يمانيون/ تقارير
في محاضراته وضمن مشروعه الثقافي كان الشهيد القائد من أوائل من اكتشفوا المؤامرة الأمريكية وما يسمى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأنها صناعة أمريكية وهدفها احتلال الشعوب والهيمنة على العالم خاصة العالم الإسلامي، وقد تناول السياسة الأمريكية بشكل دقيق كاشفا لنواياها، معريا لأهدافها، منبها الشعوب الإسلامية لخطورتها، وداعيا إلى مواجهتها.
((أمريكا تتصرف تصرف العدو مع هذه الشعوب، وعدوك هو من يكتفي بشبهة معك ليعمل كل ما يعمله ضدك ولا ينتظر أدلة، ولا ينتظر محاكمة ولا ينتظر شيئا، فعندما يرى نفسه متمكنا يضربك بدون أن ينتظر للأدلة)).
ثم يؤكد الشهيد القائد أن محاولة كسب رضا أمريكا سياسة خاسرة ولن تنفع اليمن، إنما تقدم لهم مبرراً يحاجون به النظام ورئيسه وبما يمكنهم من أن يتدخلوا أكثر: ((إذاً فأنت عندما تريد أن تكسب رضاهم فتقول: أنا فعلاً لدي إرهابيون، ونحن عانينا من الإرهاب، ونحن سننطلق معكم لنكافح هذا الإرهاب. فبدلاً من أن يشكروك على ذلك إنهم من يعتبرون قولك ذلك وسيلة لأن يدخلوا إلى بلدك. وحينئذٍ سيحاجونك بماذا؟. سيحاجونك بالاتفاق الذي قد حصل من جانبك؛ بالموافقة التي قد حصلت من جانبك على أن تكون أمريكا هي التي تتولى التحالف الدولي ضد الإرهاب)).
الأمريكيون أعداء ويجب أن نتعامل معهم أنهم أعداء
ويقول الشهيد القائد -رضوان الله عليه- إن الطريقة الصحيحة لمواجهة مشاريع الهيمنة الأمريكية أن نتعامل معهم أنهم أعداء: ((إن الله عندما يقول لنا إنهم أعداء إنه يريد منا أن نتعامل معهم كأعداء, وعدوك عدو من هذا النوع يجب أن تقف في وجهه، حتى لا يفكر بأن يعمل ضدك أي عمل، فيراك أنت متأهبا تماماً لمواجهته ولقطع يده. هذا ما يجب أن يكون عليه اليمن، وإلا فسيرى علي عبد الله نفسه يقع في المأزق الذي فيه عرفات فعلاً)).
الأمريكيون هم من يصدرون الإرهاب وهم جذور الإرهاب ومنبعه
ويؤكد الشهيد القائد بأن أمريكا منبع الإرهاب وجذوره: ((الأمريكيون لا يهمهم مكافحة إرهاب، هم من يصدرون الإرهاب، وهم جذور الإرهاب، وهم منبع الإرهاب؛ الأمريكيون أنفسهم. أمريكا هي الشيطان الأكبر – كما قال الإمام الخميني – هي من تثير الفتن وتثير القلاقل، ومن تصدر الإرهاب في العالم كله. مَن وراء إسرائيل؟ أليست أمريكا وراء إسرائيل؟ ألم يظهر الرئيس الأمريكي بالشكل الصريح متعاطفا مع إسرائيل، ويصنف الفلسطينيين المساكين المظلومين بأنهم إرهابيون. هل هذه الدولة، أمريكا، يصح أن تعطى هذا المقام وهذا المنصب؟ أن تكون هي من يقود التحالف ضد الإرهاب، وهي من تدعم الإرهاب الكبير, تدعم إسرائيل؟ هل يثق بها العرب أنها ستكافح الإرهاب؟
إن موقفها في فلسطين، موقفها من “إسرائيل” هو واضح بالشكل الذي يفضح أمريكا ويفضح من يقف معها أنها لا يمكن أن يوثق بها أن تكون دولة تقود مكافحة الإرهاب، تقود الأمم لمكافحة الإرهاب.
ثم لنعُد إلى أنفسنا نحن كمواطنين، كمواطنين مسلمين مؤمنين نؤمن بقول الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) لنقل لأنفسنا إذا ما كنا نميل إلى السكوت، ونقول لأولئك الذين يطلبون منا أن نسكت: إن هؤلاء لا يرضيهم سكوتنا بل يشجعهم سكوتنا، لن يتوقفوا عند حد إذا كنا ساكتين، هاهو الرئيس سكت.. ألم يسكت من البداية، ألم ينطلق هو ليظهر استعداده في الوقوف معهم لمكافحة الإرهاب حتى بمجرد بلاغ كما حصل في المقابلة أمس، بمجرد بلاغ من الأمريكيين يتحرك لمطاردة من قالوا إنهم إرهابيون.
فإذا كان هو لم يُجْدِ معه، لم ينفعه سكوته بل لم ينفعه استعداده فإن هذا يدل على أن سكوتنا لن ينفع، وأننا حتى لو استعدينا أن نقف في مكافحة من قالوا هم إنه إرهابي فإن ذلك لن ينفع؛ لأنهم يريدون شيئاً آخر، هم يريدون أن يهيمنوا على اليمن، أن يثبتوا أقدامهم في اليمن أن يسيطروا عليه مباشرة)).
اليهود والنصارى هم جذور الإرهاب ومنابعه
وفي محاضرة أخرى يؤكد الشهيد القائد أن اليهود والنصارى هم جذور الإرهاب: ((إذا ما سمعنا عن كلمة [جذور إرهاب ومنابع إرهاب] فإن علينا أن نتحدث دائماً عن اليهود والنصارى كما تحدث الله عنهم في القرآن الكريم من أنهم منابع الشر، ومنابع الفساد من لديهم، وأنهم هم من يسعون في الأرض فساداً.
وحينئذٍ سننتصر، وإنه لنصر كبير إذا ما خُضْنَا معركة المصطلحات، نحن الآن في معركة مصطلحات، إذا سمحنا لهم أن ينتصروا فيها فإننا سنكون من نُضرب؛ ليس في معركة المصطلحات بل في معركة النار، إذا ما سمحنا لهم أن تنتصر مفاهيمهم، وتنتصر معانيهم لتترسخ في أوساط الناس)).
الإرهاب في نظر أمريكا هو “الجهاد”
ويقول السيد حسين أيضا: ((والإرهاب ما هو من وجهة نظر أمريكا ما هو الإرهاب؟ في رأس قائمة الإرهاب هو ذلك الجهاد الذي تكررت آياته على صفحات القرآن الكريم، هذا هو الإرهاب رقم واحد من وجهة نظرهم, وهذا هو ما وقّع عليه زعماء العرب، ما وقع زعماء المسلمين على طمسه!)).
أبناء الشعب كلهم في نظر أمريكا إرهابيون
ويؤكد السيد حسين أن الجميع في نظر أمريكا إرهابيون: ((أنتم جميعاً، أبناءْ الشعب هذا كله ممكن أن يكونوا إرهابيين في نظر أمريكا، وستكون أنت إرهابي داخل بيتك؛ لأنه لا يزال في بيتك كتاب إرهابي هو القرآن الكريم، لا زال في بيتك – أنت أيها الزيدي – كتب هي – من وجهة نظر أمريكا – في بداية وفي أول قائمة الكتب الإرهابية، كتب أهل البيت. ليس فقط الوهابيون هم الضحية، ليسوا هم المستهدفين فعلاً، زعماؤهم لن يتعرضوا لسوء)).
يجب أن لا نسمح لعملاء أمريكا بتدجين الأمة
ويرى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أن من الخطورة السماح لأمريكا وادواتها بتدجين الأمة: ((يجب – أيها الإخوة – أن لا نسمح لهذا التَّدجِين الذي يُراد له أن يكون في اليمن وفي بقية شعوب البلاد العربية أن لا تتكلم ضد اليهود، ولا تتكلم ضد النصارى سيقولون إرهابيون، يضربون هذا فتفرح، وتصبح أنت بوق إعلام يعجبك أنهم ضربوا، والحمد لله ضُربوا، ستخلق روحية يحمد الله الآخرون عندما تُضرب أنت، ستعزز في نفوس الناس كلمة: [إرهاب]، كلمة: [إرهابي]، سيقولون إرهابي، وأن يسكتوا عن أمريكا وإسرائيل، أن نسكت عن اليهود والنصارى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} (المائدة: من الآية78) من ذلك الزمان، ثم نسكت عن لعنهم في هذا الزمان؟!. ونحن من نصيح تحت أقدامهم من شدة الألم، من الخزي، من العار، من الذل؟!.
سنلعن اليهود والنصارى، سنلعن أمريكا وإسرائيل، سنلعن أولياءهم حتى تترسخ في أوساطنا في أوساط الشعوب في أوساطنا نحن اليمنيين ما لنا وللآخرين صرخوا أو لم يصرخوا. في أوساطنا لا نسمح لوسائل الإعلام أن تعزز الهزيمة في أنفسنا من خلال ما تعرضه، لا نسمح – ولا للدولة نفسها – أن تطلب منا أن نسكت فنسكت، لا يجوز أن نسكت، لا يجوز أن نسكت أمام الله، وليس هناك أي مبرر إطلاقاً، ليس هناك أي مبرر ديني، وأتحدى.. أتحدى من يمكن أن يخلق أي مبررٍ ديني في وضعية كهذه للسكوت أمام ما يحصل)).
لا يجوز أن نسكت أمام المؤامرات الأمريكية
ويحث الشهيد القائد الجميع على عدم الرضوخ أو السكوت أمام المؤامرة الأمريكية: ((سنصرخ أينما كنا، نحن لا نزال يمنيين، ولا نزال فوق ذلك مسلمين، نحن لا نزال شيعة، نحن لا نزال نحمل روحية أهل البيت التي ما سكتت عن الظالمين، التي لم تسكت يوم انطلق أولئك من علماء السوء من المغفلين الذين لم يفهموا الإسلام فانطلقوا ليدجنوا الأمة للظالمين، فأصبح الظالمون يدجنوننا نحن المسلمين لليهود.
لا يجوز أن نسكتبل يجب أن نكون سباقين، وأن نطلب من الآخرين أن يصرخوا في كل اجتماع في كل جمعة؛ الخطباء، حتى تتبخر كل محاولة لتكميم الأفواه، كل محاولة لأن يسود الصمت ويعيدوا اللحاف من جديد على أعيننا.
لقد تجلى في هذا الزمن أن كُشفت الأقنعة عن الكثير، فهل نأتي نحن لنضع الأقنعة على وجوهنا، ونغمض أعيننا بعد أن تجلت الحقائق، وكُشفت الأقنعة عن وجوه الآخرين؟!. لا يجوز هذا، لا يجوز)).
لن يحمينا من أعدائنا إلا العودة إلى القرآن
لن يحمينا من أعدائنا إلا العودة إلى القرآن الكريم، لن يبقي العلاقة قائمة بيننا وبين ديننا إلا القرآن الكريم، لا يمكن أن يدافع عنا أيضاً إلا القرآن الكريم إذا ما عدنا إليه.
يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، أن نعود إلى القرآن الكريم، وأن نتفهم عظمة هذا الدين، وأن نتفهم حاجتنا إلى هذا الدين، نحن محتاجون إليه أكثر من حاجته إلى أن ندافع عنه.
العودة إلى ثقافة قرآنية تصنع أمة واحدة، وموقفا واحدا، ومنهجا واحدا، واتجاها واحدا. هذا هو ما نحتاج إليه في مواجهة أعدائنا
لا يمكن أن ينجينا من الإهانة، من الذل، من القهر، من الضعة التي قد نتعرض لها أكثر مما قد حصل إلا العودة إلى القرآن الكريم، والاعتصام بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، كما قال الله سبحانه وتعالى.
نقلا عن موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: إلى القرآن الکریم الیهود والنصارى الشهید القائد العودة إلى لا نسمح یمکن أن لا نزال إذا ما یجب أن
إقرأ أيضاً:
إلى القرآن
ثمَّة مُسلَّمة تمهيديَّة يتعيَّن -اليوم- على كل مؤمن بالله ورسوله أن يتشرَّبها حتى تتغلغل في ثنايا نفسه، وتصير طبعا من طبيعته، وهي أننا نقطع آجالنا القصيرة طلبا لألوان المعارف، وتحصيلا لشتَّى الخبرات، وطيّا لأعمارنا بالسنوات؛ حتى تتهيأ نفوسنا بهذا كله في لحظة معينة، وتصلُح لتلقي القرآن كما تلقَّاهُ العربي الأول، أو على الأقل ببعض الاستعداد الفذ الذي تمتَّع به هذا العربي الحُجَّة. وكلَّما كان الجهد المبذول أكبر، وطالت في سبيل ذلك مرحلة التربية الأوليَّة؛ عجَّل المولى سبحانه ببدء صيرورة التلقي الفعَّال، وأصلح بحوله كل ما اعوجَّ خلالها.
وهذا لا يعني أننا نخرج صفر اليدين إذا حاولنا التنعُّم بالفيوضات الإلهيَّة في مراحل الحياة المبكرة، وقبل أن تصقلنا المعارف وتُهذِّبنا رياضة الأعوام وخبراتها، وإلا لانتفى التكليف لانتفاء المقدرة على تلقي أمر الله وحمله على مُراده عز وجل؛ بل يعني أنَّ ما نُحصِّلهُ -حينذاك- مع الجهد الجهيد -في البيئة الحديثة المفسِدة الصارِفة- لا يكاد يعدو فُتاتا مما تلقَّاه العربي الأول بفطرته وحدها، ودون جهد تقريبا؛ العربي الذي سلَّم الله فطرته وحفظ نفسه من غواشي الحضارات الوثنيَّة، لتُحسن تلقي الوحي وتمثُّله؛ حتى صار الوحي المنزَّل عليها غضّا طريّا كأنه حوارٌ ممتدٌّ مع هذه النفس المهيأة لتلقيه والحركة به، بل كأنه وقودٌ خارقٌ كانت تلك النفس الأبية في أشد التعطُّش إليه.
إعداد النفس لهذا التلقي ليس خطوة ثانويَّة، ولا هي نهائيَّة، ولا هو بالمرحلة التي سنتخطَّاها يوما؛ وإنما هي صيرورة أبديَّة تجبُ المواظبة عليها من المهد إلى اللحد، تخليصا للنفس مما يعلق بها في كل يوم، ومراجعة لها فيما تلقَّتهُ بهذه العوالق
وهذا يعني أننا نُنفق الأعمار في محاولة استنقاذ الفطرة وتخليصها من غواشي هذه الحضارة المهيمنة، ومما تغلغل في نفوسنا من سوآتها، وتنقيتها من مُعطياتها المفسِدَة وتصوراتها المشوِّهة، ثم حفظها وصقلها؛ لأن هذه الفطرة هي جهاز الاستقبال الرباني الذي يتنزَّل عليه كلام الله. وكلما انصلحت مرآتها؛ انضبط ميزانها بما تتلقاه من أمر ربها. وما المعارف والرياضة والخبرات -كلها- سوى حروف اللغة التي يستنطق بها القرآن -متى استقامت- جموع الأسرار والمعاني الإلهيَّة التي خُطَّت على لوح الفطرة الحافل ابتداء. أي أننا نُنفق الأعمار في غسل هذه الأدران حتى نسمو إلى مستوى تلقي ذلك العربي البدائي الموصوف بالجهالة والبربريَّة! نُجاهد حتى نتخلَّص من جاهليتنا الحديثة المركَّبة، ونبلُغ المستوى الرفيع لهذه الجاهليَّة البسيطة "النقيَّة"؛ التي لا يحول الله بها -في الغالب- بين المرء وقلبه، إلا أن يكون صاحب القلب عُتلّا زنيما لا يُرجى منه خير!
وإعداد النفس لهذا التلقي ليس خطوة ثانويَّة، ولا هي نهائيَّة، ولا هو بالمرحلة التي سنتخطَّاها يوما؛ وإنما هي صيرورة أبديَّة تجبُ المواظبة عليها من المهد إلى اللحد، تخليصا للنفس مما يعلق بها في كل يوم، ومراجعة لها فيما تلقَّتهُ بهذه العوالق، وكيف تلقَّته، وهل وقع منها موقع العبوديَّة المكلَّفة المأمورة أم أنها تلقَّته على غير الوجه الذي أراده له ربها؛ فضاق به الصدر الجهول، أو تأفَّفت منه عجلة النفس الأمّارة، أو تحرَّج بسببه القلب المهزوم أمام غواشي الوثنيَّة.
هذه الصيرورة الجهاديَّة الجوانيَّة، التي ناط الله بها حُسن تلقي أمره؛ هي في جوهرها تقويضٌ لتسلُّط الأهواء والشهوات، لئلا تتألَّه في النفس بانسياق الأخيرة وراءها لاهثة، سواء أهواء تلك النفس وشهواتها أو الأهواء التي يوحي لها بها شياطين الإنس والجن ليصرفوها عن الإنصات لربها، والإذعان لأمره؛ حتى يتمكَّنوا هُم من بث ما يريدون بين خواء جنبيها، تمهيدا لاستغلالها وتعبيدها لهم في آخر المطاف.
هذه "المكابدة الجوانيَّة" ضروريَّة كذلك لأن حُسن التلقي الذي ستثُمره -مُفرَّقا وعلى مُكث- هو أولى مراحل العمل الذي يقتضيه الإيمان. بل إن العمل دون انضباط آلة هذا التلقي يعني خروج أي عمل مشوها فاسدا مُفسدا -مهما حَسُنت النيَّة- أو يُفضي إلى القعود والنكول -وربما الانسلاخ من الحق والعياذ بالله- نأيا بالنفس عن الصراع المنهك في سبيل ضبط العمل المستحيل تحقيقه في ظل التلقي المشوَّش/ المشوَّه.
ابتغاء الأوجه الجماليَّة والبلاغيَّة والفنيَّة في القرآن، إنما هو عرضٌ جانبي ومحصِّلة ثانوية ينالها المؤمن الذي يتوجَّه إلى كتاب ربه -ابتداء- طلبا للهداية في أمره كله، وفي إصلاح شأنه كله؛ فإنما ينال هذه الأغراض كافَّة بالتبعيَّة، ومعها كل الفوائد الصحيَّة والتغذوية والوقائيَّة من السحر والمس والجن والمرض.. إلخ. لكنَّ هذه الأغراض والمطالب "الدنيويَّة" كلها لا ينبغي أبدا أن تكون أولويَّة المؤمن الناشر لكتاب ربه
وقد جُعِلَ العمل البراني والمكابدة الجوانيَّة صيرورة تبادُليَّة يعتمد كل طرف فيها على الآخر ويُنضجه، ويُكمله. فإن الأعمال ينعكس تحقُّقها على دخيلة النفس وتصوراتها، كما تُغذي المكابدة كل عمل يتشكَّل وتُعين وجهته. ومن يسقُط من القافلة بسبب أداءه اليوغا والانعكاسات الروحيَّة لذلك على سائر عمله، وجه آخر لمن ينتكس به المسير بسبب الاقتراض بالربا أو استعمال بطاقات الائتمان وأثر ذلك على نسيجه الروحي. وأكثر أهل زماننا تُجرَّف أرواحهم ابتداء بتوهُّم "العلم" بمعناه الإلهي في العلوم الطبيعيَّة/ الماديَّة، التي وضع الغرب بناءها ليصرف المؤمن بها عن ربه الحق، أو بانتكاس ولائهم الديني وانحصاره في حدود بلد حُصر فيه أهلهم منذ قرن أو بعض قرن. وإذا كان تدقيق المرء في اختيار خطواته في العمل البراني ضرورة تكوينيَّة لانعكاس آثار أي عمل على جوانيه، فإن المكابدة الجوانية ضرورة وجوديَّة لأنها هي التي تخلع باطل العمل وتجتث جذوره من النفس؛ فتجعلها فيه من الزاهدين. وهذا كله يؤثر فيما نتلقاه عن رب العزة جلَّ شأنه، ويرسم ملامحه وحدوده.
* * *
وقد كثرت في اﻵونة الأخيرة الأبحاث الغربيَّة، التي تصبُّ في أن تلاوة "نص مقدَّس" بجماع النفس لربع الساعة يوميّا يقي الإنسان من الزهايمر والخرف، وهو أمر مُتواتر عند الحفَّاظ وأهل العلم من شيوخنا منذ عقود، بل منذ قرون؛ بيد أنه ليس هو السبب الذي يدفع الإنسان المؤمن لتلاوة كلام ربه العلي. فإن المؤمن مُتعبَّد بالتلاوة غير مسؤول عن آثارها، ولا مُكلَّف بمعرفة هذه الآثار وتتبُّعها أو تحريها! وقد علَّمنا صاحب الظلال -قدس الله روحه الطاهرة- أن ابتغاء الأوجه الجماليَّة والبلاغيَّة والفنيَّة في القرآن، إنما هو عرضٌ جانبي ومحصِّلة ثانوية ينالها المؤمن الذي يتوجَّه إلى كتاب ربه -ابتداء- طلبا للهداية في أمره كله، وفي إصلاح شأنه كله؛ فإنما ينال هذه الأغراض كافَّة بالتبعيَّة، ومعها كل الفوائد الصحيَّة والتغذوية والوقائيَّة من السحر والمس والجن والمرض.. إلخ. لكنَّ هذه الأغراض والمطالب "الدنيويَّة" كلها لا ينبغي أبدا أن تكون أولويَّة المؤمن الناشر لكتاب ربه يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، كما يُوهم بذلك بعض الدُّعاة السذَّج الذين يتشدَّقون بشتَّى صور الإعجاز القرآني؛ وإنما يتعيَّن على المؤمن أن يكون توجُّهه للكتاب الكريم مُلتزما بالغرض الأساس الذي أنزله الله له: هداية الإنس والجن وتذكيرهم بربهم الحق، وبيان أمره إليهم في كل شأن يعتري حياتهم. فإنما يتجلى هذا الإعجاز -بالتبعيَّة- تثبيتا من لدن ربنا العلي لعباده المؤمنين، وتوكيدا لهم أن صلاح أمرهم كله -حرفيّا- منوط بالاستجابة لأمره، والانسجام مع نواميسه، وأن هذه اﻵيات زيادة في إيمان الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون؛ "فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (التوبة: 124).
وكما تنزَّل القرآن الكريم على حضرة نبينا ليسعى في إبلاغه إلى أمته ثم إلى العالمين، فإننا نسعى إلى هذا الكتاب المعجز -حقيقة ومجازا، جوانيّا وبرانيّا- سعيا نرجو معه لا بلوغ نوع من المعرفة بحرفه المكرَّم فحسب، أو نيل قسط من العلم الإلهي بتأويله فحسب، وإنما نسعى به وله ومعه -أولا وآخرا وفي كل زمان ومكان- إلى الدخول في زُمرة المهتدين به -جملة ودون تمييز- المذعنين لمحكَمِهِ، الواقفين تأدُّبا عند متشابهه.
x.com/abouzekryEG
facebook.com/abouzekry