اليمن والموقف الحازم: تحديات المنطقة في ظل التهديدات الأمريكية والإسرائيلية
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
بعد قرابة شهر من الهدوء النسبي، لا تزال المنطقة تتأرجح على شفا انفجار كبير قد يغيّر مجريات الأحداث، وذلك بسبب عدم حسم كثير من الملفات، والسقوف العالية والضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تهدف إلى فرض حلول أحادية لصالح العدو الإسرائيلي، على حساب سيادة الدول العربية وحقوق الشعوب وتطلعاتها، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، يهدد ترامب مجدداً باتخاذ “موقف صارم بشأن قطاع غزة السبت”، ويقول إنه “غير متأكد مما ستفعله إسرائيل”. ويأتي هذا التهديد بعد تعهد الوسطاء لوفد حماس إلى القاهرة بتجاوز العقبات، والضغط على العدو لتنفيذ التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وما ترتب عليه من إعلان المقاومة تراجعها عن قرار تأجيل الإفراج عن الأسرى الصهاينة.
تصريحات ترامب الأخيرة تأتي في سياق التهديدات المتكررة، خصوصاً من الرئيس ترامب، بتوسيع نطاق الصراع، وفرض خطط الضم والتهجير القسري على الشعب الفلسطيني، وهو ما يهدد بنسف كل الاتفاقات الموقعة، ونسف جهود ومساعي الدول العربية الوسيطة (إذا افترضنا حسن النية) لمحاولة احتواء الموقف. لكن ما سرب عن الخطة المصرية المدعومة سعودياً وإماراتياً ليس مبشراً، وإن تضمّنت تلك الخطة إعادة إعمار غزة وعدم تهجير أهلها، لكن فكرة إلغاء حماس من المشهد في غزة مرفوضة وغير منطقية ولا واقعية، كما لا يجوز أن تتبنى دول عربية مثل هذه الطروحات.
أمام الوضع والتحديات الراهنة، تبرز التظاهرات والتصريحات اليمنية من مختلف المستويات، لتعكس موقفاً حازماً في التصدي لمخططات التهجير والضم والإلغاء والشطب لأي من حركات المقاومة، وترفض بشكل قاطع أي انتهاك لحقوق الفلسطينيين ووجودهم.
في إطار التصعيد الأخير، قررت المقاومة الفلسطينية الإفراج عن الأسرى الصهاينة، بعد أن قدم الوسطاء تعهدات بتجاوز العقبات الصهيونية، ومهددات الاتفاق من دون تلكؤ ولا مماطلة. لا يبدو العدو جاداً في تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وسلس، كما أن الموقف الأمريكي متناقض بشكل صارخ، ففيما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدّعي أنه هو الوسيط الذي يعمل من أجل تحقيق السلام في المنطقة، ويعطي لنفسه الفضل في وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، فإن تصريحاته الأخيرة بخصوص تهجير سكان غزة لا تهدد الاتفاق فحسب، بل تهدد بإشعال حرب جديدة وواسعة في المنطقة، خصوصاً أنه لم يُظهِر تراجعاً عن خطته المرفوضة فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً، تلك الخطة التي تشمل تهجير سكان غزة وضم الضفة الغربية إلى كيان العدو الإسرائيلي، وتهدف إلى تمرير خطة أحادية الجانب تتجاهل الحقوق الفلسطينية، وتدعم النبوءات التلمودية في توسيع المغتصبات وضم الأراضي الفلسطينية بالقوة. وإن قرر تأجيل خطة التهجير أو حصل على مكاسب مرحلية للعدو، كما تسرب عن الخطة (المصرية _ العربية)، ذات النكهة الأمريكية، فإن مخطط ضم الضفة وما تشهده من أكبر عملية تهجير، يمثل عامل تفجير إضافياً، فالمقاومة الفلسطينية لن تسكت كما أن جبهات الإسناد، وخصوصاً اليمن، لن ترضى بتمرير ذلك، ما قد يدفع نحو تفجير الوضع من جديد.
وعلى المقلب الآخر، لا يزال المشهد في جنوب لبنان ضبابياً بخصوص استحقاق الثامن عشر من شباط/فبراير وانسحاب قوات العدو الإسرائيلي المحتل، رغم الرفض اللبناني الرسمي والشعبي المعلن لأي تمديد إضافي، ورغم تقديم الفرنسي سلماً للنزول الإسرائيلي من على الشجرة، وتسريع انسحابه من النقاط المتبقية جنوب لبنان.
الموقف الأمريكي يمثّل الوجه الآخر للصهيونية، رغم ادعاء ترامب “الحرص على السلام”، فإن الواقع يفضح هذا الادعاء الزائف ويكشف خطواته المتناقضة تماماً، إذ يقدم الدعم العسكري والسياسي والمالي للمجرمين الصهاينة، ويتبنى طروحاتهم ومشاريعهم التلمودية ويضغط على الدول العربية، مثل مصر والأردن، لتكون جزءاً من هذه المخططات تحت طائلة التهديد بقطع الدعم المالي عنها إذا رفضت إملاءاته وخططه الرعناء. وهذا يكشف نية عدوانية استعلائية حقيقية لتوسيع نطاق الهيمنة الإسرائيلية في المنطقة.
الموقف اليمني: موقف حازم ورؤية استراتيجية
في ظل هذا التصعيد، يأتي الموقف اليمني بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ليشكل رداً قوياً ضد تلك المخططات، إذ أعلن السيد عبد الملك، قبل أيام، بوضوح استعداد اليمن للتدخل العسكري، إذا ما تم تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين بالقوة، أو نكث العدو بالاتفاق وعاد إلى التصعيد مجدداً في غزة أو لبنان. المواقف التي يعلنها السيد عبد الملك ليست مجرد حرب نفسية وتهديدات جوفاء، بل تأتي في إطار التنسيق المستمر مع فصائل المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة، والتشديد على موقف ثابت لا يتغير في مواجهة أي محاولات لفرض حلول أحادية تتجاهل حقوق الشعوب.
في هذا السياق، يمكن فهم الموقف اليمني أنه موجّه ليس فقط ضد العدو الإسرائيلي، بل ضد المنظومة السياسية الأمريكية التي تدير اللعبة بشكل أحادي. ويدرك السيد عبد الملك تماماً أن الاستمرار في تجاهل حقوق الفلسطينيين سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، وهذا ما يسعى اليمن إلى تفاديه عبر تأكيد جاهزية اليمن للمشاركة في أي مواجهة عسكرية مقبلة، إذا تطلب الأمر.
التحديات أمام الحلول السياسية
في الوقت الذي تزداد فيه التهديدات من الولايات المتحدة و”إسرائيل”، تظل القضية الفلسطينية في دائرة الضوء. وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة موقفها الثابت في عدم التنازل عن أي من حقوقها، فعلى الرغم من الضغوط والتهديدات الأمريكية، لا يزال الموقف الفلسطيني راسخاً في رفض التنازل عن أي من عناصر القوة، وهو ما يعكس روح التحدي والصمود في مواجهة التهديدات. فيما يظل السؤال الأهم: هل سيصمد الموقف العربي، هل سيعلن (لا) عريضة في وجه ترامب؟ وهل ستنجح الجهود الدولية في إلزام العدو الإسرائيلي بتنفيذ تعهداته في اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان؟ الأيام والليالي والميدان كفيلة بالإجابة عن كل هذه التساؤلات.
وإلى ذلكم الحين، يبقى الموقف اليمن على قدر كبير من الأهمية والمسؤولية في آن معاً، فهو يمثل صوتاً قوياً ونقطة فاصلة، في وجه مخططات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، ويؤكد ضرورة وحدة الموقف العربي الإسلامي والتمسك بحقوق الشعوب في مواجهة الاعتداءات والتجاوزات، وإلا ستكون المنطقة أمام مشكلة لا تهدد فلسطين وحدها، بل تشكل تهديداً وجودياً للجميع.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: توغلات الاحتلال بغزة تواجه تحديات وهذه خطة المقاومة
وصف الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي التوغلات البرية التي بدأها جيش الاحتلال في مناطق عدة بقطاع غزة بأنها "جس نبض"، مؤكدا أنه يواجه تحديات جمة بعد فترة الهدوء التي فرضها اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وحسب حديث الخبير العسكري للجزيرة، فإن قوات الاحتلال تحاول تقسيم قطاع غزة إلى 3 أجزاء عبر فتح قواطع متعددة داخل القطاع، وتسعى إلى الحصول على موطئ قدم في المناطق المبنية قبل قضم المناطق والدخول فيها.
ووفق الفلاحي، فإن جيش الاحتلال يحاول الاصطدام بدفاعات المقاومة لمعرفة قدراتها وإمكانياتها، مشيرا إلى أنه لا توجد خطة واضحة لدى القوات الإسرائيلية بالنسبة إلى محاور الهجوم الرئيسية والثانوية.
وأمس الأربعاء، أعلن جيش الاحتلال بدء عملية برية وصفها بالمحدودة وقال إنه سيطر على وسط محور نتساريم الذي يفصل شمالي القطاع عن وسطه وجنوبه.
وبعد يوم، أعلن جيش الاحتلال بدء عملية برية على محور الساحل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، إلى جانب عملية برية ثانية في منطقة الشابورة بمدينة رفح جنوبا.
تحديات جمة
وقال الفلاحي إن هناك تحديات كبيرة أمام جيش الاحتلال في عملياته البرية الجديدة بغزة، إذ لا يعرف كم عدد الأنفاق التي رممتها المقاومة خلال الـ50 يوما، هي فترة وقف إطلاق النار قبل انهياره.
إعلانوأشار إلى أن المقاومة وصلت خلال الفترة الماضية إلى مخلفات الاحتلال العسكرية وعززت مخزونها من الأسلحة والعبوات الناسفة والقذائف المضادة للدروع.
ولم تدخل المقاومة حتى الآن في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال -حسب الفلاحي- إذ لا تصل الأسلحة التي تمتلكها إلى نطاق القوات المتوغلة.
وبناء على ذلك، فإنه "من العبث أن تستخدم فصائل المقاومة أسلحتها في معركة غير ناجحة، ولذلك تفضل جر الاحتلال إلى منطقة قتل من خلال السماح له بالتوغل إلى مناطق معينة، ثم تنفيذ كمائن ومواجهات مباشرة وفق الترتيبات الدفاعية".
وخلص الخبير العسكري إلى أنه عندما تدخل القوات الإسرائيلية ضمن المدى المناسب "سوف تستخدم المقاومة ما لديها من إمكانيات وقدرات لوقف التقدم ومواجهة القوات الإسرائيلية".
ولم يستبعد أن يدفع الاحتلال بلواء غولاني أحد ألوية النخبة في الجيش إلى داخل قطاع غزة، خصوصا في ظل تمركزه في المنطقة الجنوبية.
وأكد أن المواجهة لا تدار في غزة فحسب، بل نقلتها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس– إلى أبعاد إستراتيجية بعدما قصفت تل أبيب، وهي مركز الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي في إسرائيل.
ووصف الفلاحي تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس لسكان غزة بأنها للتسويق الإعلامي، مستدلا بتصريحات سلفه يوآف غالانت عندما كان يردد دائما بأن الضغط العسكري يهدف إلى إجبار حماس على إطلاق الأسرى، لكن تسبب بمقتلهم لا استعادتهم.