مسارات الانتقام الأمريكي الصهيوني من جبهات المقاومة تواجه نهايات مسدودة
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
في فلسطين، يحاول العدوّ الهروب من مفاعيل هزيمته المدوية وفشله الفاضح في تحقيق أهدافه، من خلال مخطّطات تهدف لإلغاء مكاسب انتصار المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني في غزة، مثل مخطّط التهجير الذي تبنَّته الولايات المتحدة بشكل واضح إلى حَــدِّ البجاحة، لكن الوسيلة التي يبدو أن العدوَّ يعول عليها كَثيرًا لتنفيذ هذا المخطّط، هي الأنظمة العميلة في المنطقة، والتي برغم رفضِها الإيجابي للمخطّط، فَــإنَّ مواقفها لا تزال تنطوي على فجوات خطيرة تتيح للأمريكيين والصهاينة تنفيذ مؤامرات فرعية ضمن إطار المخطّط الرئيسي، مثل توسيع نطاق مسار التطبيع، وتفعيل ضغوط وأوراق ابتزاز عربية ضد المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات خطيرة فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة.
وبالرغم من خطورة هذا التصعيد الذي يهدف بوضوح إلى تعويض الفشل في تحقيق أهداف عدوان الإبادة الجماعية، فَــإنَّ موقف المقاومة الفلسطينية المسنود شعبيًّا بالكامل في غزة، ومواقف جبهات الإسناد، وفي مقدمتها اليمن، تشكل عائقًا رئيسيًّا يصعب على العدوّ وأدواته وشركاءه تجاوزه؛ لأَنَّه هذه المواقف تجعل الإقدام على تنفيذ مؤامرات العدوّ مخاطرة بانفجار كبير يصعب السيطرة عليه، وقد أثبتت معركة “طوفان الأقصى” بشكل عملي أن العدوّ وحلفاءَه وأدواته غير قادرين على احتواء مثل هذا الانفجار؛ ولذا لجأ العدوّ بعد الحرب إلى أساليب التصعيد ذات الغطاء السياسي.
بالمثل، يحاولُ العدوُّ في لبنان القفزَ على مفاعيل هزيمته الواضحة أمام حزب الله، باتّجاه مساراتِ تصعيد مباشرة وغير مباشرة ترعاها الولايات المتحدة بشكل مباشر ومعلَن؛ مِن أجلِ خلق واقع سياسي وجيوسياسي جديد هدفُه الرئيسيُّ هو “حصارُ” المقاومة الإسلامية وجعلها تعيش في حالة من العزلة يعتبر العدوّ أنها ستلغي مفاعيلَ انتصارها عليه.
من مسارات التصعيد غير المباشرة هذه، العمل على تقليص المشاركة السياسية لحزب الله في لبنان وحصار بيئة المقاومة، وهو المسعى الذي فشل في إقصاءِ حزب الله من التشكيل الحكومي الجديد، لكنه نجح في الضغط على الرئاسة ورئاسة الحكومة في لبنانَ لتنفيذ قرار “إسرائيلي” بمنع الرحلات الجوية القادمة من إيران إلى البلاد، وهو قرار يفتح بابًا لوصاية صهيونية خطيرة يريد العدوّ أن يجعلها مِظلة سياسية لحصار المقاومة وبيئتها عن طريق السلطة اللبنانية بالشكل الذي يساعده على تقليص مفاعيل انتصار حزب الله، وكذلك على فتح المزيد من الثغرات الداخلية لاستهداف الحزب على كُـلّ المستويات.
وقد ترافق هذا التوجّـه مع مسارٍ تصعيدي آخر، قام فيه العدوّ بتحريك العصابات المسلحة التابعة للنظام الجديد في سوريا، للاعتداء على المناطق اللبنانية الحدودية، وهو مسار جمع بين التصعيد المباشر وغير المباشر، حَيثُ شارك طيران العدوّ الصهيوني في إسناد تلك العصابات خلال المواجهات مع العشائر اللبنانية، الأمر الذي كشفَ عن مخطّط واضح لتفعيل السلطة الجديدة في سوريا (والتي رافقها الدعمُ الإسرائيلي منذ لحظات تكوينها الأولى حتى سيطرتها على الحكم) كذراعٍ عسكرية لاستهداف الحزب بالتوازي مع محاصرته وقطع خطوط إمدَاده.
وبالتوازي مع المسارَين السابقين، لا زال العدوّ يحاول تقويضَ مكاسب الانتصار اللبناني في معركة الجنوب، من خلال رفض الانسحاب من بعض المناطق الحدودية، وشن غاراتٍ بطائرات بدون طيار، وهو مسعى يعتمد فيه أَيْـضًا على تقاعس الجيش اللبناني عن تنفيذ دوره في اتّفاق وقف إطلاق النار، حَيثُ لا يزال الجيش يمتنعُ عن الانتشار في تلك المناطق ومساعدة النازحين على العودة إلى منازلهم.
ومن خلال تكامل هذه المسارات الثلاثة يبدو بوضوح أن العدوّ يحاول الالتفافَ على انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا؛ مِن أجلِ تجميد مفاعيل هذا الانتصار، وإبقاء حزب الله في حالة دفاعية مرهقة ضد الداخل والخارج، بالشكل الذي يسهّل استهدافه سواء في ظل سقف التصعيد القائم أَو من خلال تصعيد جديد ترعاه الإدارة الأمريكية.
لكن ما لا يجب تجاهله في تقييم الوضع في لبنان هو أن حزب الله ليس غريبًا على مواجهة تحديات الداخل والخارج معًا، وأن حالة “الضعف” التي يحاول العدوّ أن يحشر المقاومة اللبنانية فيها إعلاميًّا وسياسيًّا منذ استشهاد قادة حزب الله ليست حقيقية، فقد استطاعت المقاومة أن تتعافى بعد استشهاد القادة أثناء ظروف شبهِ مستحيلة وحقّقت الانتصار الذي لا زالت تملك وسائله وأدواته والقدرة على تحقيقه مجدّدًا مهما كانت الظروف، كما أن حاجة العدوّ إلى إضعافِ حزب الله لن تتحقّق بسقف التصعيد الحالي، ولجوؤه إلى رفع ذلك السقف سيؤدي إلى انفجارٍ يعرف جيِّدًا أن نتائجه ستكون عكسية، كما أثبتت المعركة العسكرية الأخيرة، خُصُوصًا في ظل القرار الثابتِ لجبهة الإسناد اليمنية بالتدخل لمواجهة أي تصعيد ضد لبنان.
وفي اليمن، يطبّق العدوّ ورعاتُه نفسَ الاستراتيجية، من خلال محاولة فتح مسارات تصعيد انتقامية مباشرة وغير مباشرة تلغي مكاسب الانتصار الكبير لجبهة الإسناد اليمنية خلال طوفان الأقصى، وقد جاء قرار التصنيف الجديد الذي اتخذته إدارة ترامب كمِظلة للمسارات الانتقامية، حَيثُ تسعى الولايات المتحدة من خلال ذلك القرار إلى التحشيد محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا ضد صنعاء، من خلال تحريك المرتزِقة ودول تحالف العدوان عسكريًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا لإشعال الجبهات ومضاعفة المعاناة الإنسانية للشعب اليمني والانقلاب على تفاهمات خفض التصعيد أَو تجميدها نهائيًّا، بالتوازي مع استمرار التحريض الدولي تحت مظلة التصنيف وَأَيْـضًا تحت عناوين الانتقام لهزيمة البحرية الأمريكية والغرب في البحر الأحمر.
لكن التعقيدات التي تواجهها جبهة العدوّ في اليمن تبدو أكثرَ صعوبة من غيرها؛ بفعل معادلات الردع الكبرى التي ثبتتها القيادة اليمنية خلال المراحل الماضية، سواء تلك التي تجبر السعوديّين والإماراتيين على الابتعاد عن التصعيد العسكري ضد اليمن، أَو تلك التي ألحقت هزيمةً تاريخية غير مسبوقة بالبحرية الأمريكية وأثبتت عدم جدوى استراتيجياتها وأدواتها المتطورة في مواجهة اليمن، وهي معادلات عجز العدوّ الإسرائيلي أَيْـضًا عن مواجهتها أَو الحد من تأثيراتها.
وفيما تعول كُـلّ هذه الأطراف على التحَرّك خلفَ واجهة المرتزِقة فَــإنَّ مساحة هذا التحَرّك تبدو ضيقةً للغاية؛ بسَببِ المخاوف من الارتدادات المباشرة، حَيثُ سيظل هذا التحَرّك محكومًا بالحاجة إلى تجنُّب الانفجار الكبير الذي تعلم كُـلّ أطراف جبهة العدوّ، بحكم التجربة، أنها لا تستطيع تحمُّل تأثيراته، وأن اليمن بالمقابل قادرٌ على الانتصار فيه بشكل حاسم.
ووفقًا لكل ما سبق يمكن القول إلى التحَرّكاتِ الانتقامية من جانب العدوّ الصهيوني والولايات المتحدة بالاشتراك مع الأدوات الإقليمية للانتقام من جبهات المقاومة، تواجهُ في سقفها الحالي نهايات مسدودة، وتواجه مخاطر الانفجار الكبير في حال رفع ذلك السقف، وهو انفجارٌ أثبتت معركة طوفان الأقصى أن المقاومة هي من ستنفرد بمكاسبِه على كُـلّ المستويات.
صحيفة المسيرة
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: فی لبنان حزب الله التح ر ک من خلال
إقرأ أيضاً:
مسارات جديدة: حدود فاعلية نهج “الدبلوماسية والعقوبات” الأمريكي مع إيران
ترددت أنباء عن اتجاه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتكليف مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بمتابعة ملف إيران، وهي خطوة ذات دلالات استراتيجية عميقة، في ظل التحولات الكبرى في العالم والمنطقة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية. ويحمل اتجاه تكليف ويتكوف بملف إيران، الذي كشفت عنه صحيفة “فايننشال تايمز”، في 23 يناير 2025، نقلاً عن مطلعين في واشنطن، عدة رسائل يمكن قراءتها في سياق السياسة الأمريكية تجاه إيران، ومن أهمها الجمع بين الدبلوماسية والضغوط في التعامل مع طهران. وعلى الرغم من وجود فرص لنجاح ويتكوف وفريق ترامب في مهمته؛ فإن ثمة تحديات أخرى قد تُصعب هذه المهمة.
الدبلوماسية والضغوط:
يُبْرِز اتجاه ترامب لتعيين ويتكوف، ضمن فريق، للتعامل مع ملف إيران، استمرار النهج المتشدد لواشنطن تجاه طهران، لكن مع محاولة لاستكشاف فرص دبلوماسية بديلة قبل اللجوء مرة أخرى إلى تصعيد العقوبات أو التدخل العسكري ضد إيران. ويمكن الوقوف على أهم دلالات هذا الاختيار فيما يلي:
1- اختبار الدبلوماسية أولاً: تتمثل إحدى الرسائل الأساسية لهذا التكليف في اختبار إمكانية تحقيق نتائج ملموسة من خلال الدبلوماسية، وذلك على عكس سياسة “الضغوط الأُحادية” التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2021). ويعكس الاتجاه لتكليف مبعوث خاص للتعامل مع ملف معقد مثل إيران، إدراك ترامب أن الدبلوماسية قد تكون في بعض الأحيان أداة فعالة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، حتى في مواجهة الخصوم. وفي هذا الإطار، يمكن اعتبار الاتجاه لتكليف ويتكوف بمثابة إشارة إلى استعداد إدارة ترامب لفتح قنوات اتصال غير رسمية مع طهران، أو على الأقل اختبار جدوى الدبلوماسية في حلحلة بعض الملفات الخلافية، مثل برنامج إيران النووي والصاروخي ونفوذها الإقليمي.
2- تكامل الدبلوماسية والضغوط: على الرغم من الدلالة الظاهرية لتكليف مبعوث خاص والتي قد تشير إلى نهج دبلوماسي، لا يُمكن إغفال حقيقة أن هذا التحرك قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع تجمع بين الدبلوماسية والضغوط؛ بمعنى أن الإدارة الأمريكية الحالية قد ترغب في إعطاء الفرصة للدبلوماسية، ولكن في إطار تقييد إيران اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، وهو ما يُعزز مكانة المبعوث كمفاوض قوي. ومن هذا المنظور، فإن الهدف من الاتجاه لتكليف ويتكوف ليس فقط السعي لتحقيق تسوية دبلوماسية مع طهران، وإنما أيضاً تعزيز الموقف الأمريكي في أي مفاوضات قادمة، من خلال إبقاء العقوبات والضغوط قائمة؛ بما يعني أن إدارة ترامب لن تتخلى عن سياسة “الضغوط القصوى” بالكامل، بل قد تستخدمها كورقة ضغط لفرض شروطها على طهران. ولعل هذا ما كشف عنه ترامب يوم 4 فبراير الجاري، معلناً أنه يعتزم استئناف سياسة “الضغوط القصوى” على إيران بسبب “محاولتها تطوير أسلحة نووية”، لكنه قال إنه يأمل ألا تكون هناك ضرورة لاستخدام هذه السياسة.
3- دور الدبلوماسية الاقتصادية: من دلالات التكليف المُتوقع لويتكوف، الذي يمتلك خلفية اقتصادية واسعة، هي إمكانية الاستفادة من “الدبلوماسية الاقتصادية” في التعامل مع إيران، حيث إن ترامب يهتم دائماً بالشؤون الاقتصادية، واستخدام العقوبات كأداة رئيسة للضغط على الخصوم. ولذا، قد يكون التفكير في اختيار ويتكوف خطوة نحو تحقيق نوع من التسوية الاقتصادية مع إيران، خاصةً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها طهران بسبب العقوبات الأمريكية.
فرص متاحة:
مع الإقرار بوجود تحديات تواجه ويتكوف وفريق ترامب في ملف إيران، هناك فرص متاحة قد تساعده على النجاح في مهمته، ومن أبرزها ما يلي:
1- سعي ترامب لإنهاء الحروب: اضطلع ويتكوف بدور محوري في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وهو ما يعزز فرص نجاحه في التعامل مع ملف إيران وتجنب المواجهة العسكرية معها، ولاسيما في ظل خطط إدارة ترامب ووعودها لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط والعالم؛ ومن ثم من المُتوقع أن يتولى ويتكوف، بمساعدة نائبته مورغان أورتاغوس، مهمة استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق دبلوماسي مع إيران، فضلاً عن الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة.
2- خلفية ويتكوف الاقتصادية: يتمتع ويتكوف بخبرة كبيرة في التفاوض الاقتصادي، وهو ما قد يمثل ميزة في التعامل مع إيران، خاصةً إذا اعتمدت إدارة ترامب على الدبلوماسية الاقتصادية كأداة في الضغط أو كجزء من استراتيجية بناء الثقة. ففي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، نتيجة للعقوبات الأمريكية والدولية، قد يسعى ويتكوف إلى تقديم حلول اقتصادية على الطاولة، مثل تخفيف العقوبات أو السماح بإبرام اتفاقيات تجارية، مقابل تنازلات من جانب إيران.
3- الخبرة في استخدام العقوبات: تمتلك الولايات المتحدة خبرة ممتدة في استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط في السياسة الخارجية، وهي خبرة يمكن أن يعتمد عليها ويتكوف في التعامل مع طهران. وقد ألحقت العقوبات الأمريكية أضراراً كبيرة بالاقتصاد الإيراني، وتسببت في تدهور كبير في قيمة العملة المحلية، وزيادة معدلات البطالة والتضخم؛ ومن ثم، ربما تدفع مثل هذه الضغوط الاقتصادية إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يمكن أن يستغله ويتكوف من أجل التوصل إلى تفاهمات تحقق المصالح الأمريكية.
4- دور الدول الحليفة: تؤدي الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة دوراً مهماً في ملف إيران، ولاسيما إسرائيل التي تعارض دائماً البرنامج النووي الإيراني، وتضغط على واشنطن لاتخاذ خطوات حازمة لإيقافه. ويمكن أن يستفيد ويتكوف من هذه العلاقات مع الدول الحليفة، لتقوية موقف واشنطن في أي مفاوضات مع طهران، وإذا تمكن من بناء توافق إقليمي حول مسألة إيران، فقد يساعد ذلك على تحقيق تقدم في التعامل مع برنامج طهران النووي والصاروخي.
تحديات متشابكة:
تُعد مهمة ويتكوف في التعامل مع ملف إيران أحد أبرز التحديات التي قد يواجهها في مسيرته الدبلوماسية؛ نظراً لتعقد المشهد الإقليمي الراهن، والخصومة الطويلة بين واشنطن وطهران. وعلى الرغم من أن ويتكوف يتمتع بخبرة كبيرة في المجالات الاقتصادية والتفاوضية؛ فإن تعامله المُحتمل مع ملف إيران قد يواجه عدداً من التحديات المتشابكة، منها ما يلي:
1- غياب الثقة المتبادلة: لعل أحد أكبر التحديات التي قد تواجه ويتكوف وفريق ترامب هو غياب الثقة بين الولايات المتحدة وإيران. فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، تشوب العلاقات بين البلدين حالة من التوتر المستمر، وقد زاد من حدة هذا التوتر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى. وهذه العقبة تُصعب على إدارة ترامب إيجاد أرضية مشتركة للبدء في مفاوضات مع طهران. من جانبها، تشكك إيران في النيات الأمريكية، وتعتبر أن واشنطن تسعى للإطاحة بنظامها الحاكم أو على الأقل إضعافه؛ ومن ثم سيكون من الصعب إقناع القيادة الإيرانية بأنها ستستفيد من أي مفاوضات جديدة أو أنها ستحصل على مكاسب حقيقية.
2- النفوذ الإيراني في المنطقة: تمتلك إيران شبكة من النفوذ الإقليمي من خلال دعمها لجماعات مسلحة في عدة دول عربية، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والجماعات المسلحة في العراق، وإن كان هذا المحور الإيراني قد تراجع نفوذه في ضوء نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وما ارتبط بها من تصعيد في عدة جبهات إقليمية، ناهيك عن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. وفي ضوء ذلك، فإن أي تحرك أمريكي لفرض مزيد من الضغط على إيران قد يُقابل بردود فعل عنيفة من الجماعات المدعومة من طهران، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة ويتكوف. وبالرغم من أن تلك الجماعات أصبحت ضعيفة مقارنة بمرحلة ما قبل 7 أكتوبر 2023؛ فإنها ما تزال تُمثل تحدياً لواشنطن؛ لأنها تُعد أوراقاً بيد إيران قد تستخدمها في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة.
3- تأثير روسيا والصين: إضافة إلى الولايات المتحدة، هناك قوى دولية أخرى تؤدي دوراً مهماً في الملف الإيراني، مثل روسيا التي تدعم طهران في العديد من الملفات الإقليمية وتعتبرها شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، وكذلك الصين التي تربطها علاقات تجارية واقتصادية قوية مع إيران وتعتبرها جزءاً من مبادرة “الحزام والطريق”. ولا شك في أن جود هذه القوى الدولية قد يُصعب على الولايات المتحدة فرض إرادتها بشكل منفرد على إيران، وربما يجد ويتكوف نفسه مضطراً للتعامل مع هذه القوى كجزء من الاستراتيجية الأمريكية تجاه طهران. كما أن أي محاولة لفرض مزيج من العزلة على إيران اقتصادياً أو سياسياً، قد تُقَابل بمقاومة من روسيا والصين، حيث إنهما قد يريان في العقوبات الأمريكية على طهران تهديداً لمصالحهما.
4- الانقسام الأمريكي تجاه إيران: ثمة انقسام داخل الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين حول كيفية التعامل مع إيران. فبينما يدعو الجمهوريون إلى اتخاذ موقف حازم ضد طهران ويطالبون بالاستمرار في سياسة “الضغوط القصوى”، فإن الديمقراطيين يسعون إلى انتهاج مسار دبلوماسي أكثر مرونة، والعودة إلى الاتفاق النووي المُوقع عام 2015. وهذا الانقسام قد يجعل من مهمة ويتكوف أكثر صعوبة، حيث سيجد نفسه مضطراً لموازنة الضغوط الداخلية والتوجهات المختلفة لأعضاء الكونغرس.
5- الوضع الاقتصادي في إيران: قد يُمثل وضع الاقتصاد الإيراني تحدياً وفرصة في آن واحد، فبينما تُعاني إيران من مشكلات اقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية، قد تجد القيادة الإيرانية في هذه الصعوبات حافزاً لـ”المقاومة” بدلاً من تقديم التنازلات. وتاريخياً، أظهرت إيران قدرة على التكيف مع الضغوط الاقتصادية عليها، وتحويلها إلى دافع لتطوير بنيتها الاقتصادية الداخلية والاعتماد على الذات. لذا، فإن ويتكوف قد يحتاج إلى استراتيجيات مبتكرة لإقناع إيران بأن التنازل والتفاوض أفضل من استمرار “مقاومة” العقوبات، بل ربما يحتاج أيضاً إلى التفكير في كيفية تقديم حوافز اقتصادية لطهران مقابل تقديم تنازلات في برنامجها النووي والصاروخي أو الحد من تدخلها في شؤون الدول الأخرى بالمنطقة.
سيناريوهات مُحتملة:
في ضوء الاتجاه لتكليف ويتكوف بملف إيران، يمكن استشراف بعض سيناريوهات السياسة الأمريكية لإدارة ترامب تجاه طهران، كالتالي:
1- الضغوط مع المرونة الدبلوماسية: يبدو أن السيناريو الأرجح هو استمرار سياسة “الضغوط القصوى” مع منح بعض المرونة الدبلوماسية لفتح قنوات اتصال مع إيران. وقد تختار إدارة ترامب الحالية استراتيجية تعتمد على العقوبات والضغوط الاقتصادية، بالتزامن مع تقديم بعض الحوافز الاقتصادية مقابل تنازلات من الجانب الإيراني.
2- إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت: في حال نجاح الجهود الدبلوماسية بقيادة ويتكوف، ربما تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق مؤقت، يشمل تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات عليها.
3- العودة إلى المواجهة المفتوحة: إذا فشلت الجهود الدبلوماسية وتصاعدت التوترات بين واشنطن وطهران، فقد تعود إدارة ترامب إلى نهج أكثر تصعيداً، بما في ذلك فرض عقوبات أشد أو حتى دراسة خيارات عسكرية محدودة. لكن هذا الخيار سيظل معقداً، ويحتاج إلى نوع من المغامرة الأمريكية، بسبب المخاطر الإقليمية الكبيرة التي قد تنتج عن أي مواجهة عسكرية مع إيران.
ختاماً، يعكس اتجاه إدارة ترامب لتكليف ويتكوف، ضمن فريق، بالتعامل مع ملف إيران، ليس فقط مدى تعقيد هذا الملف وأهميته في السياسة الخارجية الأمريكية، لكن أيضاً رغبة واشنطن في استكشاف مسارات جديدة للتعامل مع ذلك الملف الشائك، من خلال اختبار إمكانيات الحلول الدبلوماسية جنباً إلى جنب مع استمرار “الضغوط القصوى”.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”