الجزيرة:
2025-04-15@00:24:40 GMT

لبنان في وسط العاصفة

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

لبنان في وسط العاصفة

ليس تفصيلًا أن يعود رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الولايات المتحدة الأميركية بفائض التخيلات حول ما قد يمنح من امتيازات باعتباره الزائر الأول للبيت الأبيض، وهذا المسار سيدفع قادة المنطقة وتحديدًا العرب منهم إلى التوجس من جنون الرجل الذي خبره العالم على مدار سنة ونصفٍ من المجازر بين غزة ولبنان، وذلك بالتزامن مع طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال تهجير سكان القطاع إلى مصر والأردن.

في المقابل، سعت إيران إلى إظهار صورة متماسكة في وجه العاصفة الأميركية المحتملة، مع إعلان مرشد الثورة السيد علي خامنئي، عدم التفاوض مع واشنطن، معتبرًا أن خطوة كهذه ستكون متهورة، ومبررًا ذلك بخبرته في التعاطي مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود، والتي لم تلتزم باتفاقات سابقة، وذلك في إشارة ضمنية إلى قرار ترامب إلغاء العمل بالاتفاق النووي الذي كان تمّ توقيعه عام 2015 إبان حكم باراك أوباما.

لكن وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي أدلى بعد أيام معدودة بموقف مغاير، حيث اعتبر أن بلاده مستعدة للتفاوض مع الإدارة الأميركية، لكن ليس تحت وطأة سياسة "الضغوط القصوى" التي يلوح بها ترامب. لأن ذلك سيكون شكلًا من أشكال الاستسلام والرضوخ للغرب.

إعلان

ومع موقف عراقجي يصبح الموقف الإيراني أكثر وضوحًا. ذلك أنه بخلاف بعض الذين يتوهمون أن هنالك سياستين داخل أروقة السلطة في إيران، لكن الحقيقة مغايرة. صحيح أن هنالك توجهين كبيرين على المستويين الشعبي والاجتماعي، إلا أن القرار داخل السلطة موحد وممسوك بيد المرشد.

ووفق الدستور الإيراني، فإن كلمة الفصل على مستوى السياسة الخارجية، تبقى للمرشد وحده، والحكومة الإيرانية ملزمة بوضعها موضع التنفيذ. وبالتالي فمن الطبيعي أن تحصل نقاشات ومشاورات، لكن الكلمة النهائية هي لخامنئي ومن خلفه الحرس الثوري الإيراني، وعليه فكلام عراقجي يعتبر تفسيرًا للسقف المرتفع الذي رسمه خامنئي. والمقصود هنا أن إيران تريد التفاوض لكن ليس تحت وطأة الضغوط الشديدة.

من هنا أتى تسريب مسؤولين أميركيين في إدارة ترامب عن تحضيرات لجولة مفاوضات ستكون حاسمة بين واشنطن وطهران، وأنها ستحصل قريبًا وخلال أسابيع معدودة في إحدى العواصم الإقليمية، وهذه الجولة ستكون حاسمة، ولن تخضع أبدًا للمماطلة التي اشتهر بها الأسلوب التفاوضي الإيراني، وستشكل المؤشر الواضح بالذهاب إما إلى تسوية دبلوماسية أو السماح لإسرائيل بمغامرة حربية مدعومة من واشنطن، مع تأكيد أميركي بطي صفحة الأذرع في المنطقة.

ورفع السقف إلى الحد الأقصى من خلال كلام خامنئي يهدف فعليًا إلى التحضير المسبق للموقف الإيراني. على اعتبار أن إيران تراهن على أن الإدارة الجمهورية ليست من دعاة الحروب، بل من دعاة الصفقات والترتيبات الاستثمارية. كما أن طهران ترى أن واشنطن تعمل على تركيز إستراتيجية احتواء التمدد الصيني، وخصوصًا في الشرق الأوسط.

ويصبح الهدف الأميركي هنا تطويع إيران وليس إنهاء نظامها. وهو ما يجعل احتمالات الحرب الأميركية على إيران أقل، نسبة لمصلحة احتمال التفاوض تحت الضغط للخروج بأفضل التفاهمات.

إعلان

لذا فإن إيران بدأت ترسل إشارات بأن رفع العقوبات عنها قد يدفع بها بعيدًا عن الصين، ولكن من دون أن تقدم تنازلات في سياستها وموقعها ونفوذها الإقليمي والنووي.

وثمة من يعتبر أن إيران وكعادتها لا تزال تراهن على الوقت وتسعى لتوظيفه لمصلحتها من خلال الرهان على أخطاء خصومها. بدليل اعتماد طهران على رفض العرب والغربيين مشروع ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة.

وهذا المشروع أحدث أزمة ليس فقط على المستويين العربي والأوروبي، بل أيضًا في الداخل الأميركي. ومن الطبيعي أن تسعى طهران إلى تعزيز موقعها من خلال إحداث شرخ بين واشنطن وبعض العواصم العربية.

والأكيد أن حركة حماس من خلال الاستعراضات العسكرية في غزة، عززت الثقة الشعبية بها بعد فترة طويلة من حرب الإبادة التي مارستها إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه أعادت رفع مستوى الهواجس والمخاوف لدى الشارع الإسرائيلي، والذي كان باشر استدارته ضد الحرب. وبالتالي فإن هذا الشارع قد يستعيد حماسته للاستمرار في الحرب للقضاء على حركة حماس كليًا.

وجاء شجب ترامب لحال الأسرى الإسرائيليين العائدين ليوحي أن الضوء الأخضر الأميركي قد أُعطي لاستئناف الحرب، خصوصًا أنه قال إن غالبية من بقي من الأسرى قد قتلوا. لأن ترامب والذي يحمل مشروع "تطوير غزة عقاريًا"، لا بد من أنه يفكر بالتنقيب عن الغاز الموجود في البحر قبالة شاطئ غزة، وهذا ما تدركه حماس أيضًا، وهي التي زارت تركيا وإيران وأكدت أنها حاضرة في السياسة أيضًا.

وليس عابرًا ما كشفته تسريبات صحفية عن اجتماع سري جرى في العراق مع قيادات من الحرس الثوري الإيراني وضباط من النظام السوري السابق بحضور السفير الإيراني السابق في دمشق، بهدف التخطيط لانقلاب عسكري يستهدف أحمد الشرع وحكومته، وهذا مؤشر على محاولة إيرانية لإعادة اللعب في سوريا.

لكن في لبنان ورغم الظروف الصعبة التي يمر بها حزب الله لكنه سعى قدر المستطاع لعدم استثمار نتائج الحرب والتبدلات الكبرى في سوريا وفرضها كوقائع سياسية داخل النظام السياسي بعد وصول جوزيف عون لسدة الرئاسة، لكنه رغم كل التحولات نجح في وضع حد لتراجعه. وجاءت التركيبة الحكومية تكريسًا لوجوده في السلطة أي التمثيل الشيعي كاملًا.

من هنا تكثر الأقاويل عن أن المسؤولين في إدارة دونالد ترامب والمتابعين لملف لبنان يتحفظون على شكل الحكومة الجديدة مع نواف سلام، من أسماء الوزراء وصولًا إلى تركيبتها وتوازناتها الداخلية. رغم كل التعهدات التي أعطيت من الثنائي الشيعي بعدم تعطيل عمل الحكومة لاحقًا، والقبول بالبيان الوزاري والمساعدة بتطبيق مفاعيل القرار 1701.

إعلان

ما يعني أن أمام سلام وحكومته مجموعة من الصيغ وقرارات مطلوب اتخاذها لاحقًا وتشكل حساسية كبيرة لدى حزب الله، وربما من هذه الزاوية عمد الرئيس الأميركي إلى استبدال سفيرته في بيروت لاعتقاده، ربما، بأنها إدارية وتحمل نهجًا يتوافق مع سياسة الديمقراطيين، وإيفاد سفير أكثر تشددًا مع الحزب ومشروعه الداخلي.

لذا يسعى حزب الله إلى استعراض قوته في وجه خصومه داخل لبنان لإعادة شد العصب السياسي في شارعه، ومن هنا كانت تظاهرات العودة لقرى الجنوب، والتي سقط بها عدد من الشهداء، إضافة لتظاهرة من آلاف الدراجات النارية عشية تشكيل الحكومة، والتي تظهر قدرته على تحريك الشارع رغم كل الضربات الموجعة.

لكن التحديات الأهم والتي يدركها الحزب هي في الواقع المعيشي لبيئة "المقاومة" بعد الحرب، وأزمة إعادة الإعمار في الجنوب والبقاع، لكن ثمة تحديات وتوازنات يخشى الحزب ويتهيب منها، وتحديدًا في التهرب الإسرائيلي من الانسحاب من الجنوب في 18 فبراير/ شباط الجاري، وتحديدًا من التلال الخمسة المطلة على جنوب الليطاني، وهذا بالتزامن مع إعلان أن عودة سكان مستوطنات الشمال سيكون في الأول من مارس/ آذار المقبل، ما يجعل البعض يأمل في حصول الانسحاب الإسرائيلي، لكن هذه العودة الإسرائيلية قابلة للحصول بالتدرج، ما سيجعل الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس متأخرًا في ظل الغطاء الأميركي المفتوح لنتنياهو وحكومته المتطرفة.

لكن لبنان الذي يعيش إلى هذه اللحظة ارتدادات الحرب الإسرائيلية، ينظر إلى التحول السوري بعين الترقب، وخاصة مع حصول اشتباكات في مناطق حدودية من عناصر لبنانية – ينشطون بالتهريب – مع الإدارة السورية الجديدة والتي تحاول الإمساك بطول الحدود وإغلاق المنافذ غير الشرعية، والانطباع الغالب هو أن هذه الاشتباكات قد تتجدد.

لكن الرغبة الأهم لكل الأطراف الدولية والإقليمية هي إحكام الرقابة على هذه الحدود من خلال أبراج المراقبة المتطورة والتي كان حزب الله قد أوحى بمعارضته الشديدة لها سابقًا، لكن كل هذه التعقيدات ستجد طريقها إلى الحل، شرط أن تكون المفاوضات بين إدارة ترامب وطهران قد تمت، وأن تكون التسوية قد اتضحت.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب الله من خلال

إقرأ أيضاً:

رد فعل نتنياهو من استئناف مفاوضات الملف النووي الإيراني: فريسة وقعت في الفخ

يتابع الاسرائيليون بقلق انطلاق المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول البرنامج النووي، وسط خيبة أمل لا يخفونها بسبب تخلي واشنطن عن توجهها السابق بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي، الذي تم بضغوط إسرائيلية، لكن الخطوة الأخيرة تعني تراجعا أمريكيا عن التزامها الكامل بالسياسات الإسرائيلية تجاه هذا الملف الحساس.

وأكد الرئيس التنفيذي للفرع الإسرائيلي لمجموعة الضغط الأمريكية "جي ستريت"، نداف تامير أن "إيران أصبحت الآن على حافة الهاوية النووية كنتيجة واضحة للتخلي عن الدبلوماسية، عقب انسحاب الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب في ولايته الأولى في 2018، وتحت ضغوط إسرائيلية من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه قبل ثلاث سنوات، خلال رئاسة باراك أوباما".

وأضاف تامير في مقال نشره موقع "زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21"، أنه رغم أن إيران، بحسب كافة وكالات الاستخبارات، التزمت بشروط الاتفاق، لكن الانسحاب أدى لوقف الرقابة الدولية الصارمة على برنامجها النووي، مما فتح الطريق أمام استئناف تخصيبها المتسارع، واقترابها من امتلاك الأسلحة النووية.


واعتبر أن "التغير الأمريكي الجديد جاء إدراكا من ترامب أن إسرائيل غير قادرة على تدمير المشروع النووي الإيراني، حتى مع موافقة الولايات المتحدة، وتسليحها للهجوم، وأن الأخيرة نفسها لا تملك حاليا القدرة على تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية جراحياً، خاصة بعد أن تمكنت إيران من تجميع ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة".

وذكر أنه بناء على ذلك، فإن الطريقة الوحيدة للقضاء على هذا المشروع هي حرب طويلة وغزو بري أمريكي، بما يتناقض مع رؤية ترامب للعالم، وأصبحت هذه السياسة غير شعبية للغاية، بعد فشل إدارة بوش الثانية في العراق وأفغانستان". 

وأشار إلى أن "بنيامين نتنياهو، الذي سافر لواشنطن عام 2015 لمهاجمة أوباما من الكونغرس، بسبب ترويجه للاتفاق النووي، جلس صامتا بجوار ترامب قبل أيام، عندما أعلن عن عودة الدبلوماسية، وكانت صورته ذات دلالات كثيرة، فبعد عقود من الخطابات والحيل والمناورات السياسية ها هي تتبخر في ذلك الصمت في المكتب البيضاوي، وظهر كفريسة أدركت أنها وقعت في الفخ، وبات يواجه حقيقة مفادها أن خياراته قد نفدت".

وأوضح أنه "رغم إشادات نتنياهو العديدة لترامب وقيادته، فهو لا يستطيع تخريب المفاوضات، كما حاول أن يفعل مع أوباما في ذلك الوقت، مما يتطلب منه أن يتعاون معه، وإلا سيتم إلقاؤه تحت عجلات القطار المسرع، مما دفعه للقول بصورة مهينة: إنه إذا كانت الدبلوماسية قادرة على أن تؤدي لعدم امتلاك إيران لسلاح نووي، فسيكون أمرا جيدا، وهي كلمات لم نحلم أبدا بسماعها ممن يدعو دائما لاستخدام القوة ضد إيران".


وأضاف تامير أن "الشركاء الإقليميين لإسرائيل وفي مقدمتهم دول الخليج، غير مهتمين بالمواجهة العسكرية مع إيران، ويفضلون الحل الدبلوماسي، لأن أي تصعيد سيؤدي لضرر مباشر على اقتصاداتهم، وكما يؤيدون إنهاء الحرب العبثية في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، واتفاقيات التطبيع، فهم مهتمون بالدبلوماسية مع طهران".

وأكد أنه من المفارقات الاسرائيلية أن ترامب، الذي تخلى عن الدبلوماسية، وأدى للتطرف الإقليمي، وتحويل إيران دولة حدودية نووية، هو ذاته يعود للمسار الدبلوماسي، بما لا يرضي حكومة نتنياهو، ولكن لصالح الاستقرار الإقليمي الأوسع، وسيكون من الأفضل للاحتلال أن يختار مساعدة الأميركيين على التوصل لاتفاق، بعد أن اختار تخريب المفاوضات في عهد أوباما، مما أضرّ بالعلاقة الدبلوماسية والاستخباراتية المهمة للغاية بالنسبة له، مما يتطلب من الاسرائيليين مساعدة إدارة ترامب في خلق أفق سياسي للفلسطينيين".

مقالات مشابهة

  • رد فعل نتنياهو من استئناف مفاوضات الملف النووي الإيراني: فريسة وقعت في الفخ
  • مؤلم ما يحدث في الفاشر مثلما كان مؤلما حينما حصل في قرى الجزيرة والدندر والخرطوم
  • الخارجية الإيرانية: واشنطن هي التي حرمت مواطنيها من الاستثمار في #إيران عبر وضع قوانين معقدة
  • وزير الدفاع الأمريكي يهدد بضرب العمق الإيراني في هذه الحالة
  • شحادة: عهدنا أن نبني الجمهورية القوية التي يستحقها أهلنا
  • الحزب الشيوعي يشجب حكومة الأمر الواقع لأنها لم تعوض مزارعي الجزيرة
  • إيران دولة تخاف الحرب
  • لأول مرة منذ مائة عام بلا زراعة.. حرب السودان تفاقم أزمات مشروع الجزيرة وتفقر المزارعين
  • رسوم ترامب على السيارات بمثابة إعلان حرب اقتصادية على بريطانيا
  • رشيد يطمئن الرئيس الإيراني بأن العراق يشكل الخط الدفاعي الأول عن إيران ورئتها الثانية