التحالفات الصفرية بين الأحزاب والحركات المسلحة في السودان: جدلية الصراع والانقسام منذ استقلال السودان عام 1956، عانت البلاد من صراعات سياسية متكررة بسبب التحالفات الصفرية بين الأحزاب السياسية والحركات المسلحة والكيانات المدنية والعسكرية. هذه التحالفات، التي قامت على مبدأ الإقصاء الكامل للخصوم بدلاً من البحث عن تسويات سياسية، كانت أحد العوامل الرئيسية التي أجهضت التجارب الديمقراطية وأدت إلى دورات متكررة من الانقلابات العسكرية والنزاعات المسلحة.


في العقود الأولى بعد الاستقلال، دخلت القوى السياسية السودانية في تحالفات مؤقتة ذات طابع انتهازي، حيث كان الهدف الأساسي لكل طرف هو الوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها، وليس بناء مؤسسات سياسية مستقرة. فعلى سبيل المثال، شهدت حقبة الستينيات تحالفات هشة بين الأحزاب التقليدية (الأمة والاتحادي الديمقراطي) والقوى اليسارية، سرعان ما انهارت بسبب تضارب المصالح، مما مهد الطريق لانقلاب جعفر نميري في 1969.
كما أن اتفاقيات السلام التي أبرمت مع الحركات المسلحة في جنوب السودان منذ السبعينيات لم تكن تهدف إلى تحقيق استقرار دائم، بل كانت تكتيكات مؤقتة لكسب الوقت، مما أدى إلى تفاقم الأزمة حتى انفصال الجنوب في 2011. بالمثل، تحالفات الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق مع الحكومات المركزية كانت دائماً قائمة على المصالح الآنية، وسرعان ما كانت تنهار عند تغير ميزان القوى.
وفي المرحلة الراهنة، يتكرر نفس المشهد، حيث تتحرك الأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة وفق مصالح آنية دون رؤية وطنية جامعة، مما يجعل احتمالات إنهاء الحرب الحالية ضعيفة ما لم تتغير قواعد اللعبة السياسية. هذه الديناميكية تجعل السودان مهدداً بالانقسام بين سلطتين متنازعتين، ما لم يتم تجاوز عقلية التحالفات الصفرية لصالح شراكات سياسية أكثر نضجاً واستدامة.
______________________
أولًا: المشهد السوداني وخطر الانقسام السياسي
تواجه السودان خطرًا متزايدًا يتمثل في احتمال انقسام البلاد إلى سلطتين متنافستين، في ظل استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023. هذا السيناريو قد يؤدي إلى قيام حكومتين متوازيتين، إحداهما في بورتسودان بقيادة الجيش، والأخرى في مناطق سيطرة الدعم السريع.
إن ظهور حكومتين متصارعتين يهدد وحدة السودان ويزيد من حالة عدم الاستقرار، مما يؤدي إلى تفكك المؤسسات الوطنية وتعميق الأزمة الإنسانية، حيث تتعطل الخدمات الأساسية، ويصبح من الصعب إدارة الموارد والتعامل مع المجتمع الدولي بشكل موحد.
ثانيًا: رؤية المجتمع الدولي
المجتمع الدولي ينظر إلى احتمالية انقسام السودان بحذر شديد، حيث يخشى من أن يؤدي هذا الوضع إلى حرب أهلية طويلة الأمد، على غرار ما حدث في دول أفريقية أخرى مثل ليبيا والصومال. القوى الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، تفضل وجود حكومة موحدة وقادرة على إدارة الدولة بشكل فاعل، حتى تتمكن من تنفيذ اتفاقيات السلام والاستقرار.
غير أن بعض الأطراف الإقليمية قد تدعم إحدى الحكومتين، مما يطيل أمد الصراع، كما حدث في ليبيا، حيث دعمت دولٌ مختلفة الحكومتين المتنافستين، مما أدى إلى استمرار الفوضى لسنوات.
ثالثًا: التجارب الأفريقية المشابهة
• ليبيا: بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، انقسمت ليبيا إلى حكومتين متنافستين، واحدة في الشرق بقيادة خليفة حفتر، وأخرى في الغرب بقيادة حكومة طرابلس. هذا الانقسام أدى إلى حروب متتالية، تدخلات خارجية، وفوضى أمنية ما زالت مستمرة حتى اليوم.
• الصومال: منذ سقوط الحكومة المركزية في 1991، تحولت البلاد إلى مناطق نفوذ متعددة بين أمراء الحرب والجماعات المسلحة، مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة، وانتشار الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب.
• ساحل العاج: شهدت انقسامًا مشابهًا في 2010 بعد انتخابات متنازع عليها، حيث رفض الرئيس المنتهية ولايته، لوران غباغبو، تسليم السلطة إلى الفائز المعترف به دوليًا، الحسن واتارا، مما أدى إلى نزاع مسلح أسفر عن آلاف القتلى، قبل أن يتم فرض حل دولي.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة للسودان
• السيناريو الأسوأ: استمرار النزاع المسلح بين الطرفين، وتطور الأمر إلى انقسام فعلي بين حكومتين، مما يؤدي إلى عزلة دولية وفوضى داخلية، ويفتح المجال أمام التدخلات الخارجية، وربما يؤدي إلى تقسيم السودان على أسس عرقية أو جغرافية.
• السيناريو الأفضل: نجاح الوساطات الدولية والإقليمية في فرض حل سياسي يفضي إلى توحيد السلطة الانتقالية، وإطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى استقرار البلاد.
قيام حكومتين متنافستين في السودان سيكون كارثيًا على البلاد، كما أظهرت التجارب الأفريقية السابقة. المجتمع الدولي يسعى لتجنب هذا السيناريو عبر دعم الحلول السياسية، لكن ذلك يعتمد بشكل كبير على إرادة الأطراف السودانية في تقديم تنازلات لإنهاء الحرب، وتجنب الدخول في نفق الفوضى والتقسيم.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المجتمع الدولی مما أدى إلى یؤدی إلى انقسام ا

إقرأ أيضاً:

فضل صلاة قيام الليل للمسلم.. فيها شرف المؤمن

عن صلاة قيام الليل، قال سيدنا النبي الكريم في الحديث الشريف (واعلم أن قيام الليل شرف المؤمن) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ».

فضل دعاء قيام الليل .. 3 نفحات من الله احذر أن تفوتكماذا تقرأ في صلاة قيام الليل بعد الفاتحة؟.. 5 سور لاغتنام فضلها العظيم

وصلاة قيام الليل، تُصَلَّى مثنى مثنى، وذلك لرواية "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ».

صلاة قيام الليل

قال الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن سيدنا النبي الكريم، قال في الحديث الشريف عن صلاة قيام الليل (واعلم أن قيام الليل شرف المؤمن).

وأضاف أمين الفتوى، في البث المباشر لصفحة دار الإفتاء، على فيس بوك، أن معنى قيام الليل شرف الليل، أي أن قيام الليل كسلاح الجندي في المعركة، فهو السلاح للمسلم المؤمن الكامل الذي يتقي الله ويريد أن يكون في معية رسول الله.

وأشار إلى أن قيام الليل، يحصل ولو بركعة واحدة، بعد صلاة العشاء، ولذلك نرى كثير من المسلمين في المساجد، يقومون لصلاة ركعتي سنة بعد العشاء، وبهذا يحصلون على قيام الليل وأدركوا أجره.

وتابع: من أراد أن يزيد من الصلاة في بيته بعد هذه الصلاة في المسجد؛ فليفعل، فالوقت مفتوح من بعد صلاة العشاء وحتى صلاة الفجر.

أفضل وقت لقيام الليل

كشف أمين الفتوى، عن أفضل وقت لقيام الليل، منوها أنه يكون في الثلث الأخير من الليل، من استطاع إدراك صلاة قيام الليل في هذا الوقت فليفعل، ومن لم يستطع فليأت بركعتين بعد صلاة العشاء لظروف عمله، فليفعل؟

كما قال الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن وقت قيام الليل يبدأ من بعد صلاة العشاء مباشرة.

وأضاف عثمان، في فيديو له، أن وقت قيام الليل يمتد إلى وقت أذان الفجر، منوها بأن عدد ركعات قيام الليل قال عنها النبي "صلاة قيام الليل مثنى مثنى" فلا عدد لصلاة قيام الليل، وحينما ينتهي كما يشاء من أعداد الركعات عليه أن يوتر بركعة أو 3 أو 5.

وأشار إلى أن بعض الناس يظنون أن قيام الليل يكون بالصلاة فقط، وإنما يصح أن يكون بالدعاء والذكر وتلاوة القرآن والصلاة على رسول الله.

مقالات مشابهة

  • لافروف: روسيا تخطط لفتح سفارات في 7 دول أفريقية خلال العامين المقبلين
  • السودان.. التحرك نحو تشكيل سلطة موازية
  • خبير علاقات دولية: زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا تعزز رؤية مصر الثابتة في دعم حقوق الفلسطينيين
  • قوات حفظ السلام الأممية تعلن عن اشتباكات دموية في جنوب السودان
  • عضو بـ«النواب»: مصر تقف سدا منيعا أمام تصفية القضية الفلسطينية
  • أبرز عناوين الأخبار السياسية السودانية الصادرة اليوم الثلاثاء
  • أمام البرهان ومناوي .. مصطفى تمبور يؤدي القسم والياً لولاية وسط دارفور
  • بابتكارات وتجارب غير مسبوقة للعملاء.. شركة العبيكان للحلول الرقمية تتألق في “ليب 25”
  • فضل صلاة قيام الليل للمسلم.. فيها شرف المؤمن