هل تصدر عملة مجموعة "بريكس"؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com
يتساءل العالم إن كانت فكرة إصدار العملة الجديدة لمجموعة "بريكس" على جدول أعمال الاجتماع القمة المقبلة في جنوب أفريقيا خلال شهر يوليو المقبل، والجواب يأتي اليوم بالنفي وفق تصريحات بعض المسؤولين في رئاسة البرازيل، وهي إحدى الدول المُؤسِّسة لهذا التكتل بجانب الصين وروسيا والهند وبعدها جنوب إفريقيا.
فقد صرح 4 مسؤولين حكوميين بالبرازيل أن المجموعة لن تقوم بإصدار العملة المشتركة لمجموعة الاقتصادات النامية الكبرى هذا العام، إلا أن جدول الأعمال قد يُمهِّد الطريق لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة العالمية. ووفق تقرير لوكالة "رويترز" فإن قرار إصدار عملة بريكس قد يُثير غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حذر مرارًا وتكرارًا مجموعة بريكس من تحدي هيمنة العملة الخضراء "الدولار الأمريكي".
هؤلاء المسؤلون يرون بأنه ليس هناك الآن أي فرصة لأن تحل عملة مجموعة بريكس محل الدولار الأمريكي في التجارة الدولية أو في أي مكان آخر، باعتبار أن التهديد الترامبي قائمٌ في حال قيام أي دولة بذلك، حيث يجب عليها أن تتحمل تعريفات جمركية قد تصل إلى 100% وفق تغريدة ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي الشهر الماضي، وتكراره لهذه المقولة بأن التعريفات ستفرض على دول بريكس "إذا أرادت اللعب بالدولار".
لذا من المتوقع أن تتخلى مجموعة بريكس عن فكرة إصدار العملة المشتركة لها لتحل محل الدولار في الوقت الحالي، وخاصة في مثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم، ولكن ستقوم دول المجموعة بدلًا من ذلك بإجراء إصلاحات داخل بريكس لتسهيل المدفوعات الدولية بالعملات الوطنية والتركيز عليها التبادل التجاري، وفتح الباب أمام الاعتماد بشكل أقل على الدولار في التجارة العالمية، على الرغم من أن ذلك ليس هدفهم الرئيسي. فهؤلا يرون أنه لا يجب التخلي عن فكرة استكشاف هذا الاحتمال أي إصدار عملة بريكس، إلا أنه لا توجد هناك دولة عضو تنوي القضاء على احتياطياتها من الدولار أيضا، وبحيث لا تخلق لنفسها متاعب في هذا الشأن.
دول مجموعة بريكس ترى أنه من حقها مناقشة إنشاء أشكال جديدة من التجارة الدولية، بحيث لا تجعلها دول معتمدة فقط وبشكل كامل على الدولار، في حين يرون بأن المبادرات والدفوعات في هذا الشأن يجب أن تستمر عبر الحدود بعملات مختلفة فيما بينها، مؤكدين بأن هذه الخطة لا تستهدف أي دولة، ولكن يجب التقليل على الاعتماد على الدولار في التجارة العالمية.
فكرة إصدار العملة الموحدة لدول مجموعة "بريكس" ما تزال موضوعًا قيد المناقشة، لكن يبدو أن هناك اهتمامًا متزايدًا بمستقبلها في السياقات الاقتصادية العالمية. وبالرغم من أن هناك تحديات كبيرة أمام هذا المشروع، مثل اختلاف الأنظمة الاقتصادية واحتياجات الأسواق المحلية لكل دولة، إلا أن هناك بعض الاتجاهات التي تدعم فكرة هذه العملة في المستقبل، وأهمها تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، حيث تسعى هذه المجموعة استخدام العملات الوطنية، بهدف تقوية نفوذها في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء خاصة في حال تم تطوير هذه العملة وتم توحيد جهود الأعضاء في مجالات التجارة والاستثمار.
بعض الخبراء يرون أن العملة الجديدة قد تكون جزءًا من خطة طويلة الأمد لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي وتعزيز مكانة "بريكس" كلاعب رئيسي على الساحة العالمية، ولكن تبقى هناك تحديات عديدة تتمثل في الاختلافات الاقتصادية بين الدول الأعضاء (مثل الاختلافات في مستوى التطور الاقتصادي، والسياسات المالية، والأنظمة النقدية)، فيما بعضها تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتواجه معارضة من قبل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لذا يرى البعض أن مستقبل هذه العملة الجديدة غامض، وقد تكون هناك فرص مستقبلية إذا استمر التعاون بين الدول الأعضاء وتزايد الاهتمام بتقليل الاعتماد على العملات الغربية مثل الدولار، الأمر الذي يدفع الدول المؤسسة لهذه المجموعة، وكذلك تلك التي دخلت في عضويتها لاحقا بدراسة تقنيات لربط أنظمة الدفع فيما بينها لخفض تكاليف المعاملات، وفقًا للمعايير التي وضعتها الهيئات المتعددة الأطراف مثل بنك التسويات الدولية.
لقد ازدادت قوة هذه المجموعة التي تم تأسيها عام 2009 بانضمام عدد من الدول الأخرى في العام الماضي إليها مثل مصر وإثيوبيا وإندونيسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والإمارات العربية المتحدة؛ مما يجعلها ثقلًا دبلوماسيًا متزايدًا للقوى الغربية التقليدية في هذه المجموعة وتعطي الفرصة لها في الاعتماد على عملاتها المحلية في التجارة الدولية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كيف تلغي الدول أو تستبدل عملاتها؟ ولماذا تنوي إسرائيل إلغاء فئة الـ200 شيكل؟
أثار إعلان إسرائيل نيتها إلغاء تداول فئة الـ 200 شيكل جدلا واسعا لدى المواطنين والتجار داخل قطاع غزة، وسط مخاوف من تداعيات اقتصادية معقدة، فأي إجراء من هذا النوع من دون تنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطِرة، فضلا عن كونه يمس الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
وبادر وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر إلى الدعوة باتخاذ هذه الخطوة، قبل أن يُبدي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تأييده لها واصفا إياها بـ"الممتازة"، وأعلن نيته مناقشة الأمر مع محافظ البنك المركزي، حسبما كشفت عدة وسائل إعلام عبرية أخيرا.
وتثير الخطوة كثيرا من التساؤلات، من أبرزها:
كيف تستبدل الحكومات فئات عملاتها أو تلغيها؟ ولماذا؟ وما انعكاسات استبدال فئة عملة على الأسواق؟ وما الخطوات المتبعة عند استبدال أو إلغاء فئة عملة ما؟ وما أثر القرار الإسرائيلي على قطاع غزة؟ وهل يحق لإسرائيل تنفيذ هذا القرار؟هذه الأسئلة وغيرها هي ما سنحاول الإجابة عنه في هذا التقرير استنادا إلى عدد من المصادر المتخصصة مثل صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، و"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" وشبكة "إن بي آر" (npr.org)، ومنصة "أكاديميا" (academia.edu) ومنصة "إنفستوبيديا" وغيرها.
لدى معظم البلدان عملتها الخاصة التي تشكل جزءا مهما من هويتها الوطنية، رغم أن بعضها قد ينتمي إلى اتحاد دولي، ويتقاسم عملة مشتركة مع أعضاء الاتحاد الأوروبي كمثال؛ بينما تستخدم بلدان أخرى عملة بلد آخر، غالبا ما يكون أكبر حجما وأكثر قوة، مثل العديد من الدول التي تستخدم الدولار أو اليورو داخل بلدانها، وفي بعض الأحيان، قد تضطر دولة ما إلى إلغاء عملة نقدية أو استبدال عملة جديدة بها، في إجراء يهدف إلى الإصلاح الاقتصادي، وفقا لصندوق النقد الدولي.
إعلانوإلغاء عملة ما أو استبدالها هو عملية تجريد وحدة نقدية من صفتها عملة قانونية، ويحدث ذلك كلما طرأ تغيير على العملة الوطنية لأسباب مختلفة، ويُسحب الشكل أو الأشكال النقدية الحالية من التداول ليُستبدل غالبا بها أوراق نقدية أو عملات معدنية جديدة، وفي بعض الأحيان، تستبدل الدولة عملة جديدة بالعملة القديمة بجميع فئاتها، وفقا لمنصة "إنفستوبيديا".
وتلغي الدول فئات من عملاتها أو تستبدلها لأسباب متعددة، تتعلق غالبا بالظروف الاقتصادية، والسياسات النقدية، والتطورات التقنية.
وإليكم أبرز هذه الأسباب مدعومة بأمثلة واقعية:
1- مكافحة التضخم
عندما تفقد العملة جزءا كبيرا من قيمتها بسبب التضخم أو التضخم المفرط أو التزييف الواسع للعملة الحالية، وفقا لصندوق النقد الدولي، تلجأ الدول إلى ما يسمى بإعادة التقييم النقدي (Redenomination) لتبسيط المعاملات المالية وتقليل عدد الأصفار في الفئات النقدية.
على سبيل المثال أعادت أذربيجان عام 2006 تقييم عملتها وأصبح "1 مانات" جديد يعادل 5 آلاف مانات قديم، بهدف تسهيل العمليات المحاسبية وتعزيز الثقة في العملة الوطنية.
2- مكافحة التزوير وتحسين الأمان
تُصدر بعض الدول فئات نقدية جديدة بتصاميم وتقنيات أمان متقدمة لمكافحة التزوير. على سبيل المثال، في عام 2016، أعلنت الهند سحب فئات 500 و1000 روبية من التداول واستبدالها بفئات جديدة تحتوي على ميزات أمان محسنة، وذلك كجزء من حملة مكافحة التزوير والفساد.
3- التحول إلى عملة جديدة أو التحديث الاقتصادي
عند اعتماد عملة جديدة أو تحديث النظام النقدي، قد تُستبدل الفئات القديمة، وعلى سبيل المثال في عام 2002، تبنت العديد من الدول الأوروبية عملة اليورو، مما استدعى سحب العملات الوطنية القديمة من التداول واستبدال اليورو بها، وفقا للبنك المركزي الأوروبي.
4- تقليل تكاليف الإنتاج والتداول
قد تُسحب الفئات النقدية ذات القيمة المنخفضة عندما تصبح تكلفة إنتاجها أعلى من قيمتها الاسمية، على سبيل المثال، في عام 2012، قررت كندا سحب عملة البنس (1 سنت) من التداول بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها مقارنة بقيمتها.
إعلان5- أسباب سياسية أو اقتصادية
في بعض الحالات، تُستخدم عملية إلغاء أو استبدال الفئات النقدية كأداة سياسية أو اقتصادية. على سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الثانية، سحبت الحكومة البلجيكية في عام 1944 الأوراق النقدية التي تزيد على 100 فرنك من التداول كجزء من إجراءات اقتصادية بعد التحرير.
6- تشجيع الاقتصاد الرقمي وتقليل الاعتماد على النقد الورقي
تسعى بعض الدول إلى تقليل الاعتماد على النقد الورقي وتشجيع المعاملات الرقمية، وفي هذا السياق، أعادت نيجيريا في عام 2023 تصميم فئات نقدية بهدف تعزيز استخدام المدفوعات الرقمية وتقليل تداول النقد الورقي.
كيفية إلغاء أو استبدال فئة من العملات؟
تُعد عملية إلغاء أو استبدال فئة من العملات إجراء نقديا دقيقا، وثمة خطوات لا بد منها لإجراء هذه العملية أو إعداد المسرح بشكل سليم وفقا لصندوق النقد الدولي، من أبرزها:
1- التخطيط والإعلان الرسمي: يبدأ البنك المركزي بوضع خطة شاملة تتضمن الجدول الزمني، وآلية الاستبدال، وفترة السماح بتداول الفئة القديمة.
2- التصميم والإنتاج: تُصمم الفئة الجديدة مع مراعاة عناصر الأمان الحديثة، ثم تطبع أو تُسك العملة الجديدة وفقا للمعايير المعتمدة دوليا.
3- التوزيع والتوعية: يوزع النقد الجديد عبر الشبكات المصرفية، مع إطلاق حملات توعية لتثقيف الجمهور في الفئة الجديدة وطرق استبدال الفئة القديمة.
4- سحب الفئة القديمة: يحدد البنك المركزي فترة زمنية يسمح فيها بتداول الفئة القديمة، وبعدها تفقد الصفة القانونية وتُسحب من السوق.
وعلى سبيل المثال أكملت تركمانستان بنجاح عملية إدخال عملة جديدة عام 2008 حيث قامت بحملة توعية واسعة، وأنشأت خطا ساخنا للإجابة عن استفسارات المواطنين.
ما انعكاسات استبدال فئة عملة على الأسواق؟ثمة تحديات وآثار ترافق استبدال عملة جديدة بأخرى قديمة وبعض هذه الآثار إيجابي وبعضها سلبي، إذ تتفاوت انعكاسات هذا الإجراء على الأسواق بحسب السياق الاقتصادي والتنفيذي في كل بلد.
وإليكم أهم التأثيرات الإيجابية والسلبية وفقا لصندوق النقد الدولي ومنصة "إنفستوبيديا":
التأثيرات الإيجابية المحتملة الحد من الاحتيال والتهرب الضريبي: إلغاء عملة أو استبدالها قد يُقلل من الممارسات المالية الاحتيالية، إذ لن يتمكن الأفراد من تبادل العملات غير القانونية مع البنوك. ويشمل ذلك أيضا الحد من التهرب الضريبي، مما يُسهم في ضخ إيرادات إضافية في اقتصاد الدولة. قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي على الأمد الطويل بسبب زيادة الإيرادات الضريبية التي يتم إعادة استثمارها في الدولة. سد الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق غير الرسمي مما يرفع من كفاءة نظام الأسعار، ويعزز من النظام الاقتصادي الكلي للبلاد. تطور النظام المصرفي: يُظهر إلغاء التداول النقدي الورقي المادي أيضا تطور النظام المصرفي، إذ أصبحت العملات الرقمية أكثر سهولة في الوصول إليها، وأكثر أمانا في التخزين، وأسهل في نقل الملكية، وغالبا ما تستفيد الصناعات والشركات المنظمة استفادة قصوى من سهولة الانتقال. تبسيط المعاملات المالية: يُسهم تقليل عدد الأصفار في عملة بلد ما في تسهيل العمليات المحاسبية والمالية، مما يعزز الكفاءة في الأنشطة الاقتصادية.وفي غزة وفي سياق قلق المواطنين والتجار من توجّه الحكومة الإسرائيلية لإلغاء قيمة فئة الـ 200 شيكل ثمة أسئلة تطرح نفسها، ومن أهمها:
هل يحق لإسرائيل اتخاذ هذا القرار؟من الناحية القانونية، يتمتع بنك إسرائيل بصلاحية إصدار أو إلغاء العملات النقدية، ويجب أن يتم ذلك بناء على مبررات مهنية واضحة، وأكد بنك إسرائيل في بيان رسمي، أنه لا يعتزم إلغاء الورقة النقدية من فئة 200 شيكل، مشيرا إلى أنه لا توجد مبررات مهنية كافية لاتخاذه وفقا لما ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
لكن أي إجراء أحادي الجانب من إسرائيل في هذا الشأن يُعتبر مساسا بالحقوق الاقتصادية للفلسطينيين، خاصة في ظل غياب التنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية، مما قد يُعد انتهاكا للاتفاقيات الدولية، وبالذات بروتوكول باريس الذي وقعته إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية إثر اتفاقية أوسلو عام 1993.
ما التأثير المنتظر على غزة؟تشكل فئة الـ200 شيكل نحو 70% من النقد المتداول في قطاع غزة، نظرا لقيمتها العالية وسهولة استخدامها في المعاملات الكبيرة، وإلغاء هذه الفئة من دون توفير بدائل مناسبة سيؤدي إلى آثار عديدة، وفقا لتقرير سابق للجزيرة نت ومن أهمها:
نقص حاد في السيولة النقدية تُعمق من الأزمة في القطاع، وهو ما سيعد ضربة إضافية للواقع الهش. سيفقد التجار والمواطنون رؤوس أموالهم، كونها تتكون أساسا من هذه الفئة من الشيكل، لأنها الأكبر في قيمتها. تأثير سلبي هائل على الاقتصاد المحلي في غزة قد يُفاقم من الأزمة الاقتصادية ويزيد من معدلات الفقر والبطالة في القطاع الذي دمرته الحرب. إعلانوعموما سيؤدي اتخاذ قرار إلغاء فئة 200 شيكل دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطِرة في قطاع غزة.