريق يختاره، وهنا يطرح السؤال: هل هذا هو السيناريو الوحيد المقبل للمنطقة ودولها؟

الجواب يكمن في ‏مآل مسار التفاعلات السياسية والاقتصادية الداخلية في الكيان الإسرائيلي، والتفاعلات الخارجية أيضا فيما بين الكيان وشركائه وحلفائه الدوليين وعلى رأسهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فالقصور الناجم عن ضعف الحماسة للحرب وأهدافها المتغيرة والمخاطر الناجمة عن اتساع نطاقها وصعوبة السيطرة على مخرجاتها ومدخلاتها، سيبقى المسألة الحاسمة اليوم والغد.

المواجهة أعادت حركة أنصار الله إلى الصدارة وإيران إلى الواجهة الإقليمية ومصر إلى الفعل الإقليمي بعد جولة التطبيع الايراهيمية الأخيرة، وسيرافقها تنامي الدور الإقليمي التركي خصوصا إذا امتدت الحرب إلى الأرضي السورية واللبنانية لأشهر طويلة، وهي معادلة لم تكن قائمة قبل أشهر قليلة. الكثير تغير وسيتغير في المنطقة على نحو يعيد رسم موازين القوة التي اعتقد البعض أنها اختلت لصالح الاحتلال، متناسين أن صمود المقاومة في قطاع غزة كان المبتدأ ولا زال الخبر والعنصر الفارق في المشهد الإقليمي، صمود هو مصدر القلق للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة كون المقاومة عصية على التطويع، ما يؤكد أن المقاومة كانت ولا زالت بصمودها اللاعب الأساسي والمؤثر القادر على تعويض حالة العجز والشلل العربي المزمنة.

ختاما.. مصير المنطقة يقرره إلى حد كبير قدرة الشعب الفلسطيني وحركة حماس على الصمود في وجه الماكينة العسكرية الإسرائيلية برفض الخضوع للإملاءات الأمريكية مرة تلو الأخرى، والتي إن نجحت في فرضها على الشعب الفلسطيني فإنها ستتمكن من رسم خارطة المنطقة وفقا للرؤية الإسرائيلية الممتدة من بحر قزوين والأسود وصولا إلى الحافة الغربية لنهر النيل.

x.com/hma36

مقالات مشابهة

  • صور.. اكتشاف كائنات دقيقة حفرت أنفاقًا في صخور قبل مليوني عام
  • مسير شموع في درعا تخليداً لشهداء أول مجزرة ارتكبها النظام البائد في بدايات الثورة
  • الحي الفرنسي في هانوي: متّسع للهدوء وسط صخب العاصمة الفيتنامية
  • علماء ألمان يكتشفون كائنات دقيقة حفرت أنفاقًا في صخور صحراوية قبل مليوني عام
  • أبو شمالة : اليمن هو النموذج الحي للأمة
  • ملعب العباسيين بدمشق.. بين واقع مؤلم أورثه النظام البائد وأمل منتظر بالعودة إلى الألق الرياضي
  • ‫ كانو هيخطفوا اولادي … سلاف فواخرجي تحكي قصة خروجها من سوريا
  • مواعيد عمل مترو الأنفاق خلال أيام عيد الفطر 2025
  • ماذا يعني صمود المقاومة استراتيجيا للمنطقة؟
  • اعتقال ضابط مقرب من سهيل الحسن ومرافقه في دمشق