إدارة أمن عدن تدعو أهالي الموقوفين لاستلام أبنائهم
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
شمسان بوست / خاص:
دعت السلطة المحلية في مديرية خورمكسر، صباح اليوم، أهالي الموقوفين إلى التوجه لمقر عمليات إدارة أمن العاصمة عدن لاستلام أبنائهم.
وأوضحت السلطة المحلية، في منشور على صفحتها الرسمية في فيسبوك، أن هذه الخطوة تأتي بالتنسيق مع مدير أمن العاصمة عدن، اللواء مظهر الشعيبي، داعية ذوي الموقوفين إلى الحضور إلى مقر عمليات إدارة الأمن لاستكمال إجراءات الاستلام.
المصدر: شمسان بوست
إقرأ أيضاً:
أيدلوجية الصدمة
يطور الإنسان أساليب مقاومة يتكيف من خلالها مع الوضع العام. هذا لا يعني على الإطلاق التصالح مع ما حدث، ربما لهذا نشط سوق «علم النفس» خصوصًا فـي جانب «التعرض للصدمات»، والذي يعتمد على أن الإنسان عند مروره بتجربة قاسية قد لا يتعامل معها، راكنا إياها فـي جانب خفـي من ذاته، سرعان ما يتضخم هذا الجانب، أو يفـيض لدرجة تشل الإنسان وحركته. أتذكر المرة التي قابلتُ فـيها فتاة فـي ألمانيا، تقطع مسافات طويلة سفرًا، لكي تحضر محاضرات لواحد من أهم المتخصصين فـي العلاج من الصدمة Psychological traumaلأنها تسعى بذلك للتعافـي من الصدمات التي لا تعرفها، إذ إن واحدة من السرديات التي يقدمها لنا هذا المنظور تجاه مشاعرنا وآلامنا، أن تأجيل التعامل مع الصدمة قد يضمن نسيان الحادثة التي تسببت بها، لكن أثرها باقٍ. بات مصطلح «تروما» رائجًا فـي العالم تمامًا مثلما راج فـي السنوات الأخيرة مفهوم «النرجسية» ليصبح شتيمة يوجهها حتى الأطفال لبعضهم البعض كما نشاهد فـي حياتنا اليومية أو عبر التطبيقات التي يستخدمونها مثل «تيك توك»، وينبغي الإشارة هنا إلى أنه سلوك عابر للقارات، منسجمًا بذلك مع أراضٍ معولمة بلا عودة.
تُرجم مؤخرًا للعربية كتاب «جسمك يتذكر كل شيء» للدكتور بيسيل فان دير كولك، الذي وبإلقاء النظرة على مبيعاته فـي العالم وحتى العالم العربي الذي تجاوز بضعة طبعات فـي فترة قياسية يخبرنا عن متلازمة «الصدمة والرغبة فـي الشفاء منها»، من الصعب أن تجد من لم يتعرض للصدمة وتنويعاتها المختلفة، والأمر لا يعدو كونه لم ينكشف ما الذي صدم إنسانًا تعرفه بعد. إنها مسألة التعرض للعلاج إذن والتي سيتعرف من خلالها المرء على نفسه «متنورًا» بلا عودة أيضًا. وأنا لا أحاول الحكم هنا على آليات علاج الصدمة، ولكنني أريد التفكير فـي «سياسية» هذا المفهوم وهذه المعالجة.
تنطلق فكرة ميشيل فوكو فـي كتابه «المراقبة والمعاقبة» من مسألة أن السلطة عندما تقدم لنا شيئًا ما، نعتقد أنه «تقدم» نحو الإنسانية والتنوير، فإنها وفـي واقع الأمر لا تفعل ذلك من أجل الصالح الإنساني بالضرورة. ويفحص هذه المقاربة من خلال نظام العقاب، الذي بدأ مع حرث رؤوس الناس علانية فـي الساحات العامة وصولًا للسجن فـي زنزانة. ظن الكثير من فلاسفة التنوير أنهم منحوا السلطة نوعًا من الاستبصار الذي يمكنها من النظر لبشاعة وعنف الخيار الأول، مما دفعها للتفكير فـي طريقة «إنسانية» أكثر للتعامل مع المذنب. لكن واقع الأمر أن السلطة لاحظت أنها تفقد قوتها واحتكارها لهذه القوة، وتأثيرها على الشعب، إذ بدأ أن الناس الذين يحضرون لمشاهدة لحظة الإعدام، ومع مرور الوقت يكونون تعاطفًا مع من يتم إعدامهم، بالإضافة لـ«أيقنتهم» أو بقائهم فـي الذاكرة على نحو يتعارض مع مصالح السلطة ونفوذها، لذلك كان لابد من سلوك طريق آخر.
إن محاولات السلطة وهي «غير مركزية» لا تمثلها مؤسسة واحدة مثلًا، بل هي فـي كل شيء فـي العالم من حولنا، إن محاولاتها لضبطنا تأخذ أشكالًا مختلفة مع كل مرحلة زمنية. إذ ينبغي على أجسادنا وأرواحنا أن تكون ملكًا لها. والآن وفـي هذا الوقت من الرأسمالية المتأخرة بات علينا أن نقدم أنفسنا طوعًا لمشارط هذه السلطة وسكاكينها. لكن هل يحدث هذا على كل المستويات وفـي كل الموضوعات؟ بالطبع تثبت لنا السلطة أنها تريد توجيهنا مع ما يخدمها هي فحسب، وإلا فإنها ستغير استراتيجيتها مرة أخرى، لتقدم لنا شيئًا نظن أنه نتاج لـ الحداثة» فـيما لا يعدو كونه طريقة لبقاء السلطة ورسوخها.
عندما أتأمل فـي عقود نشأنا فـيها على واقع عربي بلا أفق. نعيش ذروة عنفها اليوم. ولا يتطلب النظر إليها موهبة فأجساد الفلسطينيين الممزقة أمام وجوهنا جميعًا. إذ إنك حتى وإن حاولت تجاهل «المسألة» فإنها تلاحقك فـي كل مكان، فالدم يفـيض والأشلاء مدركة إياك فـي أي مكان تكون فـيه. لا يُتوقع أن يكون هذا صادمًا بالنسبة لغير الفلسطينيين، ثم إن مفهوم الصدمة أصلًا هو لتأجيل الفعل، مدعيًا أن هذا التأجيل يمنحنا نوعًا من التكيف الذي سيمنحنا بعض الوقت لنعود قسرًا لعلاجه. يصبحُ غياب صدمة اليوم مشروعًا ببساطة أمام هذه النظرية، إذ يمكن أن تؤجل أو تمحى أو يتم تجاهلها من منظور «أننا قد لا نتذكر ما صدمنا بالفعل لكن شعورنا به سيبقى فـي أجسادنا». إنه ومن المشروع بطريقة ما، أن نشيح بأعيننا عما يحدث من إجرام فـي مكان ليس ببعيد عنا، حتى وإن كنا نتشارك معه عوامل «مادية» ليست «معنوية» فحسب، منها اللغة والدين والجغرافـيا والمصير المشترك. هذا من ناحية.
أما من ناحية أخرى فإنه ينبغي عليك أن تتعامل مع صدماتك الشخصية أولًا. إنك بالنظر إلى صدمات فـي الخارج «إذ تعتبر الإبادة صدمة أخرى فحسب» تهرب من التعامل مع صدمتك. إن هذا المنظور ألا وهو الصدمة، هو نوع من التفاؤل السلبي الذي ينزع عنا فعاليتنا وهو بلا شك وسيلة لضبطنا!
أتذكر حوارًا أجريته مع عبدالله حبيب قبل عام من الآن فـي برنامج «الفهرس» المخصص لمعرض الكتاب الدولي السنوي على تلفزيون سلطنة عمان، كانت الإبادة فـي غزة مستمرة، تصبح الروح مشلولة، لكن ومع ذلك وبحسب تعبير عبدالله تصير أجسادنا ميكانيكية، إنها تأخذنا على الرغم منا، إلى العمل أو إلى أي وجهة حتى وإن كانت غير ذات صلة بما نشعر به، أو بما يثقل هذه الروح ويشلها.
إن موقفـي من «أيدولجية الصدمة» أو «أيدولجية التفاؤل والأمل» أنهما يؤجلان الفعل المباشر والفوري لإيقاف ما يحدث والتعامل معه. إنهما يعطلان الفعل، ولا يمكن إلا اعتبارهما وسيلة لضبطنا. إن بطريقة مباشرة مثلما يحدث مع تصرفنا الذاتي تجاه ما نمر به وتأجيله، أو ما يحدث من خلال المؤسسة التي تقول لنا أسبابًا للصدمة لا ترتبط بموضوعها وما أثارها فعلًا، فما الذي يعنيه أن تكون عمانيًا ومتأثرًا إلى هذه الدرجة بما يحدث فـي غزة؟ كيف يمكن لهذا أن يحدث، وبالتالي تنكر عليك المؤسسة ما مزقك وما زال يفعل حتى هذه اللحظة. ويكفـي أن نسمع من أصدقائنا وعائلاتنا ممن يلجؤون للعلاج النفسي والذين يمرون بظروف قاسية تفاقمت خلال الفترة الأخيرة، ليبدأ حفر المعالج النفسي فـي تجارب المريض أو المراجع التي أثيرت اليوم بسبب من تأجيلها قبل عقود، أما ما يحدث من استباحة للأجساد، ونفوذ للوحشية، وغرق فـي الدمار والانحطاط الإنساني، فهذه جوانب لا يتم فحصها معظم الوقت.
وهذه دعوة للنظر فـي مفهوم «الصدمة» أصلًا وأطروحات علم النفس والتنمية الذاتية خلال العقدين الماضيين، اللذين لعبا على وتر «التجاوز» وإمكانية المضي قدما، وعندما فشلت هذه فـي تحقيق عوائد كافـية للسوق والسلطة، أصبحت مواجهتها مشروعة، لكن هذه المواجهة مشروطة بحسب السلطة. تغيب عن كل هذه الأطروحات، مفاهيم مثل الحداد، أو العصيان المدني، أو التنظيم والحشد الجماهيري، إذ ينبغي أن نتعامل مع صدماتنا على «أرائك» الغرف المغلقة، عندما ندفع ثمنًا باهضًا لكل ساعة نقضيها هناك، لصاحب السلطة «رجل الدين الحديث» وهو المعالج النفسي.