الجارديان: انقسام قادة أوروبا بشأن كيفية التعامل مع "«عالم ترامب الجديد»
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تحليلا أعده المحرر الدبلوماسي باتريك وينتور، سلط فيه الضوء على خطاب نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس في ميونيخ، والذي وجه فيه انتقادات لاذعة لأوروبا، معتبرا أنه يكشف النقاب عن أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة في ولايته الثانية ستكون بمثابة "قوة مزعزعة وفوضوية تفوق بكثير أسوأ مخاوف الدبلوماسيين البريطانيين والأوروبيين ودبلوماسيين الشرق الأوسط".
وقال ونيتور في مستهل مقاله إنه في الوقت الذي يجتمع فيه القادة الأوروبيون في باريس اليوم الاثنين، للتحضير لرد موحد على استبعادهم الواضح من المحادثات المرتقبة بين واشنطن وموسكو بشأن مستقبل أوكرانيا، فإن السؤال الأهم الذي يشغل ذهن كل قادة أوروبا، هو "كيفية التأثير على رئيس أمريكي، فهو في الوقت الحالي جامح لا يقيده شيء.
وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر ميونخ للأمن، قدم الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب بعض النصائح لدول الشمال الأوروبي، قائلا: "نحن الفنلنديون في مثل هذه المواقف نتمتع بالهدوء والرصانة".
وفي مواجهة ما وصفه بـ"صخب" الدبلوماسية المتوترة، قال ستوب: "نحن بحاجة إلى التحدث أقل والقيام بالمزيد من الأفعال".
وفي سياق متصل، أقر نظيره اللاتفي إيدجار رينكيفيتش بأن "مثل هذه المناقشات حول علاقة أوروبا بالولايات المتحدة تشبه الاستشارات النفسية".
وقال: "أشعر بالقلق من أن جزءاً من الثقافة الأوروبية قد لا يكون جذابا لأمريكا الحديثة.. ونحن نحاول التفكير والبحث عن الحل الأمثل.. نحن نركز على العملية وليس على النتائج".
وعلى صعيد متصل، حث رئيس الوزراء الأيسلندي الجديد كريسترون فروستادوتير أوروبا على محاولة تهدئة الأمور، قائلا: "هناك الكثير من الكلام الفارغ ولا يوجد الكثير من الوضوح فيما يتعلق بما تقوله الولايات المتحدة.. دعونا نتأكد من أننا لا نتفاعل مع الأشياء الخاطئة، فإننا لا يمكننا الاستغناء عن الأمريكيين".
واعتبر وينتور، في مقاله، أن "القول أسهل من الفعل"، مشيرا إلى أن تصريحات دي فانس، التي أيد فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي قبل أيام من بدء الحملة الانتخابية في ألمانيا، تشير إلى أنه من الصعب على أغلب الألمان أن يعتقدوا أن أمريكا تصغى إليهم، مثلما يحاول المسؤولون الأمريكيون التأكيد على ذلك بشكل غير معلن.
ومن جهته، وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي حول أوروبا بأنها "غير مقبولة"، معربا عن معارضته الشديدة للانطباع الذي أعطاه فانس بأن أوروبا تقمع أو تُسكت الأقليات.
وأشار وينتور إلى الإجماع الذي نشأ خلال مؤتمر ميونخ والأيام التي سبقتها، ويرجح أن ترامب في ولايته الثانية يمثل قوة أكثر إرباكا وفوضى من أسوأ مخاوف الدبلوماسيين البريطانيين والأوروبيين والشرق الأوسطيين.. ورأى أن السياسة الخارجية الأمريكية أضحت تسيطر عليها القرارات المفاجئة وغير المكتملة التي تتبعها العديد من الأوامر التنفيذية.
ولفت إلى تصريح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (إم أي 6) السير أليكس يانجر الذي انتقد فيه نهج ترامب، وقال إن "ترامب دشن نظاما عالميا غير أخلاقي خال من القواعد، حيث السلعة الأكثر الأهمية هي القوة.. لقد انتقلنا من عالم تحكمه القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف إلى عالم الرجال الأقوياء الذين يعقدون الصفقات على حساب الدول الأضعف والأصغر.. هذا هو عالمنا الجديد.. هذا هو عالم دونالد ترامب الجديد".
مؤتمر ميونيخكما سلط وينتور الضوء على أن مؤتمر ميونخ أظهر أن هناك نقطتين أساسيتين للخلاف الأوروبي، أولهما هي ما إذا كانت القطيعة مع الولايات المتحدة قابلة للتعافي، وما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نهاية المطاف، وهو موضوع يشغل أوروبا بقدر ما يشغلها مساعي ترامب.
ومن ناحية أخرى، تساءلت ناتالي توتشي مديرة معهد روما للشؤون الدولية عما إذا كان هناك شيء أكثر عمقا يجري بين أوروبا والولايات المتحدة. وقالت: "أحد التفسيرات لما حدث في الأيام القليلة الماضية هو أن هذه الإدارة الأمريكية ربما لا تفضل أوروبا كثيرًا، وربما إذا تحركنا من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي وما إلى ذلك، يمكننا بطريقة ما إعادة إحياء الاهتمام الأمريكي وربما حتى عاطفة الولايات المتحدة تجاه أوروبا، بما في ذلك أوكرانيا، وهذا هو السيناريو الأفضل".
وأضافت: "ولكن ألا ينبغي لنا أن نأخذ في الاعتبار أن هناك سيناريو موجودًا، حيث لا يوجد شيء على الإطلاق يمكننا القيام به لإعادة توجيه الإدارة الأمريكية نحو تفضيل أوروبا، وبالتالي نحن وحدنا في مواجهة إدارة أمريكية تريد عمدا إضعافنا وتقسيمنا".
وأشار وينتور إلى أن فريدريش ميرز المرشح الأوفر حظاً لمنصب المستشار المقبل لألمانيا بعد الانتخابات التي ستجري هذا الشهر، لم ينتقد الإدارة الأمريكية مثل توتشي، لكنه أقر بأن خطاب فانس قد وسع نطاق نقاط الخلاف بين أوروبا والولايات المتحدة.
وقال ميرز، في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى أنصاره، "لقد اكتسبت الخلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا نوعية جديدة تماما.. إن الأمر يتعلق الآن بفهمنا الأساسي للديمقراطية، ويتعلق الأمر الآن باستقلال المحاكم وفصل السلطات والإجماع الأساسي حتى الآن بشأن التهديدات الفعلية لحريتنا".
كما حذر روبرت هابيك نائب المستشار الألماني من أن شيئاً أساسياً قد تغير في علاقة واشنطن بباقي العواصم الأوروبية، قائلا "إن الإدارة الأمريكية انحازت بلاغياً وسياسياً إلى جانب المستبدين".
وتابع وينتور "إن معظم الساسة الأوروبيين لا يزالوا يرون أنه يمكن إنقاذ علاقة الـ"زواج بلا حب" بين أوروبا وواشنطن"، في إشارة إلى علاقة الولايات المتحدة بأوروبا الآن في ظل إدارة ترامب، معتبرا أن الدول الأوروبية ليست مستعدة لأن تكون بمفردها ضد أي تهديدات خارجية، بدون المظلة النووية الأمريكية.
واختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن الدول الأوروبية عليها التركيز على تعزيز إنفاقها الدفاعي، ليس فقط لأنه من شأنه أن يجعل أوروبا في نهاية المطاف أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، ولكن لأنه قد يكون السبيل الوحيد لاقناع ترامب بعدم تعريض أمن أوروبا وأوكرانيا للخطر.
اقرأ أيضاًاشتُهر بمواقفه الصارمة تجاه أمريكا.. محطات بارزة بحياة بطرس غالي في ذكرى وفاته
استخدمتها في اغتيال نصر الله.. .. معلومات عن القنبلة «MK-84» هدية أمريكا لإسرائيل
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الشرق الأوسط أمريكا ترامب دونالد ترامب صحيفة الجارديان أروبا الإدارة الأمریکیة الولایات المتحدة إلى أن
إقرأ أيضاً:
تخوف إسرائيلي: الولايات المتحدة ستتركنا لمصيرنا في مرحلة ما
رغم ترحيب إسرائيل بالهجمات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين في اليمن، فإن التقديرات في تل أبيب تشير إلى أن واشنطن تواجه فشلًا سريعًا لمبدأ "الصفقة السريعة" الذي تتبناه إدارة ترامب. فقد أدرك الرئيس الأمريكي أخيرًا أن الحلول السريعة غير ممكنة في مثل هذه القضايا المعقدة. وبسبب سياسته المعلنة بالانعزال عن الشرق الأوسط، وجدت الولايات المتحدة نفسها غارقة بشكل أعمق في أزماته.
حاييم غولوفنتسيتس خبير شؤون الشرق الأوسط، والمحاضر بجامعة بار إيلان، والمدرب لأفراد قوات الأمن في كلية نتانيا، ذكر أنه "في الوقت الذي مثّل فيه الهجوم الأمريكي على الحوثيين تغييراً مرحباً به في تل أبيب، لكنه شكل استيعاباً سريعاً نسبياً لفشل مبدأ الصفقة السريعة، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي طويل الأمد على دولة الاحتلال، ولأجيال قادمة".
وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "خيبة الأمل الإسرائيلية من عدم جدوى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لم تقتصر على فشل ضرباتها الأخيرة ضد الحوثيين فقط، بل من رفض جميع العرب، حتى من يُعتبرون حلفاء للولايات المتحدة ومقربين منها، لخطة ترامب الخاصة بتهجير الفلسطينيين من غزة رفضًا قاطعًا، مهما كانت التكلفة، مما أظهره كمن يروّج أفكارا ميؤوسا منها، وانتهى بمفاوضات منفصلة وراء ظهر إسرائيل مع حماس نفسها".
وأشار أنني "لا أجد مشكلة في إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس والحوثيين وحزب الله معًا، بقدر الضرورة، لكن اتضح أن مليارديرًا مثل ترامب لم يتعلم بعد ما نسيه من نشأوا في أزقة مخيمات اللاجئين منذ زمن طويل".
وأوضح أن "الهجوم الأمريكي على الحوثيين يشير إلى أن شيئًا خاطئا قد حدث في واشنطن، وأن ترامب بدأ يدرك أنه لا توجد حلول فورية للمشاكل المعقدة، خاصة في الشرق الأوسط، التي أعلن تجاهه عن سياسة انعزالية مُعلنة، وفي الوقت ذاته شنّت حملةً حربيةً في اليمن، وهي متورطةٌ بعمق في السياسة الداخلية لسوريا ولبنان ودول الخليج، ويصعب تصور كيف ستسحب قواتها من سوريا والعراق في الوقت الحالي".
وأكد أن "المنطق الأمريكي، ومنطق ترامب تحديدًا، يجد صعوبةً في فهم، كما فعل أسلافه، كيف يرفض أي طرفٍ فلسطيني عربي منخرط في الصراع توقيع صفقةٍ تتضمن مزايا اقتصادية، واستثماراتٍ دوليةً واعدةً، ووعدًا بحياةٍ أفضل في أبراجٍ فاخرةٍ مطلةٍ على البحر، مما يدفعه لأن يسأل نفسه عمّا يريده الفلسطينيون، وبالمصطلح الأمريكي "السكان الأصليون"، ولماذا يُفضّلون الاستمرار بتناول خبز الطابون بدلًا من الخضوع لأي إملاءاتٍ خارجية".
وأوضح أنه "من الناحية العملياتية يُظهر مبعوثو ترامب بشكل متزايد أن الإيرانيين وحماس والحوثيين والسوريين والأتراك، يُصرّون على الاستمرار بالتلويح بسيوفهم، ولا يزالون يُصرّون على ذلك، ورغم الوضع القاسي موضوعيًا في بلادهم، لكن ثمة رؤى أخرى تتعلق بقضايا الشرف الوطني والدم والأرض والانتقام، صحيح أن ذلك قد يدفع ترامب للرد بقوة سريعة نسبيًا، ويهدد باستخدام قوة أكبر لاحقًا، كما جرت العادة، لكن ذلك لن يكون مجدياً".
وختم بالقول أن "هذه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ستترك آثارها الاستراتيجية السلبية على دولة الاحتلال، ولأجيال قادمة، وسيظلّ الشرق الأوسط، للأسف، بؤرةً للاضطرابات العالمية، ولاعبًا رئيسيًا في الصراع الدائر بين القوى العظمى، وبالتالي ستأتي إدارة أمريكية وترحل، تارةً متعاطفة مع دولة الاحتلال، وتارةً أخرى أقل تعاطفًا، وتارةً متشددة تجاهها".
وأكد أنه "في نهاية المطاف، ورغم الدعم الأمريكي الحالي لدولة الاحتلال بالسلاح والمال، لكن من الممكن في مرحلة ما في المستقبل، وفي ضوء استيعاب الفجوة الثقافية والقيمية التي لا يمكن تجاوزها بين أمريكا وبين دول الشرق الأوسط، أن تُقرر مجددًا الالتزام بمبادئ "مونرو"، والانفصال عن المنطقة، وترك دولة الاحتلال لمصيرها، وبالتالي ستبقى وجود إيران النووية الآن أو في المستقبل، بجانب لبنان وسوريا ومصر والأردن، وبالطبع الفلسطينيين، كلها مشاكل وتحديات ستظلّ في المقام الأول مشكلة إسرائيلية غير قابلة للحلّ".