أعلنت الخارجية الإيرانية أن وفداً إيرانياً رفيع المستوى سيشارك في مراسم تشييع الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله.    وكان الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قال إن موعد تشييع الأمينين العامين الراحلين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، هو يوم الأحد 23 شباط 2025.    

.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

نص المحاضرة الرمضانية الـ21 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 23 رمضان 1446هـ

الثورة نت/..

نص المحاضرة الرمضانية الـ 21 لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، 23 رمضان 1446هـ 23 مارس 2025م:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قبل أن ندخل في موضوع المحاضرة، نَوَدُّ التأكيد على موقفنا فيما يتعلق بتطورات الوضع في لبنان، حيث شاهدنا ما قام به العدو الإسرائيلي بالأمس، من اعتداءاتٍ ظالمةٍ غاشمة على الشعب اللبناني، في مناطق متفرقة من جنوب لبنان، وليس له ما يبرر هذا العدوان الغاشم الظالم.

ولـذلك نؤكِّد على موقفنا الثابت المبدئي، مع إخوتنا في حزب الله، والشعب اللبناني، واستعدادنا تجاه أي تطورات كبيرة للوضع هناك، أو تصعيدٍ شامل، بالقيام بمهمتنا الجهادية، وموقفنا في الإسناد بالشعب اللبناني، ولإخوتنا في حزب الله، فلن نتفرَّج عليهم، وكما قلنا لإخوتنا في الشعب الفلسطيني: (لستم وحدكم)، نقول كذلك لإخوتنا في حزب الله والشعب اللبناني: لستم وحدكم، نحن إلى جانبكم، وفي حال تَوَرَّط العدو الإسرائيلي للعودة إلى الحرب الشاملة، والعدوان الشامل، فإننا إلى جانبكم، وفي أي ظرفٍ يتطلب التدخل من جانبنا في موقفٍ إسنادي، فنحن مستعدون لذلك.

فيما يتعلق بموضوع المحاضرة، نعود إلى سياق الحديث على ضوء الآيات المباركة في قصة نبي الله إبراهيم من (سورة الشعراء)، كُنَّا تحدثنا على ضوء قوله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يذكر قصة نبيه إبراهيم: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78].

نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في مقامه في قومه، وهو يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى، وبرسالته، وبتوحيده، يذكر لهم البراهين، التي تُبيِّن أن الحق كل الحق هو في الإيمان بالله والتوحيد لله، وأن الشرك بالله باطلٌ محضٌ، وضلالٌ مُبِين، وخسارةٌ رهيبةٌ على الإنسان، وضياعٌ للإنسان.

في هذا السياق، يذكر مجموعةً من البراهين، في بدايتها قوله: {الَّذِي خَلَقَنِي}[الشعراء:78]، الله هو الخالق، وهو المالك، وهو المنعم، وهو الملك؛ فهو الإله الحق، هو ربُّنا، والإله الحق، الذي لا معبود بحقٍّ إلَّا هو؛ لأننا عبيده، مُلكٌ له، فكيف نتوجه بالعبادة إلى غيره؟! وتحدثنا عن هذه المسألة في المحاضرات الماضية.

{فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، في صدارة النعم التي يَمُنُّ الله بها على عباده: الهداية، وفي مُقَدِّمة الاحتياجات الضرورية للمخلوقات والكائنات الحيَّة هي الهداية، وفي المُقَدِّمة: الإنسان، هو أحوج من غيره إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ونعمة الله بالهداية هي في صدارة النعم، في مُقَدِّمة النعم التي يحتاج إليها الإنسان، وفي مُقَدِّمتها من حيث الموقع، والأهمية الكبيرة، والضرورة للإنسان.

الهداية مصدرها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يعني: لا يمكن أن نحصل على الهداية من غير الله، نحن بحاجةٍ إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فالله مصدر الهداية، نحتاج إلى الهداية منه؛ لأنه هو الخالق، المحيط علماً بالمخلوق، وهو من يعلم السِّرَّ في السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة، وهو الذي رسم سُنن هذه الحياة في واقعنا نحن البشر، وعلى هذه الأرض، وهو المُدَبِّر لشؤون الكون بكله، والإنسان واحدٌ من مفردات هذا العالم الكبير، الذي هو في إطار تدبير الله، فالإنسان، والأرض، والحياة على الأرض، جزءٌ من مملكة الله الواسعة الكبيرة، التي تخضع لتدبيره؛ وبالتـالي الإنسان يحتاج إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ومن حق الله أن يكون هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” من يهدي عباده، ومن يهدي الإنسان.

فيما يتعلق بالإنسان نفسه، سعة شؤون حياته، وطبيعة مسؤوليته في هذه الحياة، ودوره في هذه الحياة، هو بحاجة إلى هداية الله؛ باعتبار مسؤولية هذا الإنسان، وتصرفاته في هذه الحياة، فيما وهبه الله من طاقات وقدرات، وفيما سخَّر له في الأرض والسماوات، فدوره في التعامل في هذه الحياة، وفي الحركة في هذه الحياة، إذا لم يكن يتحرَّك على أساس هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأساء التصرف، أساء استخدام هذه النعم؛ يترتب على ذلك مفاسد، يترتب على ذلك أضرار كبيرة، شقاء كبير للإنسان نفسه، للمجتمع البشري نفسه، يتحوَّل دور الإنسان إلى دورٍ سلبي على واقع حياته، وعلى واقع حياة الناس من حوله؛ لأن دوره واسع، ومسؤولياته كبيرة، وأعماله تندرج في إطار الخير، أو الشر؛ وفي اتِّجاه الحق، أو الباطل؛ وفي نطاق إقامة القسط والعدل، أو العكس من ذلك: الظلم، والعدوان، والإساءة، والشَّرّ؛ ولـذلك فمن حكمة الله، ومن عِزَّة الله، وفي إطار ملكه وتدبيره، أن يُقدِّم لعباده الهداية في مسيرة حياتهم، وأن يُفَرِّق بين المحسن، والمسيء؛ والمطيع، والعاصي؛ وكذلك في تدبيره لمستقبلهم في الآخرة؛ لأن هذه الحياة لها امتدادها الأبدي والدائم في عالم الآخرة، فهناك ارتباط ما بين الحياة الأولى والحياة الأخرى.

والإنسان موجود في إطار غاية رسمها الله لهذا الكون، وفي مسيرة هذه الحياة، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فليست هذه الحياة عبثية، وليس وجود الإنسان فيها عبثياً، بدون غاية، بدون أهداف مهمة، أهداف مُقَدَّسة، أهداف عظيمة وكبيرة، في إطار حكمة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” وملكه وتدبيره، والله هو الحي القيوم، لم يترك الإنسان بدون هداية، وتحدثنا عن سعة الهداية الإلهية:

– جزءٌ منها بالهداية الفطرية.

– جزءٌ منها بما منح الله الإنسان من وسائل وقدرات للتعقُّل، والفهم، والتمييز، والإدراك.

– وجزء منها بما جعل الله في هذا الكون بكله من معالم تساعد على الاهتداء، إلى درجة أن يكون الكون بكله كتابٌ مفتوح.

ولكن هذا بكله لا يغني الإنسان عن الهداية في شكلها التعليمي والإرشادي والتشريعي، يحتاج الإنسان في مسيرة حياته، في نظم شؤون حياته في مختلف المجالات، إلى هداية تشريعية، وتعليمية، وتوجيهية: أوامر ونواهٍ وتعليمات من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتعليمٍ بالحقائق المهمة، التي قد يخطئ الإنسان في تصوراته لها؛ وبالتـالي يترتب على ذلك أخطاء كبيرة في مسيرة حياته.

وهذه الهداية ضروريةٌ للإنسان، يحتاجها الإنسان، والهداية الفطرية، والهداية في وسائل الإدراك، والتعقُّل، والتمييز، والمعالم الأخرى… وغيرها مما منح الله الإنسان، هي تُشَكَّل- كما قلنا- أرضية للتفاعل مع هذه الهداية، والتطابق مع هذه الهداية.

ولـذلك فالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” جعل مما يقوم به من نعمه الأساسية، ومما يقوم به في إطار ملكه وتدبيره لشؤون عباده، الهداية لهم، هذه الهداية التشريعية، التعليمية، التوجيهية؛ فقال “جَلَّ شَأنُهُ”: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}[الليل:12]، عندما يُعبِّر بهذا التعبير: (عَلَيْنَا)، فهو يفيد أن هذا جزءٌ مما يقوم به في إطار تدبيره وملكه، وفي إطار رحمته، وحكمته، وعِزَّتَه… وغير ذلك.

ويقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ}[النحل:9]، يعني: على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يقدِّمها بصيغة التزام، مع أنه ليس عليه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ما يصح أن نقول عنه التزامات؛ لكنَّه يبيِّن لنا أن هذه المسألة جزءٌ أساسيٌ من ملكه وتدبيره، ومن مقتضى عِزَّتِهِ وحكمته، ومن منطلق رحمته، وهو شيءٌ لا يمكن أن يتركه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يهمل عباده، أن يتركهم في هذه الحياة بشكلٍ عبثي، بدون هداية، وبدون جزاء، وبدون رعايةٍ في إطار الهداية نفسها، فيقول: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}[النحل:9]، أن يرسم لكم الصراط المستقيم، والطريق الصحيح، الذي يصل بكم إلى الغايات العظيمة، والنتائج المهمة في إطار الغايات التي رسمها “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لكم، {وَمِنْهَا جَائِرٌ}[النحل:9]، يعني: من السُّبُل ما هو (جَائِر) مِعْوَج، إذا سرتم فيه؛ انحرف بكم، تاه بكم، أضاعكم عن الغايات المهمة والنتائج العظيمة.

قال “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}[يونس:35]، وأيضاً لأنه- كما قلنا- الخالق، هو الذي يمتلك القدرة على الهداية الصحيحة، المتطابقة مع ما رسمه في هذه الحياة، وفي إطار خلقه، ما رسمه من سُنن وفي إطار خلقه، هو المحيط علماً بالمخلوق، بظروفه، بأحواله، هو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عالم الغيب والشهادة، يعلم ما في مستقبل هذا الإنسان، ومتطلبات حياته… إلى غير ذلك.

ولـذلك ترافق الهدى من الله تعالى منذ بداية الوجود البشري، فكان آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” نبياً، وتلقَّى تعليمات الله، وأوامره، ونواهيه، {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33]، يقول: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}[طه:122]، لم يتركه بدون هداية.

واستمرت مسيرة الهداية، وإقامة الحُجَّة على البشر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، كما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}[فاطر:24]، هداية الله بالرسل والأنبياء، والكتب الإلهية، والتعليمات الإلهية، وكذلك في إطار الهداة من ورثة كتب الله، المتمسِّكين بها، المهتدين بها، الهادين بها، مستمرةٌ، لم تتوقف عبر الأمم والأجيال، وصولاً إلى الحقبة الأخيرة، وهي: آخر الزمان، واقتراب الساعة، الحقبة الأخيرة، هذه الحقبة في آخر الحياة، في نهاية التاريخ، هي على مقربة من قيام القيامة، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر:1].

فكان ختم الرسل والأنبياء، وختم الكتب الإلهية، بالرسول محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” وبالقرآن الكريم، وهذه خاتمة عظيمة، رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” سيِّد المرسلين، وخاتم النبيين، والقرآن الكريم أعظم الكتب الإلهية، والمهيمن عليها، والمشتمل على الهداية الكافية، في بقية هذه الحقبة من تاريخ البشرية إلى قيام الساعة، ولعظمة هذا الكتاب، قال الله عنه: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة:48]، مهيمناً على كتب الله السابقة؛ فالله أنعم علينا عظيم النعمة، وأقام علينا الحُجَّة كاملةً وكافية، بالرسول والقرآن، في إطار هدايته التشريعية، والتوجيهية، والتعليمية.

وللقرآن الكريم مميزات عظيمة جدّاً، علينا أن نستحضرها؛ لأنها بكلها تدفعنا إلى الاهتداء به، والتقدير لهذه النعمة، وأن ندرك خطورة الإعراض عن القرآن الكريم، وما يترتب عليه من ضلال وشقاء:

– أول ميزة للقرآن الكريم علينا أن نستحضرها دائماً، مع تذكرنا لحاجتنا إلى هداية الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: أنه من الله، أنه كتاب الله، كلمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”:

من فضل الله، ومن رحمته، ومن حكمته، أنه لم يوكل هذه المهمة لا إلى ملكٍ من ملائكته، مهما كان مستواه، ولا حتى إلى رسوله محمد “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، بالرغم مما منحه الله من مؤهلات عظيمة، وهداية كبيرة، ورشد؛ لكنَّ هذه المسألة أكبر من مستوى الملائكة، ومن مستوى الأنبياء، لا يمكن أن يقوم بها إلا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يُقَدِّم هذه الهداية العظيمة الواسعة، التي نحتاجها في مسيرة حياتنا؛ فالقرآن هو من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، هو كتابه، هـذا يلفت نظرنا إلى عظمة القرآن الكريم، إلى أهمية القرآن الكريم؛ لأنه من الله، كتابه، هديه، ونوره لعباده.

إذا أردنا أن نستذكر عظمة القرآن وأهميته؛ فَلنُذَكِّر أنفسنا بأنه من الله، ولنُذَكِّر أنفسنا بأسماء الله الحسنى؛ ولـذلك يأتي في القرآن الكريم التنبيه لنا على أهمية هذه المسألة؛ لنستذكرها، فيقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن القرآن الكريم: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى}[طه:4]، حينما ترى عظمة هذا الكون، حينما ترى مظاهر الحكمة الإلهية فيه، مظاهر القدرة، حينما ترى الإبداع في خلق هذا الكون، حينما تندهش من سعته العجيبة، فلتعرف أن القرآن هو صاحب خالق هذا الكون، القرآن هو من خالق هذا العالم، خالق هذه الأرض، من خالق هذه السماوات وما فيها، خالق هذا العالم الوسيع الفسيح، هذا هو كتابه، هذه كلماته، الذي خلق كل شيء.

{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:4-5]، يعني: الملك، المُدَبِّر لشؤون عباده، ومخلوقاته، وهذا العالم، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}[طه:6]، هذا كتابه، كتاب المالك لكل ما في السماوات وما في الأرض، والملك للسماوات والأرض، {وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه:6-7]، المحيط بكل شيءٍ علماً، والعالم بكل أحوال الإنسان وتصرفاته، وكل ما يقوله في سره وعلانيته، {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:8]، يعني: عندما نستعرض أيضاً بقية أسماء الله الحسنى، المتصلة بتدبيره لشؤون عباده في مختلف أحوالهم.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان:6]، الذي أنزل إلينا هذا القرآن، وقدَّم لنا هذه الهداية، ومنَّ علينا بهذه التعليمات، وعرض لنا هذه الحقائق في كتابه الكريم، بهدايته الواسعة، هو المحيط بكل شيءٍ علماً، الذي {لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران:5]، {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ}[الفرقان:6]، بكل ما تعنيه هذه العبارة، عن كل ما يخفى علينا في الأشياء، من خصائصها، من أحوالها، من أمورها… من كل ما يتصل بها مما لا نعلمه، ولا يعلمه الناس، ومما لا يعلمه الخلق إلَّا من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ فهو المحيط بكل شيءٍ علماً، ليس في هدايته شيءٌ منافٍ للحقيقة، أو أخطاء، أو شيء قدَّمه لنا على سبيل الظن، أو التقدير، أو التخمين، يقدَّم لنا الحقائق، هو المحيط بكل شيءٍ علماً، وهو الحكيم، وهو الخبير “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

يقول الله “جَلَّ شَأنُهُ”: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، فهو كتاب الله، من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس من غيره، الله الذي هو ربُّنا، إلهنا، ملكنا، خالقنا، رازقنا، المحيي، المميت، الذي له الدنيا والآخرة، الذي يجازي، ويحاسب، ويعاقب، {اللَّهِ}، ونستذكر بقية أسمائه الحسنى.

{الْعَزِيْزِ}؛ ولـذلك فالقرآن الكريم هو كتاب العزيز، هو من الله العزيز، وهو كتابٌ عزيزٌ، عزيزٌ في نفسه ككتاب، ليس فيه خلل، ليس فيه ضعف، ليس فيه مداخل للباطل، يهدي إلى ما فيه العِزَّة، إلى صراط الله العزيز الحميد، إلى ما فيه المَنَعَة، إلى ما فيه العِزَّة بكل ما تعنيه الكلمة، الخروج من حالة الذُّلّ والهوان في الحياة.

{الْحَكِيمِ}، وهو بحكمة الله، ومن حكمة الله، ومن عِزَّته “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ألَّا يُهمل عباده؛ بل أن يُقيم عليهم الحُجَّة، وأن يُفَرِّق بين المحسن، والمسيء؛ والمطيع، والعاصي… وغير ذلك، وبحكمته، وكل ما فيه حكمة من الله، ليس فيه توجيهات عشوائية، أو غير حكيمة، أو غير رشيدة… كل توجيهات الله بالحكمة، وكل ما فيه بالحكمة، ومن مقتضى الحكمة.

يقول: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[غافر:2]، بِعِزَّتِه وبعلمه، {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[فصلت:2]، وتكرر كثيراً جدّاً في القرآن الكريم التبيين على أنه من منطلق رحمة الله، الحديث عن رحمة الله واسعٌ في القرآن الكريم، والتبيين أيضاً أن القرآن من منطلق رحمته بعباده؛ لأنهم بحاجة إلى هذا الهدى، بحاجة إلى ذلك؛ لاستقامة حياتهم في الدنيا، وأيضاً لنجاتهم في الآخرة، والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فيما هدانا إليه في القرآن الكريم في كل شؤون حياتنا، فمن منطلق رحمته بنا، إلى ما فيه الخير لنا، إلى ما فيه الصلاح لنا؛ ولـذلك علينا أن نستحضر هذا تجاه كل تعليمات الله وتوجيهاته.

يقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}[الإسراء:105]، نزوله بمقتضى الحق؛ لأن الحق يستدعي ذلك، يتطلب ذلك، من الحق أن يهدي الله عباده، أن لا يتركهم مهملين وفي حالة عبث، وأن يُقيم عليهم الحُجَّة، وأن يحدد لهم على أساس ذلك الجزاء من ثواب وعقاب، وكذلك نزل بالحق، قدَّم لنا الحق في كل شؤون هذه الحياة.

القرآن الكريم، مع أنه من الله، له هذه الميزة، يترتب على ذلك الكثير من التفاصيل التي تُبَيِّن لنا عظمة القرآن الكريم، منها:

– أنه كتابٌ واسع الهداية:

الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل:89]، فهدايته واسعةٌ جدّاً، أوسع من الحياة، يقدِّم لنا ما نحتاج إليه من هدى في مختلف المجالات، في كل شؤون حياتنا، ومع ذلك مهما بلغ الإنسان في معرفته بالقرآن، واهتدائه بالقرآن، يبقى في نطاق معرفة محدودة؛ لأن هدايته واسعةٌ جدّاً، يعني: ليس محدود الفائدة، وقليل الهداية، يُقَدِّم لنا شيئاً محدوداً جدّاً ثم ينتهي، هو أوسع من الحياة، يُقَدِّم لنا الهداية الواسعة الكافية.

ولـذلك يقول الله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف:109]، لسعة ما فيه من الهدى والمعارف، لو كان البحر هو المداد الذي يُكتب به ما في القرآن من الهدى، {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} قبل أن يَنْفَدَ ما في كتاب الله من الهداية، من المعارف، من العلوم، {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}، كذلك لو أُضيف مثل البحر أيضاً، لَنَفِدَ أيضاً قبل أن يَنْفَدَ ما في القرآن الكريم، ما في كلماته وآياته من الهداية الواسعة، من المعارف الواسعة، من الحقائق العظيمة.

يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أيضاً: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ}[لقمان:27]، هذا أيضاً يُبيِّن بشكلٍ هائل سعة هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه القرآن الكريم، الذي قَدَّمه لنا، فهو قَدَّم لنا الكفاية وفوق الكفاية، يعني: ليس للإنسان من حُجَّة، أو تعلل في أعراضه عن القرآن الكريم، في سعيه لاستبدال هدى الله في القرآن الكريم ببدائل أخرى، مخالفة لكتاب الله، معارضة لكتاب الله.

– من مميزات القرآن الكريم في هدايته: أنه كما أخبر الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]:

يعني: ليس فقط يهدي إلى الموقف الصحيح، أو العمل الصحيح، الذي له نتيجة صحيحة، أو يقتصر فقط أن يُقَدِّم لنا الطريقة الصحيحة في أي موضوع فقط، بل يُقَدِّم ما هو أقوم، يُقَدِّم دائماً الأرقى، الأنجح، الأعظم الأفضل، الأحسن؛ الذي هو أحسن ما يمكن أن يستقيم به ذلك الأمر، أو ذلك الموضوع، أو تلك القضية، وهذا من عظيم هداية الله لنا في القرآن الكريم؛ لأن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الذي له الكمال المطلق؛ ولـذلك يُقَدِّم ما يُقَدِّمه بشيء عظيم، لم يجعله فقط يُقَدِّم لنا- مثلاً- شيء عادي، مثل أي فكرة، مثل أي طريقة، يمكن أن يقدِّمها هذا أو ذاك؛ بل يُقَدِّم دائماً الأقوم.

ولـذلك يقول الله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، فهو يهدي للأقوم، للأرقى في كل شيء، للأنجح في كل شيء، أقوم طريقة في كل شؤوننا، أقوم طريقة نكون عليها في حياتنا، الأقوم في كل مجال من المجالات التي يتناولها بأحسن شيء، وأفضل شيء، وأكمل شيء، وأكمل شيء، يُقَدِّم أفضل، وأرقى، وأكمل، وأحسن، وأسمى، ما يستقيم به الأمر في أي موضوع، أو قضية، أو أمرٍ ما، تعود إلى القرآن فيه؛ ولـذلك لا يستطيع أي بشر، أو أي مخلوق آخر، أن يُقَدِّم ما هو أرقى من ذلك، وأحسن أثراً وعاقبة، مما قدَّمه الله في القرآن الكريم.

ولـذلك فخسارة المسلمين كبيرة في إعراضهم عن القرآن الكريم، واتِّجاههم إلى بدائل بعيداً عن القرآن، مخالفةً للقرآن، هذا أضلَّهم، أضاعهم، كبَّدهم الخسائر الرهيبة جدّاً، في شؤونهم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية… غير ذلك.

– من المميزات العظيمة للقرآن الكريم: أنه مباركٌ، واسع البركات:

يقول الله عنه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأنعام:155]، وتكرر الوصف له بأنه (مُبَارَك) في القرآن الكريم في آيات متعددة، فهو:

– مباركٌ في نفسه، في عظمته، في جلاله.

– ومباركٌ أيضاً في سعة ما فيه من المعارف والهداية.

– ومباركٌ في عطائه فيما يُقدِّمه، معارفه فيها بركة واسعة، علومه فيها بركة واسعة.

– مباركٌ أيضاً فيما يعطيه من أثرٍ في النفوس: في أثره التربوي في تزكية النفس البشرية، يُزَكِّي النفس البشرية، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}[يونس:57]: يتعافى ويتشافى به الإنسان من الآفات المعنوية، التي تؤثِّر عليه في نفسه، من كل الآفات والمساوئ التي تُدَنِّس الإنسان، تُفْسِد نفسيته، فهو يشفيك منها: يشفيك من الشك، من الجهل، يشفيك من المساوئ اللاأخلاقية: من الكبر، من الميول الفاسدة، من التوجهات الفاسدة، من الأنانية، من الحسد… من غير ذلك من المفاسد والمساوئ، التي تفسد نفسية الإنسان، فيما يُعَبَّر عنه بالأمراض المعنوية، التي تُفسد نفسية الإنسان، فهو يزكِّي نفسك، ويشفيها منها، وفي نفس الوقت يسمو بك؛ لأنه يُنَمِّي فيك نقائضها من مكارم الأخلاق، يُنَمِّي فيك مكارم الأخلاق في نفسك: الصدق، الوفاء، الإحسان، الطهارة، العِفَّة، الشرف، كل القيم العظيمة، وكل المكارم في الأخلاق يُنَمِّيها في نفسك؛ فله أثر عظيم وبركة كبيرة في أثره النفسي والتربوي، وفي التزكية.

– وكذلك في واقع الحياة، هو يهدي إلى ما فيه البركة، وسَعَةُ الخير، اتِّساع الخير في الحياة، يصلنا برعايةٍ من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، حينما نتحرك على أساسه، حينما نهتدي به؛ يبارك الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فينا، في أنفسنا، في حياتنا، في أعمالنا، في جهودنا؛ في ثمرتها، في نتائجها، فيما يتحقق بها، في فاعلية الأشياء التي بأيدينا، فالبركة هي سِرٌّ إلهي زائد على مسألة الأرقام، على مسألة كمية الشيء ومقداره، زيادة، يجعل الله في الشيء أثراً أكبر من مستوى أثره المحدود الطبيعي، أثراً كذلك ونتيجة بأوسع مما هو في مستواه الحقيقي، زيادة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فهي سِرٌّ إلهيٌ زيادة على الأرقام والإمكانات، زيادة على حجم الشيء.

وهذا إغراء كبير للعمل بالقرآن، ما دام وله هذه الميزة العظيمة جدّاً.

– القرآن الكريم أيضاً من مميزاته العظيمة: أنه نورٌ يضيء لنا واقع الحياة، ويكشف الظلمات، ويخرجنا من الظلمات:

ولهـذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة:15]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم:1].

ما يُقَدِّمه الله لنا في القرآن الكريم من حقائق، من معارف، من تعليمات، من توجيهات، من مفاهيم، هي نور؛ لأنها تُقَدِّم لنا الحقيقة، والحق، والواقع، والشيء الصحيح، والشيء الذي فيه- فعلاً- الخير لنا، والرشاد لنا، والنجاة لنا،.

وهذا ما نحن بحاجةٍ إليه؛ لأن البدائل الأخرى هي بدائل ظلامية، يعني: ما يُقدَّم من مصدر الضلال (من الشيطان وأولياء الشيطان) هو لإغواء الإنسان وإضلاله، يعني: صرفه عن الحقائق، وعن الحق، وعن الخير، لكن بطريقة مخادعة: أفكار، مفاهيم؛ غير صحيحة، غير حقيقية، تعتبر ظُلُمات؛ لأنها تحجب الإنسان عن الحق والحقيقة، وتشكِّل- فعلاً- حالة ظلامية لدى الإنسان؛ فلا يستضيء الحقيقة والحق، وما هو في الواقع فيه الخير له، الفلاح له، النجاة له، الصلاح له.

فالمفاهيم والأفكار الباطلة، والباطل بكل أشكاله في كل المجالات، هو ظلمات، يصرف الإنسان عن الحقائق، وعن الحق، وعن الشيء الصحيح في الواقع؛ فلـذلك يأتي التحذير منه، والإنسان بذلك إذا اتَّجه في الاتِّجاه الظلامي يتخبط في حياته، يشقى، يجلب على نفسه الشَّرّ، يخسر، يكون مصيره أيضاً في الآخرة إلى عذاب الله للأبد، وللشقاء الأبدي.

فالإنسان في مسيرة حياته بحاجة إلى أن يكون لديه رؤية صحيحة للأمور، واقعية، رؤية للحق؛ فيرى الحق حقاً، يرى الباطل باطلاً، فُرْقَان، يَفْرُق به بين الأمور، تتجلَّى له الحقائق، يدرك من خلال ذلك ما هو الخطأ، ما هو الصحيح، ما هو الصواب، ما هو غير الصواب، ما هو الحق، ما هو الباطل، ما هي الحكمة، ما هو التصرف الأحمق والعشوائي والضال… إلى غير ذلك، هذا ما يُقَدِّمه الله لنا في هدايته في القرآن الكريم.

ولـذلك عندما نتأمل- مثلاً- في واقع العرب ما قبل بعثة الرسول “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وحركته بالقرآن في أوساطهم، كيف كانوا في جاهليتهم الجهلاء؟

– كانت معتقداتهم فيما يتعلق بالجانب الديني باطلٌ، وفيها الكثير من الخرافات، وفيها الضلال، وفيها الباطل.

– كانت نظرتهم إلى الكون، والحياة، والملائكة… والأشياء الأخرى، كذلك باطلة، يتصورون أن الملائكة بنات، ويقولون أنَّهم بنات الله.

– في معتقدهم: يُشركون بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ينكرون المعاد، والقيامة، والآخرة… وهكذا تصورات باطلة.

– في سلوكهم: كانوا يتظالمون، يرتكبون الجرائم، يعتمدون الظلم كوسيلة الحياة، كسلوك أساسيٍ في الحياة، الممارسات العدوانية والإجرامية، النهب، السبي، الظلم، العدوان، الوأد للبنات، النظرة السلبية جدّاً إلى المرأة…

– كم كانت لديهم من الأفكار الباطلة، من التصورات الخاطئة، في مُقَدِّمة ذلك: الشرك بالله، والإنكار للمعاد، والبعد عن رسالة الله، والكفر بها… وغير ذلك.

– ثم في ظروف حياتهم: يأكلون الميتة، يأكلون الحيوانات، التي لا ينبغي أكلها حتى بفطرة الإنسان، ليست من الطيبات، هي من الخبائث، يأكلون الدم… يستخدمون أشياء كثيرة في سلوكياتهم، في تعاملاتهم، خارجة عن الفطرة؛ لأن الإنسان يتنكر حتى لفطرته.

فعندما أتى الإسلام غيَّر واقعهم، على مستوى مسيرتهم في الحياة، لم يكن لهم كيانٌ يجمعهم في إطارٍ واحد، كأمةٍ واحدة، لها هدف، لها نظام في الحياة، لها في مسيرتها أهداف عظيمة تسعى لتحقيقها؛ فعندما بعث الله نبيه ورسوله، خاتم أنبيائه محمداً “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” إليهم، وتحرَّك بالقرآن الكريم، وأخرجهم من الظلمات إلى النور؛ غيَّر واقعهم، غيَّره إلى حدٍ كبير، وانتقل بهم نقلةً عظيمة: من جاهليةٍ جهلاء وأميةٍ مستحكمة، إلى أن ارتقى بهم ليكونوا في صدارة كل الأمم في الأرض؛ فتحوَّلوا في عصره، في آخر أيام حياته، نقلهم إلى أن كانوا أرقى أمة بين كل أمم الأرض آنذاك، أرقى أمة في كل أمم الأرض آنذاك، يعني: نقلة رهيبة جدّاً، تلك المعتقدات، والخرافات، والأباطيل، والضلالات؛ انتهت، البديل عنها هو: معتقدات صحيحة، مبادئ عظيمة، حوَّلهم إلى أمة لها رسالة تتحرك على أساسها، وهي رسالة الله، أسمى مشروع في الحياة، لها مبادئ عظيمة، قيم عظيمة، أخلاق عظيمة، أنقذ المرأة من الاستهانة، وأعاد لها اعتبارها الإنساني، كانت في وضعية العرب، في تعاملهم، وكأنها ليست إنساناً، غيَّر الواقع بكله: أمة كانت ضائعة في الظلم، والخمر، والسُّكْر، والباطل، والوحشية، والجريمة، والمفاسد… إلى أمة تكون أرقى أمة في الأرض، هذه النقلة تحققت بهذا النور، أضاء لها الحياة، ولو لم يتغيروا وينحرفوا عن مسارهم، لكانوا إلى الآن أرقى أمة في الأرض، ولا يزال هناك الآن إيجابيات كبيرة في واقع الأمة، مقارنةً بغيرها من الأمم؛ لكنها خسرت كثيراً بالتغيُّر الكبير الذي حصل.

– من نعم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، ومن مميزاته العظيمة، هي: الحفظ للقرآن الكريم:

هو المعجزة الخالدة، معجزة رسول الله “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، والشاهد على رسالته ونبوَّته، وفي نفس الوقت يبقى محفوظاً لكل الأجيال، محفوظاً في نصه، لا يمكن التحريف لنصه، ولا التغيير في نصه، ولا الزيادة، ولا النقص، هذه نعمة كبيرة، كما قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، نعمة عظيمة، وحُجَّة كبيرة، وآية عجيبة، ومعجزة خالدة، وهذه من أعظم النعم، نعمة عظيمة على الناس، يصل إليهم في كل عصر، في كل جيل، وهو بنصه نفسه، محفوظٌ في نصه، مع أن الأعداء يحرصون على تغييره، على تحريفه، ويحاولون في تحريف المعاني، لكنه يفضحهم حينما يحاولون أن يحرِّفوا في المعنى، لا يقبل القرآن أن يُلصق به ما ليس من هديه، يفضح كل ما يُنسب إليه مما ليس من هديه ونوره.

القرآن الكريم هو في إعجازه، في عظمته، في نوره، في حكمته، في إحكامه، كما قال الله عنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88]، يعني: لو تعاونوا بكلهم، لو اتِّحدت جهودهم على أن يأتوا بمثله؛ لعجزوا، لا في إحكامه، لا في بلاغته، لا في حكمته، لا في نوره ومعارفه، وما فيه من الهدى.

– هو أيضا يواكب الزمن والمتغيرات:

هو لكل زمنٍ وكأنه نزل فيه؛ لـذلك عندما نتلو القرآن لا نراه كتاباً بالياً، بعيداً عن واقعنا، عن زماننا، فيقدِّم لنا ما نحتاجه في زمننا، مثلاً: حتى في تقييمه للناس، عندما يُقَيِّم الناس وكأنه نزل في كل عصر، لأهل كل عصرٍ يقرأون فيه القرآن كيف يتحدث عن: اليهود، والنصارى، والكافرين، والمؤمنين، والمتقين، والمنافقين… وغير ذلك، وكأنه نزل في عصرهم، الحقائق المهمة، السنن التي يتحدث عنها في الأسباب والنتائج… غير ذلك، يتحدث لكل عصر وكأنه نزل فيه، لأهل كل زمن وكأنه أُنْزِل عليهم هم قبل غيرهم؛ فهو لا يبلى، ويواكب كل المتغيرات إلى قيام الساعة.

ولهـذا يقول الله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}[الأنعام:115]، لا يكشف الزمن بمتغيراته عن شيءٍ من القرآن بأنه ليس حقيقياً، أو ليس صحيحاً، أو ليس حكمةً، {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[الأنعام:115].

وهدايته للمتقين؛ لأن المتقين عمليون، يعودون إلى القرآن، يعملون على الاهتداء به، يتحركون على أساسه؛ ولـذلك هم الأكثر انتفاعاً به، واهتداءً به، كما قال الله عنه: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:2]، فإذا اتَّجه الإنسان، واتَّجه مجتمع مُعَيَّن، أو أُمَّة مُعَيَّنة، على أساس الاهتداء بالقرآن الكريم؛ يمنحهم الله الهداية الواسعة به، ويمنحهم على ضوئه أيضاً هدايةً واسعة في شؤون حياتهم المختلفة، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد:17]، وكما قال “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69].

من أحوج ما يحتاج إليه المسلمون في هذا العصر هو: الاهتداء بالقرآن الكريم في كل شؤون حياتهم، وأيضاً فيما يتعلق بمواجهة أعدائهم، والتَّصدِّي للمخاطر التي تستهدفهم، المسلمون بحاجة شديدة إلى الاهتداء بالقرآن الكريم في ذلك، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال في القرآن الكريم: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ}[آل عمران:108]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}[غافر:31]، لا يريد لهم أن يُظلموا، العالمين بكلهم، فما بالك بأوليائه، ما بالك بالمؤمنين، ما بالك بمن يُقَدِّمُون أنفسهم على أنهم من المسلمين، من المؤمنين بكتابه ورسوله، لا يريد لهم أن يُظلموا، وهذه ليست كمثل حالنا نحن، مُجَرَّد أُمْنِيَّة- مثلاً- تجاه البعض من القضايا والأمور، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لا يريد لهم أن يُظلموا؛ ولـذلك قدَّم لهم في كتابه الكريم من الهدى، والتعليمات، والتوجيهات، ما يبنيهم ليكونوا أمةً قويةً عزيزةً، في مَنَعَةٍ تحمي نفسها من الظلم، أمةً تواجه الظلم، تتصدَّى للظلم، بل تسعى حتى في الأوساط العالمية لمنع الظلم، ما بالك أن تكون هي مظلومة ولا تستطيع أن تدفع عن نفسها الظلم، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قَدَّم في القرآن الهداية الكافية.

حينما نأتي- مثلاً- فيما يتعلق بالمخاطر، إلى مسألة الأعداء الذين يُشَكِّلون خطورة، نجد حديث القرآن الكريم واسعاً عن العدو الأول للإنسان، وهو الشيطان، حديثٌ واسع، يكشف لنا حقيقة الشيطان:

– سبب عدائه لنا.

– مستوى عدائه لنا.

– ما هي أنشطته العدائية، وأعماله العدوانية التي يستهدفنا بها.

– ماذا يريد من ورائها.

– كيف يفعل ذلك.

– ما الذي يُحَصِّننا منه، ويحمينا من تأثيره، ومن أعماله العدوانية التي تستهدفنا.

ويقول لنا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6]، كم في القرآن الكريم من حديثٍ واسع عن الشيطان، عن أساليبه، عن كيف نتحصَّن منها، عن كيف نكون أيضاً بالشكل الذي نحظى فيه بدعم من الله، بمعونة من الله، بنصر من الله، في مواجهة الشيطان نفسه.

ثم يُبَيِّن لنا أن الارتباط بالشيطان مصدر شرّ، على من يرتبط به، وعلى الآخرين، يعني: من يرتبط بالشيطان من الإنس، أو من الجن؛ فهو جلب الشَّرّ على نفسه، وأضاع نفسه، خسر نفسه، وفي نفس الوقت يتحوَّل هو- بارتباطه بالشيطان- إلى مصدر شرّ ضد الآخرين؛ لأن الشيطان عدو، ومن يرتبط به، يُحَرِّكه الشيطان في إطار برنامجه العدواني، الذي يستهدف به الإنس بالدرجة الأولى.

فتحدث لنا القرآن الكريم عن أولياء الشيطان، الذين قد ارتبطوا بالشيطان، وأصبحوا بذلك مصدر شرّ على غيرهم من الإنس، حديثاً واسعاً وعظيماً.

نستكمل الحديث عن هذا الموضوع- إن شاء الله- في المحاضرة القادمة.

نَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • الأمين العام لجمعية الكشافة يتابع أعمال الكشافة في المدينة المنورة
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ21 للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 23 رمضان 1446هـ
  • تشييع جثامين عدد من شهداء الوطن والقوات المسلحة بصنعاء
  • تجاوزت ألف ضحية حتى الآن.. حوادث السير تفسد نوروز إيران هذا العام
  • وزارة الثقافة تكرم الأمين العام المساعد لشؤون الواعظات بمجمع البحوث الإسلامية
  • يوتيوبر مصري في شوارع إيران: لا يوجد شخص صائم هنا .. فيديو
  • مع مساعي ترامب لضمها.. وفد أمريكي رفيع المستوى يزور غرينلاند
  • المفتي: التشاؤم لا أساس له في الدين.. والأبراج والتنجيم كذب وخداع
  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية يشارك في حفل إفطار هيئة المحطات النووية
  • نص المحاضرة الرمضانية الـ 20 للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 22 رمضان 1446هـ