لازالت الحصاحيصا بولاية الجزيرة تعاني من نقص في الخدمات الصحية وشح السيولة النقدية والدواء، علاوة على هشاشة أمنية، حتى بعد سيطرة الجيش السوداني على المدينة.

الحصاحيصا: التغيير

في مدينة الحصاحيصا الواقعة في ولاية الجزيرة- وسط السودان والتي سيطر عليها الجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه مؤخراً بعد انسحاب قوات الدعم السريع شمالاً نحو العاصمة، يتنادى الشباب عبر مبادرات مجتمعية لنظافة المدينة ومرافقها الخدمية وسوقها الموحش الذي هجره غالبية رواده بعد النهب والتخريب الذي طاله على يد مجموعات إجرامية استفادت من الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الحكومية من المدينة بعد زحف قوات الدعم السريع نحوها.

آمال وتحديات

ومع تدرج الأمان النسبي بعد عودة القوات الحكومية للمدينة مجدداً تصاعدت الآمال بعودة الحياة إلى طبيعتها على الرغم من الأهوال التي شهدتها المنطقة والدمار الذي طال كل شئ.

ولكنها آمال تبدو عريضة في مواجهة تحديات جمّة ليس أقلها نقص الغذاء والدواء والرعاية الصحية وشُح السيولة النقدية وغياب جُل الخدمات الأساسية بالإضافة إلى النهب الواسع الذي مارسته قوات الدعم السريع والذي طال الأسواق والمنازل والمقار الحكومية والمؤسسات التعليمية والمركبات والمحاصيل والبضائع والأموال وأدى إلى إفقار معظم شرائح المجتمع ناهيك عن قتل العشرات وتشريد الآلاف من المواطنين.

وشهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة لوجود الدعم السريع في مدينة الحصاحيصا وأريافها القريبة وضعاً قاسيا، علاوةً على 14 شهراً كانت هي الأسوأ على الاطلاق من حيث الإفقار والإرهاب والإنتهاكات وتدمير البنى التحتية.

وفرضت قوات الدعم السريع قُبَيل خروجها وبعد دخول الجيش لمدينة “ود مدني” نوعاً من الحصار الاقتصادي على مواطني الحصاحيصا عن طريق تجفيف تجمعات شبكات الانترنت والتي تُعَد الوسيلة الوحيدة لاستقبال التحويلات البنكية.

سجن كبير

كما قامت قوات الدعم السريع بالاعتداء على كل من حاول الخروج باحثاً عن لقمة عيشه.

وتعرض كثير من المواطنين للخطف والضرب والنهب، وفي بعض الحالات للقتل مما تسبب في حالة من  الرعب أدت لاعتكاف أغلب المواطنين في منازلهم من دون مال أو عمل لتتحول المدينة إلى سجن كبير.

ومع تطاول المدة وتناقص الغذاء أضحى السجن مقبرة يموت قاطنوها جوعاً وببطء.

ولم تكتف قوات الدعم السريع بذلك بل داهمت المواطنين داخل بيوتهم بيتاً وراء آخر مستخدمة كل وسائل الإذلال والتنكيل والتعذيب بغرض النهب.

الحصاحيصا الخدمات والمبادرات

وتنطلق المبادرات المجتمعية الشبابية بمدينة الحصاحيصا في محاولة لملء الفراغ الكبير الذي تركه عجز السلطات المحلية في كل المناحي.

ففي قطاع الكهرباء على سبيل المثال يبدو عجز السُلطات واضحاً من خلال تباطؤ الشركة المسؤولة عن نقل وتوزيع الكهرباء في إصلاح الدمار الذي أحدثته مليشيات الدعم السريع قُبَيل خروجها بنهبها وتخريبها للكيبلات الرئيسية وبسرقتها لزيوت وأعمدة نحاس المحولات في أغلب مناطق المدينة بالإضافة إلى الأضرار التي خلّفها القصف الجوي لطيران الجيش في ظل غياب تام لأي تصريح رسمي من السُلطات يوضح حجم الضرر أو نوع الجهود المبذولة لمعالجته.

وفي قطاع المياه فشلت كل الجهود المبذولة لتشغيل الآبار في ظل غياب الكهرباء بعد أن نُهِبت أيضاً البدائل المتمثلة في ألواح الطاقة الشمسية ومولدات الديزل.

وهو ما يهدر يومياً الكثير من الجهد والوقت في جلب المياه الصالحة للشرب من مناطق بعيدة عن مناطق سكن المواطنين في ظل شُح المركبات والاعتماد على عربات الكارو و”الدرداقات”.

هشاشة أمنية

والحال كذلك، لايزال الوضع الأمني في المدينة بالغ الهشاشة وتتخلّله بعض التفلّتات في ظل اتهامات بتورط عناصر ترتدي الزي الرسمي للقوات الحكومية.

ومع تعطّش سكان المدينة للأمان تبدو الخطط الأمنية غير واضحة المعالم ويعتريها الكثير من التخبّط من خلال ملاحظة السلوك المُرتَبِك للفرق الميدانية المعنية بمداهمة وتفتيش البيوت بحثاً عن المطلوبين والمسروقات.

ولا زال عدد كبير من الذين تورطوا في انتهاكات وجرائم ضد المواطنين طلقاء وبعيدون تماماً عن يد العدالة.

ويدور حديث في مجالس المدينة عن أن بعض المطلوبين قد حازوا على نوع من الحصانة تحت غطاء الانتساب المسبق للاستخبارات العسكرية التابعة للقوات الحكومية أو للفصائل المتحالفة معها.

وتبدو قوات الشرطة غارقة حتى النخاع في بحر من البلاغات والإجراءات الطويلة. فيما تتوافد نحو الحصاحيصا أعداد من الراجلين الباحثين بين أزقة المدينة وشوارعها عمّا فقدوه من سيارات وأثاثات منزلية وبهائم وغيرها، قادمين من الأرياف القريبة في مشهد يومي حزين ومتكرر.

ملعقة سكر لكل مواطن

وبالرغم من دخول السلع الضرورية للمدينة وسهولة حركة المواطنين بعد خروج الدعم السريع ودخول الجيش إلا أن الشُح الكبير في السيولة النقدية حال دون حصول أغلب المواطنين على حاجاتهم من الضروريات من غذاء ودواء.

واكتفت السُلطات المحلية بتوزيع كميات قليلة من دقيق الذرة “الفتريتة” بالإضافة لكميات أقل من السكّر بمعدل جوال واحد لكل حي سكني أي ما يعادل أقل من ملعقة سكّر لكل مواطن!

ولا زال الطريق طويلاً ووعراً أمام سكان المدينة وأريافها والذين يتطلّعون لاستعادة حياتهم وأعمالهم في ظل الظروف التي تتضافر جميعها ضد رغباتهم، يملؤهم الإيمان بمستقبل خالٍ من الحروب والدمار، ومستفيداً من الدروس والعِبر المستخلصة من تجربة الحرب المريرة.

الوسومالجيش الحصاحيصا الدعم السريع السودان السيولة النقدية الصحة مدني ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحصاحيصا الدعم السريع السودان السيولة النقدية الصحة مدني ولاية الجزيرة قوات الدعم السریع السیولة النقدیة

إقرأ أيضاً:

السودان: قوات الدعم السريع قتلت 433 مدنيا بولاية النيل الأبيض

الخرطوم - قالت وزارة الخارجية السودانية، الثلاثاء، إن قوات الدعم السريع ارتكبت "مجزرة بشعة" خلال الأيام الماضية راح ضحيتها 433 مدنيا في قرى مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض جنوبي البلاد.

وأفادت الوزارة في بيان، بأن "مليشيا الدعم السريع لجأت لأسلوبها المعتاد في الانتقام من المدنيين العزل في القرى والبلدات الصغيرة بعد أن تعرضت لهزائم متلاحقة من الجيش السوداني".

ومنذ أيام وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة قوات الدعم السريع لصالح الجيش بولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) والجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات) وتسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات فيه، بينما لم تمتد الحرب لشمال البلاد وشرقها.

وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر على 90 بالمئة من "مدينة بحري" شمالا، ومعظم أنحاء "مدينة أم درمان" غربا، و60 بالمئة من عمق "مدينة الخرطوم" التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي وتكاد تحاصرهما قوات الجيش، بينما لا تزال "الدعم السريع" بأحياء شرقي المدينة وجنوبها.

وأوضحت الخارجية السودانية أن "المليشيا الإرهابية ارتكبت في الأيام القليلة الماضية مجزرة بشعة في قرى مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض، بلغ عدد ضحاياها حتى الآن 433 شخصا ضمنهم أطفال رضع".

وشددت على مطالبتها "بموقف دولي حاسم من مليشيا الدعم السريع وراعيتها ومسانديها (دون تحديدهم)، لأن جرائمها تفوق ما ارتكبته جماعات الإرهاب الدولي المعروفة".

وأكدت أن "هذه المجزرة الشنيعة تجعل كل من يشارك المليشيا (الدعم السريع) أو يساندها في تحركها الدعائي المزمع باسم توقيع ميثاق سياسي الذي تشرف عليه راعيتها الإقليمية ومن يأتمرون بأمرها في المنطقة، شركاء لها في جرائمها وفظائعها ضد الشعب السوداني".

وفي وقت سابق الثلاثاء، انطلقت في نيروبي بكينيا، اجتماعات ما يسمى "مؤتمر تحالف السودان التأسيس" المؤيد لتشكيل حكومة موازية لسلطات البلاد.

ووفق مراسل الأناضول، شارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماعات عدد من قادة الحركات المسلحة وقوى سياسية بينها رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة، بجانب نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، ورئيس "الحركة الشعبية/ شمال" عبد العزيز الحلو.

والمؤيدون لتشكيل حكومة موازية، هم عدد من القوى السياسية والمدنية، انقسمت من تحالف "تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)"، وتضم معظم الأجسام المكونة من "الجبهة الثورية" من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا 2020، بجانب "الحزب الاتحادي/ الأصل" بقيادة الحسن الميرغني.

وفي 10 فبراير/ شباط الجاري، أعلنت "تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية" أكبر تحالف مدني معارض في السودان، رسميا عن انقسامها إلى مجموعتين إحداهما تؤيد إقامة حكومة موازية وأخرى ترفض ذلك.

ويخوض الجيش و"الدعم السريع" منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • هل تسعى الدعم السريع لتقسيم البلاد؟
  • قوات الدعم السريع تقصف منزلا غرب الخرطوم وتقتل 6 أشخاص بينهم 4 أطفال
  • سيناتور كيني ينتقد  اجتماعات اعلان حكومة قوات الدعم  السريع
  • ما تأثير احتضان كينيا لمؤتمر الدعم السريع على دورها الإقليمي؟
  • السودان يستنكر استضافة كينيا اجتماعا لقيادات الدعم السريع
  • السودان: قوات الدعم السريع قتلت 433 مدنيا بولاية النيل الأبيض
  • هجوم لقوات الدعم السريع يحول مخيما للنازحين في السودان "ساحات موت"  
  • هجمات قوات الدعم السريع على قرى “الكداريس” و”الخلوات” أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص
  • "الغذاء والدواء" تبحث سبل تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي