في شهرها الـ ٢٣ وقف الحرب وحماية السيادة الوطنية
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
بقلم : تاج السر عثمان
١
تدخل الحرب اللعينة شهرها الـ ٢٣ وهي تحمل المزيد من المخاطر على وحدة البلاد كما في طرح الحكومة الموازية وانقسام تحالف تحالف "تقدم" حولها، وخروج تحالف جديد "صمود" منها، مع فشل الحلول الخارجية، فقد أدت الحرب إلى مآسي إنسانية وارتكبت فيها مجازر وانتهاكات وتطهير عرقي وإبادة جماعية واغتصاب وعنف جنسي، وكانت الحصيلة :
نزوح أكثر من١٢ مليون داخل وخارج مع ظروف إنسانية بالغة السوء يعيشها النازحون جراء فقدان مقومات الحياة من غذاء وكهرباء وماء شرب نقي وانترنت وخدمات صحية وتعليم.
أشارت منظمات الأمم المتحدة إلى ٢٥ مليون سوداني يعيشون في حالة انعدام الأمن الغذائي. وتضرر ٢٤ مليون طفل من الصراعات اجتياح الدعم السريع لمناطق إنتاج الحبوب في ولايات الجزيرة وسنار وشمال كردفان دارفور.. الخ، ونزوح المزارعين، مما يهدد بمجاعة.
مقتل أكثر من ٣٠ ألف شخص، واصابة أكثر من ٧٠ ألف شخص، فضلا عن فقدان الآلاف.
انهار النظام الصحي جراء خروج ٨٠ ٪من المستشفيات من الخدمة والهجوم على الكادر الطبي. كما يحتاج ١٥ مليون مواطن للخدمات الصحية.
حرمان ١٩ مليون طفل من التعليم بعد تعطيل المدارس لحوالي عامين، إضافة لتدمير وتخريب مؤسسات التعليم العام والعالي، وجعل ما تبقى منها ثكنات عسكرية.
تم تدمير البنيات التحتية ومرافق الدولة الحيوية والمصانع والأسواق والبنوك، وتقدر الخسائر بأكثر من ١٢٠ مليار دولار.
حملة الاعتقالات والتعذيب الوحشي حتى الموت للمعتقلين في سجون طرفي الحرب، إضافة لمحاولات ( الفلول) لإعادة قانون الأمن الذي يبيح الاعتقال والاحتجاز التعسفي، وما تم من انتهاكات وذبح في الجزيرة بعد احتلال الدعم السريع وانسحابه، والتراجع عن انجاز الثورة في ان جهاز الامن لجمع المعلومات.
نهب ممتلكات ومنازل وعربات المواطنين من طرفي الحرب. مما اكد انها حرب ضد المواطن وتصفية الثورة
٢
تزايد دور المحاور الاقليمية والدولية في تسليح طرفي الحرب كما في الإمارات وايران وتركيا وروسيا والصين الخ، بهدف نهب اراضي وثروات البلاد، في ظل اشتداد حدة الصراع الدولي لنهب موارد السودان وافريقيا، وخطورة اشتداد الصراع بعد الاتفاق على القاعدة البحرية الروسية على الأراضي السودانية، مما يضع البلاد في مرمى الصراع الدولي على الموارد في أفريقيا. مما يهدد بتقسيم وتمزيق وحدة البلاد بعد فصل الجنوب بتغذية وتوسيع الصراعات القبلية والعرقية، وخطر امتداد الحرب للبلدان المجاورة، اضافة للتفريط في السيادة الوطنية.
التدخل الخارجي كما اشرنا سابقا، يهدف لنهب ثروات البلاد وأراضيها ، والتفريط في السيادة الوطنية كما في الاتفاق حول القاعدة البحرية الروسية، وقبلها محاولة صفقة ميناء( ابوعمامة) ومشروع "الهواد" الزراعي لصالح الإمارات في ظل حكومة انقلابية غير شرعية ، وغياب مؤسسات الشرق ومؤسسات البلاد التشريعية المنتخبة ، مما ينتهك السيادة الوطنية ، ويقضي على ميناء بورتسودان وبقية الموانئ السودانية علي البحر الأحمر ،وهذا المخطط وجد مقاومة جماهيرية كبيرة من الشعب السوداني وجماهير شرق السودان ، كما تم اسقاط مخطط البشير لتأجير الميناء الجنوبي بعد ثورة ديسمبر.
هذا اضافة لأهداف الاستثمارات الزراعية الواسعة في أراضي السودان الواسعة الضارة بمصلحة شعب السودان، ولمصلحة الاستثمارات الخارجية وتصدير العائد للخارج ، كما في مشاريع السعودية والامارات في السودان ، ونهب عائدات الذهب وبقية المعادن والمحاصيل النقدية وتهريبها للخارج ، بعد تهجير السكان الأصليين بالابادة الجماعية كما حدث في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان ، والمخطط الجاري في الحرب الراهنة لنهب أراضي مشروع الجزيرة بعد التهجير والابادة الجماعية لسكان القرى بعد الحرب اللعينة .
٣
كل هذه المخططات تتم في ظل حكومة انقلابية غير شرعية ،فرطت في سيادة البلاد لمصلحة المحاور الاقليمية والدولية. مما يفسر السعي لايجاد تسوية بدعم إقليمي ودولي تكرس هيمنة العسكر والدعم السريع في السلطة وعدم قيام حكم ديمقراطي حقيقي ومجلس تشريعي منتخب، بهدف الاستمرار في نهب ثروات وأراضي البلاد وتهريب عائدات الذهب و المحاصيل النقدية والماشية للخارج، وتكريس احتلال الأراضي السودانية في الفشقة وحلايب وشلاتين، الخ.
مما يتطلب حماية السيادة الوطنية ووقف نهب ثروات البلاد، وتوسيع الحراك الجماهيري القاعدي الجاري لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة في داخل وخارج البلاد، لوقف الحرب ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحكم المدني الديمقراطي.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السیادة الوطنیة فی الحرب کما فی
إقرأ أيضاً:
السودان: ما المقصود «بالحلقة الشريرة»؟
د. الشفيع خضر سعيد
عطفا على مقالي السابق «استمرار دوران الحلقة الشريرة في السودانوصلتني عبر البريد الإلكتروني رسالة قصيرة بتوقيع «شباب القراءة من أجل التغيير».
تقول الرسالة: «ذكرت في مقالك أن السودان، ومنذ فجر استقلاله، يصطلي بحمم الحلقة الشريرة الحارقة والمدمرة، وأن الحرب الراهنة هي أسوأ هذه الحمم وأشدها تدميرا. وما لم يتم تفكيك وكسر هذه الحلقة، فإن أزمات ونزاعات السودان لن تتوقف، وحتى إن توقفت الحرب الدائرة اليوم، فلن تكون الأخيرة وستتجدد مرة أخرى. فماذا تعني بالحلقة الشريرة، وكيف يتم فكفكتها وكسرها؟». سأخصص مقال اليوم والمقال القادم، للإجابة على هذا السؤال، وباختصار، فقد ناقشته بتوسع في عدة كتابات سابقة يمكن الاطلاع عليها في الشبكة العنكبوتية.
«الحلقة الشريرةتعبير راسخ في الأدب السياسي السوداني، يصف حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد منذ فجر استقلالها، ويشير إلى متوالية حكم مدني ديمقراطي ضعيف يطيح به انقلاب عسكري يقيم نظاما ديكتاتوريا تطيح به انتفاضة شعبية تقيم حكما مدنيا ديمقراطيا هشا يطيح به انقلاب عسكري آخر….، وهكذا تدور الحلقة، مخلفة غياب التنمية وتدني الخدمات ونسف استقرار البلاد وإستدامة تأزمها وإحتجازها في براثن التخلف والعجز عن بناء دولتها الوطنية الحديثة. والحلقة الشريرة تتجلى أيضا في عدة وجوه أخرى، كالنزاعات القبلية وحروب المركز والهامش، وفشل فترات الانتقال حيث شهد السودان منذ نيله الاستقلال حوالي خمس فترات انتقال، الأولى عقب خروج المستعمر، والأخريات أتت عقب الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية وبعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل، وكلها اتسمت بالفشل الذريع في استكمال مهامها، سوى تلك المتعلقة بمعالجة التدهور ونتائج السياسات الخاطئة الموروثة من الحقبة السابقة للفترة الانتقالية، أو المتعلقة بتنفيذ المهام التأسيسية لدولة السودان الوطنية والتي ظلت مؤجلة منذ حقبة الاستقلال، أو المتعلقة بالحفاظ على وحدة البلاد. فقد فشلت كل القوى الاجتماعية والسياسية التي شكلت الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت على حكم السودان منذ فجر استقلاله، في غرة يناير 1956، في التصدي إلى المهام التأسيسية للدولة السودانية المستقلة، فظلت مؤجلة ومتراكمة، بل تفاقم الوضع وتعقد بالمعالجات القاصرة والخاطئة لتلك المهام علي أيدي ذات القوى، والتي لم تركز إلا على مسألة السلطة وكيفية بقائها في الحكم. عميت بصيرة هذه القوى عن واقع التعدد والتنوع الغني، الذي يميز ويذخر به السودان، من حيث الأعراق والقوميات، والأديان وكريم المعتقدات، والثقافات واللغات والحضارات، ومستويات التطور الإقتصادي والاجتماعي…، هذا الواقع الثر الذي كان له القدح المعلى في تشكيل وصياغة تلك المهام التأسيسية، والتي يمكن تلخيصها في الأسئلة الرئيسية التالية:
تدور الحلقة، مخلفة غياب التنمية وتدني الخدمات ونسف استقرار البلاد وإستدامة تأزمها وإحتجازها في براثن التخلف والعجز عن بناء دولتها الوطنية الحديثة
ماهية طبيعة وشكل نظام الحكم والنظام السياسي الملائم لهذا الواقع المميز والغني بتعدده وتنوعه، والذي يمكن أن يحقق المشاركة العادلة في السلطة بين مختلف الأعراق والإثنيات والمجموعات القومية المكونة للكيان السوداني، ويحقق ممارسة سياسية معافاة تستند على ممارسة ديمقراطية متلائمة مع واقع السودان وسماته الخاصة دون التخلي عن جوهر الديمقراطية وقيمها الثابتة والمطلقة؟
2 ـ ما هو المشروع التنموي الذي يمكن أن يحقق التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للموارد والثروة، أي يعيد النظر في خطط التنمية وتوزيع الموارد والثروة بما يزيل معاناة المعيشة عن كاهل المواطن، ويرفع الإجحاف والإهمال عن المناطق المهمشة في الأطراف، مع إعطاء الأسبقية لمناطق التوتر العرقي والقومي والاجتماعي، وذلك في إطار المشروع الاقتصادي العلمي الذي يراعي عدم تدهور مواقع إنتاج الفائض الاقتصادي، وعدم استنزاف مراكز ومصادر الخبرة العلمية؟
3 ـ كيف نعالج العلاقة بين الدين والدولة والسياسة في بلادنا؟
4 ـ كيف نعالج مسألة هوية السودان: عربية أم أفريقية، أم هي هوية سودانوية، وعلاقة ذلك بالنزاعات الاجتماعية والصراعات حول اللغة والثقافة والتعليم والإعلام…الخ؟.
ومن الواضح أن النزاعات والحروب في السودان ليست مجرد صراعات حول السلطة بين المعارضة والحكومة، وليست مجرد معارك بين الحكومة المركزية والمتمردين عليها، سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو جنوب النيل الأزرق أو شرق البلاد، كما هي ليست مجرد مؤامرات من قوى خارجية، وأصلا، لم نكن نتوهم أن تُحل وتختفي بمجرد وقف القتال بين المتحاربين، أو بمجرد توقيع القوى المتصارعة على ميثاق أو معاهدة سلام. هي ليست نتاج نزاعات عابرة أو مؤقتة، وإنما نتاج أزمة مزمنة، تمتد جذورها إلى فجر الاستقلال، ونتاج فشلنا في التصدي إلى تلك المهام التأسيسية وإنجازها في إطار مشروع وطني مجمع عليه من كل المكونات السياسية والقومية في البلد يتعهد بقضايا التنمية وبناء دولة ما بعد الاستقلال، وفي إطار دستور دائم، مجمع عليه أيضا، يحكم هذه الدولة. وللأسف، فإن هذه المهام التأسيسية، لا زالت تنتظر التنفيذ، بل ويزداد الأمر صعوبة يوما بعد يوم في ظل التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلد، وأن عدم التصدي لها وتنفيذها يدفعنا إلى القول بأن السودان لا يزال يعيش في فترة انتقالية ممتدة منذ فجر استقلاله وحتى اليوم، وأن ما أفرزه حكم الإنقاذ لثلاثة عقود، وما ظل يفرزه الواقع المأساوي بسبب الحرب المدمرة الدائرة اليوم، من تدهور وتأزم جديد، مستمر ومتراكم، يدفع بنا إلى القول بأن السودان اليوم يتجه بعجلة تسارعية نحو حالة «دولة اللادولة». ولا شك أن المسؤولية في كل ذلك، تقع بالدرجة الأولى على عاتق النخب السياسية والعسكرية السودانية، التي فشلت في كسر الحلقة الشريرة، عندما أهملت تلك المهام التأسيسية، مهام بناء الدولة، ولم تركز إلا على مسألة بقائها في السلطة.
هذا هو جوهر الحلقة الشريرة الساكنة في أرض الوطن، والتي بدورها تشكل جوهر الأزمة الوطنية العامة الممسكة بتلابيب البلد وجوهر ما يحتدم فيها من حروب ونزاعات دامية. أما كيف نكسر هذه الحلقة الشريرة ونفكفكها، فهذا ما سنتناوله في مقالنا القادم.
نقلا عن القدس العربي