الحرب التي تدور في السودان عززت من مكانة الجيش عند الشعب كمؤسسة وطنية
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
قرأت مقالاً لفيصل محمد صالح وزير الاعلام الأسبق بحكومة الحرية والتغيير، خلاصة المقال أن الحرب التي تدور في بلادنا كسرت الصورة المتوهمة عن قدرات الجيش السوداني، وهذا التحليل الرغائبى يتماشى مع مخطط هذه القوي السياسية البائسة في ضرورة تفكيك الجيش وإضعافه،
هؤلاء الكسالى وفاقدي الموهبة والابداع من ضعاف النفوس يريدون أن يروجوا لأشيائهم بطريقة كسولة جداً، هناك ميادين كثيرة تستطيع أن تضرب فيها خصمك السياسي، ولكن أن تنال من خصمك السياسي بالطعن في الجيش الوطني لبلادك فهذه ليس لها وصف سوى بأنها خيانة وطنية،
والصحيح ليس كما يتوهم هؤلاء الحثالة، فهذه الحرب التي تدور في بلادنا عززت من مكانة الجيش عند الشعب السوداني كمؤسسة وطنية حامية لتراب بلادنا، وما الاحتفالات والزغاريد التي يقابل بها الجيش عند حضوره في المناطق التي كانت تحتلها قوات المليشيا المتمردة إلا خير برهان على أن الجيش في هذه المعركة يمثل الملاذ الامن للشعب،
قرينة هؤلاء السذج في أن الجيش لم يستطيع حسم المعركة ضد المليشيا المتمردة في خمسة شهور، هي أن الجيش ضعيف وحالة الضعف التي اعترته ناتجة من عدم اهتمام النظام السابق بالجيش، وكلاهما غير صحيح، فالصحيح أن المعركة التي خاضها الجيش لو قدر لثلاثة من الجيوش مجتمعة أن تخوضها لما نجحت في التعامل معها كما تعامل معها الجيش السوداني،
والصحيح أن محاولة إضعاف الجيش في سنوات الضياع الأربعة لم تثمر، فالجيش الذي طرد من خدمته أكفاء القادة والجنود بحجة الانتماء الايدلوجي وآلت معسكراته للعدو ظل قوياً رغم هذه المؤامرة، والصحيح ان الجيش الذي ظل يقاتل لاكثر من ثلاثين عاما قوي مسلحة تختبئ من وراءها ذات القوي السياسية البائسة لم ينكسر ولم يهزم ،
مسألة أخري يمر بها الناس مرور الكرام، انتشرت فرية أن النظام السابق ساهم في اضعاف الجيش لمصلحة مجموعات عسكرية خاصة، وأقول ساذج من يتصور أن الجيش السوداني تم إضعافه في ظل النظام السابق، فالصحيح أن الجيش الذي كان يعاني في ملابسه وسلاحه وعتاده في العهود السياسية السابقة تم إعادة تأهيله على أعلي المستويات، تشهد على ذلك مؤسسات التصنيع الحربي، وتشهد على ذلك المؤسسات الصحية للجيش، وتشهد على ذلك البنيات التحتية لمقرات الجيش، وتشهد على ذلك المعركة التي يخوضها الجيش ضد المليشيا المتمردة.
علي عثمان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أن الجیش على ذلک
إقرأ أيضاً:
مصير مشترك
لفتني فـي الأيام الأخيرة تداول منشور لأحد الكتاب الخليجيين عن حصرية الاهتمام بالعنف الذي خلفه النظام البائد فـي سوريا، وقراءة ملف السجون الذي يجعلنا نفكر فـي سوريا كما لو أنها رواية ديستوبية لولا أننا قرأنا منذ زمن أدب السجون القادم من سوريا بشكل خاص، كرواية «القوقعة» لمصطفى خليفة مثلا، ومن العالم العربي بشكل عام كرواية «تلك العتمة الباهرة» للطاهر بن جلون.
لكنني أعتقد بأننا نقع فـي خطأ كبير إذا ما أردنا القول إننا معزولون عن النقاش الذي بدأته النخب السورية فـي اليوم التالي لسقوط النظام، التي تمثل أطيافا مختلفة فـي المجتمع السوري بتعدديته الكبيرة.
أرى أنه من الصائب علينا بصفتنا مثقفـين فـي الخليج أن نشتبك مع تلك الأطروحات وأن نشعر بمسؤوليتنا تجاهها، مسؤولية قادمة من مصيرنا المشترك أولا، ومن رغبتنا فـي أن تتحقق العدالة والسلام لكل إنسان ثانيا.
أحاول هنا ومن خلال هذه المقالة أن أوثق الموقع الذي أقف فـيه كمثقفة إزاء ما يحدث من نقاشات فـي سوريا، عسى أن يدفع ذلك لمزيد من الأطروحات التي تُقيم موقعنا والمسافة التي نقف عليها تجاه التحولات هناك.
انتبهت بشكل خاص للجدل الذي يدور حول علمانية النظام البائد، الأمر الذي يجعل العلمانية نموذجا مجربا فـي الحالة السورية، وهو ما ناقشه العديد من المثقفـين السوريين فـي الأيام السابقة، إما بتفكيك العلاقة بين الديكتاتورية والعلمانية، أو بالرغبة الجامحة نحو إلصاق صفة العلمانية على النظام السابق، التي رأى كثير منهم أن من يقف وراءها هم الإسلاميون الذين يحاولون نزع أي علمنة للدستور السوري، الذي لا يمكن إلا أن يكون مُعلمنًا بالنظر لطوائف ومكونات سوريا، ويكتب الكاتب السوري دارا عبدالله حول هذه المسألة: «أكيد، الأسديّة كتفكير وفكر ومخيال سياسي، يجب أن تُجرّم قانونيًا، الأسديّة كتأييد للإبادة السياسية واستملاك الشعب حتى بأطفاله، والإذابة بالحمض، التظاهر يجب أن يكون ممنوعًا لأي مؤيّد للنزعة الأسدية، الأسدية شرّ مطلق، لا خلاف أبدًا، يجب إبعاد مفهوم العلمانيّة من هذا النقاش فورًا»، وفـي سياق متصل يكتب «الربط بين العلمانية والأسدية خبيث، وغايته إدانة الأولى، أكثر بكثير من التذكير بالثانية».
أتذكر فـي هذا الصدد كتابة مهمة لواحد من أهم الكتاب السوريين بل والعرب أيضا «ياسين الحاج صالح» الذي ناقش وبشكل موسع فـي العديد من أطروحاته مسألة علمانية الدولة السورية، وموقف الإسلاميين منها، وكان قد نبه إلى أن الإسلاميين وحدهم كانوا الأكثر انضباطًا وكفاءة فـي مواجهة النظام السابق عسكريًا، وهو ما جعل الجميع يلتف حولهم لأنهم يحققون للسوريين هدفهم الأساسي وهو إسقاط النظام، بغض النظر عن اتفاقهم أيديولوجيًا مع الجبهات التي مثلت الإسلاميين خلال الأربع عشرة سنة الماضية، وكان قد كتب ملاحظة مهمة جدًا يمكن أن تُقرأ فـي سياقات عربية أخرى لا تخص الحالة السورية وحدها حين قال: «لا نستطيع أن نرحب بفاعلية النصرة القتالية ضد النظام ونعمى عن تكوينها وتفكيرها، ولا أن نثبِّت أنظارنا على التكوين والتفكير، ونغفل عن الدور المهم فـي مقاومة نظام مستمر منذ أعوام فـي قتل السوريين دون توقف، يركز بعضنا على أحد الوجهين دون الآخر، فـيتعذر بناء سياسة عامة فعالة»، ويخلص إلى أهمية وجود سد اجتماعي منيع، واستعداد حقيقي من قبل جماعات المجتمع المدني للتصدي لما يمكن أن يعيد سوريا إلى بلاد الصوت الواحد حصرًا، وهو ما يحدث بالفعل هذه الأيام من انخراط تام والتزام حقيقي من قبل الجميع، كما نشعر -كمتابعين- بالشأن العام، ومناقشة كل ما يتعلق بالوضع الراهن.
إحدى النقاط التي أثيرت وبشكل ملحّ، هي تسمية أتباع النظام السابق بـ«الفلول»، وهو مصطلح جرى استخدامه فـي سياقات عربية أخرى بعد الربيع العربي، ومشكلته تكمن فـي سعته وعدم القدرة على تحديد مفهومه ومعاييره، الأمر الذي يعني أن كل من يقف أو سيقف ضد النظام الجديد، هو بالضرورة تابع للنظام السابق «فلول»، وعادة ما تسعى الأنظمة الاستبدادية الجديدة إلى إيجاد نوع من «المنطق العام» كما يسميه الكاتب السوري ياسين السويحة، الذي يجعل أي من يخالفه «فلولًا»، وهذا ما لا يريده السوريون بطبيعة الحال لدولتهم التي حلموا بها؛ لا يريدون نظامًا يقمع من يفكر بعيدًا عن المنطق العام، أو يُسكته، واستخدام كلمة الفلول تمنح شرعية بهذا المعنى لهذا القمع الذي يحاول تغليب المنطق العام للسلطة على أي رأي آخر، يكتب السويحة: «فلول»، وهذا حصل عند غيرنا، ستصير بهذا المعنى إشارة لطرائق حياة «غير نمطية» وتُستخدم أداة من أدوات الضبط الاجتماعي التي لا أفهم لماذا يجب أن نسهم فـي بنائها.