لو كنت شيطان … ماذا تفعل ؟؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
بقلم الخبير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط ..
الوسائل التي تجعل المجتمعات تتقبل الانحراف دون أن تدرك خطورته؟
1.التدرج في الانحراف ( الزحف البطيء نحو الخطأ )
تحويل الإنسان من الفضيلة إلى الرذيلة بالتدريج ، عبر خطوات صغيرة لا تُشعره بالخطر.
هذا الأسلوب يعتمد على مبدأ ( التطبيع التدريجي ) حيث يتم تقديم الأفكار المنحرفة بشكل بطيء ومتدرج حتى تصبح مقبولة اجتماعيًا.
على سبيل المثال، يبدأ الأمر بتبرير أفعال بسيطة تبدو غير ضارة، ثم يتم التوسع فيها تدريجيًا حتى تصبح جزءًا من الثقافة العامة.
هذا النهج يستخدم في كثير من السياسات الاجتماعية والإعلامية لإعادة تشكيل المفاهيم ببطء حتى لا يشعر المجتمع بوجود تغيّر جذري.
2.تشويه المفاهيم ( قلب الحقائق لصالح الانحراف )
من أخطر الأساليب هو إعادة تعريف الفضائل والرذائل، بحيث تصبح الأخلاق قيودًا، والانحراف تحررًا.
على سبيل المثال، يُنظر إلى الحياء والعفّة في بعض الثقافات اليوم على أنهما تخلّف، بينما يُروَّج للتفسخ الأخلاقي على أنه تطور وانفتاح.
هذا التلاعب بالمفاهيم يجعل الإنسان يفقد البوصلة الأخلاقية، فلا يعود يميز بين الخير والشر.
عندما يكون الإنسان مشغولًا بتوافه الأمور، فإنه يفقد الاهتمام بالقضايا العميقة. لهذا، يتم توجيه الإعلام والمحتوى الترفيهي نحو صناعة جيل مستهلك للمتعة اللحظية، لا يفكر في مصيره، ولا يسأل عن معنى وجوده. وهنا يأتي دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تستهلك وقت الأفراد دون أن تقدم لهم فائدة حقيقية، مما يخلق حالة من الفراغ الفكري والروحي. 4.ضرب القدوات (تشويه الرموز الصالحة )
أي مجتمع يحتاج إلى قدوات أخلاقية وفكرية تقوده نحو القيم الصحيحة.
لهذا، فإن إحدى أهم استراتيجيات الإفساد هي تشويه صورة العلماء والمصلحين والمفكرين المستقلين، حتى يفقد الناس ثقتهم بهم.
في المقابل، يتم تقديم شخصيات سطحية فاسدة أو منحرفة كنماذج يُقتدى بها، مما يؤدي إلى تدمير البناء القيمي من الداخل. 5.تقديم بدائل منحرفة ( خلق رموز زائفة )
إذا لم يكن هناك قدوات صالحة، فلا بد من صناعة قدوات بديلة تقود المجتمع في الاتجاه الخاطئ.
لذلك نرى أن وسائل الإعلام تروّج لمشاهير لا يقدمون قيمة حقيقية، بل يرسخون قيم الاستهلاك، والشهرة الفارغة، والانحلال.
بهذه الطريقة، يتم توجيه الأجيال الجديدة نحو الاهتمام بمظاهر تافهة بدلاً من التركيز على قضايا ذات معنى.
6.التلاعب بالمصطلحات ( تغيير دلالات الكلمات )
الكلمات تحمل قوة هائلة في تشكيل وعي الإنسان، ولذلك يتم التلاعب بها لإعادة برمجة المفاهيم.
على سبيل المثال، أصبح يُطلق على الانحلال الأخلاقي حرية شخصية بينما يُوصف التمسك بالقيم بأنه تطرف.
هذه الأساليب تجعل الإنسان يشعر بأنه محاصر فكريًا، وغير قادر على مقاومة التيار العام.
الإنسان بحاجة إلى اليقين ليعيش حياة مستقرة.
لهذا، فإن إحدى أخطر الاستراتيجيات المستخدمة لإبعاد الناس عن القيم الصحيحة هي نشر الشكوك في كل شيء في المبادئ الدينية، في الأخلاق، في العائلة، وحتى في هوية الإنسان نفسه.
هذه الفوضى الفكرية تجعل الإنسان ضائعًا، يبحث عن أجوبة في أماكن خاطئة، مما يسهل السيطرة عليه وتوجيهه. ( استغلال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية )
في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، يصبح الإنسان أكثر عرضة للتأثر بالانحراف.
يتم استغلال هذه الظروف لتقديم حلول سريعة ومزيفة، مثل الترويج للفساد كوسيلة للنجاح، أو تشجيع السلوكيات غير الأخلاقية كطريقة للهروب من الواقع.
هذه الحلول الزائفة تجعل الإنسان يتخلى عن قيمه مقابل تحقيق مكاسب مادية أو اجتماعية. ( تدمير الأسرة الضربة القاضية للمجتمع )
الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، وإذا تم تدميرها، فإن المجتمع كله ينهار.
يتم ذلك من خلال تشجيع التفكك الأسري، وتقليل قيمة الزواج، وترويج العلاقات غير الشرعية على أنها بديل عن الأسرة التقليدية.
هذا التدمير الممنهج للأسرة يؤدي إلى خلق جيل غير مستقر نفسيًا واجتماعيًا، مما يسهل السيطرة عليه.
كيف نحمي أنفسنا من هذه الاستراتيجيات؟
لمواجهة هذه الأساليب، لا بد من الوعي العميق بالمفاهيم، وعدم الانسياق وراء التيارات الفكرية دون تحليل ونقد.
كما يجب تعزيز القيم الأصيلة، والبحث عن مصادر موثوقة للمعرفة، والتمسك بالقدوات الصالحة.
والأهم من ذلك، يجب أن يكون الإنسان واعيًا بأن المعركة الحقيقية ليست فقط في الظاهر، بل هي معركة على مستوى الفكر والقلب.
خطوات عملية للحماية من الانحراف
1.التعليم والتربية :- تعزيز القيم الأخلاقية والدينية منذ الصغر، وتشجيع التفكير النقدي.
2.الوعي الإعلامي :- عدم الانسياق وراء كل ما يتم تقديمه عبر وسائل الإعلام، والتحقق من المصادر.
3.بناء الشخصية القوية :- تعزيز الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.
4.التواصل مع القدوات الصالحة :- البحث عن نماذج إيجابية في المجتمع والاقتداء بها.
5.التفكير العميق :- عدم التسرع في الحكم على الأمور، والبحث عن الحقائق بعمق.
بالمعرفة والتأمل العميق، يمكننا أن نحافظ على وعينا، وألا نكون أدوات في لعبة تغيير القيم التي تستهدف المجتمعات عبر الزمن.
د. كمال فتاح حيدرالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
عندما تتحول القيم الديمقراطية إلى ذريعة سياسية
حوّل الغرب عبارة «القيم الديمقراطية» ملاذا خطابيا بعد أن أفقدها دلالتها الحقيقية التي تأسست بعد ثورات اجتماعية وثقافية عبر سنوات طويلة. وتُستَحضر هذه العبارة بإلحاح كبير باعتبارها بوصلة أخلاقية، واختبار ولاء سياسي، ودرعًا ضد الانتقاد، وباعتبارها أيضا سلاحًا أيديولوجيًا للاستخدام الانتقائي. تقدم الحكومات الغربية، وخصوصا في أوروبا وأمريكا، هذه القيم كمعايير كونية، تدّعي من خلالها حق محاسبة الآخرين، غالبا في العالم الثالث، على ما يُعدّ تقصيرا ديمقراطيا. لكن هذا الترفع الأخلاقي يستدعي سؤالا ملحا ومحرجا في آن: ما الذي تبقّى من القيم الديمقراطية التي يزعم الغرب التمسك بها بكثير من الحماس؟
فلنأخذ إسرائيل التي تُقدَّم، في واشنطن وفي أوروبا، باعتبارها النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط.. ولكن المشاهد الجارية في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان تفرض علينا أن نواجه الحقيقة؛ فحين تُباد الشعوب وتهجر من موطنها وتُدمَّر بيوتها، وتُفرض عليها الحصارات وتجوّع، وتُسنّ قوانين تُقنِّن التمييز، هل يبقى من الممكن الادعاء بالانتماء إلى المثال الديمقراطي؟ هل الديمقراطية مجرد انتخابات دورية تُجرى داخل حدود مصطنعة، أم أنها تتطلب مبادئ أعمق وأصعب: كالعدالة، والمحاسبة، وكرامة الإنسان؟
لكن الأمر لا يقتصر على إسرائيل التي يعرفها العالم أجمع بأنها دولة احتلال، فحتى أمريكا التي نصّبت نفسها حامية الديمقراطية الليبرالية على المسرح العالمي ما زالت تمول وتسلح إسرائيل خلال أكثر حروبها دموية ضد الفلسطينيين واللبنانيين. هذا التناقض لم يَغِب عن أنظار العالم: هل يمكن لدولة أن تموّل الدمار في الخارج وتزعم في الوقت ذاته التمسك بضبط النفس الديمقراطي في الداخل؟ أما خطة ترامب لإعادة توطين الفلسطينيين في غزة وتحويل القطاع إلى ما يشبه «ريفييرا»، فهي لا تنم عن رؤية إنسانية بقدر ما تكشف عن منطق استعماري مغلف بعبارات دبلوماسية.
في الوقت نفسه، بدأ الدعم لأوكرانيا، الذي كان الغرب يعتبره رمزا للتضامن الديمقراطي، يتلاشى ويتآكل بل يتحول إلى ما يمكن تسميته بكثير من الاطمئنان ابتزاز سياسي واقتصادي. هذا التراجع يُقوّض السردية التي سعت أمريكا وحلفاؤها في الغرب إلى ترسيخها والتي تتمثل في أن الديمقراطيات تتكاتف ضد العدوان.. لكن عندما يصبح التضامن قابلا للمساومة، تصبح القيم التي يفترض أن يمثلها في مهب الريح.
وأوروبا، التي كانت مهد الفكر الديمقراطي الحديث، تتعثر بدورها؛ فالقارة تشهد صعودا مستمرا لتيارات اليمين المتطرف، ورُهاب الأجانب، والقوميات الإقصائية والشعبوية. يُجرَّم اللاجئون والمهاجرون، وتُقوَّض الحريات المدنية باسم الأمن. ونرى ونسمع عن قادة سياسيين كانوا يمجدون الشمولية فإذا هم اليوم يغازلون أفكارا كانت، إلى وقت قريب، محصورة في الهامش. التجربة الديمقراطية، التي وُلدت من رماد الفاشية، تبدو اليوم وكأنها تنكسر تحت وطأة تناقضاتها الداخلية. تبدو الحقيقة جلية ولكنها مُقلقة جدا حيث استدعاء الغرب للقيم الديمقراطية بات بشكل واضح جدا انتقائيا، وباتت القيم نفسها جوفاء ومتضاربة أخلاقيا. فعندما تصبح الديمقراطية لغة للمصلحة، لا إطارا للعدالة، وعندما تُستخدم لتبرير الاحتلال والإبادة الجماعية وتجويع الشعوب، أو لتحقيق مكاسب جيوسياسية، فإنها لا تعود قيمة، بل ذريعة.
وإذا أراد الغرب استعادة سلطته الأخلاقية، فعليه أن يفعل أكثر من ترديد تراتيله الديمقراطية. عليه أن يطبّق ما يعظ به، لا في الداخل فحسب، بل وبشكل خاص في الخارج. وهذا يعني مساءلة الحلفاء، واحترام القانون الدولي، والإصغاء للأصوات التي طال تهميشها. الديمقراطية ليست حقا مكتسبا للغرب، ولا علامة تجارية حصرية، إنها وعد متجدد، وعد يخصّ البشرية جمعاء، ويجب الدفاع عنه بالفعل كما بالقول، لا بالشعارات ولا بالدعاية.