التآكل البنيوي للنظام السوري
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
التآكل البنيوي للنظام السوري
التآكل البنيوي للنظام السوري، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والأخلاقي والأيديولوجي، ينهش قلب الأسد من الداخل.
العالم يُدرك بشكل ملموس بأنه لا سلام وعدل للسوريين، بدون معالجة جذرية لجرائم الأسد ونظامه، وتشكل مرتكز الكارثة منذ خمسة عقود.
دار نظام الأسد منذ 2011 في دورة حقد وانتقام وثأر من السوريين مستخدماً كل الجرائم والوسائل التي تمكنه من تدمير المجتمع الثائر ضده!
يمتلك الشعب السوري أسباب بالآلاف تدعوه للثورة على ديكتاتور بحجم الأب، وفي ذاكرتهم ووعيهم ملايين الأسباب تدفع للتفكير بأن يكون مستقبل سوريا حراً بدون ابنه المجرم.
للخروج من أزمات مستعصية في المعيشة والأمن والكرامة، لم يعد أمام السوريين إلا الانتظام في بوتقة واحدة تكررت منذ أيام في دمشق وريفها، ومن الجنوب إلى الساحل السوري.
يبدأ خلاص السوريين برحيل الأسد وعصابته كما اتضح من الشعارات والهتافات المرفوعة ردا على ما وصلت إليه أوضاع السوريين من قمعٍ وقتلٍ وتفقير وتهجير، وهدر للكرامة الإنسانية.
* * *
تزداد الضغوط التي يرزح تحتها المجتمع السوري، بعد عقدٍ من تحطيمه وقتله وتهجير الملايين منه، وقبضة النظام السوري الأمنية في مناطق سيطرته والتي أعادها لسطوته لم تُقدم للسوريين إلا الإفلاس.
ظهر الإفلاس على النظام السوري في تصديه للشعب السوري الثائر على نظام قمعي ووحشي، وشعاراته عن تحقيق "النصر" على السوريين ومحاربته للمؤامرة وغيرها من الذرائع؛ استخدمت لتغطية جرائم كبرى ارتكبها النظام بحق ملايين السوريين الذين يراهم الأسد في "نيفٍ" زاد عن المائة ألف متظاهر سوري كما في أكاذيبه الاعلامية المتخشبة.
الظن أن هذه الشعارات ستملأ بطن الجائعين من حاضنته الشعبية، أدى لتململ تطور نحو تحدي النظام من مؤيديه السابقين وقد تحولوا لمعارضين لسياساته الاقتصادية والأمنية، وأطلقوا شعارات توحد مطالب السوريين.
وللخروج من أزمات مستعصية في المعيشة والأمن والكرامة الإنسانية، لم يعد أمام السوريين سوى الانتظام في بوتقة واحدة تكررت منذ أيام في دمشق وريفها، ومن الجنوب إلى الساحل السوري، بأن خلاصهم يبدأ برحيل الأسد وعصابته، كما اتضح من الشعارات والهتافات المرفوعة ردا على ما وصلت إليه أوضاع السوريين من قمعٍ وقتلٍ وتفقير وتهجير، وهدر للكرامة الإنسانية.
في دورة الحقد والانتقام والثأر من السوريين، التي دار فيها نظام الأسد منذ العام 2011، مستخدماً كل الجرائم والوسائل التي تمكنه من تدمير المجتمع الثائر ضده، استمع الشعب السوري طيلة سنوات تحطيمه لسيل من بلاهة التصريحات والمواقف العربية والغربية، والمراهنة على إعادة تعويم النظام.
فرغم تاريخ عذابات السوريين مع نظام الأسد، لم يُنصف أحد السوريين إلى اليوم، بل زادت كل الصفات المأساوية التصاقاً بهم، وتُشعرهم بالنقص والسلب والإهانة والعنصرية، قبل أن يعطف عليهم انحطاط القيم الإنسانية بصفة "إرهابيين" في وطنهم وفي بلاد التشرد.
وقد قيل في الماضي القريب إن السوري الجيد هو القابع تحت سيطرة الأسد يمجده ويثني على جرائمه. هكذا قدم الأسد حاضنته لبقية السوريين والعالم، وشوه بتزييف مماثل نزع الكرامة الإنسانية والوطنية عنهم.
هذا السوري المنسي والمعذب، ينتسب لسهول القمح وأرض الزيتون والقطن والخضار والحمضيات، وفي جوفها خيرات كثيرة من بترول وغاز وفوسفات، وقد أصبحت رهينة في أيدي احتلال قايض مساندة وجود الأسد مقابل السيطرة على موارد الشعب السوري وفاقم من معاناته اليومية.
يرى هذا السوري كل لحظة السطو على جزء من أرضه وتاريخه وثرواته لمحاولة طمس الحقائق وقتل روح التمرد بمعاقبته وسحقه وإذلاله، لكن لا يمكن لهذه السياسات والإجراءات التي جرب معظمها الأسد على أجساد السوريين بمساعدة حلفائه، أن تضمن له استمرارية في حياتهم ووجودهم المستقبلي.
تقديم أساليب المراوغة لجأ إليها طغاة ومحتلون كُثر في التاريخ لحماية أنفسهم، لكن الواقع قدم نتائج مغايرة لأوهام المراغة والتزييف، وكان لها مفعول مختلف.
وإذا كان من المعترف به أن السوريين قدموا تضحياتٍ لمواجهة أعتى الأنظمة وحشية في بلدهم، ومواجهة خذلان العالم كله، بما فيه خذلان من "واكب" تضحياتهم لفظاً، فإن الطموحات والهمم عالية وعالية جداً، كما واكبناها في الجنوب السوري من درعا والسويداء.
وفي شجاعة من حطم أسوار الخوف في الساحل السوري، فتلك من المنجزات التي حققها السوريون في ثورتهم وتضحياتهم، وبعد افتضاح وحدة الجبهة المعادية لهم عربياً وإقليمياً، مع بروباغندا تحاول إثبات بطلان وزيف حرية السوريين وربطهم بالمؤامرة، وتقديمهم كقاصرين لا يمكن لهم العيش دون أن يحكمهم فاشي بوزن الأسد.
تبقى القضية الناشئة أمام الشعب السوري، في تجديد ثورته على الطاغية الأسدي، رغم موجات القتل والدمار التي تُفسح المجال لمراكمة أسباب للتخلص من هذا النظام وببدائل كانت مطروحة منذ البداية، لكن وحشية النظام غطت على كل شيء.
وبدون الشعور بالحاجة لتضييق الخناق على النظام، لن يكون هناك خلاص قريب من كل الآلام والأوجاع. وفي هذا المجال يمكننا التقرير بأن العالم يُدرك بشكل ملموس بأنه لا يمكن تحقيق سلام وعدل للسوريين، بدون معالجة جذرية لجرائم الأسد ونظامه، والتي تشكل مرتكز الكارثة منذ خمسة عقود.
والقضية السورية ليست مطلبية في يومياتها لخبزٍ وكهرباء وماء، مع أنها أسباب لاندلاع ثورات في التاريخ، وعلى نظام أهدر مقدرات السوريين واستحوذ عليها مع عائلته.
بل هناك أسباب سورية بحتة متراكمة بأطنان الأدلة والبراهين بأن السوريين لديهم الحق والرغبة في الحرية والكرامة والمواطنة والتخلص من الاستبداد، ومحاسبته عن الجرائم المثبت ضلوعه بها.
أخيراً، التآكل البنيوي للنظام السوري، على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري والأخلاقي والأيديولوجي، ينهش قلب الأسد من الداخل، ولأن الشعب السوري يمتلك منذ الأسد الأب آلاف الأسباب اليومية التي تدعوه للثورة على ديكتاتور بحجم الأب، وأصبح في ذاكرة ووعي السوريين ملايين الأسباب التي تدفعهم للتفكير بأن يكون مستقبل سوريا حراً بدون الابن المجرم.
*نزار السهلي كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سوريا ثورة الأسد احتجاجات أزمات القمع نظام الأسد النظام السوري الشعب السوري الشعب السوری الأسد من
إقرأ أيضاً:
معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.
وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.
ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.
لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".
لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.
تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.
بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.
إعلانويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.
ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".
بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.
وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.
ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.
نزوح متكرر
يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).
كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".
ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.
اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.
إعلانويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.
مجازر وانتهاكات
تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.
ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".
وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.
انتشار المخدرات
كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.
إعلانوعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.
ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.
وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.
وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.
ضحايا مشتركونيصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.
همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.
ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.