الخطة المصرية هندسة تحافظ على هوية فلسطين
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بينما تتصاعد ردود الفعل السياسية في مشارق الأرض ومغاربها رافضةً ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول "نقل سكان غزة إلى مصر والأردن"، برزت الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع كبديل عملي وإنساني، لتجسد الخطة المصرية رفضًا قاطعًا لمحاولات طمس الحقوق الفلسطينية، كما تعكس في الوقت ذاته رؤية استراتيجية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
الخطة، التي بدأت ملامحها في الظهور للعلن حظيت بدعم عربي وأوروبي واسع، ويمكن تفسير هذا الدعم بأنه ليس مجرد دعم لمشروع إعادة البناء، ولكن لكون هذه الخطة رسالة سياسية عالية الصوت تؤكد تمسك مصر بدورها التاريخي كحامية للقضية الفلسطينية.
أشارت الملامح الأولى للخطة إلى أن جوهر هندسة الإعمار هو حفظ الكرامة العربية، كما أفاد المتاح من تلك الملامح أن الرؤية المصرية تعتمد على إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، عبر خطة زمنية مُحكمة تمتد من 3 إلى 5 سنوات، وتنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية، الأولى وهي ما أطلق عليها مرحلة الطوارئ وهدفها نقل المدنيين إلى مناطق آمنة داخل القطاع خلال 6 أشهر، مع توفير إغاثة إنسانية عاجلة، أما المرحلة الثانية فهي تهتم بإزالة الركام تبدأ في الشهر السابع تحت إشراف شركات دولية متخصصة، لتدخل المرحلة الثالثة وهي مرحلة البناء الشامل وفيها يتم تشييد الوحدات السكنية والمستشفيات والمدارس والمقدر لهذه المرحلة أن تتم خلال 18 شهرًا، بدعم من 24 شركة عالمية و18 مكتبًا استشاريًا.
التقديرات الأولية تشير إلى أن تكلفة الخطة سوف تبلغ نحو27 مليار دولار، مع توقع زيادتها لاحقًا لتشمل مشروعات بنية تحتية متطورة، واللافت للانتباه هو حرص مصر على أن تُدار عملية الإعمار بالشراكة مع السلطة الفلسطينية، عبر مجلس استشاري يضم خبراء فلسطينيين وعربًا ودوليين، تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
وطالما ظهرت ملامح الخطة هندسياً ومالياً وإدارياً، نستطيع الآن أن نتذكر ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسي في أول تعقيب له على خطة ترامب حيث قال نصاً "تهجير الفلسطينيين ظلم.. ومصر لن تكون شريكًا فيه"، لم تتوقف تصريحات الرئيس الرافضة عند هذا الحد ولكنها تصاعدت تدريجياً بتأكيده في أكثر من موقف أن "القضية الفلسطينية خط أحمر" كما قال بوضوح ما بعده وضوح في أحد المؤتمرات الصحفية "ترحيل الفلسطينيين من غزة جريمة إنسانية، ولن نسمح بتحويل مصر إلى نقطة عبور لتصفية القضية"، وبالفعل تنجح مصر في المواجهة الصعبة ويتحقق ما أعلنه رئيسها من رفض لخطة ترامب، نزيد على ذلك ما امتازت به مصر من وعي مبكر لمصر لإحباط الخطط المستترة التي يلجأ لها الجانب الإسرائيلي لتنفيذ مخطط التهجير عندما أعلن الجانب المصري أنه "منذ اليوم الأول حذرنا من أن الهدف قد يكون جعل الحياة في غزة جحيمًا لا يُطاق لدفع السكان إلى الهرب"، وفي إدراك لمجمل الأزمة أظهرت مصر عمق رؤيتها ويقينها أن مثل هذه السيناريوهات تهدد الأمن القومي المصري والعربي.
وحتى يتأكد المتابع من امتلاك مصر لرؤية شاملة لا تتوقف عند حدود مواجهة التهجير بل تذهب إلى الأمام وذلك بالإعلان المتكرر أن الحل الجذري يكمن في "إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، ونستطيع القول أيضاً أن المواقف المصرية لم تكن للاستهلاك المحلي ولكنها مواقف ذهبت إلى دعوة المجتمع الدولي إلى التركيز على مبدأ الدولتين بدلًا من الترويج لحلول وهمية تُغذي الصراع.
المواقف السياسية المصرية التي تتزامن مع الإعلان عن خطة إعادة الإعمار تمت في ظل دبلوماسية مصرية نشطة بشكل استثنائي هدفها الرئيسي هو تأسيس تحالف دولي ضد التهجير، ولذلك رصدنا تحرك الخارجية المصرية بوتيرة مكثفة لتعزيز الموقف المصري، حيث أجرى وزير الخارجية بدر عبد العاطي سلسلة اتصالات مع نظرائه الأوروبيين والعرب، مؤكدًا في الاتصالات واللقاءات المباشرة على أن "غزة أرض فلسطينية، وسكانها جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني"، وفي رسالة واضحة لواشنطن، أبلغ عبد العاطي نظيره الأمريكي ماركو روبيو أن مصر لن تقبل بأي حلول تُفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها، مشددًا على ضرورة تسريع إعادة الإعمار مع ضمان بقاء السكان.
وبالفعل، نجحت الدبلوماسية المصرية في حشد تأييد أوروبي لخطة مصر لإعادة إعمار غزة، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن مشاركته في التمويل، ليس هذا فقط بل يقول البعض ولم نتأكد من قولهم أن مصر تعمل على إقناع الإدارة الأمريكية بدعم خطة الإعمار، كبديل واقعي عن أفكار التهجير المرفوضة.
على الجانب العربي، فقد توافقت الدول العربية على تأسيس صندوق للتمويل وعقد مؤتمر قمة طارئ، ومن ذلك نفهم أن المواقف العربية لم تكن مجرد بيانات دعم تقليدية، بل تحولت إلى إجراءات ملموسة، السعودية على سبيل المثال استضافت قمة خماسية (مصر، السعودية، الإمارات، قطر، الأردن) لصياغة آلية تمويل مشتركة، أما قطر والإمارات فقد تعهدتا بضخ استثمارات في مشروعات الإسكان والطاقة داخل غزة، وبالتوازي، دعت الجامعة العربية إلى تشكيل "صندوق عربي-إسلامي" لإعمار القطاع، بمشاركة مؤسسات التمويل الدولية.
يبقى على طرف اللسان تساؤل واحد، أجد أنه من المهم طرحه وهو هل توجد تحديات تواجه الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة؟ الإجابة هي نعم بالطبع المشاريع الكبرى لا بد وأن تواجهها تحديات كبرى لذلك نرى أنه من الأجدى طرح هذه التحديات لتكون على الطاولة طالما أن الخطة مازالت في بدايتها، من هذه التحديات مثلاً أن الانقسام الفلسطيني مازال على حاله والمصالحة بين فتح وحماس متعثرة وهو ما قد يؤدي إلى ضعف آلية تنسيق الإعمار، أما التحدي الثاني فهو التمويل لأن الاعتماد الأساسي هنا يرتبط بوعود الدول المانحة التي قد تتباطأ في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية وفي حالة كتلك من الممكن أن يتأخر تنفيذ بعض المشروعات، أما التحدي الواضح فهو الضغط الإسرائيلي فمن الممكن أن تعمل إسرائيل على عرقلة دخول مواد البناء تحت ذريعة "الاستخدام المزدوج" بمعنى العسكري والمدني.
لهذا كله من المهم صيانة الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ومراجعتها مع نهاية كل مرحلة وتطويرها وفق المستجدات بتحديثها وذلك لسبب بسيط هو أن الخطة المصرية ليست مجرد مشروع هندسي، بل هي معركة سياسية ضد محو الهوية الفلسطينية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الخطة المصرية الهوية الفلسطينية إعادة إعمار غزة الخطة المصریة لإعادة إعمار
إقرأ أيضاً:
خطةعربية لإعمار غزة وبتكلفة تقديرية تصل إلى حوالي 20 مليار دولار
وذلك نقلا عن مصدرين أمنيين مصريين. وأوضحت الوكالة: "من المتوقع أن تناقش دول عربية خطّة لإعادة إعمار القطاع، وذلك عقب الحرب لمواجهة اقتراح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتطوير القطاع تحت السيطرة الأمريكية وتهجير الفلسطينيين، الأمر الذي أثار غضب زعماء المنطقة".
وتابعت: "قالت أربعة مصادر مطلعة إن السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر من المقرر أن تراجع وتناقش الخطة العربية في الرياض، قبل طرحها أمام قمة عربية من المنتظر عقدها في القاهرة في الرابع من آذار/ مارس المقبل".
"من المتوقع عقد اجتماع لقادة دول عربية من بينها الأردن ومصر والإمارات وقطر، الجمعة المقبلة، في السعودية التي تقود الجهود العربية لمواجهة خطة ترامب، لكن بعض المصادر قالت إن الموعد لم يتم تأكيده بعد"، بحسب المصدر نفسه.
وأوضح أن "الدول العربية أبدت انزعاجها من خطة ترامب "لتهجير" الفلسطينيين من غزة وإعادة توطين معظمهم في الأردن ومصر، وتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهي فكرة رفضتها كل من القاهرة وعَمان على الفور، واعتبرتها معظم دول المنطقة مزعزعة للاستقرار بشدة".
إلى ذلك، ينص المقترح العربي، الذي يستند في معظمه إلى خطة مصرية، على تشكيل لجنة فلسطينية لحكم غزة دون مشاركة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، وكذلك على مشاركة دولية في إعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه. وفي السياق نفسه، قال مجلس الوزراء التابع للسلطة الفلسطينية، عبر بيان، الثلاثاء، إنّ "المرحلة الأولى من الخطة تمتد على 3 سنوات، وبتكلفة تقديرية تصل إلى حوالي 20 مليار دولار".
ووفقا لمصادر مصرية، أكدت وكالة "رويترز" أنّ "المناقشات لا تزال جارية بشأن حجم المساهمات المالية التي ستدفعها دول المنطقة"، مضيفة أنّ "الخطة تنص على إعادة إعمار القطاع خلال ثلاث سنوات".
كذلك، قال السناتور الأمريكي، ريتشارد بلومنثال، لصحفيين، في "تل أبيب" خلال زيارة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين: "محادثاتي مع الزعماء العرب وآخرهم الملك عبد الله أقنعتني أن لديهم تقييما واقعيا حقا لما ينبغي أن يكون عليه دورهم".
من جهته، قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، جدعون ساعر، "إن إسرائيل تنتظر تقييم الخطة فور طرحها، لكنه حذر من أن أي خطة تستمر فيها حماس في حكم غزة لن تكون مقبولة"، مردفا: "عندما نسمع بأمرها (الخطة)، سوف نعرف كيفية التعامل معها