كيف أضاع حمدوك الفرصة الأخيرة؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
ما كان لرئيس وزراء الفترة الانتقالية المستقيل، أن يقبل بإعادة تدويره مباشرة بعد اندلاع الحرب، فهو يختلف عن سلك وعرمان والتعايشي ونصر الدين، اختلافه يأتي من كونه كفاءة غير حزبية وخبير أممي، صاحب سجل حافل بالإسهامات الواضعة للسياسات الاقتصادية والتنموية، لبعض بلدان شرق ووسط افريقيا الخارجة لتوها من الحروب وسطوة الحكومات الدكتاتورية، ورغم تقديمه لاستقالته في وقت كان الناس في أمس الحاجة إليه، إلّا أن البعض وجد له العذر، ولو أنه مكث في منفاه لحين انقشاع عجاجة الحرب، لجئ به رئيساً للسيادة، اعتماداً على سجله النظيف، لكن الذين تحلقوا حوله لعبوا به لعبة السياسة، فاستغلوا انعكاس صورته اللامعة، في تقديم انفسهم عبر تحالف سياسي عريض اثناء الحرب، أسموه "تقدم"، لم يصمد التحالف أمام الرياح العاتية للأزمات الوطنية البائنة منذ سنين، فانفتق الرتق، وذهب كل حزب بما لديهم فرحين، فوضع في موضع لا يحسد عليه، فلم يكن عظيم القوم الموحّد لكلمتهم، تلك العظمة التي سوف تتنازعها الحكومتان المزمع تكوينهما، فحمدوك الكاريزما الماضية لن يكون بأي حال من الأحوال، هو نفس حمدوك الخارج من زلزال الانشقاق، فالتاريخ لا يمنح الرجل فرصتين، وربما هو أول حالة تاريخية تحظى بهاتين السانحتين، وذلك لما يكتنف شعبه العاطفة غير المرشدة، التي تحب وتكره بإطلاق، فلا خيار للدكتور حمدوك غير الانزواء، لو أراد أن يحفظ ما تبقى من ماء الوجه، لأن الحج إلى بورتسودان – وكر الإخوان – لن يؤديه الشرفاء المخلصون لأوطانهم، والذهاب مع المنشقين لن يزيد الشخص إلّا نقصاً في الوزن الوطني، وانخفاضاً في الأسهم الشعبية.
الحرب لا يوقفها الموظفون المترفون، لكنهم يقودون الطفرة التنموية بعد ذهاب السلاح واختفاء المظاهر الحربية، والحرب لا تقبل القسمة على ثلاثة، بمعنى أن ليس فيها طرف ثالث محايد من أطراف الفعل الثوري، وما كان لرئيس حكومة الانتقال المنقلب عليها من قبل جنرالات الاخوان، أن يكون رئيساً لفعالية سياسية أثناء الحرب، وما دام أنه قد فعل ذلك، فكان عليه الانخراط في المعمعة، واعتلاء ظهر أحد الفرسين، لأن المثالية والطوباوية لا سبيل يجمعها بالبيئات الملوّثة برائحة الدم والدخان والرصاص، والعقلاء لا يخرجون للشارع عندما يختلط الحابل بالنابل، إلّا بعد أن يصفو كدر الجو العالقة به أغبرة أقدام المتخاصمين، فمثل الدكتور حمدوك غاب عنه الرشد السياسي المتجاوز لمسلك الساسة المراهقين، الذين تسللوا من تحت غربال ديسمبر، فولجوا الساحة من دون اجتياز اختبار الكفاءة، فوجد الخبير الأممي نفسه عالقاً بين براثن أيمن فريد وأنياب ياسر عرمان، وكليهما غارقين مدمنين لصعلكة السياسة السودانية (سياسة أركان النقاش)، وصنفهما هذا لا يصلح لقيادة منظومات الانتقال، هما وأمثالهما قد أفسدا على الخبير الأممي بيئة العمل المهني التي اعتاد عليها، فسمماها وأوصلاه لانسداد الأفق، فليس كل من ربط العنق يمكن أن يكون عرّاباً أو منظراً يعتد برؤيته، وأزمات الوطن لا يعيها كادر الحزب الذي أسسه الصفويون يميناً ويساراً، فالحرب الدائرة اليوم نسفت الأرضية الفكرية المرتكزة عليها الطبقة السياسية، المسيطرة على الميدان السياسي منذ إنزال العلمين، وأيما شخصية يختارها الناس لخوض غمار الحرب الناعمة (السياسية)، من الضرورة بمكان أن تتحلى بعدم الانحياز الطبقي.
لقد أضاع الدكتور حمدوك الفرصة الأخيرة، وفشل في أن يكون قائداً للتحول المدني الموحّد للقوى الديمقراطية المدنية، وانعطف نحو المركز (خالد وياسر وبكري) ، وأشاح بوجهه عن الهامش (حجر وصندل وتعايشي)، فوقع في فخ الانحياز، وآثر الاكتفاء بصفوة المركز المتسامحين مع الاخوان المسلمين، على ثورة الهامش المستهدفة هدم تمثال دولة السادس والخمسين بيمينها ويسارها، والعازمة على البناء التأسيسي الجديد الكافر بالآلهة القديمة، والرافض للطواف حول الكعبة المركزية، المؤيدة لإراقة دماء الهامش، فحرب أبريل كشفت عن التلف الذي أصاب الأساس، الذي صبت عليه خرسانة دولة السادس بعد الخمسين، وانهيار البنيان دليل على ضعف القاعدة، وإعادة البناء لا يتبناها المهندس غير المقر بتلف الأساس، لذا من الضروري أن يقوم بالمهمة الخبير الذي يرى العطب الكامن في أعماق التربة الوطنية، وهذا الخبير ليس هو رئيس الوزراء الانتقالي السابق، الذي غلبت عليه النزعة المركزية، والبلاد فطرتها فدرالية ممتدة من بورتسودان لأم دافوق، وما أصابها من ترهل كان وما يزال هو (الاختزال) – الرؤية المختزلة حول ممارسة السلطة وتوزيع الثروة، فالمركزيون يريدون ثروة الهامش دون أن يمنحوه السلطة، تماماً مثلما تفعل مصر بالسودان، فالجارة الشمالية تريد السودان أرضاً بلا عقول، كما يريد الرهط الملتف حول "صمود"، الذين هم مجموعة من النساء والرجال "الصامدين" أمام أي فعل حقيقي يؤدي إلى نزع الجذر الفاسد، يقاتلون في سبيل ذلك حتى لو أودى بهم المصير لأن يحجوا شواطئ بورتسودان، حيث آخر بذرة من بذور الشجرة القديمة، التي اجتاحها طوفان الحق.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
بدأ الخبراء العودة إلى المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا، أملاً في وضع الأساس لترميمها وإنعاش السياحة، التي يقولون إنها يمكن أن توفر دفعة يحتاجها اقتصاد البلاد بشدة، بعد سنوات حرب دامت نحو 14 عاماً.
ومازالت معالم أثرية، كانت مزدهرة في السابق، مثل مدينة تدمر القديمة وقلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، تعاني من آثار الصراع الذي استمر لأعوام، ولكن السائحين المحليين يعودون إلى هذه المواقع، ويأمل النشطاء الذين يدعون للحفاظ على البيئة في أن تجذب في النهاية الأهمية التاريخية والثقافية لهذه المعالم الزوار الدوليين مجدداً.
Experts are returning to #Syria’s war-ravaged heritage sites, hoping to lay the groundwork for restoring them and reviving tourism.
They say the sites could provide a much-needed boost to the country’s decimated economy after nearly 14 years of war
???? @andyhilliar pic.twitter.com/djxyMGYBOv
وكانت مدينة تدمر، إحدى المواقع الـ 6 المدرجة في قائمة التراث العالمي لليونسكو في سوريا، في السابق مركزاً رئيسياً لشبكة طريق الحرير القديم التي كانت تربط الامبراطوريتين الرومانية والبارثية في آسيا. وتشتهر المدينة، التي تقع في الصحراء السورية، بالآثار التي تعود للعهد الروماني منذ 2000 عام. وتعرف الآن بأعمدتها المحطمة ومعابدها المهدمة.
وقبل الانتفاضة السورية التي بدأت عام 2011، وسرعان ما تصاعدت لتصبح حرباً أهلية دموية، كانت تدمر المقصد السياحي الرئيسي في سوريا، حيث كانت تجتذب نحو 150 ألف زائر شهرياً، حسبما قال أيمن نابو، الباحث والخبير في الآثار لوكالة أسوشيتد برس.
وكانت المدينة القديمة عاصمة لإمارة عربية مرتبطة بالإمبراطورية الرومانية، تمردت لفترة وجيزة وأسست مملكتها الخاصة في القرن الثالث بقيادة الملكة زنوبيا. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المنطقة توحي بانطباعات أكثر قتامة. فقد كانت مقر سجن تدمر، حيث يتردد أن الآلاف من معارضي حكم أسرة الأسد تم تعذيبهم. وقد قام تنظيم داعش الإرهابي بهدم السجن بعد الاستيلاء على المدينة.
وبعد ذلك، قام مسلحو تنظيم داعش الإرهابي بهدم معبدي بيل وبعل شمين، التاريخيين في مدينة تدمر، بالإضافة إلى قوس النصر، حيث اعتبروها آثاراً توحي بعبادة الأصنام، كما قاموا بقطع رأس محاضر كرس حياته لدراسة الآثار.
وما بين 2015 و2017، تحولت السيطرة على تدمر ما بين تنظيم داعش والجيش السوري، قبل أن تستعيد قوات الرئيس السابق بشار الأسد، مدعومة من ميلشيات تابعة لروسيا وإيران، السيطرة على المدينة.
وزار الباحث نابو، مدينة تدمر بعد 5 أيام من سقوط الحكومة السابقة. وقال: "رأينا معدات تنقيب مكثفة داخل المقابر"، مشيراً إلى الدمار الواسع الذي خلفه تنظيم داعش وقوات حكومة الأسد. وأضاف" متحف تدمر كان في وضع مؤسف، حيث هناك وثائق وأعمال فنية مفقودة- لا نعلم ما حدث لها".
Syria’s heritage sites, including Palmyra, need restoring say experts https://t.co/c9z50iprM9
— euronews (@euronews) February 17, 2025وفي مسرح تترابيلون ومواقع أثرية أخرى على طول الشارع الرئيسي ذو الأعمدة، قال نابو إنه تم توثيق الكثير من عمليات التنقيب غير القانونية، مما كشف عن وجود منحوتات بالإضافة إلى أعمال سرقة وتهريب منحوتات جنائزية أو متعلقة بالمقابر خلال عام 2015، عندما سيطر تنظيم داعش على الموقع.
وأضاف أنه "على الرغم من أنه تم استعادة 7 من المنحوتات المسروقة، ووضعها في متحف في إدلب، تم سرقة 22 أخرى. ومن المرجح أن يكون الأمر انتهي بالكثير من القطع في أسواق تحت الأرض أو تم إدراجها في مجموعات خاصة".
وأوضح نابو" سوريا لديها كنز من الآثار"، مؤكداً على الحاجة لجهود الحفاظ على الآثار. وأوضح أن الإدارة المؤقتة في سوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، قررت الانتظار لحين انتهاء المرحلة الانتقالية لتطوير خطة استراتيجية لترميم المواقع الأثرية.
بدوره، قال ماثيو لامارا من منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعةللأمم المتحدة (اليونسكو)، إن المنظمة دعمت منذ عام 2015 عن بعد حماية التراث الثقافي السوري، من خلال تحليل صور الأقمار الاصطناعية والتقارير والتوثيق، وتوصيات الخبراء المحليين، ولكنها لم تقم بأي عمل على الأرض".
وبخلاف تدمر، مازالت مواقع تاريخية أخرى تعاني من آثار الحرب. وتعرضت قلعة الحصن التي تعود للقرون الوسطى، والواقعة على تل بالقرب من بلدة الحصن، وقام ببنائها الرومان، ولاحقاً قرر الصليبيون توسيعها، للقصف الشديد خلال الحرب الأهلية السورية.
ومؤخراً، ظهر مقاتلون مسلحون يرتدون الزي العسكري وهو يجوبون القلعة بجانب سائحين محليين، ويلتقطون الصور الذاتية "السيلفي" بين الآثار.
وأشار حازم حنا المهندس ورئيس قسم الآثار بقلعة الحصن، إلى الأعمدة المنهارة وسلالم المدخل التي دمرتها الهجمات الجوية. وأضاف أن الضرر الناجم عن الهجمات الجوية الحكومية خلال عام 2014، أسفر عن تدمير معظم الباحة المركزية و الأعمدة المزينة بالأرابيسك".
وقال "اعتماداً على الخلفية الثقافية للمواقع التاريخية لسوريا، وأهميتها الأثرية والتاريخية لعشاقها في أنحاء العالم، أتمنى وأتوقع أنه حين تحين الفرص للسائحين لزيارة سوريا، أن نشهد انتعاشاً سياحياً كبيراً".
وأوضح حنا أنه "تم تجديد بعض الأقسام في قلعة الحصن بعد الهجمات الجوية والزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، الذي ضرب منطقة كبيرة من تركيا وسوريا خلال عام 2023. مع ذلك، مازال قطاع كبير من القلعة يعاني من الدمار".
ويعتقد كل من نابو وحنا أن أعمال الترميم سوف تستغرق وقتاً. وقال نابو " نحن في حاجة لفرق فنية لتقييم الوضع الحالي للمواقع الأثرية".