سفاح المعمورة.. قصة الصدفة التي كشفت الملاك القاتل
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
سفاح المعمورة لم يكن مجرد قاتلا عاديا، بل كان وحشًا متخفيًا خلف قناع البراءة، يتجول بين الناس بابتسامة هادئة وملامح وديعة، يخدع ضحاياه بثقته ودماثة خلقه، حتى تأتي لحظة لا عودة فيها، لحظة يسقط فيها القناع ليكشف عن حقيقته المرعبة.
كيف استطاع هذا السفاح أن يخدع الجميع؟ كيف عاش بينهم دون أن يشك أحد في أنه يخفي تاريخًا دمويًا مرعبًا؟ وما الذي دفعه لارتكاب تلك الجرائم البشعة؟ في هذه القصة، نغوص في أعماق شخصيته، وكواليس الصدفة التي فضحته.
موضوعاتا متعلقة :غرفة الإعدام.. كيف تحول سفاح المعمورة من حامي القانون إلى قاتل متسلسل؟
استأجر 18 شقة.. مفاجأة مدوية في قضية سفاح المعمورة
كشفها حسابه على فيسبوك.. تفاصيل مثيرة في قضية سفاح المعمورة
رجل وامرأتين حتى الآن.. تفاصيل جرائم سفاح المعمورة
كان صباح السادس من فبراير 2025 مختلفًا في الإسكندرية، المدينة التي طالما تنفست عبق البحر وحملت بين أزقتها أصداء الحضارات والتاريخ. لكن ذلك اليوم لم يكن كغيره، فقد استيقظت المدينة على خبر صادم سيظل محفورًا في ذاكرتها لسنوات طويلة.
الكل بات يتحدث عن "سفاح المعمورة"، ذلك الرجل الذي بدا جزءًا طبيعيًا من المجتمع، بملابسه الأنيقة وحقيبته التي لا تفارقه، والتي لم تكن تحمل أوراق المحاماة فحسب، بل أيضًا أسرارًا أكثر ظلمة مما قد يتخيله أحد.
لم يكن أحد ليصدق أن نصر الدين السيد غازي، المحامي المشهود له بالكفاءة، البالغ من العمر 51 عامًا، والذي وقف مرارًا يدافع عن حقوق موكليه في ساحات القضاء، كان في الحقيقة يخفي بين طيات شخصيته وجهًا آخر.. وجهًا لا يعرف سوى القتل.
البداية كانت عندما تلقى قسم شرطة المنتزه بلاغًا من أحد السكان عن انبعاث روائح غريبة من شقة في الطابق الأرضي بأحد المباني القديمة، في البداية، ظن الجميع أنها مشكلة متعلقة بالمجاري، لكن عندما حضرت الشرطة، تكشفت الحقيقة المرعبة.
عند فتح الشقة، وجد رجال الأمن أنفسهم أمام مشهد مروع، جثث مدفونة في الأرضية بإحكام، ووسط الغرفة أكياس بلاستيكية سوداء، كان واضحا أنها تخفي خلفها سرا شنيعا، وبعد ساعات من الحفر، تم إخراج الجثث واحدة تلو الأخرى، وكانت الصدمة أن الجثث تعود لأشخاص مختلفين، جميعهم تم قتلهم بوحشية لا تتناسب مع مهنة القاتل.
المشتبه به كان واضحا منذ اللحظة الأولى: المستأجر الوحيد لتلك الشقة، المحامي نصر الدين السيد غازي، وعندما أُلقي القبض عليه، لم يحاول الإنكار طويلًا، بل اعترف بجرائمه، وكأنها لم تكن أكثر من مجرد تفاصيل قانونية يراجعها في قضية جديدة.
من هو سفاح المعمورة؟لم يكن نصر الدين مجرد قاتل عادي، بل كان شخصية معقدة، تتمتع بذكاء شديد وقدرة على التلاعب، وهو ما مكنه من خداع ضحاياه والتخفي لسنوات دون أن يثير أي شبهة.
ولد نصر الدين في محافظة كفر الشيخ، ودرس القانون في كلية الحقوق، حيث تخرج عام 1995 بتقدير جيد جدًا، بعد التخرج، عمل في المحاماة لسنوات، وسافر إلى الأردن والسعودية قبل أن يعود إلى مصر ليكمل مسيرته المهنية.
كان بارعا في الحديث، يستخدم لغة قانونية راقية، ويظهر أمام الناس كمحاي مدافع عن المظلومين، لكن خلف هذا القناع، كان يخطط لجرائم تقشعر لها الأبدان.
كيف استدرج سفاح المعمورة ضحاياه إلى مصيرهم المظلم؟- الزوجة العرفية.. من الحب إلى الموت
كانت الضحية الأولى زوجته بعقد عرفي، امرأة أحبته بصدق، لكنها لم تكن تعلم أن هذا الحب سيكون تذكرتها إلى العالم الآخر.
نشبت بينهما خلافات متكررة، لكنها لم تتخيل أبدا أن النهاية ستكون بهذه القسوة، ذات ليلة، قرر إنهاء حياتها، ضربها على رأسها حتى فقدت الوعي، ثم خنقها ببطء حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
ولم يكتفي بذلك، بل قام بتغليف الجثة في أكياس بلاستيكية، ودفنها في غرفة داخل شقته دون أن يرف له جفن.
موضوعات متعلقة:- موكلته السابقة
الضحية الثانية كانت موكلته، سيدة لجأت إليه في قضية قانونية، لكنها لم تكن تعلم أنها ستدخل في شبكة قاتل محترف.
نشب بينهما خلاف مالي بعد أن طلبت منه استرداد أموال دفعتها له دون أن يحصل لها على الحكم المطلوب، ولأنها أصرّت على استرداد حقوقها، قرر أن يلجأ إلى "حله الخاص"، فقام بقتلها ودفنها بنفس الطريقة البشعة.
- المهندس محمد إبراهيم.. لغز الاختفاء الذي دام 3 سنوات
أما الجريمة الثالثةلـ سفاح المعمورة ، فكانت أكثر تعقيجا محمد إبراهيم، مهندس اختفى منذ ثلاث سنوات في ظروف غامضة، لكن أحدًا لم يربط اختفائه بالمحامي.
التحقيقات كشفت أن نصر الدين استدرجه بحجة العمل في مشروع قانوني، ثم قتله ودفنه في شقة أخرى بمنطقة العصافرة. المثير أن شقيقته كانت تبحث عنه طوال هذه السنوات، غير مدركة أن القاتل كان يتابع منشوراتها على مواقع التواصل، وربما كان يبتسم بخبث كلما رأت توسلاتها للناس بمساعدتها في العثور عليه.
لم يكن نصر الدين يقتل بدفع الانتقام فقط، بل كانت لديه تركيبة نفسية معقدة، جعلته يرى في الجريمة حلاً سهلاً لكل مشاكله، لم يكن يسرق ضحاياه، بل كان يتلذذ بإخفاء آثارهم، وكأن السيطرة على الحياة والموت أصبحت لعبته الخاصة.
الغريب أن القاتل لم يكن بعيجا عن المجتمع، بل كان نشطا على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتب منشورات دينية، ينشر أدعية وعبارات عن الأخلاق، ويتحدث عن قواعد اللغة العربية والسياسة، كان يحاول أن يصنع لنفسه قناع يخفي حقيقته، لكن في النهاية، لم يستطيع الهروب من العدالة.
لحظة السقوط.. حينما تنتهي لعبة الخداعبعد كشف الجثث، ألقت قوات الأمن القبض عليه، وبدأت التحقيقات تأخذ منحى أكثر إثارة، المحامي الذي دافع عن آلاف القضايا، أصبح هو نفسه المتهم، يجلس خلف القضبان بانتظار حكم العدالة، لكن الصدمة الكبرى كانت عندما انسحب محاميه من الدفاع عنه، بعدما تأكد أن نصر الدين كان بكامل قواه العقلية عند ارتكاب الجرائم، مما يعني أنه سيواجه العقوبة القصوى.
هنا في الإسكندرية الناس لا يتحدثون عن شيء سوى هذا القاتل، وعيون أهالي الضحايا تملؤها الدموع والحسرة، ابنة المهندس محمد لا تزال تنظر إلى صورة والدها، وتتساءل: كيف يمكن لإنسان أن يكون بهذه القسوة؟
محامي المتهم يكشف التفاصيل الكاملةكشف أميران السيد عثمان، محامي المتهم نصر الدين غازي، الشهير إعلاميًا بـ"سفاح الإسكندرية"، أن موكله بدأ ممارسة مهنة المحاماة عام 2001، واستمر في مزاولتها حتى عام 2009، وهو العام الذي تم فيه حذفه من سجلات نقابة المحامين، وظل خارج السجلات حتى عام 2017، دون ممارسة رسمية للمهنة.
الاتهامات التي تواجه "سفاح الإسكندرية"وأوضح عثمان، خلال لقاء تلفزيوني في برنامج "صالة التحرير" مع الإعلامية فاتن عبد المعبود، أن النيابة العامة وجهت للمتهم تهمًا خطيرة، أبرزها:
جناية القتل مع سبق الإصرار والترصدجناية إخفاء الجثثجنحة السرقةعقوبة سفاح الإسكندريةوأشار إلى أن القانون ينص على عقوبة الإعدام في مثل هذه الجرائم، خاصة أن القضية تتعلق بقتل عدة أشخاص عمدًا وإخفاء آثار جرائمه بطرق احترافية.
اعترافات المتهم وموقفه القانونيوأكد عثمان أن المتهم أقر بقتل ضحيتين، لكنه نفى صلته بالجريمة الثالثة، زاعمًا أنه كان على علاقة بالضحية فقط، إلا أن تطورات القضية كشفت عن تفاصيل صادمة، حيث ذكر ملاك إحدى الشقق التي كان يستأجرها المتهم أنهم لاحظوا آثار حفر داخل الشقة عند استلامها، لكنهم لم يشتبهوا في الأمر، خاصة بعد أن أخبرهم أنه كان يقوم بأعمال سباكة وكهرباء.
العثور على جثة مدفونة على عمق 5 أمتاربعد تصاعد الشكوك، تقدم الملاك ببلاغ رسمي إلى النيابة، ما دفع الجهات الأمنية لفتح تحقيق عاجل. وبالفعل، بعد إجراء عمليات الحفر داخل الشقة، تم العثور على رفات الجثة الثالثة مدفونة على عمق 5 أمتار، وهو ما أكد الاشتباه في ضلوع المتهم في جريمة جديدة.
أضاف عثمان أن جهات التحقيق لا تزال تواصل تفتيش جميع الشقق التي استأجرها المتهم، والتي بلغ عددها 18 شقة حتى الآن، مع توقعات بارتفاع هذا العدد، خاصة بعد تلقي بلاغات عن شقق أخرى في كفر الدوار، بالإضافة إلى شقة يمتلكها المتهم في الحي السابع بالقاهرة، وثلاث شقق أخرى استأجرها داخل العاصمة.
تفاصيل اختيار المتهم للشقق التي استأجرهاأوضح المحامي أن معظم الشقق التي استأجرها المتهم كانت في الأدوار الأرضية، ما سهّل عليه تنفيذ جرائمه وإخفاء آثارها دون لفت الأنظار، إلا أن الجريمة التي ارتكبها بحق زوجته وقعت في الدور الثالث، ما يثير تساؤلات حول ظروف ارتكابها والطريقة التي أخفى بها الجريمة.
أدافع عن الشرعية الإجرائية فقطفي ختام حديثه، شدد عثمان على أنه لا يدافع عن المتهم بصفته محاميه، بل يدافع عن تطبيق الإجراءات القانونية الصحيحة، مؤكدًا أنه يقف مع الرأي العام في إدانة هذه الجرائم المروعة.
كما أشار إلى أن القانون يشترط حضور محام أثناء التحقيقات لضمان محاكمة عادلة، وهو ما يندرج ضمن مسؤولياته المهنية كعضو في لجنة الحقوق والحريات بنقابة المحامين.
نهاية غير قابلة للنسيانربما يواجه المحامي القاتل حكم الإعدام، وربما يحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن الأكيد أن اسمه سيظل محفورًا في ذاكرة المصريين لسنوات طويلة، لن يكون مجرد قاتل آخر، بل سيكون دائمًا ذلك الرجل الذي استغل مهنته لارتكاب أبشع الجرائم، ظانًّا أنه فوق القانون،ـ لكنه في النهاية، وقع في قبضة العدالة، ليؤكد أن الجريمة لا تدوم.. والقاتل دومًا يسقط، مهما طال الزمن.
الشخصية السيكوباتيةفي تحليل نفسي دقيق، أكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن القاتل الذي أرعب الجميع ليس مجرد مجرم عادي، بل هو مصاب باضطراب نفسي خطير يُعرف بـ "الشخصية السيكوباتية"، وهو نمط سلوكي يجعل صاحبه قادرًا على التلاعب بالآخرين ببراعة، دون أن يشعر بأي ذنب أو تأنيب ضمير.
ويوضح فرويز أن السفاح يمثل نموذجًا متقدمًا لما يُعرف بـ "السيكوباتي متصاعد النزعة"، وهو شخص شديد الذكاء، يتمتع ببرود أعصاب استثنائي، ويستخدم قناعًا زائفًا من التدين أو الأخلاق لاستدراج ضحاياه وبناء ثقة غير مبررة حوله، قبل أن ينقضّ عليهم دون أي رحمة.
وفقًا لفرويز، فإن الجريمة بهذا المستوى من الدهاء لا تنشأ من فراغ، بل هناك عدة عوامل تسهم في تشكيل شخصية السفاح، منها:
الجينات الوراثية التي قد تنقل بعض السمات العدوانية.التنشئة الاجتماعية التي تلعب دورًا محوريًا في بناء السلوك النفسي للفرد.التجارب الحياتية المبكرة، حيث يتعرض بعض الأطفال لظروف قاسية تخلق لديهم اضطرابات نفسية حادة.ويؤكد فرويز أن الطفولة هي العامل الأبرز في صياغة الميول الإجرامية لاحقًا، إذ تشير الدراسات إلى أن 80% من الأشخاص الذين يصبحون مجرمين خطيرين قد تعرضوا لنوع من الإساءة النفسية أو الاجتماعية في مراحلهم المبكرة.
قريبا في المحكمة، سيقف "سفاح المعمورة" خلف القضبان، ينظر حوله وكأن الأمر لا يعنيه كعادته الهادئه، لكن خلف هذا الهدوء، سيكون هناك رجلا أدرك أخيرا أن قناع البراءة قد سقط، وأن العدالة لن ترحمه
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: سفاح المعمورة المزيد سفاح المعمورة نصر الدین فی قضیة لم تکن دون أن بل کان لم یکن
إقرأ أيضاً:
كيف كشفت ملفات كينيدي مخبري وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؟
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه ولسنوات، وبينما كانت الحكومة الأمريكية ترفع السرية عن وثائق تتعلق - بعضها بشكل ضعيف للغاية - باغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي، ونشرتها، كان الافتراض الذي عبر عنه أصحاب نظريات المؤامرة وبعض المؤرخين هو أن أي شيء كان لا يزال محجوبا قد يكون ذا شأن.
وأضافت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أن هذا الافتراض دفع بعض حلفاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بمن فيهم ابن شقيق كينيدي، روبرت كينيدي الابن، الذي يشغل الآن منصب كبير مسؤولي الصحة في البلاد، إلى الضغط عليه للإفراج عن الدفعة الأخيرة من ملفات أرشيف كينيدي، معتقدين أنها قد تكشف عن أدلة دامغة: وهي أن كينيدي لم يُغتال على يد مسلح منفرد في دالاس.
ولكن مع نشر الأرشيف الوطني لما يقرب من 64,000 صفحة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، بما في ذلك بعض الصفحات التي تضمنت عمليات تحرير سابقة، يتضح أن هناك سببا آخر ربما كان وراء هذه السرية: حماية المصادر، بل والممارسات غير المقبولة أحيانا في عمليات الاستخبارات الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة أن الوثائق لا تزال قيد المراجعة، لذا قد تظهر حقائق مهمة في المستقبل، مع أن المؤرخين يعتبرون ذلك مستبعدا للغاية.
ولكن بناء على معيار واحد - مراجعة المواد المنشورة سابقا والتي لم تعد محررة - بدا القلق الحقيقي هو أن هذه الدفعة ستزود الصديق والعدو على حد سواء بأسماء عملاء ومخبري وكالة المخابرات المركزية الذين ما زالوا على قيد الحياة، وعمليات جمع المعلومات الاستخبارية الموجهة إلى الحلفاء، والعمليات السرية، وحتى ميزانيات وكالة المخابرات المركزية.
مثال على ذلك: ملفات تفصل كيفية جمع وكالة المخابرات المركزية للمعلومات السرية في كوبا. أحد الأمثلة يأتي من مذكرة استخباراتية رئاسية مؤرخة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963، في اليوم التالي لاغتيال كينيدي، ويفترض أنها كانت موجهة إلى الرئيس الجديد، ليندون جونسون.
كشفت نسخة نُشرت سابقا أن "مترجمين كوبيين يعملون الآن في العديد من مواقع صواريخ أرض-جو (سام) في الجزيرة". حجبت في النسخة العامة من الوثيقة، على الأقل حتى ليلة الثلاثاء، الكلمات التي توضح كيفية الحصول على تلك المعلومات: "في الأسبوع الماضي، اعترضنا رسائل عسكرية كوبية".
وفي مثال صارخ آخر، أبلغ آرثر شليزنجر الابن، أحد كبار مساعدي البيت الأبيض، كينيدي يوم تنصيبه عام 1961 أن "47% من المسؤولين السياسيين العاملين في سفارات الولايات المتحدة كانوا" ضباط استخبارات يعملون تحت غطاء دبلوماسي - أي جواسيس، بمعنى آخر.
كما أخبر شليزنجر الرئيس الجديد أن 123 موظفا من الوكالة مدرجين كـ"دبلوماسيين" هم في الواقع عملاء لوكالة المخابرات المركزية. (وهذا ليس جديدا لمن شاهد مسلسل "هوملاند"). لم تدرج هذه المعلومات في إصدارات الوثائق السابقة. كانت هذه المرة.
لطالما التزمت "سي آي إيه" بتكتم شديد بشأن عملياتها. وهذا أمر مفهوم، نظرا لطبيعة أعمال التجسس، ولكن أيضا لتاريخها الحافل بالممارسات المشكوك فيها أحيانا. ومن الأمثلة ذات الصلة غزو خليج الخنازير، وهو إنزال عسكري أمريكي فاشل في كوبا في عهد كينيدي، وفقا للتقرير.
وأشار التقرير إلى أن هذا قد يساعد في تفسير الطبيعة الفوضوية للكشف الأخير عن الوثائق. فقد نشرت أكوام من الوثائق غير المصنفة على دفعتين بعد أن أعلن ترامب فجأة يوم الاثنين أنه سيتم نشرها في اليوم التالي. ويشير كل ذلك إلى جهد أخير من جانب مجتمع الاستخبارات للحد مما ينشر للرأي العام.
ونقل تيموثي نفتالي، الأستاذ المساعد في جامعة كولومبيا والمدير السابق لمكتبة نيكسون الرئاسية، قوله "لم يكن التأخير بسبب الأدلة الدامغة التي من شأنها أن تساعدنا على فهم دور لي هارفي أوزوالد في الاغتيال، بل لأن هذه الوثائق احتوت على المصادر والأساليب".
وأضاف البروفيسور نفتالي، مستشهدا بأدلة في الوثائق على أن الولايات المتحدة كانت تعترض اتصالات حليف خلال سنوات كينيدي: "كنا نعترض رسائل من مصر. هذا لا علاقة له بمن قتل كينيدي".
وبحسب التقرير، فقد نجح مسؤولو الاستخبارات لعقود في حجب مثل هذه الكشوفات. هذه المرة، واجهوا قوتين.
الأولى هي أن الكثير من هذه المعلومات يعود تاريخها إلى 60 عاما. من الصعب أن نتصور كيف يمكن أن تكون الكشوفات التي تعود إلى هذا الزمن البعيد ضارة. معظم الأشخاص المذكورين إما متوفون أو متقاعدون، وقد أُعيدت كتابة الشفرات السرية منذ زمن طويل، وتغيرت التحالفات.
القوة الثانية هي ترامب، الذي دأب طوال حياته المهنية على تداول أسئلة حول ملابسات اغتيال كينيدي. من هذا المنظور، كانت هذه التفاصيل المضافة أضرارا جانبية. (وإن لم يكن ذلك تماما: فهي تُعزز، عند قراءتها بطريقة معينة، فكرة وجود نوع من الدولة العميقة، وهي نظرية أخرى تُحرك ترامب والعديد من مؤيديه).
وأوضحت الصحيفة أنه لا يزال هناك وثائق مفقودة وبعض المقاطع المحذوفة في الملفات التي نُشرت يوم الثلاثاء، مما يُشير إلى أن وكالات الاستخبارات تمكنت من إخفاء بعض الأمور.
لكننا نعلم الآن أن الولايات المتحدة كانت تعترض اتصالات سرية في ستينيات القرن الماضي من قِبل مجموعة من الدول. وقد أقرت الدولة الآن بعمليات سرية في اليونان وفنلندا والبرازيل وقبرص خلال أوائل الستينيات، حسب التقرير.
قال نفتالي: "بالنسبة لطلاب الشؤون الدولية، لدينا الآن أدلة على اعتراضهم وقراءة الاتصالات الرسمية لإندونيسيا ومصر خلال عهد كينيدي"، مضيفا "بالنسبة لهواة اغتيال جون كينيدي، كل هذا مجرد كلام فارغ".