السودان: ما المقصود «بالحلقة الشريرة»؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
عطفا على مقالي السابق «استمرار دوران الحلقة الشريرة في السودانوصلتني عبر البريد الإلكتروني رسالة قصيرة بتوقيع «شباب القراءة من أجل التغيير».
تقول الرسالة: «ذكرت في مقالك أن السودان، ومنذ فجر استقلاله، يصطلي بحمم الحلقة الشريرة الحارقة والمدمرة، وأن الحرب الراهنة هي أسوأ هذه الحمم وأشدها تدميرا.
«الحلقة الشريرةتعبير راسخ في الأدب السياسي السوداني، يصف حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد منذ فجر استقلالها، ويشير إلى متوالية حكم مدني ديمقراطي ضعيف يطيح به انقلاب عسكري يقيم نظاما ديكتاتوريا تطيح به انتفاضة شعبية تقيم حكما مدنيا ديمقراطيا هشا يطيح به انقلاب عسكري آخر….، وهكذا تدور الحلقة، مخلفة غياب التنمية وتدني الخدمات ونسف استقرار البلاد وإستدامة تأزمها وإحتجازها في براثن التخلف والعجز عن بناء دولتها الوطنية الحديثة. والحلقة الشريرة تتجلى أيضا في عدة وجوه أخرى، كالنزاعات القبلية وحروب المركز والهامش، وفشل فترات الانتقال حيث شهد السودان منذ نيله الاستقلال حوالي خمس فترات انتقال، الأولى عقب خروج المستعمر، والأخريات أتت عقب الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية وبعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، وكلها اتسمت بالفشل الذريع في استكمال مهامها، سوى تلك المتعلقة بمعالجة التدهور ونتائج السياسات الخاطئة الموروثة من الحقبة السابقة للفترة الانتقالية، أو المتعلقة بتنفيذ المهام التأسيسية لدولة السودان الوطنية والتي ظلت مؤجلة منذ حقبة الاستقلال، أو المتعلقة بالحفاظ على وحدة البلاد. فقد فشلت كل القوى الاجتماعية والسياسية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على حكم السودان منذ فجر استقلاله، في غرة يناير 1956، في التصدي إلى المهام التأسيسية للدولة السودانية المستقلة، فظلت مؤجلة ومتراكمة، بل تفاقم الوضع وتعقد بالمعالجات القاصرة والخاطئة لتلك المهام علي أيدي ذات القوى، والتي لم تركز إلا على مسألة السلطة وكيفية بقائها في الحكم. عميت بصيرة هذه القوى عن واقع التعدد والتنوع الغني، الذي يميز ويذخر به السودان، من حيث الأعراق والقوميات، والأديان وكريم المعتقدات، والثقافات واللغات والحضارات، ومستويات التطور الإقتصادي والاجتماعي…، هذا الواقع الثر الذي كان له القدح المعلى في تشكيل وصياغة تلك المهام التأسيسية، والتي يمكن تلخيصها في الأسئلة الرئيسية التالية:
تدور الحلقة، مخلفة غياب التنمية وتدني الخدمات ونسف استقرار البلاد وإستدامة تأزمها وإحتجازها في براثن التخلف والعجز عن بناء دولتها الوطنية الحديثة
ماهية طبيعة وشكل نظام الحكم والنظام السياسي الملائم لهذا الواقع المميز والغني بتعدده وتنوعه، والذي يمكن أن يحقق المشاركة العادلة في السلطة بين مختلف الأعراق والإثنيات والمجموعات القومية المكونة للكيان السوداني، ويحقق ممارسة سياسية معافاة تستند على ممارسة ديمقراطية متلائمة مع واقع السودان وسماته الخاصة دون التخلي عن جوهر الديمقراطية وقيمها الثابتة والمطلقة؟
2 ـ ما هو المشروع التنموي الذي يمكن أن يحقق التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للموارد والثروة، أي يعيد النظر في خطط التنمية وتوزيع الموارد والثروة بما يزيل معاناة المعيشة عن كاهل المواطن، ويرفع الإجحاف والإهمال عن المناطق المهمشة في الأطراف، مع إعطاء الأسبقية لمناطق التوتر العرقي والقومي والاجتماعي، وذلك في إطار المشروع الاقتصادي العلمي الذي يراعي عدم تدهور مواقع إنتاج الفائض الاقتصادي، وعدم استنزاف مراكز ومصادر الخبرة العلمية؟
3 ـ كيف نعالج العلاقة بين الدين والدولة والسياسة في بلادنا؟
4 ـ كيف نعالج مسألة هوية السودان: عربية أم أفريقية، أم هي هوية سودانوية، وعلاقة ذلك بالنزاعات الاجتماعية والصراعات حول اللغة والثقافة والتعليم والإعلام…الخ؟.
ومن الواضح أن النزاعات والحروب في السودان ليست مجرد صراعات حول السلطة بين المعارضة والحكومة، وليست مجرد معارك بين الحكومة المركزية والمتمردين عليها، سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو جنوب النيل الأزرق أو شرق البلاد، كما هي ليست مجرد مؤامرات من قوى خارجية، وأصلا، لم نكن نتوهم أن تُحل وتختفي بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، أو بمجرد توقيع القوى المتصارعة على ميثاق أو معاهدة سلام. هي ليست نتاج نزاعات عابرة أو مؤقتة، وإنما نتاج أزمة مزمنة، تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، ونتاج فشلنا في التصدي إلى تلك المهام التأسيسية وإنجازها في إطار مشروع وطني مجمع عليه من كل المكونات السياسية والقومية في البلد يتعهد بقضايا التنمية وبناء دولة ما بعد الاستقلال، وفي إطار دستور دائم، مجمع عليه أيضا، يحكم هذه الدولة. وللأسف، فإن هذه المهام التأسيسية، لا زالت تنتظر التنفيذ، بل ويزداد الأمر صعوبة يوما بعد يوم في ظل التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلد، وأن عدم التصدي لها وتنفيذها يدفعنا إلى القول بأن السودان لا يزال يعيش في فترة انتقالية ممتدة منذ فجر استقلاله وحتى اليوم، وأن ما أفرزه حكم الإنقاذ لثلاثة عقود، وما ظل يفرزه الواقع المأساوي بسبب الحرب المدمرة الدائرة اليوم، من تدهور وتأزم جديد، مستمر ومتراكم، يدفع بنا إلى القول بأن السودان اليوم يتجه بعجلة تسارعية نحو حالة «دولة اللادولة». ولا شك أن المسؤولية في كل ذلك، تقع بالدرجة الأولى على عاتق النخب السياسية والعسكرية السودانية، التي فشلت في كسر الحلقة الشريرة، عندما أهملت تلك المهام التأسيسية، مهام بناء الدولة، ولم تركز إلا على مسألة بقائها في السلطة.
هذا هو جوهر الحلقة الشريرة الساكنة في أرض الوطن، والتي بدورها تشكل جوهر الأزمة الوطنية العامة الممسكة بتلابيب البلد وجوهر ما يحتدم فيها من حروب ونزاعات دامية. أما كيف نكسر هذه الحلقة الشريرة ونفكفكها، فهذا ما سنتناوله في مقالنا القادم.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تلک المهام منذ فجر
إقرأ أيضاً:
بعنوان «سر المقام».. تفاصيل الحلقة 12 من مسلسل «ساعته وتاريخه 2»
تستعد قناة dmc، لعرض حلقة جديدة من مسلسل «ساعته وتاريخه 2»، اليوم الإثنين، والتي من المقرر أن تشهد أحداث مثيرة وشيقة.
وتأتي الحلقة الثانية عشرة، بعنوان «سر المقام»، يشارك في بطولتها الفنان علي صبحي والفنان القدير باتع خليل، وبمشاركة نجوم كاستينج، موريس مودي وهاجر النحراوي ومحمد عطية، والحلقة تأليف محمود عزت وإخراج أحمد صبحي، والتي تناقش قضية قتل انتقلت بعد ذلك للدجل والشعوذة، لتسلط الحلقة الضوء على ضرورة الحذر من مدعين الدجل والشعوذة
View this post on InstagramA post shared by Dmc Entertainment (@dmcentertainment)
أبطال مسلسل ساعته وتاريخه 2ويضم الموسم الثاني من «ساعته وتاريخه»، مجموعة من النجوم البارزين مثل محمد دياب، صبري فواز، محمد الشرنوبي، أروى جودة، نسرين أمين، علي صبحي، فرح يوسف، محمود الليثي، حسن مالك، ومجموعة من مواهب برنامج "كاستنج".
كما يشارك في الإنتاج يونايتد ستوديوز، بإشراف المستشار القانوني بهاء المري، ومن إخراج أحمد عادل وعمرو موسى وأميرة دياب.
تفاصيل مسلسل ساعته وتاريخه 2الموسم الجديد من مسلسل ساعته وتاريخه يتضمن 20 قضية جديدة تقدم كل حلقة في قضية، وفي كل قضية سوف يتم التعرف على الدوافع وخلفيات الحدث والظروف النفسية التي حدثت بها الجريمة وتنتهي بالحكم الصادر ضد الجاني في كل قضية.
القصص مأخوذة من أشهر الكتب القضائية «يوميات قاض» و«حكايات قضائية»، وتُقدم لأول مرة بكل شفافية وبرؤية فنية وتحت إشراف المخرج عمرو سلامة، ورؤية قانونية المستشار بهاء المري.
وشارك في كتابة المسلسل كل من: دينا ماهر، سيف قنصوة، ريم نهاد أمين، إنجي شكري، آسر أحمد، أحمد سمير، وهدى الغراب.
اقرأ أيضاًمواعيد عرض مسلسل «ساعته وتاريخه 2» الحلقة التاسعة
مشكلة عائلية.. موعد عرض مسلسل ساعته وتاريخه 2 الحلقة الثانية
«وردية رأس السنة».. تفاصيل الحلقة الثالثة من مسلسل ساعته وتاريخه 2