طوفان الأقصى أصبحت علامة فارقة، ونقطة تحول كبرى في كثير من الملفات الدولية والإقليمية، وأصبح شائعا التأريخ بما قبل الطوفان وما بعد الطوفان، وكل من أدرك أهميته أكد على أن هذا الطوفان له ما بعده، وأن دور غزة تخطى مرحلة الدفاع عن القدس وتحرير فلسطين، إلى كونها خط الدفاع الأول عن الأمة بأسرها، والذي يحول دون تغول أعدائها عليها.
فشل "نتنياهو" في تحقيق أهدافه في حرب الإبادة الجماعية على غزة، مع التعاون الكامل من دول الجوار في تشديد الحصار، وتفعيل الاستفادة القصوى مع الدول التي طبعت معه، وجاء ترامب ليعوض الاحتلال عن هزائمه في الميدان، ليجعل ما فشلت فيه آلة الحرب الصهيونية، فرضا بقوة العنجهية الأمريكية.
قبل انتهاء مراحل تسليم الأسرى بين حماس والاحتلال، ظهرت تصريحات ترامب بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، ورفض كلا البلدين هذه التصريحات، ومع كل نفي عربي يخرج ترامب لنفي النفي، مؤكدا على ثقته في قبول خطته، وأكد على هذه الخطة في حضور "نتنياهو" الذي استقبله رسميا ضاربا عرض الحائط بأحكام الجنائية الدولية التي اعتبرته مجرم حرب، بل أمعن "نتنياهو" في تبجحه قائلا: إن مساحة الرفض المبدئي والأخذ والرد حول قضية التهجير، متفق عليه مع أصدقائنا القادة. وبدت أمارات صدقه في تراجع تصريحات ملك الأردن بعد لقاء ترامب، وأعلن النظام المصري عن تأجيل السفر إلى صاحب البيت الأبيض، وكانت المفاجأة المدوية في عرض "نتنياهو" تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي الشاسعة في المملكة العربية السعودية، وكان رد المملكة عليه حاسما وواضحا،هل وصل استخفاف الرئيس الأمريكي بالأنظمة العربية إلى هذا الحد، أم أنها اتفاقات سابقة لم يكن متفقا على إعلانها بهذا الشكل؟ لكن ذلك أكد ما صرح به السيد عمر موسى -الأمين السابق لجامعة الدول العربية- أثناء طوفان الأقصى، أن إسرائيل لو انتهت من غزة ستتجه أنظارها إلى أجزاء من مصر والسعودية، وقوبل تصريحه ساعتها بالاستهجان!
وهذا كله يأخذنا إلى سؤالين:
الأول: هل وصل استخفاف الرئيس الأمريكي بالأنظمة العربية إلى هذا الحد، أم أنها اتفاقات سابقة لم يكن متفقا على إعلانها بهذا الشكل؟
الثاني: هل تعترف وفود التفاوض التي كانت تركض من كامب ديفيد إلى أوسلو، وراء سراب السلام الخادع، أن مشروع حل الدولتين كان كسبا للوقت، وأن الاحتلال لا يخفي أطماعه في دولة من النيل إلى الفرات، بل ويأمل في العودة إلى حصون خيبر؟
لو كان في الأنظمة العربية شيء من رشد لأنشأوا حماس قبل أن يفكر فيها الشيخ أحمد ياسين، ولأمدوها بكل وسائل الدعم إذا لم يكن ديانة وشهامة، فاتقاء لأطماع نتنياهو المتعجرف، ودرءا لأوهام الشقي الأصهب.
ومن الهزال البادي في الموقف العربي أن كل ما صدر من دونالد ترامب وضيفه مجرم الحرب، لم يقابله إلا الرفض المبطن بأعلى درجات الود، وبقي أن يرسلوه مع باقة ورد، ولو كان في الوجوه بقية من حمرة الخجل لاستدعي سفير التطبيع على عجل، للفت نظره وعتابه، ولا أقول لطرده أو توبيخه "لا سمح الله"!
من الهزال البادي في الموقف العربي أن كل ما صدر من دونالد ترامب وضيفه مجرم الحرب، لم يقابله إلا الرفض المبطن بأعلى درجات الود، وبقي أن يرسلوه مع باقة ورد
مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى "إن لم تستح فاصنع ما شئت"، لذا هرول الإعلام المتصهين، لإعلان البراءة من الصهاينة، والتحول لمدح قيم المقاومة، والوقوف في وجه المحتل، وربما يتطور الأمر لإذاعة أناشيد حمساوية أو بيانات الفارس الملثم الناطق الرسمي باسم المقاومين.
تذكر بعضهم على عجالة أن خير ضمانة في مؤازرة الشعب ومظاهرات الرفض، فأخرجوا قطعان المستأجرين وألبسوهم ثياب المتظاهرين، فظهروا كلابس ثوبي زور، وافتضح أمر النائحة المستأجرة، التي حولت المظاهرة إلى "حنة حنان"، لأن فوبيا المظاهرات ارتبطت عندهم بالثورات، فيحسبون كل صيحة عليهم، وكل مظاهرة ستنقلب ضدهم، وكلما قرأت ما كتبه الشاعر المبدع معروف الرصافي، وجدتني إلى تصديقه أميل، لأن الثقة في صبيان ترامب من العسير الصعب.
قال الرصافي:
لا يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن..
فالقوم في السر غير القوم في العَلَن
أحْبُولة الدِّين ركَّت من تقادمها..
فاعتاض عنها الورى أحبولة الوطن
فما لهم غير صيد المال من غرضٍ..
في اليوم والغد والماضي من الزمن
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به..
رميا إلى الشر أو قصدا إلى الفتن
فإن تهادن قوم فانتظر شغبا..
إذ ليس هدنتهم إلا على دخن
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه طوفان غزة عربية نتنياهو ترامب التهجير غزة نتنياهو تهجير عرب طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مكتب نتنياهو يرد على أنباء رفض رئيس وزراء الاحتلال للمقترح المصري بشأن غزة
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة «القاهرة الإخبارية» من القدس المحتلة، إن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أصدر بيانًا عاجلًا “نفى فيه ما نقلته وسائل إعلام عربية، بشأن تراجع إسرائيل عن الموافقة على بعض بنود المقترح المصري المتعلق بوقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى”.
وأضافت «أبو شمسية»، خلال مداخلة على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن البيان أشار إلى أن «ما نُشر لا أساس له من الصحة»، وألقى باللوم على حركة حماس، معتبرًا إياها العقبة الأساسية أمام التوصل لاتفاق.
وأوضحت أن هذا التصريح يُفهم منه، كما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن إسرائيل لم تُبلغ مصر رسميًا برفض المقترح، لكنها عمليًا ترفض أي وقف لإطلاق النار طويل أو قصير الأمد، ما دامت حماس لم تتخل عن سلاحها.
وأوضحت أن هذا البيان، جاء بالتزامن مع مشاورات أمنية يعقدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، استعدادًا لاجتماع حكومي مقرر يوم الأحد؛ لمناقشة المرحلة التالية من العمليات العسكرية في قطاع غزة، والتي صادقت عليها المؤسسة الأمنية والجيش.
وأشارت دانا إلى أن وسائل إعلام إسرائيلية كانت قد نسبت لنتنياهو رفضه المقترح المصري، لكن بيانه الأخير أوضح أنه لم يعلن رسميًا رفضه أو قبوله، مما يعكس تضاربًا في التصريحات، وسط مؤشرات على نية الحكومة الإسرائيلية توسيع العمليات العسكرية.
وتابعت أن وزير الدفاع الإسرائيلي وافق في وقت سابق على استمرار العمليات، وأن نتنياهو شدد في تصريحاته على أن الهدف الأساسي للحرب هو القضاء على القدرات العسكرية لحماس، وليس إعادة المحتجزين الإسرائيليين، ما أثار استياء عائلات الأسرى الذين خرجوا في مظاهرات يطالبون بجعل ملف الأسرى أولوية قصوى.
وعن موقف حركة حماس، أوضحت دانا أن الحركة منذ بداية المفاوضات متمسكة بوقف دائم لإطلاق النار، وسحب الجيش الإسرائيلي من غزة، وفتح الممرات الإنسانية، مؤكدةً أن حماس لم تتراجع عن مواقفها أو تنقض الاتفاقات، بينما تتهم إسرائيل بالتراجع عن بنود كانت قد وافقت عليها مؤخرًا.