القاعدة الروسية بالسودان.. هل حان أوان التنفيذ؟ (تقرير)
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
الأناضول - بعد سنوات من تعثر تنفيذ الاتفاقية أعلن وزير الخارجية السوداني من موسكو التوصل إلى تفاهمات بشأن إنشاء القاعدة البحرية الرسوية على البحر الأحمر في بلاده - المحلل السياسي أمير بابكر: القاعدة الروسية ليست أولوية للخرطوم أو موسكو حاليا والحديث عنها ربما بمثابة رسائل سياسية من الحكومة السودانية للأطراف الدولية
- المحلل السياسي محمد سعيد: من الصعب تنفيذ اتفاقية القاعدة وتصريحات وزير الخارجية تكتيك من الحكومة لكسب الوقت ومعرفة ما سيفعله ترامب تجاه المنطقة
عادت إلى الواجهة مسألة إقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر في السودان، إثر إعلان الخرطوم قبل أيام التوصل إلى اتفاق بشأنها مع موسكو.
وجاء الإعلان في وقت يشهد فيه السودان منذ 22 شهرا حربا ضاريا بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية طالت معظم ولايات البلاد.
وخلّفت الحرب، منذ أبريل/ نيسان 2023، أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.
وجاء الإعلان بشأن القاعدة هذه المرة من موسكو، خلال مؤتمر صحفي جمع وزير الخارجية السوداني علي يوسف ونظيره الروسي سيرغي لافروف.
وقال يوسف الأربعاء الماضي إن السودان وروسيا توصلا إلى تفاهم بشأن الاتفاقية الخاصة بإقامة قاعدة البحرية الروسية.
وأضاف: "متفقون تماما في هذا الموضوع ولا توجد أي عقبات.. لا توجد عقبات، نحن متفقون تماما".
وتابع: "توصلنا إلى تفاهم متبادل بشأن القضية، وبالتالي فإن المسألة بسيطة للغاية، ليس لدي ما أضيفه. لقد اتفقنا على كل شيء"، دون تفاصيل.
ومرت سنوات على الإعلان عن اتفاقية بشأن إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان، وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عليه في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
لكن المسألة ظلت متعثرة، وأعلنت الخرطوم حينها أن الاتفاقية تحتاج لموافقة برلمانية.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حل الحكومة ومجلس الوزراء، ثم اندلعت الحرب منتصف أبريل 2023.
وتتضمن الاتفاقية إقامة منشأة بحرية روسية على البحر الأحمر، قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.
ويمكن للقاعدة استقبال أربع سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.
ولا ترغب دول، تتقدمها الولايات المتحدة، في حصول خصمها الاستراتيجي روسيا على مواطئ قدم في البحر الأحمر بالسودان.
** قصة القاعدة
في 2017 لم تتحمس موسكو لطلب الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير (1989 - 2019)، إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بلاده، في ظل توترات بين الخرطوم وواشنطن.
لكن في مايو/ أيار 2019 كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.
وصادق بوتين، في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان.
لكن بعد ثلاثة أيام، قال رئيس الأركان السوداني حينها محمد عثمان الحسين: "حتى الآن ليس لدينا الاتفاقية الكاملة مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد".
و9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص الاتفاقية بين موسكو والخرطوم حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف "تعزيز السلام والأمن في المنطقة"، حسب مقدمة الاتفاقية.
** رفض ومخاوف
لم يحظ الإعلان مؤخرا عن التوصل إلى تفاهم بشأن الاتفاقية بردود فعل كثيفة كما في السابق من القوى السياسية السودانية، والتي يظل معظمها رافضا لإنشاء القاعدة.
إلا أن الحزب الشيوعي المعارض أعلن، في بيان الجمعة، رفضه للاتفاقية، قائلا إن إبرامها في ظل الانقسام السياسي والصراع العسكري بالسودان، ومن جانب سلطة غير منتخبة، يفتقر إلى أي شرعية قانونية أو شعبية.
وأردف أن إنشاء قاعدة عسكرية أجنبية على الأراضي السودانية يُعد انتهاكا صارخا للسيادة الوطنية، ويفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية التي تهدد وحدة السودان وتجره إلى صراعات دولية لا مصلحة له فيها.
كما علق رئيس الحركة الشعبية- التيار الثوري ياسر عرمان بقوله إن "السودان اليوم بحاجة إلى سلام عادل ومشروع وطني جديد، ولا يحتاج لبناء قواعد أجنبيه على أراضيه".
ولفت عرمان، عبر حسابه على "فيسبوك"، إلى "الحديث المنسوب لوزير الخارجية بشأن الاتفاق على بناء قاعدة روسية على الساحل السوداني".
واعتبر أنه "إذا كان صحيحا، فذلك يعني مزيدا من الاستقطاب الإقليمي والدولي، في وقت السودان فيه أضعف ما يكون، ويحتاج لحماية سيادته.. ومصلحة السودان الحفاظ على سيادته والابتعاد عن هذه الصراعات".
** رسائل سياسية
المحلل السياسي أمير بابكر قال للأناضول إن حديث وزير الخارجية بشأن القاعدة في حضور لافروف كان معمما، حيث كانت الرسالة هي "حدوث تفاهمات بشأن القاعدة الروسية".
وأضاف: "من الواضح أن القاعدة الروسية ليست أولوية للخرطوم أو موسكو حاليا، باعتبار أن الأوضاع في السودان غير مستقرة، والحرب لا زالت في أشدها".
وتابع: "بالنظر إلى مجريات الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فإن الحديث عن القاعدة الروسية في هذا التوقيت ربما بمثابة رسائل سياسية من الحكومة السودانية للأطراف الدولية"، دون إيضاحات.
** تكتيك سوداني
أما المحلل السياسي محمد سعيد فقال للأناضول إن "موضوع القاعدة الروسية مطروح باستمرار، لأن مركز القرار في الحكومة السودانية ليس واحدا".
وأردف أن "الحكومة أو الجيش السوداني ليسوا مضطرين حاليا إلى إثارة توتر جديد في المنطق،ة خاصة مع الدول المشاطئة على البحر الأحمر".
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، اجتماع ممثلون من مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان والصومال وجيبوتي وإريتريا في الرياض، ودشنوا مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بهدف حماية أمن البحر الأحمر.
وأعرب سعيد عن اعتقاده بأنه "من الصعب تنفيذ اتفاقية القاعدة الروسية، أما تصريحات وزير الخارجية السوداني فتكتيك من الحكومة السودانية لكسب الوقت ومعرفة ما سيفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المنطقة".
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة السودانیة على البحر الأحمر القاعدة الروسیة المحلل السیاسی وزیر الخارجیة إنشاء قاعدة إقامة قاعدة فی السودان أن القاعدة من الحکومة روسیة على روسیة فی
إقرأ أيضاً:
كيف تناولت الصحف الغربية دخول الحرب بالسودان عامها الثالث؟
مع دخول حرب السودان عامها الثالث، اتفقت الصحف الغربية على أن هذا الصراع، رغم ما ميزه من فظائع ومجاعة يعجز اللسان عن وصفها، لا يحظى بالاهتمام العالمي اللازم، محذرة من أن إن النسيج الاجتماعي للبلاد يتمزق بعنف، ولا نهاية في الأفق لهذه المأساة.
"فهل لدينا الإنسانية اللازمة لمواجهة أزمة السودان؟" يتساءل توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة الطارئة للهيئة الأممية -في مقال له بصحيفة فايننشال تايمز البريطانية- حذر فيه من أن ما يجري في السودان كشف كيف أن الأسس التي بناها العالم للحد من مخاطر الحرب والمجاعة والأزمات بدأت تتداعى.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز: خبايا الحملة التي يشنها ترامب ضد الجامعات الأميركيةlist 2 of 2هآرتس: مكافحة الإرهاب اليهودي تثير التوتر بين الشاباك والشرطة الإسرائيليةend of listوأبرز أن ما أسماه "عصر القومية التبادلية" -الذي يميز العالم في الوقت الحالي- قلّما تجد فيه دولًا مستعدة لإبداء الاهتمام بالنضال من أجل الحفاظ على التضامن العالمي، مشيرا إلى أن ذلك لا يتجلى في أي مكان من العالم مثلما يتجلى في السودان.
ومع استمرار الحرب، يقول فليتشر إن ثمة أمرا واحدا لا جدال فيه وهو أنه بدون إنهاء القتال وزيادة التمويل فسوف يعاني المزيد من الناس وسيهيمون على وجوههم ويفقدون أرواحهم.
وتشهد العاصمة البريطانية -اليوم الثلاثاء- مؤتمرا دوليا يهدف لرسم مسار سلام السودان بالذكرى الثانية للحرب التي اندلعت يوم 15 أبريل/نيسان 2023، وهو ما اعتبره فليتشر فرصة لتوجيه 4 نداءات إلى المشاركين فيه، رغم عدم مشاركة الحكومة السودانية:
إعلانأولًا: استخدموا نفوذكم الجماعي لحماية المدنيين من الأطراف المتحاربة ومن يُسلّحهم. وثانيًا: طالبوا بعدم استهداف عمال الإغاثة، وضمان تمكينهم من العمل أينما دعت الحاجة. وثالثًا: توفير تمويل مرن لمساعدتنا في مكافحة المجاعة وإنقاذ الأرواح. ورابعًا: تطبيق الدبلوماسية العملية القادرة على حل المشاكل اللازمة لإنهاء هذه الحرب الوحشية.
لكن صحيفة ليبراسيون الفرنسية قللت من أهمية هذا المؤتمر في جلب سلام للسودان خصوصا أن السلطات السودانية لم تدع له، مشيرة إلى أنه سيُركز على معالجة الأزمة الإنسانية، ولكن من غير المتوقع عقد محادثات سلام، ليظل الوضع كما كان مُزريًا، حيث يعاني المدنيون من فظائع لا يمكن وصفها.
"لم يبقَ إلا كبار السن العاجزون عن الفرار" والسودان يواجه خطر مزيد من التفتيت، هكذا عنوت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا أبرزت فيه بنبرة تشاؤمية أن الأمور تتجه من السيئ للأسوأ.
وفي هذا الصدد نقلت عن خلود خير مؤسسة مركز "كونفلوانس أدفايزري" للأبحاث قولها "نحن نتجه نحو تصعيد الصراع مع تزايد الخسائر البشرية" وذلك رغم ما حققه الجيش في الفترة الأخيرة من نجاحات.
وعبرت خلود عن اعتقادها بأن الجيش أصبح أكثر عزمًا من أي وقت مضى على استعادة الأراضي التي احتلتها مليشيات حميدتي منذ بداية الحرب، مبرزة أن وجود كتائب مساندة وطائرات مسيرة لدى هذا الجيش أثبتت فاعليتها، "وسيسعى الآن إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم قبل موسم الأمطار في يونيو/حزيران".
لكن الصحيفة توقعت أن تنخرط قوات الدعم السريع، التي أُهينت بدحرها في الخرطوم، في حرب استنزاف، مستخدمةً ضربات المسيرات ضد البنية التحتية المدنية ومستهدفةً مخيمات النازحين مثل زمزم قرب الفاشر، حيث أُجبر أكثر من نصف مليون شخص على الفرار.
ومن المرجح، وفقا للصحيفة، أن يُعمّق سعي قوات الدعم السريع للسيطرة على دارفور وخطتها لإنشاء حكومة موازية انقسام السودان، ومع تداول عملتين وتمزق النسيج الاجتماعي، تُواجه البلاد خطر مزيد من التشرذم.
إعلان
وهذا هو ما قد دفع سارة شامبيون وهي عضو في البرلمان عن حزب العمال ورئيسة لجنة التنمية الدولية إلى دعوة الحكومة للتحرك من أجل إنهاء هذا الصراع، إذ لا يمكن حسب قولها أن "تظل المملكة المتحدة مكتوفة الأيدي بينما ينهار السودان".
وترى تشامبيون -في مقال لها بصحيفة ديلي تلغراف البريطانية- أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين في السودان وتطبيق القانون الإنساني الدولي، كما ينبغي للندن أن تضطلع بدور قيادي من خلال زيادة مساعداتها للسودان، إذ إن المخاطر كبيرة، وبدون تدخل فوري سيتعرض ملايين الأبرياء لمخاطر جمة.
ويواجه نصف سكان السودان، البالغ عددهم 50 مليون نسمة، خطر الموت جوعا إذا استمر هذا الصراع البغيض، حسب وصف كاشف شفيق المدير القطري لمنظمة الإغاثة الدولية بالسودان، وهي آخر منظمة إغاثة لا تزال تعمل في مخيم زمزم.
وأكد شفيق -وفق ما نسب له في تقرير بصحيفة واشنطن بوست– أن العالم بحاجة إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار، إذ إن "كل لحظة تمر تتعرض فيها أرواح جديدة للخطر. ويجب أن تنتصر الإنسانية".
ورغم أن الجيش السوداني حقق انتصارا كبيرا باستعادة العاصمة الخرطوم، فإن الخبراء يقولون إن قوات الدعم السريع عززت قبضتها على المناطق التي لا تزال تسيطر عليها -وهي مساحة شاسعة من غرب وجنوب غربي السودان، بما في ذلك منطقتا دارفور وأجزاء من كردفان، بينما يسيطر الجيش على معظم الشمال والشرق والوسط.
وترى الصحيفة أن "السلام لا يزال بعيد المنال" وتنقل في هذا الصدد عن فيديريكو دونيلي الأستاذ المساعد للعلاقات الدولية بجامعة تريستي في إيطاليا قوله "الواقع على الأرض يشبه بالفعل تقسيمًا بحكم الأمر الواقع".
وأضاف دونيلي أنه من الممكن أن يسعى الجانبان إلى وقف إطلاق النار الآن. لكنه أضاف أن الأرجح هو أن يواصل الجيش محاولة التقدم نحو الأراضي التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
إعلان
لكن لا يبدو أن أيًا من الجانبين قادر على هزيمة الآخر، بل يرى سليمان بلدو مدير مرصد الشفافية والسياسات في السودان أن "كلا الطرفين يعاني من إرهاق القتال".
وقال شاراث سرينيفاسان أستاذ السياسة الدولية بجامعة كامبريدج إن قوات الدعم السريع قد أضعفتها الانقسامات الداخلية و"تفتقر إلى الشرعية السياسية داخل البلاد" لكنها تتمتع بقدرة قوية على الوصول إلى الأسلحة والموارد، مدعومة بدعم يصلها عبر تشاد وأوغندا وكينيا وجنوب السودان وإثيوبيا، على حد قوله.