زكريا الحسني
إسرائيل التي تعد أداة استعمارية متقدمة تتخذ من وجودها في قلب الشرق الأوسط فرصة لإدامة الهيمنة الغربية على المنطقة وتحقيق مصالح القوى الكبرى على حساب شعوب تطمح إلى التحرر والنهوض، لكن في عمق هذه المعركة السياسية يظل السؤال الأكبر هو ماذا يحدث عندما يكون هدف الصراع ليس فقط السيطرة على الأرض؛ بل السيطرة على الذاكرة والهوية.
إن فكر القوى الغربية الاستعمارية يدور حول فكرة تغيير الواقع والتأثير على مسار التاريخ، وهو ما تفعله إسرائيل عبر سياساتها الممنهجة في المنطقة مستغلة اللحظات التاريخية لتزرع الفتنة وتغذي الصراعات الأهلية مما يعيق أي محاولة للنهوض.
لكن رغم كل محاولات التحريف والتشويه يبقى الوعي الجمعي للأمة حيا ويدرك المسلمون أن القدس ليست مجرد مدينة، بل هي جسر بين الأرض والسماء وساحة للثورة الروحية التي لا تهزم وبما أن القدس تمثل جوهر الإيمان الإسلامي فإن أي محاولة لطمس هويتها لن تنجح بل سيزداد تمسك الأمة بها في مواجهة كل محاولات التفريق.
وعليه إن الصراع حول فلسطين ليس مجرد نزاع سياسي أو حدودي، بل هو معركة روحية وجودية تجمع بين الأبعاد الجغرافية والدينية وتدور في فلك تاريخي يمتد عبر الأجيال وبقدر ما تتسلح القوى الكبرى بالأدوات الحديثة للاستعمار يتسلح شعب فلسطين بتاريخ عظيم من الصمود والإرادة التي لا تقهر.
إسرائيل ليست مجرد كيان سياسي، بل قاعدة عسكرية غربية تتصدرها أمريكا وتستخدم كأداة لتحقيق أهداف القوى الاستعمارية في المنطقة فهذه القوى لا تستطيع العيش دون استعمار سواء بصورته التقليدية أو بأساليب جديدة تتماشى مع العصر لكن الفكرة تظل ثابتة وإن تغيرت الوسائل؛ فالمصالح تبقى هي الدافع الأول لكل تحركاتهم.
فهم يدركون أن السيطرة لا تفرض فقط بالقوة العسكرية، بل ترسخ عبر خلق الفوضى وتمزيق النسيج الاجتماعي وزرع الانقسامات حتى ينهك الشرق ويظل تابعا لا قائدا وممزقا لا موحدا وهذه هي السياسة الاستعمارية الجديدة التي لا تحتاج إلى جيوش جرارة؛ بل إلى وكلاء ينفذون وأدوات تبرر وعالم غافل يصدق.
المسألة لا تقتصر على حدود جغرافية فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد أعمق فهي في المقام الأول قضية سياسية واستراتيجية تهدف إلى إدامة الصراع وإشغال الشرق الأوسط بهذا الكيان لمنع أي نهضة شاملة.
الشرق الأوسط يمتلك جميع مقومات القوة ويضم أهم المنافذ المائية؛ مما يجعل السيطرة عليه مفتاحا للهيمنة على الملاحة البحرية وهذا بدوره ينعكس على المشهد السياسي والاقتصادي ويعزز النفوذ على أرض الواقع، في معادلة لا تسمح بظهور قوى إقليمية قادرة على تغيير مسار التاريخ،
هذا الكيان ذو وظيفة محددة تتمثل في إشعال الصراعات المتواصلة وزرع الفتن وذلك عبر نشر الجواسيس وشراء الذمم وكما قال بايدن منذ زمن إذا لم تكن هناك إسرائيل فعلى أمريكا أن تخلق إسرائيل في إشارة واضحة إلى أن وجود هذا الكيان يخدم المصالح الغربية في المنطقة، فهو ليس مجرد كيان سياسي، بل أداة استراتيجية تستخدم لنهب ثروات الشعوب والتعدي على سيادة الدول وإبقاء المنطقة في حالة من الفوضى الدائمة تتيح للقوى الكبرى فرض هيمنتها وكأنها تضع القيود على أمة تملك كل مقومات النهوض لكنها تحاصر حتى تظل أسيرة واقع مرسوم لها مُسبقًا.
وهناك بُعد ديني عميق؛ إذ يُقال إن المعبر من الأرض إلى السماء هو أرض فلسطين، مما يجعل السيطرة عليها مفتاحًا للهيمنة على العالم.
لا يمكن إغفال مكانة القدس فهي ليست مجرد مدينة، بل قلب العقيدة ونبض التاريخ وأحد المقدسات الإسلامية التي تتجاوز حدود الجغرافيا لتسكن في وجدان كل مسلم فهي روح الأمة وقضيتها الخالدة ما بقي فيها نفس يرفض الذل والانكسار.
ولهذا فإن الصراع حولها ليس مجرد نزاع على الأرض، بل هو صراع عقيدة ووجود، حيث تسعى القوى المستكبرة إلى طمس هويتها وسلب قدسيتها، لكنها تبقى راسخة في القلوب كالنور الذي لا ينطفئ وكالعهد الذي لا يُنسى ما بقي في الأمة نبض حي وإرادة تأبى الانكسار.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يخرق اتفاقي لبنان وغزة.. إسرائيل تعيد المنطقة إلى دائرة الحرب
استأنف الاحتلال الإسرائيلي قصفه المكثف على قطاع غزة، يوم الثلاثاء الماضي، مبررا ذلك بالجمود في المفاوضات غير المباشرة بشأن الخطوات التالية من التهدئة بعد انتهاء مرحلتها الأولى مطلع الشهر الجاري.
وتم التوصل لاتفاق من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار في غزة في يناير، لكن إسرائيل رفضت البدء في محادثات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى عودة جميع المحتجزين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وإنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم.
وبدلًا من ذلك، اقترحت إسرائيل خطة جديدة، يُقال إن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف هو من طرحها، وتتضمن هدنة لمدة تتراوح بين 30 و60 يومًا وإطلاق سراح جميع المحتجزين المتبقين، ولم تُشِر إسرائيل إلى إطلاق سراح المزيد من الأسرى الفلسطينيين، وهو عنصر أساسي في المرحلة الأولى.
وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بتصعيد الهجوم على غزة باستخدام نقاط الضغط المدنية والعسكرية لهزيمة حماس.
وقال في بيان: «سنكثف القتال بالقصف الجوي والبحري والبري، وكذلك بالتوسع في العملية البرية حتى تحرير الرهائن وهزيمة حماس، باستخدام كل نقاط الضغط العسكرية والمدنية».
وأضاف كاتس: «أمرت الجيش بالاستيلاء على المزيد من الأراضي في غزة، كلما رفضت حماس إطلاق سراح الرهائن، خسرت المزيد من الأراضي، والتي ستضمها إسرائيل».
واليوم السبت، قالت إذاعة جيش الاحتلال، إن 5 صواريخ جرى إطلاقها من لبنان باتجاه إسرائيل، تم اعتراض 3 منها وسقط اثنان في الأراضي اللبنانية».
ونفى حزب الله اللبناني صلته بإطلاق الصواريخ على منطقة المطلة شمال إسرائيل، وأكد أنه ملتزم بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، في حين عبر الرئيس اللبناني جوزيف عون عن إدانته لمحاولات استدراج لبنان مجددا إلى دوامة العنف.
وأشار جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم، إلى أنه اعترض ثلاثة صواريخ قادمة من لبنان، على الرغم من وقف إطلاق النار، وانطلاقت صفارات الإنذار في مدينة المطلة شمالي إسرائيل، إثر إطلاق صواريخ، وأفادت هيئة الإسعاف الإسرائيلي، بعدم الإبلاغ عن وقوع إصابات حتى الآن.
أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي انطلاق الموجة الأولى من الغارات الإسرائيلية على لبنان، وقالت إن الرد الإسرائيلي في هذه المرحلة يتركز على مناطق جنوب لبنان والنبطية.
وقال الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت، إنه يهاجم أهدافا تابعة لحزب الله بعدما أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمرا بشن ضربات على عشرات الأهداف في لبنان، بينما قالت وزارة الصحة اللبنانية، إن شخصين أصيبا جراء الاعتداءات الإسرائيلية على بلدة كفر كلا، جنوبي البلاد.
ومن جانبه، قال رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، إن المستفيد الأول والأخير من جر لبنان والمنطقة إلى دائرة الانفجار الكبير هو إسرائيل.
وأضاف بري، أن إسرائيل خرقت القرار 1701 واتفاق وقف النار أكثر من 1500 مرة ولبنان ومقاومته التزما به كليا.
وكانت قد انتهت الأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان في أواخر نوفمبر 2024 بوقف لإطلاق النار، توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا. وبموجب هذا الاتفاق، مُنحت القوات الإسرائيلية مهلة 60 يومًا للانسحاب من جنوب لبنان، وسحب حزب الله لمقاتليه وأسلحته ونشر القوات اللبنانية في المنطقة، وتم تمديد الموعد النهائي الأولي بالفعل من 26 يناير حتى 18 فبراير.
وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير كما نص عليه الاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا، وتواصل احتلال 5 نقاط لبنانية رئيسية.
جيش الاحتلال يعترض ثلاثة صواريخ أُطلقت من لبنان
كاتب فلسطيني: الاحتلال يحاول إدخال غزة إلى مرحلة جديدة من التجويع
جيش الاحتلال يعلن بدء عملية برية في رفح وتوسيع الهجمات جنوب غزة