دمشق "العُمانية": تفتح قصائد الشاعرة السورية هبة شريقي الباب على مصراعيه للتأمل بجماليات الحياة، حيث كلُّ ألمٍ نافذة يطلّ منها الأمل، وكلّ ظلمةِ ليل تفضي إلى صبحٍ مشرق، لذا تهدي الشاعرة ديوانها "مرآة لوجه ضائع" إلى "الحالمين" و"إلى كل مَن يقابل الصدمات بضحكة طويلة جداً ثم يبكي متحجّجاً بها".

يضم الديوان الصادر عن دار نينوى في 120 صفحة من القطع المتوسط، قرابة أربعين قصيدة تناولت موضوعات عدة، عن الذات التي تقترب منها الشاعرة وتلامس هواجسها، وعن الأب الذي يحمل قلب طفل ويبدو كما فجر الخريف الهادئ ورغيف الزعتر، وعن أحوال القلب العاشق، والحزن الذي يشتد كلما نظر الوجه إلى المرآة، وعن البسمة والضحكة وزقزقات الطيور.

واللافت في شعر شريقي -صاحبة التجربة في كتابة الشعر بالمحكية أيضاً- اقتناصها الصور الفارقة التي تبدو ابنة اللحظة، وتطويع كل جديد تراه ليصبح جملة شعرية عذبة منظومة بلغة رشيقة حيوية وجمل سريعة الإيقاع، كما في قصيدتها "رقصة أخيرة" التي تقول فيها: "سأقول: (كنّا)/ ثم أمشي/ مثل موسيقى على وتر الطريق/ سأقول:/ (لا أحتاج أن أبكي)/ وأبكي/ مثل طفل راعه وهج الحريق".

تكثر الحواريات الذاتية في نصوص شريقي وهي تحاول أن تقترب من هواجس الذات ومخاوفها، حيث نراها تنفصل عن ذاتها وتواجهها وتسائلها وتُطمئنها وتستمع لشؤونها وشجونها، كما في قصيدتها "اعتراف" ومنها: "أحنّ إليّ/ وأعرف أني جد بعيدة/ وأعرف أن فؤادي ضعيف/ وأني إذا رحت صوبي/ سأعشق أي خيال على الدرب يبكي/ وأن الخيال وحيد وعار/ سيلبس روحي ثيابًا جديدة/ سأعشق كل احتمال جديد لعشق أخير/ وأبقى وحيدة".

ومن اللافت أيضاً أن الشاعرة تؤنسن كل ما حولها من موجودات أو مشاعر، وهو ما منحها قدرة على ابتداع الصور الفنية والتقاط مشاهد فريدة وتسليط الضوء عليها بهدف التأمل العميق فيها، وهنا لا تقتصر الحياة على الإنسان الذي يرى الكون بعينيه، بل تمتد لتشمل الكون الذي يحيط بالإنسان ليتقاطع معه ومع مشاعره في كل تفصيلة، وهكذا تصبح الليالي وحشاً، والذكريات خيالاتٍ تتكاثر، وتصبح أحداث الماضي رفات السنين، والمعاني جداراً تستيقظ الأغاني فيمَن يتخطاه، والبكاء ألغاماً بالدرب، والحزن أثواباً للوقت: "لست أدري/ تثاقلت الذكريات على ظهر ذاكرتي؛ فحنى/ لست أدري متى بالتمام هجرت الـ(أنا)/ لست أدري/ تنازلت عن حق نفسي عليّ/ بألا أسوي ما لا تريد/ كنت أعشق نفسي/ تماما كما تعشق النار طعم الحديد".

ترصد شريقي تحولات الذات الأنثوية برهافة حسية، وتشتبك مع السياقات الجمعية، دافعةً القارئ إلى حالة من التأمل المحمَّل بطاقة شعورية كبرى، وتُبرز خلال ذلك قدرتها على التعبير عن مكنونات المشاعر الإنسانية حدَّ الاقتراب منها ولمسها، وكذلك أسطَرتها كما في قصيدتها "بكاء على أطلال الفرح"، المستوحاة من الأسطورة السومرية عشتار التي كانت تدور بين عالم البشر بحثاً عن ضحايا لحبّها حتى وصلت إلى ملوك البشر فكانت تأخذ ما يملكون وتعِدُهم بالزواج حتى إذا أخذت كل شيء تركتهم ليبكوها ليلَ نهار إلى أن وصلت إلى راعي أغنام فتنه جمالُها وراح يذبح لها كل يوم شاةً لتبقى معه أطول وقت ممكن إلى أن جاء يوم لم يبقَ لديه فيه ما يقدمه لها، فرحلت، وعندها ما كان منه إلا أن سرق شاةً وراح يبحث عن عشتار منادياً باسمها، ومنذ ذلك اليوم صار الراعي ذئباً يسرق الشياه من الرعاة ويبحث عن فاتنته عشتار علّها تعود إليه يوماً.

تقول شريقي في هذه القصيدة التي تُبرز فتنة الأنوثة وقوة الحب في آن: "يا أيها الراعي الحزين/ وضحكتي/ تشفي جراحًا في الهوى تتقرّح/ لا تذبح الشاة الأخيرة، إني بشغاف صوتك أحتمي/ أتلفّح/ خذني إلى ليل البراري ذئبة/ ندمي عجوز/ والخيال مجنّح".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

70 بالمئة من المفقودين في سهل نينوى.. مصير مجهول وأمل ضائع

بغداد اليوم - نينوى

أكد مجلس محافظة نينوى، اليوم الاثنين (17 شباط 2025)، أن 70% من الأشخاص الذين فقدوا في أعقاب سيطرة داعش الارهابي على سهل نينوى لا يزال مصيرهم مجهولا.

وقال عضو مجلس المحافظة، محمد عارف، في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "تنظيم داعش قام بخطف عدد كبير من أبناء القرى والقصبات والمدن في سهل نينوى خلال فترة سيطرته على المنطقة بعد حزيران 2014"، لافتاً إلى أن "70% منهم لا يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن، بينهم أطفال ونساء ومسنين".

وأضاف، أن "جثتين من المفقودين تم العثور عليهما في الأسابيع الماضية خلال اكتشاف مقبرة في محيط سجن بادوش، مما يعزز الفرضية بأن مصير العديد من المفقودين قد يكون في مقابر جماعية لم يتم اكتشافها بعد".

وأشار إلى أن "سنجار تمثل النسبة الأكبر من المفقودين خلال فترة سيطرة داعش على مناطق نينوى، ولا يزال مصير عدد كبير من الأشخاص غير معلوم".

وأكد عارف، أن "الملف مفتوح، وهناك مساعٍ مستمرة لكشف مصير المفقودين من خلال البحث عن أي معلومات قد تقود إلى معرفة مصيرهم"، موضحا، أن "كل خبر يتعلق باكتشاف مقبرة جماعية يعيد الأمل إلى الأهالي، رغم أنهم يعيشون حالة نفسية صعبة بسبب غموض مصير أحبائهم"، مضيفا أن "هذا الملف الإنساني لم يتم حسمه منذ أكثر من 10 أعوام".

وفي أعقاب سيطرة تنظيم داعش على مناطق سهل نينوى منذ يونيو 2014، تعرض الآلاف من سكان المنطقة للاختطاف والمأساة. وعلى الرغم من الأمل الذي ينعش كل خبر جديد عن اكتشاف مقبرة جماعية أو العثور على جثث من المفقودين، إلا أن الأهالي لا يزالون يعانون من غموض شديد يكتنف مصير أحبائهم.

ويظل هذا الملف الإنساني من أكبر القضايا العالقة في العراق منذ نحو أكثر من 10 سنوات، حيث يسعى الجميع إلى معرفة الحقيقة، لكن دون أن تلوح النهاية في الأفق.

مقالات مشابهة

  • عناق الذات أفضل من كل هذا العبث
  • الأظافر.. مرآة الصحة وعلامة على طول العمر المتوقع
  • لوفيغارو: ترامب مرآة تعكس ضعف أوروبا وجبنها وأخطاءها الإستراتيجية
  • أحدث ظهور لهبة مجدي مع زوجها بسلطنة عمّان
  • يا ناس: تساؤلاتٌ عن عالم ضائع
  • تقنية الفار مهددة بالإيقاف بالدوري العراقي
  • الندم المزيف
  • 70 بالمئة من المفقودين في سهل نينوى.. مصير مجهول وأمل ضائع
  • القوات: انتهى الزمن الذي كانت إيران تعتبر فيه بيروت إحدى العواصم التي تسيطر عليها