روسيا.. من كسب أوكرانيا إلى فقد النفوذ الدولي
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
عُرف عن روسيا في العهد السوفييتي بأن مفهومها للأمن القومي لا يتعدى جغرافية الاتحاد السوفييتي وجغرافية حلف وارسو، لهذا بُنيت العقدية السياسية والعقيدة العسكرية للكتلة الشرقية في عقود الحرب الباردة على هذا المفهوم.
وتسببت هذه السياسات في انكفاء الكتلة الشرقية على نفسها، والسماح في المقابل للخصم الغربي بالعربدة في جغرافيات العالم وكما يشاء؛ بل والتجاسر على مصالح المعسكر الشرقي وحلفائه في وضح النهار دون خوف من ردود بعينها.
انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وانفرط عقد مكوناته، فاستحوذ الغرب على نصيب الأسد منه وأصبح على مرمى حجر من الوريث الأكبر والمتمثل في جمهورية روسيا الاتحادية. وفي عهد الرئيس فلاديمير بوتين رمم تصدعات الدولة الوليدة من رحم أزمات الجسد المُنهار، وحرص على بناء الدولة الروسية على أنقاض الحقبة السوفييتية، ونقيض سياساتها؛ حيث بعث روسيا البوتينية بهوياتها وعقائدها الجديدة، والمتمثلة في الاقتصاد الحر والسوق المفتوح، وتجربة التعدد الحزبي، والبرلمان المُنتخب، أي أن روسا البوتينية نسخة طبق الأصل من نموذج الدولة في الغرب، وفوق هذا جعل مفهوم الأمن القومي لروسيا البوتينية وعقيدتها السياسية والعسكرية تشمل كل جغرافية حول العالم تحمل مصالح روسية.
لم يطمئن الغرب لهذا التحول، وبقي يُمارس سياسات الحرب الباردة ضد روسيا، ويعبر عن أطماعه في السيطرة عليها وتحجيمها تمهيدًا لتقسيمها بفعل دعم وتشجيع قلاقل بداخلها تحت أي مسمى.
كشف الغرب عن نواياه الحقيقية تجاه روسيا عام 2014، حين شجع أوكرانيا على التخلي عن تعهدها للروس وفق اتفاقية وارسو عام 1991 بشأن خروجها من دائرة الاتحاد السوفييتي واستقلالها عنه؛ حيث كانت من أهم شروط تلك الاتفاقية -والتي كانت برعاية فرنسا وألمانيا- عدم ممارسة أوكرانيا لأي أعمال عدائية ضد روسيا وعدم السماح بها انطلاقًا من أراضيها، وعدم انضمام أوكرانيا الى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.
حين قاد الغرب مؤامرة تمرد أوكرانيا على روسيا، كان رد فعل روسيا السيطرة على شبه جزيرة القرم، لمنع أوكرانيا من المطالبة بالانضمام إلى حلف الناتو والذي ينص ميثاقه على عدم قبول عضوية دولة لها أراضٍ مُحتلة.
ثم تطورت الأمور وصولًا إلى الحرب بين البلدين؛ حيث قرر الغرب استنزاف روسيا عبر أوكرانيا، ووظفوا جُل جهودهم لدعم المجهود الحربي الأوكراني؛ حيث سخَّرُوا لها كل ما يمكن تقديمه لحليف استراتيجي شريك لهم.
في المقابل، خاض الروس هذه الحرب وفق استراتيجية الفصل بين عدائية النظام الأوكراني، وكسب الشعب والجغرافيا، وفق حسابات التاريخ والوشائج والقواسم المشتركة بين روسيا وأوكرانيا.
ما يرشح اليوم بشأن اتفاق أمريكي روسي على تسوية عدد من الملفات العالقة بينهما، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، مقايضة مع الروس في عدد من الملفات الإقليمية، يعود بنا إلى المربع الأول للعهد والسياسات السوفييتية؛ حيث ستنكفئ روسيا على جغرافيتها مُجددًا، وسيعبث الغرب في جغرافيات تحالفات ونفوذ روسيا البوتينية وأهمها سوريا وإيران واليمن ولبنان وليبيا.
لا شك أن الملف الأوكراني كان كالجُرح المؤلم المفتوح لروسيا، ولكنه كان كذلك بالنسبة للغرب بعمومه وأمريكا على وجه الخصوص، وفي المقابل حفَّزَ الملف الأوكراني روسيا على فتح ملفات إقليمية ودولية في جغرافيات مختلفة تصب في نهايتها في دعم الموقف الروسي في أوكرانيا، وتهدد مصالح الغرب في تلك الجغرافيات وعلى رأسها وأهمها القارة الأفريقية.
تخلِّي روسيا اليوم عن عدد من القضايا والملفات مقابل إطلاق يدها في أوكرانيا مجددًا، سيجعل الغرب في وضع مثالي لتحقيق استراتيجيته المُبطَّنة تجاه روسيا، وسيُضعف دور وحيوية روسيا، ويُفقدها ثقة الحلفاء حاليًا ومُستقبلًا، وسترجح كفة المعسكر الغربي وجدارته في إدارة العالم.
قبل اللقاء: الجغرافيا والتاريخ وتحالف الضرورة، من ركائز العلاقات بين الدول.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية الأمريكي: ملتزمون بالتفاوض مع روسيا لإنهاء حرب أوكرانيا
أكد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، التزام واشنطن بمواصلة المفاوضات مع موسكو، مشددًا على أهمية إنهاء الحرب في أوكرانيا بطريقة تضمن عدم اندلاعها مجددًا، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" في نبأ عاجل.
وأوضح روبيو، في تصريحات صحفية، أن الهدف الأساسي يتمثل في تحقيق نهاية عادلة ودائمة ومستدامة للصراع، مشيرًا إلى أنه يجب أن تكون هناك تنازلات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وأضاف أن المحادثات التي جرت مع الجانب الروسي في الرياض شكلت خطوة مهمة على طريق المزيد من الاتصالات بين الطرفين، لافتًا إلى أن موسكو أبدت استعدادها للبدء بعملية جدية لإصلاح العلاقات الثنائية.
وفيما يتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا، أشار روبيو إلى أن هذا الملف طُرح خلال المناقشات، لكنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه.
ومع ذلك، شدد على أن هناك العديد من الفرص الفريدة للعمل مع الروس في المستقبل، مؤكدًا رغبة بلاده في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو إلى طبيعتها.