خالد بن حمد الرواحي

في عالم الأعمال سريعِ التغير، لم تعد القيادة مجرد ممارسة تقليدية لإدارة المؤسسات، بل أصبحت عاملًا جوهريًا في تحفيز الابتكار وتحقيق التميز المؤسسي. مع تصاعد التحديات العالمية، برزت الحاجة إلى نمط قيادي قادر على تمكين الأفراد وتعزيز بيئات العمل الإبداعية. القيادة التحويلية هي نمط قيادي يُركز على تحفيز الأفراد وإلهامهم لتحقيق أداء عالٍ وابتكار مؤسسي.

ووفقًا لـBass (1985)، تعتمد القيادة التحويلية على أربعة عناصر رئيسية: التأثير المثالي، والتحفيز الإلهامي، والاعتبار الفردي، والتحفيز الفكري، مما يساعد في خلق بيئة عمل تدعم الإبداع وتُحفّز الفرق على تحقيق أهداف مشتركة. بأسلوبها القائم على الإلهام، والتحفيز، والتطوير المستمر، تمثل اليوم ركيزةً أساسيةً لدفع المؤسسات نحو الابتكار والتكيف مع المتغيرات. هذا ما أكدته ورقة بحثية حديثة نُشرت لنا في فبراير 2025 بمجلة "أتلانتس" المغربية العلمية المُحكمة، حيث تناولنا أثر القيادة التحويلية على الابتكار المؤسسي.

أظهرت الدراسة نتائج واضحة: المؤسسات التي تتبنى القيادة التحويلية تحقق مستوياتٍ أعلى من الكفاءة التشغيلية والابتكار المؤسسي، فقد أظهرت البيانات أن بيئات العمل التي تعتمد على هذا النهج القيادي سجلت تحسنًا في الإنتاجية بنسبة تصل إلى 30%، كما ارتفعت مستوياتُ رضا الموظفين بشكل ملحوظ نتيجةً لأساليب التحفيز والتطوير المستمر التي يوفرها القادةُ التحويليون. هذه النتائج تعكس أهمية القيادة التحويلية في بناء ثقافة تنظيمية تُمكّن الأفراد من التفكير الإبداعي وتقديم حلول متجددة.

ولكن، كيف يمكن لقائدٍ أن يكون محفزًا للابتكار؟ الإجابة تكمن في قدرته على خلق بيئة تدعم التفكير الإبداعي، وتعزز العمل الجماعي، وتشجع الموظفين على اقتراح حلول جديدة. المؤسسات الناجحة مثل Google وTesla قدمت نموذجًا ناجحًا في هذا المجال، حيث مكّنت قادتها التحويليين من تحفيز الابتكار داخل فرق العمل، مما أدى إلى تطوير منتجات وخدمات غير مسبوقة. وبذلك، يتبين أن القيادة التحويلية ليست مجرد استراتيجية نظرية، بل أداة عملية تعزز الأداء المؤسسي وتدفع نحو التميز.

بالطبع، تواجه المؤسسات تحديات عند تبني هذا النموذج القيادي. فقد سلطت الدراسة الضوء على بعض العقبات التي تعترض تطبيق القيادة التحويلية، مثل مقاومة التغيير ونقص برامج التدريب القيادي. فغياب بيئة تنظيمية داعمة قد يعيق جهود القادة في تطبيق هذا النمط القيادي بفعالية. لذا، أوصت الدراسة بضرورة توفير برامج تدريبية للقادة، وتعزيز ثقافة التغيير، وتبني سياسات مؤسسية تُشجع على الابتكار، لضمان الاستفادة القصوى من هذا الأسلوب القيادي.

لكن القيادة التحويلية ليست مجرد نظريةٍ أكاديمية، بل هي واقع يجب أن تتبناه المؤسسات التي تسعى إلى الاستدامة والنجاح. فالمؤسسات التي تفهم أهمية الاستثمار في قادتها ستتمكن من تحفيز الابتكار، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحقيق تنافسيةٍ مستدامةٍ في سوقٍ متغير. ويصبح القادة حينها ليسوا فقط مديرين ينفذون الأوامر، بل مُلهمين، ومحفزين، وصانعي فرص.

نحن أمام لحظةٍ حاسمةٍ في عالم الإدارة، حيث لم يعد كافيًا أن يكون القائد مجرد منفذ للخطط، بل يجب أن يكون عنصرًا رئيسيًا في صناعة المستقبل. القيادة التحويلية ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورةٌ لبناء مؤسساتٍ قادرةٍ على المنافسة والابتكار.

إنَّ المستقبل ينتمي إلى القادة الذين يدركون أن الابتكار يبدأ من الداخل، من فرق العمل التي تحظى ببيئةٍ ملهمةٍ وداعمة. والسؤال الذي يجب أن تطرحه كل مؤسسة اليوم: هل لدينا قادةٌ قادرون على إحداث هذا التحول؟

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

برلماني: مصر عازمة على إحداث طفرة في البحث العلمي والتعليم الجامعي

أكد النائب مدحت الكمار، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، على أهمية توجيهات الرئيس السيسي للحكومة بضرورة التركيز على تحويل مخرجات البحث العلمي إلى منتجات تسهم في خدمة الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الاهتمام بنشر ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، وربط الأبحاث العلمية بالخطط التنموية والاحتياجات المجتمعية.

وأوضح الكمار، في تصريح صحفي له اليوم، أن توجيهات السيسي تضع مصر على طريق العصر والثورة التكنولوجية والرقمية وثورة الذكاء الاصطناعي والجمهورية الجديدة.

ونوه عضو لجنة الصناعة بالبرلمان بتوجيهات الرئيس كذلك بضرورة التركيز على ربط المناهج الدراسية بمتطلبات سوق العمل، ومواصلة تأهيل الكوادر البشرية لمعالجة نقص الكفاءات الأكاديمية ومنع تسربها للخارج، مشيرًا إلى أن خدمة سوق العمل وربط المناهج التعليمية به يوفر مئات الآلاف من الوظائف المطلوبة في المستقبل.

وأشاد عضو مجلس النواب، باستعراض الاجتماع ملف إنشاء الجامعات الأهلية والتحول الرقمي وميكنة الخدمات، ومستجدات تنفيذ المبادرات الرئاسية المرتبطة بالتعليم العالي والبحث العلمي، وكذلك الجهود المبذولة من جانب المستشفيات الجامعية لاستقبال جرحى ومصابي قطاع غزة، وتوفير الأدوية لصالح أهالي غزة.

واختتم النائب مدحت الكمار بأن مصر عازمة على إحداث طفرة في البحث العلمي والتعليم الجامعي تناسب العصر والجمهورية الجديدة، مضيفًا أن الرئيس يقود ثورة هائلة في التعليم العالي، وهو ما يضمن لمصر مكانًا متميزًا في المستقبل.

مقالات مشابهة

  • شرطة أبوظبي تعرض «دورية المستقبل ذاتية القيادة» خلال «آيدكس 2025»
  • "الدوسري": المنتدى السعودي للإعلام يصنع المستقبل ولا ينتظره
  • القيادة تهنئ ملك الأردن بمناسبة نجاح العملية الجراحية التي أجريت لجلالته
  • الحريري والعودة المدروسة.. تحضيرات لمواكبة المرحلة و كل شي بوقتو حلو
  • بحث سبل دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بولاية السيب
  • شرطة أبوظبي تستعرض مركبة المستقبل ذاتية القيادة
  • برلماني: مصر عازمة على إحداث طفرة في البحث العلمي والتعليم الجامعي
  • مذكّرة تفاهم لتعزيز «تأهيل المتعافين من الإدمان» ودمجهم بـ«سوق العمل»
  • القيادي البارز في حزب الإصلاح الهجري ينتقد أداء مجلس القيادة الرئاسي ويكشف أبرز أسباب الفشل